«الاستثناء التونسي» في خطر؟

اضطرابات الذكرى السابعة للثورة

«الاستثناء التونسي» في خطر؟
TT

«الاستثناء التونسي» في خطر؟

«الاستثناء التونسي» في خطر؟

عاش التونسيون للعام السابع على التوالي مطلع يناير (كانون الثاني) الحالي اضطرابات اجتماعية وشبابية اقترنت بأحداث عنيفة ومواجهات مع قوات الأمن والجيش ذكّرت بالانتفاضة الشاملة التي تسبّبت في يناير 2011، بالتغيير في رأس هرم الدولة، وتفجير ما سمي بثورات «الربيع العربي».
وبعدما تجاوز عدد الموقوفين 300 شاب ومراهق أغلبهم متهمون بالتورط في السرقة والحرائق والاعتداء على مؤسسات إدارية وتجارية، يواجه التونسيون مجدداً السؤال نفسه الذي يرهقهم كل شهر يناير منذ 7 سنوات: ماذا يجري في البلاد؟
ومن بعده، ثمة أسئلة أخرى مثل... هل سيصمد الاستثناء التونسي أم سينهار مثلما انهارت بقية تجارب ما سُمِّي بالثورات العربية؟ وهل تتسبب الاضطرابات الشبابية وأحداث العنف التي صاحبتها في عدة مدن بمزيد من إضعاف نظام الحكم؟ أم يحصل العكس، ويثبت قادة الأحزاب الكبرى والمجتمع المدني مجدداً خبرة في إخراج بلدهم من مسلسل الأزمات العابرة التي تمر بها بأقل الخسائر؟ وهل ستسفر حوادث العنف عن دعم «حكومة الوحدة الوطنية»، التي تشكلت من 7 أطراف سياسية... أم تؤدي إلى انهيارها؟ وما مصير الانتخابات العامة المقبلة؟ وهل سيتوقف المسار السياسي وتندفع البلاد نحو الفوضى ومزيد من الاضطرابات؟

التصريحات الصادرة عن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، وأيضاً عن مجموعة من الوزراء والمستشارين في رئاسة الجمهورية وعن زعماء الأحزاب الكبرى المشاركة في الائتلاف الحكومي، اتهمت «مافيات» التهريب والفساد وقيادات مجموعات سياسية محسوبة على أقصى اليسار الماركسي والبعثي والقومي يتزعمها حمّة الهمامي، أمين عام حزب العمال الشيوعي سابقاً، بأنها وراء الاضطرابات الحالية المقترنة بأحداث عنيفة ومواجهات مع قوات الأمن والجيش.
وفي المقابل، اعتبرت مجموعة من أحزاب المعارضة اليسارية والشخصيات الوطنية أن أعمال العنف والاعتداءات على الأملاك العمومية والخاصة لا تقلّل من مشروعية احتجاجات العاطلين عن العمل والمهمّشين والشباب على غلاء المعيشة والزيادات الجديدة في الأسعار، وعلى موازنة 2018 التي ستفرض إجراءات لا شعبية جديدة من بينها إيقاف التوظيف.

ثورات الشباب... والخبز
وعلى الرغم من غياب زعامة واضحة للاحتجاجات والتحركات الشبابية ذكّر انتشارها السريع بانتفاضات شبابية وطلابية واجتماعية سنوية مماثلة تشهدها تونس خلال يناير وفبراير (شباط) منذ نحو 50 سنة، وفي كل مرة كانت الشعارات المرفوعة بين المطالبة بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية من جهة، والدعوات إلى تغيير النظام من جهة ثانية. وبلغت تلك الاحتجاجات درجة قصوى من العنف والتصعيد في العقد الأخير من حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة ضمن ما عرف بـ«ثورات» الطلبة ونقابات العمال في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ثم «ثورة الخبز» عام 1984. وبعدها، تكرّر «السيناريو» ليبلغ ذروته في الاضطرابات التي أدت إلى سقوط حكم الرئيس زين العابدين بن علي مطلع يناير 2011.
قراءة تطور تلك الانتفاضات والاحتجاجات العنيفة تبيّن أنها غالباً ما تبدأ شبابية اجتماعية سلمية ثم تتطوّر إلى مواجهات عنيفة تتداخل فيها الأجندات السياسية والحزبية والنقابية، وحسابات المتنافسين على السلطة من داخل مؤسسات الحكم وخارجها. ومنذ الإعلان عن مرض الحبيب بورقيبة، الرئيس المؤسس للدولة التونسية الحديثة، أواخر الستينات من القرن الماضي كان الصراع على خلافة رئيس الدولة من أبرز العوامل التي تفسر تفجير الاضطرابات الطلابية والشبابية والنقابية من جهة ومعارك النخب السياسية من جهة ثانية. كذلك كان الصراع بين أجنحة الحكم أحد أبعاد الاضطرابات التي شهدتها تونس طوال السنوات العشر الأخيرة من حكم زين العابدين بن علي وانتهت بإسقاطه، وخروج السلطة من أيدي كل المتنافسين من داخل القصر.

