الرئاسة التشيكية بين مرشحين أحدهما موالٍ لروسيا والآخر لأوروبا

الرئيس الحالي زيمان والأكاديمي دراهوس يتنافسان في الجولة الثانية بعد أسبوعين

الرئيس الحالي ميلوس زيمان الموالي لموسكو وبكين فاز بأغلبية الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التشيكية أمس السبت (أ.ف.ب)
الرئيس الحالي ميلوس زيمان الموالي لموسكو وبكين فاز بأغلبية الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التشيكية أمس السبت (أ.ف.ب)
TT

الرئاسة التشيكية بين مرشحين أحدهما موالٍ لروسيا والآخر لأوروبا

الرئيس الحالي ميلوس زيمان الموالي لموسكو وبكين فاز بأغلبية الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التشيكية أمس السبت (أ.ف.ب)
الرئيس الحالي ميلوس زيمان الموالي لموسكو وبكين فاز بأغلبية الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التشيكية أمس السبت (أ.ف.ب)

أظهرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التشيكية أمس (السبت) فوز الرئيس الحالي ميلوس زيمان بأغلبية الأصوات، لكن هذه الأغلبية لا تكفي لتجنب مواجهة صاحب المركز الثاني يري دراهوس في الجولة الثانية خلال أسبوعين. وحصل زيمان على 8.‏40 في المائة من الأصوات، وحصل منافسه على 6.‏25 في المائة.
ويتوجه التشيكيون مجدداً إلى صناديق الاقتراع في 26 و27 يناير (كانون الثاني) الحالي للاختيار بين زيمان الموالي لروسيا، والذي تقدم نتائج الدورة الأولى أمس ومنافسه المؤيد لأوروبا يري دراهوس. الفارق كبير بين المرشحين، زيمان (73 عاماً) المعروف أيضاً بآرائه المؤيدة للصين والمناهضة للمسلمين، بحسب النتائج الرسمية إثر فرز 99.89 في المائة من بطاقات الاقتراع، أما دراهوس (68 عاماً)، فهو الرئيس السابق لأكاديمية العلوم. لكن هذا لا يبدد واقع أن البلاد تتجه نحو «مواجهة حامية» بحسب ما قال المحلل المستقل يري بيهي رداً على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية. وأظهر استطلاع للرأي، أن دراهوس الذي يواجه انتقادات بسبب عدم خبرته السياسية، يمكن أن يفوز في الدورة الثانية من الانتخابات، مستفيداً من أصوات المرشحين الآخرين.
وأضاف المحلل: «سيواجه ميلوش زيمان مشكلة كبرى. من الواضح أن المرشحين الآخرين الذين حلوا خلف متقدمي السباق أي بافل فيشر وماريك هيلسر وميشال هوراسيك سيصوتون لصالح يري دراهوس في الدورة الثانية». وعبر دراهوس عن سروره بنتيجة الدورة الأولى قائلاً إنه يراهن على «أصوات الذين لم يقترعوا لصالح ميلوش زيمان» في هذه الدورة. وقال إن أحد أبرز عناوين حملته الانتخابية سيكون «ترسيخ مكانة الجمهورية التشيكية في المنظومتين الأوروبية والأطلسية»، وهو تذكير غير مباشر بتقارب منافسه المشكك بأوروبا مع روسيا والصين. وتحدث دراهوس أيضاً «عن بعض التعب» لدى ميلوش زيمان في إشارة إلى المشكلات الصحية للرئيس المنتهية ولايته.
وخلال الأسبوعين الفاصلين عن الدورة الثانية، قال إنه يرغب في مواجهة زيمان «وجهاً لوجه خلال مناظرة»، في إشارة أخرى إلى نقطة ضعف لدى الرئيس المنتهية ولايته الذي رفض مثل هذا النوع من المناظرات قبل الدورة الأولى. لكن زيمان رد عليه بالقول: «لم أشعر بالخوف أبداً من المشاركة في مناظرة، لا أزال شاباً ومليئاً بالحيوية، وأي مناظرة ستكون موضع سرور. لقد سمعت للتو دراهوس على التلفزيون، وأرغب في تلبية طلبه بسرور». ثم دعا أنصاره إلى التوجه للتصويت في الدورة الثانية، طالباً منهم أن يصطحبوا معهم «أيضاً أصدقاءهم وعشاقهم وعشيقاتهم». وتابع زيمان: «في الانتخابات الرئاسية السابقة، حصلت على 24 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى و54 في المائة في الدورة الثانية، وهذه السنة نلت 40 في المائة من الدورة الأولى. أهنئ يري دراهوس بالمرتبة الثانية».
ويستفيد زيمان خصوصاً من دعم الأوساط الريفية والعمال اليدويين، في حين يعتبر دراهوس المرشح المفضل لأوساط المثقفين في المدن الكبرى. وحل السفير التشيكي السابق في فرنسا بافل فيشر في المرتبة الثالثة بحصوله على 10.19 في المائة من الأصوات، تلاه رجل الأعمال ومؤلف الأغاني الناجح ميشال هوراسيك بحصوله على 9.14 في المائة والطبيب ماريك هيلسر 8.82 في المائة.
وبحسب تقديرات وكالة الأنباء التشيكية، فإن نسبة المشاركة في الدورة الأولى التي جرت على يومين، الجمعة والسبت، بلغت نحو 60 في المائة، وهي تقارن بتلك التي سجلت في الانتخابات الرئاسية عام 2013 والتي جرت للمرة الأولى بالاقتراع العام المباشر وفاز بها زيمان.
وشهد اليوم الأول من الانتخابات الجمعة هجوماً لناشطة عارية الصدر من حركة «فيمن» على زيمان بسبب تأييده للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. واقتربت الناشطة الأوكرانية الشابة العضو في الحركة النسائية فجأة من زيمان بعد دخوله مركز الاقتراع وهتفت مراراً «زيمان صبي بوتين»، قبل أن يتمكن حرس الرئيس من السيطرة عليها. وبدا زيمان، الذي يعاني من مشكلات صحية ويتكئ على عكاز مربكاً، وغادر مركز الاقتراع مع حراسه وزوجته إيفانا. لكنه عاد بعد دقائق وقد تمالك نفسه، مؤكداً أنه «يشرفه أن تهاجمه حركة فيمن التي هاجمت البابا أيضاً».
وستكون هذه هي المرة الثانية التي ينتخب فيها التشيكيون رئيس الدولة مباشرة، حيث كان البرلمان في السابق يعيّن الرئيس، الذي كان دوره شرفياً إلى حد كبير.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».