«ذا بوست» يفتح ملف الصحافة والسينما من جديد

بعضهم في خطر وآخرون مصدر الخطر

مارشيللو ماستروياني على شاطئ البحر في «لا دولشي فيتا»
مارشيللو ماستروياني على شاطئ البحر في «لا دولشي فيتا»
TT

«ذا بوست» يفتح ملف الصحافة والسينما من جديد

مارشيللو ماستروياني على شاطئ البحر في «لا دولشي فيتا»
مارشيللو ماستروياني على شاطئ البحر في «لا دولشي فيتا»

على ضوء ما يثيره فيلم ستيفن سبيلبرغ الجديد «ذا بوست» من قضايا لها علاقة بحرية الصحافة الأميركية وسعيها الدؤوب لكشف الحقيقة ما يضعها أمام فوهة البيت الأبيض باعتبار أنّ كل الحقائق ليست صالحة للكشف وأنّ الإعلام والسياسة يلعبان دورين متناقضين خدمة لغايات مختلفة، على ضوء كل هذا يمكن النظر إلى تاريخ حافل بالأفلام التي تناولت جوانب العلاقة بين الصحافة وبين النظم المختلفة، دينية واجتماعية وسياسية.
«ذا بوست» يعود إلى ما عرف بـ«أوراق البنتاغون» التي حصلت عليها صحيفة «ذا واشنطن بوست» ونشرتها في يونيو (حزيران) 1971 متجاهلة تحذير المسؤولين الرسميين والبيت الأبيض في سبيل حق المواطن في المعرفة.
إنها أوراق تكشف عن إشراف وزير الدفاع الأميركي آنذاك، روبرت مكنمارا، على تقرير سري يكشف عن كيف سبق للولايات المتحدة أن تدخلت في فيتنام منذ الخمسينات (أيام الرئيس ترومان) وكيف خدع البيت الأبيض الأميركيين في أواخر الستينات ومطلع السبعينات بالتأكيد على أنّ الحرب هناك تسير وفق النجاح المخطط له بينما كانت في الواقع تتحول إلى فخ كبير للجيش الأميركي.
ما استرعى انتباه سبيلبرغ هو أنّ السيناريو الذي وضعته ليز هانا لا يتميز بدقته الحرفية فقط، بل إنّه يخلق وضعاً يشابه الوضع القائم الآن بين الإعلام والبيت الأبيض. بين الصحافة المكتوبة والمرئية وبين الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحديداً. لأجله، أزاح المخرج كل التزاماته الأخرى (أربعة أفلام أحدها من إخراجه أيضاً والثلاثة الأخرى من إنتاجه) وخصّص العام الماضي بأسره لإنجاز هذا الفيلم الذي ربما تدور أحداثه في السبعينات، لكنّ معانيه ماثلة في هذا النصف الثاني من العقد الثاني من القرن الحالي.
صحافيان متناقضان
هوليوود دخلت الصراع الطويل بين الجانبين حيناً وأتت بمنظومتها من الأفلام التي تدور حول الصحافة والصحافيين حينا آخر. «ذا بوست» نفسه يبدو كما لو كان رديفاً سينمائياً لفيلم مبهر في أجوائه عنوانه «كل رجال الرئيس» (All the President's Men) الذي أخرجه ألان ج. باكولا سنة 1976 حول الصحافيين بوب وودارد (قام به زوبرت ردفورد) وكارل برنستين (دستين هوفمان) اللذين حملا شعلة كشف فضيحة وورترغيت عندما نشر معلوماتهما حولها في صحيفة «واشنطن بوست» أيضاً.
ذلك الفيلم مناسب كذلك لأيامنا هذه من حيث إن الصراع الدائر فيه كان محاولة الرئيس نيكسون التغطية على ما تسرب من معلومات حول تجسّسه على سياسيين آخرين وملاحقة أعضاء منظمات حقوق ويساريين. حال انكشاف الفضيحة نفى البيت الأبيض وجود أي علاقة بينه وبين ما جاء فيها، وكرّر نفيه عندما شكّل الكونغرس لجنة مستقلة للتحقيق في نشاطات الرئيس وأعوانه.
كل هذا انتهى إلى فيلم يعيبه كثرة الحوار فيه، لكنّ مستوى النقاش الذي يطرحه وتعامله النوعي مع النص ثم إحاطته بتلك المعالجة التشويقية - اللغزية التي تتسلل إليه رغم اعتماد سيناريو ويليام غولدمان المكثف على الحوار، جعلت منه العمل الذي استحق المكانة الكلاسيكية التي نالها.
المخرج باكولا كان أحد أبرز سينمائيي تلك الفترة ووقف وراء عدة أعمال رائعة من بينها «كلوت» (1971) و«اختيار صوفي» (1982). لكنّه حقق فيلماً آخر عن الصحافة عامين قبل «كل رجال الرئيس» عنوانه «المنظر الموازي» (The Parallax View). وعلى عكس «كل رجال الرئيس» استندت الأحداث إلى حكاية خيالية، لكنّها تنتمي إلى سينما الدسائس وأفلام نظريات المؤامرة التي طفحت في ذلك الحين.
الشخصية الرئيسية هنا هي شاب اسمه جوزيف فرادي (وورن بيتي) يعمل في صحيفة صغيرة يحمله الطموح وحب التحدي للبحث عن حادثة اغتيال وقع ضحيتها أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي ليكتشف خططاً موضوعة من قِـبل حكومة سرية في الظل تعمل على إخماد المعارضين والقضاة المناوئين. مع تقدّمه في البحث يضيق الخناق على الصحافي ليجد نفسه في النهاية معرضاً للاغتيال المحبوك جيداً بدوره.
كان ديرك دوغلاس لعب دور الصحافي الصغير العامل في صحيفة محلية عندما مثل «فارس في الحفرة» (Ace in the Hole) سنة 1952. لكن التباين واضح والأهداف مختلفة بين الصحافيين. ففي «المنظر المتوازي» صحافي صادق في مواقفه وباحث أمين عن الحقيقة المغلفة، أمّا شخصية الصحافي في «فارس في الحفرة» فهي شخصية رجل سكير طرد من صحف مهمّـة وانتهى به الحال إلى صحيفة محلية صغيرة في ولاية نيومكسيكو. فجأة تتاح له فرصة طي الماضي بأسره وتحقيق نصر صحافي عندما يتناهى إليه نبأ سقوط رجل اسمه ليو (رشارد بندكت) في حفرة داخل كهف عميق بينما كان يجمع بعض الأيقونات الهندية لبيعها في محله. ينطلق تشارلي لاستحواذ هذه الفرصة التي لم يسبقه إليها أحد. طموحه هو كتابة تحقيق عن الحادثة يعيد إليه مجده حتى ولو أدّى به الأمر إلى عرقلة مساعي الإنقاذ السريعة لكي يُتاح له الاستفادة أكثر من مأساة ذلك العالق في الحفرة. سعي تشارلز لتحقيق ذلك يشمل نيل موافقة «شريف» البلدة لكي يؤخر عملية الإغاثة لأسبوع واحد مقابل تلميع صورته إعلامياً وإقناع زوجة ليو (جان سترلينغ) بتمثيل دور المتعاطفة التي تذر الدموع على مأساة زوجها. ليو يموت في النهاية وموته يوقظ الضمير النائم داخل تشارلز وذلك في فعل توازن يقوم على الفرضية وحدها.