ثورة على الاستبداد أم على نظام منتَخَب؟
هل يتجدّد المشهد اليوم بعد تعاقب أعمال الاحتجاجات والعنف والصراعات حول اسم الحاكم المستقبلي في قصري الرئاسة في قرطاج والحكومة في القصبة؟
ثمة معطيات لافتة ومقلقة فرضت نفسها مجدداً على كبار المسؤولين النقابيين والسياسيين في تونس بعد الأحداث الجديدة، أهمها:
1- إمكانية الخلط بين الاحتجاجات الشبابية المشروعة وعشرات الهجمات العنيفة المنظمة على الإدارات والمؤسسات العمومية والخاصة، التي من شانها مضاعفة أعباء الدولة وخسائر البلاد.
2- إمكانية الخلط بين شواغل آلاف الشباب الذي تظاهر ضد غلاء الأسعار والبطالة والفقر، وأجندات مَن وصفتهم الناطقة الرسمية باسم رئيس الجمهورية والناشطة اليسارية السابقة سعيدة قراش بـ«المخربين والمهربين والمجرمين».
3- كيفية تفسير اعتراضات زعماء المعارضة العلمانية والإسلامية في عهدي بورقيبة وبن علي على الاحتجاجات، واتهاماتهم تنظيمات أقصى اليسار التي ساندتها بالضلوع في العنف وتخريب البلاد وخدمة أجندات الدولة العميقة وأعداء مسار ثورة 2011؟
الوزير سمير الطيب زعيم حزب المسار الشيوعي سابقاً، وإياد الدهماني الناطق الرسمي باسم الحكومة، والمهدي بن غربية وزير العلاقة بالمؤسسات الدستورية، تصدّروا الحملات الإعلامية ضد قيادات تكتل أحزاب أقصى اليسار المنخرطة في الجبهة الشعبية بزعامة الهمامي. ولئن ميّز هؤلاء - وغيرهم من ممثلي الائتلاف الحاكم - بين المسيرات السلمية وأعمال العنف، فإنه لم يغب عنهم وعن بقية البرلمانيين والوزراء الذين ينحدرون من حركات عارضت حكم الرئيس زين العابدين بن علي التذكير بماضيهم الحقوقي والسياسي، ودورهم في إنجاح ما يصفونه بـ«ثورة الحرية والكرامة» قبل 7 سنوات.
لماذا غيَّر هؤلاء مواقعهم إذاً، وابتعدوا جميعاً عن مساندة الاحتجاجات الشبابية والاجتماعية؟
الجواب الذي يقدمونه هو الموقف نفسه الذي صدر عن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وزعيم «حركة النهضة» راشد الغنوشي، وعن قيادات الأحزاب المشاركة في الحكم ومن بينها «نداء تونس» و«النهضة» وحزب المسار اليساري، أي أن ثورة 2011 «استهدفت نظاماً استبدادياً بينما التحركات الجديدة تستهدف نظاماً ديمقراطياً منتخباً بمؤسساته التنفيذية والبرلمانية والقضائية والمجتمعية».

المفاجأة...
من ناحية أخرى، بين مفاجآت الاحتجاجات والاضطرابات الجديدة مواقف قيادة نقابات العمال، لا سيما نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، التي أعلنت منذ انفجار الأحداث معارضتها لأعمال العنف وللتظاهر ليلاً رغم مساندتها حق المتظاهرين المسالمين في الخروج للشوارع والتعبير عن معارضتهم للزيادات في الأسعار. وخلافاً لما حصل عام 2011، انحازت غالبية قيادات النقابات إلى الحكومة رغم تأكيدها على شرعية التظاهر السلمي. والتقى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل رئيس الحكومة يوسف الشاهد، كما التقى قبل ذلك بأيام قليلة رئيس الجمهورية قائد السبسي ووزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، وشمل الحوار قانون المالية الجديد الذي طالب جانب من المتظاهرين والمعارضين اليساريين بإلغائه.
ومن ثم أعلن زعيم النقابات العمالية عن دعم المركزية النقابية للمطالب الاجتماعية، وبينها زيادة رواتب صغار الموظفين، لكنه انتقد بقوة الحرائق المتعمدة والهجمات الليلية على البنوك والشركات الخاصة ومؤسسات الدولة.
وفي الاتجاه نفسه، رحّب رئيس الحكومة الأسبق علي العريّض (من «النهضة») وعدد من الوزراء ونواب البرلمان من أحزاب ليبرالية ويسارية وقومية وإسلامية بقرار نزول الجيش وقوات الأمن الثقيلة إلى الشوارع لحماية مؤسسات الإدارة والدولة والشركات الخاصة. غير أن كل هذه المواقف لا تقلل من الحيرة والقلق والتخوفات من المستقبل، وكل مشاعر الإحباط المنتشرة في صفوف الشباب الذي نزل للشوارع للاحتجاج على أوضاعه المتردية... عوض أن يحتفل بالذكرى السابعة للثورة التي توقّع أن تحقق له الشغل والحرية والكرامة.

حيرة وتخوفات
والواقع أن مشاعر القلق والحيرة والخوف لا تشمل الشباب العاطل عن العمل وحده، بل انتشرت كذلك بين النخب السياسية والخبراء الاقتصاديين والجامعيين والمسؤولين الحاليين والسابقين عن كبرى المؤسسات المالية. وفي هذا السياق تعاقبت التصريحات المتخوّفة على مستقبل البلاد والصادرة عن وزراء مالية واقتصاد سابقين ومسؤولين كبار في البنك المركزي والقطاع المصرفي.
هذه التصريحات حذّرت الشعب من عمق الأزمات الاقتصادية التي تهدّد تونس، والتي تكتسي صبغة هيكلية تتجاوز بكثير المؤشرات السلبية الظرفية. إذ حذّر أحمد كرم، المدير العام لأحد البنوك الخاصة والمدير العام في البنك المركزي سابقاً، من الضغوط التي تمارَس على الحكومة من مؤسسات مالية دولية بسبب تضخم نسبة الأجور والنفقات الاجتماعية في ميزانية الدولة إلى نحو 75 في المائة، وارتفاع نسب التداين لأول مرة إلى نحو 70 في المائة وتراجع قيمة الدينار التونسي بنسبة ناهزت 100 في المائة مقارنة بما كان عليه الوضع في 2010. ودعا وزير المالية السابق حكيم بن حمودة إلى «إصلاحات»، قد يكون بعضها لا شعبياً لمحاولة التحكم في العجز التجاري وعجز الموازنة وتضخم صندوق الدعم للمواد الأساسية والمحروقات والصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية المفلسة.

تكلفة الديمقراطية
مقابل ذلك، فسّر سياسيون وخبراء ماليون واقتصاديون آخرون الاضطرابات الاجتماعية والصعوبات المالية والاقتصادية بأنها «تكلفة 7 سنوات من الانتقال الديمقراطي». واعتبر إلياس فخفاخ، رئيس المجلس الوطني لحزب التكتل المعارض ووزير المالية الأسبق، أنّ تونس «تمر بمرحلة انتقالية صعبة... صعبة. لقد كانت تكلفة الانتقال من الاستبداد إلى النظام الديمقراطي المنتَخَب كبيرة على الاقتصاد الوطني». وأوضح أنّ «نسبة التداين وصلت إلى حدود 70 في المائة بعدما كانت قبل الثورة في حدود 40 في المائة، مقابل تراجع احتياطي الدولة من العملة الصعبة وتفاقم نسبة العجز التجاري من 8 إلى 14 في المائة».
ويعتقد فخفاخ أنّ وضع البلاد الاقتصادي والمالي لا يستطيع تحمّل «صدمة خارجية» جديدة. ويشير إلى أن تونس «تستورد أكثر من نصف حاجاتها من المحروقات، وأن ارتفاع أسعارها في السوق العالمية بسرعة من نحو 50 إلى 70 دولاراً أثَّر سلباً على الميزانية، وعلى الميزان التجاري». كذلك يشير إلى أن «ربع العجز التجاري متأتٍّ من العجز في قطاع الطاقة، أي أن تفاقم العجز بعدما قفز سعر برميل النفط سيكون له تأثير مباشر على استقرار الدينار التونسي، وعلى نسبة التضخم وعلى الاستقرار الاجتماعي في البلاد». وفي هذا المناخ، أقر وزير المالية الأسبق بـ«واجب التوفيق بين مطلب تقاسم التضحيات بين رجال الأعمال والعمال والفئات الشعبية»، لكنه أقرَّ بحاجة الدولة إلى «تعبئة موارد مالية إضافية من بينها ترفيع الرسوم والضرائب أو اللجوء إلى التداين، وهو ما سيؤثر على وضعية المالية العمومية». واعتبر السياسي المخضرم والوزير السابق أن الحكومة التونسية «مطالبة بالتعويل أكثر على الموارد المالية الدّاخلية، ومنها ترفيع المداخيل الجبائيّة، وتنظيم حملات للحد من التهرّب الضريبي بهدف الحد من حجم التداين الخارجي».