‫مواجهة حتمية‬
المخرج بيلي وايلدر هو من قام سنة 1974 بتحقيق فيلم كوميدي عن عمل الصحافيين عنوانه «الصفحة الأولى» (The Front Page) مع وولتر ماثاو وجاك ليمون. في واقع الأمر الفيلم مأخوذ عن مسرحية لبن هكت حققها فيلماً لويس مايلستون سنة 1931 حول صحافي على أهبة الانطلاق مع عروسه لقضاء شهر العسل عندما يكتشف هروب رجل محكوم عليه بالموت من معتقله. واجبه الصحافي هو نقل الخبر لكنّ الصحافي لم يكن يعلم أنّ رئيس التحرير الذي أثارته الحادثة سيلغي إجازته ليطلب منه متابعة القضية حتى نهايتها.
نسخة بيلي وايلدر تختلف في أنّ وميضها الفكاهي أفضل ومع ليمون وماثاو، الممثلين الكوميديين اللذين لم يفشلا مرّة في أي من أفلاهما المشتركة (باستثناء فيلم واحد كان آخر ما مثلاه معا وعنوانه Buddy Buddy وأخرجه، أيضاً، وايلدر وذلك سنة 1981)، ما زال مشاهدو اليوم يستطيعون الحصول على وقت ممتع متابعين موضوع ملؤه لعبة شد حبل بين الصحافي ورئيسه.
الكوميديا كانت أيضاً سيدة الموقف في فيلم «فتاته فرايداي» (1940) حول رئيس تحرير آخر (رالف بيلامي) يجهد في سبيل التدخل لعدم إتمام خطة محرره وولتر (كاري غرانت) الزواج ممن يحب (روزيلاند راسل) حتى لا يخسره هو.
وكان كلارك غايبل قد لعب دور الصحافي سنة 1934 في فيلم كوميدي آخر عنوانه «حدث ذات ليلة» It Happened One Night حول صحافي يبحث عن «خبطة» تنقذه من شفير الإفلاس عندما يلتقي بالمرأة الثرية الهاربة التي أثارت الرأي العام باختفائها.
على أن ألفرد هيتشكوك نقل الصحافي من مناسبة لإطلاق الضحكات والدخول في مفارقات كوميدية - عاطفية، إلى نطاق المغامرة في أرض محفوفة بالخطر عندما أخرج سنة 1940 «مراسل أجنبي». هنا الأميركي جون جونز (جووَل ماكري) يكتشف خطة نازية بينما كان في زيارة عمل للندن فتحاك ضده تهمة قتل هو بريء منها وللبرهنة على براءته عليه أن يصطاد العصابة النازية التي ورطته.
الصحافي في مثل هذه المعضلات له تاريخ منفصل وطويل. ها هو الألماني برونو غانز يحاول سبر غور ما يحدث في لبنان خلال الحرب الأهلية في فيلم فولكر شلندورف «دائرة الخداع» (1981). المشهد المجسد لفقدانه خط حياته في حرب مدمّـرة لم يكن العالم الحديث شهد مثلها من قبل وهو يسير على غير هدى وسط حطامات بيروت. تلك التي كانت، بدورها، مسرح أفلام أكشن عابرة في الستينات.
إنه في العام 1960 تحديداً خاض المخرج الإيطالي الكبير فديريكو فيلليني الموضوع الصحافي من زاوية تختلف عن كل فيلم ورد هنا أو لم يرد. بطله مارشيللو (مارشيللو ماستروياني) غير واثق من أنّه ما زال صحافياً نظيفاً. ربما لم يكن أساساً ذلك الكاتب اللامع بل مجرد مستحوذ فرص قيضت له اهتماماته الاجتماعية التعرف على نساء المجتمع وتلميعهن وتلميع مهنته في الوقت نفسه.
حين تشتد أزمة إعادة اكتشاف نفسه يلجأ إلى شاطئ البحر بحثاً عن إلهام لحياة جديدة. الصحافي وحده هو من يعرف مثل هذه الأزمات فعلاً.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».