الأولويات اجتماعية أم سياسية؟
في أي حال، ردود فعل الأطراف السياسية والنقابية في البلاد على الاحتجاجات لم تحسم قضية خلافية كبيرة بين التونسيين: هل الأولوية اليوم اجتماعية اقتصادية... أم سياسية؟
أحمد نجيب الشابي، زعيم المعارضة القانونية في عهد بن علي، ووزير التنمية في الحكومة الأولى بعد الثورة، يُعتَبَر مع عدد من السياسيين البارزين، كرئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة والوزير مدير الديوان الرئاسي السابق رضا بالحاج، أن الأزمة الحالية «ليست اجتماعية اقتصادية فقط... بل سياسية أيضاً». ويطالب هؤلاء السياسيون مع عدد من زعماء الأحزاب المعارضة والمنشقّين عن الحزب الحاكم بتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، وبإقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة كفاءات وطنية ليس بينها زعامات سياسية.
كذلك حذّر سعيد العايدي، الوزير السابق والأمين العام لأحد الأحزاب التي شكلها منشقّون عن حزب الرئيس الباجي قائد السبسي، من «الانسياق في حوار وطني يقتصر على الجانب الاقتصادي والاجتماعي من دون التطرّق إلى الجذور السياسية للأزمة». واعتبر العايدي أن «الأزمة تتصاعد منذ 7 سنوات، واختزال الحوار في حوار اقتصادي اجتماعي سيفرغه من محتواه». وبالتالي، طالب العايدي وعدد من قادة الأحزاب المعارضة، بينها محسن مرزوق أمين عام حزب المشروع، بـ«مراجعة النظام السياسي بسبب التداخل الصارخ بين المصالح الحزبية ومؤسسات الدولة التي تشهد اليوم وضع (دولة الحزب)، حيث تحوّلت أجهزة الدولة إلى وسائل لتحقيق مصالح الأحزاب الحاكمة، خصوصاً حزبي (النداء) و(النهضة)، متهماً قياداتهما بالفشل في محاربة الفساد والبطالة والفقر».

حلول عاجلة؟
في هذه الأثناء تبرز دعوات ملحَّة إلى التوفيق بين مطالب الشباب العاطل عن العمل والفقراء والمهمّشين من جهة... وشواغل السياسيين المهتمين خاصة بأجنداتهم الانتخابية والسياسية والحزبية، من جهة أخرى. وبالفعل، دعا نور الدين الطبوبي (أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل) بعد لقاء جمعه مع رئيس الحكومة الشاهد لبحث الاضطرابات الاجتماعية، إلى «معالجة الوضع المتأزم عبر قرارات سياسية جريئة تأخذ بعين الاعتبار مطالب الشباب والفئات المهمشة المتضرّرة من قانون المالية لسنة 2018».
وكشف الطبوبي أنه دعا رئيس الحكومة إلى الإعلان الفوري عن رفع الحد الأدنى لأجور العمال والمنح الاجتماعية التي تقدمها الحكومة إلى العائلات الفقيرة وجرايات التقاعد الضعيفة، إلى جانب «رسم خطة شاملة للتفاعل مع مطالب الشباب في الشغل والاندماج الاجتماعي».
إلا أن الخبراء الاقتصاديين والماليين، مثل أحمد كرم، يرون أن العنصر الأهم يكمن في «تنويع موارد الدولة المالية قبل الحوار حول المسلَّمات، ومن بينها تحسين أوضاع الشباب والمهمشين والعاطلين عن العمل والفقراء». وضمن هذا الإطار حثّ كرم السلطات على «الانفتاح بنسق أكبر على الأسواق الآسيوية، خصوصاً الصين، وعلى الأسواق العربية عموماً ولكن بصفة خاصة الدول الخليجية، من دون المساس بالشريك الاقتصادي الأول لتونس... أي الاتحاد الأوروبي».

غياب البديل؟
على صعيد آخر، مما يفسر إلى حد ما دوران النخب التونسية المعارضة والحاكمة في حلقة مفرغة غياب قوة سياسية قادرة على قيادة مسار التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنشود. وحقاً، اعترف عبد اللطيف المكّي، الوزير السابق والبرلماني عن كتلة «حركة النهضة» بـ«فشل كل حكومات ما بعد الثورة في إنجاز إصلاحات اقتصادية واجتماعية عميقة، رغم ما حصلت عليه من دعم انتخابي وسياسي». وأورد المكي أنه «لا توجد اليوم قوة سياسية قادرة على التغيير لأن الحياة السياسية مضطربة»، معتبراً أنه لا يوجد اليوم ما سماه بـ«المجمع السياسي الذي يجب أن يقود الإصلاحات المطلوبة في تونس».

الأجندات الإقليمية
وبالتوازي، تتواصل تخوفات كثير من المثقفين والسياسيين المستقلين من مستقبل البلاد في ظل تباين التقييمات للاضطرابات الشبابية والاجتماعية وما رافقها من عنف. ومن بين المتخوفين الشاعر البحري العرفاوي، الذي يقلقه «ألا يكون ما جرى في عدة مدن تونسية خلال الأسبوعين الماضيين مجرّد احتجاجات شعبية مشروعة على غلاء الأسعار وصعوبة ظروف العيش، ولكنه كان أيضاً محاولة لتخريب المشهد السياسي التونسي والإقليمي كله، وإعادة خلط الأوراق بين مكوّنات البناء المجتمعي والسياسي الوطني من برلمان وحكومة ورئاسة الجمهورية ومؤسسات وهيئات وأحزاب وتوافقات». ويرجّح العرفاوي، وآخرون، تورّط جهات خارجية في تونس منذ انهيار مؤسسات الدولة المركزي في 2011 «ما يسهّل لعبة السفارات والعواصم الأجنبية، وانتهاك السيادة الوطنية التونسية لتسهيل إنجاز أجندات أطراف إقليمية وعالمية تستهدف منذ مدة ليبيا والجزائر وتعتقد أن مزيداً من إضعاف الدولة التونسية قد يسهل مهمتها فيهما».

مؤشرات تفاؤل
وهكذا، بين هؤلاء وأولئك تتنوع التقييمات وتتباين الإرادات والأولويات، لكن مؤشرات إيجابية تدفع كثرة من التونسيين نحو التفاؤل، من بينها تنظيم الاتحاد العالمي لوكالات السفر، معلناً قبل أيام من مؤتمر السنوي في جزيرة جربة السياحية التونسية عن استئناف الرحلات السياحية العالمية نحو تونس... بعد تعطل طال 3 سنوات. كذلك، تكشف المؤشرات الاقتصادية تحسناً ملموساً في مداخيل الدولة من الصادرات الصناعية والزراعية، وتحسّن قدرات تونس على جذب مزيد من شركات الخدمات العالمية.
ومن الناحية السياسية، يتفاءل قادة الأحزاب الكبرى ومنظمات المجتمع المدني بالنتائج الإيجابية المرتقبة لتنظيم الانتخابات البلدية والجهوية في مطلع شهر مايو (أيار) المقبل، بما يمكن أن يُسهِم في تحسين مناخ الأعمال والعيش في تونس بشكل ملموس، وهذا بعد 7 سنوات من حلّ المجالس البلدية الموروثة عن مرحلة ما قبل ثورة 2011. وفي هذه الحالة لن يكون الاستثناء التونسي في خطر... وسيتمكن الفاعلون السياسيون الكبار من إنقاذ الموقف.



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.