عون وبرّي... خلاف «الكيمياء المفقودة»

يخفي «هواجس» الشيعة من إلغاء شراكتهم في السلطة التنفيذية

عون وبرّي... خلاف «الكيمياء المفقودة»
TT

عون وبرّي... خلاف «الكيمياء المفقودة»

عون وبرّي... خلاف «الكيمياء المفقودة»

تخطى الخلاف بين رئيسي الجمهورية اللبنانية ميشال عون، ومجلس النواب نبيه برّي، إطار الخلاف على مرسوم الأقدمية الذي وقّعه عون ورئيس الحكومة سعد الحريري لضباط من دورة 1994، بعدما دخل إطار التصعيد بين الطرفين، وثباتهما على موقفيهما من «دستورية» التوقيع من عدمه، ليعكس حالة صراع بين رئيسين، يعتبر البعض كلاً منهما الأقوى في طائفته، لكن فرّقهما «انعدام الكيمياء» بينهما منذ عام 2009 على الأقل، ومن المرجح أن تنعكس على أداء الحكومة، وتمتد إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
والواقع أن الخلاف اليوم، يتجاوز بُعد العلاقة الشخصية، حتى لو نفى الطرفان ذلك؛ فهو يفتح الباب على ما يُزعَم أنه «هواجس» عند الشيعة من عودة الثنائية المارونية – السنّية (رغم لا تساويها) التي كانت قائمة قبل «اتفاق الطائف». وهو ما يدفع برّي إلى التمسك بالاتفاق الذي أنهى حرب 15 سنة في لبنان، وكرّس بالعرف دوراً للشيعة في السلطة التنفيذية يتمثل عبر توقيع وزير المال؛ إذ كانت هذه الوزارة من حصة الشيعة في حكومتين شكلتا بعد «اتفاق الطائف» مباشرة، قبل أن تنتقل إلى الطائفة السنّية في حكومات رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وتعود إلى الشيعة في الحكومتين الأخيرتين في عام 2014 وأواخر عام 2016. ومن شأن الخلاف، رغم نفي الطرفين اللذين يقدمان مقاربة قانونية له، أن يمتد إلى التحالفات الانتخابية المقبلة، ويخلط أوراقها من جديد، كما من شأنه أن ينتج «أزمة حكم»، إذا ما فشلت أركان الحكومة في تحييد الخلافات السياسية عن عملها وقدرتها الإنتاجية.
بدأ الخلاف بين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي ورئيس الجمهورية ميشال عون الشهر الماضي على خلفية توقيع عون ورئيس الحكومة سعد الحريري مرسوم منح أقدمية سنة لعدد من الضباط الذي تخرّجوا في دفعة عام 1994، وهي الدفعة من الضباط معروفة بـ«دورة عون».
و«دفعة عون» تضم ضباطاً كانوا التحقوا بالمدرسة الحربية في العام الذي كان فيه عون رئيساً لـ«الحكومة الانتقالية» (3 وزراء عسكريين مسيحيين) قبل أن يقصيه النظام السوري في عام 1990. ومع أن القانون العسكري يفرض التدريب 3 سنوات قبل أن يتخرج التلميذ الضابط بصفة ملازم، لم تحتسب لهؤلاء سنة أقدمية لهم، وهي السنة التي أمضوها في منازلهم من غير تدريب بسبب ظروف الحرب، علما بأنهم التحقوا بالمدرسة الحربية من جديد، وتخرجوا في عام 1994.
إثر توقيع المرسوم، اعتبره برّي تجاوزاً للأعراف القانونية كون توقيع مرسوم من هذا النوع يرتب أعباء مالية على الدولة تستدعي توقيع وزير المال، علماً بأن وزير المال علي حسن خليل هو أحد أبرز ممثلي برّي في الحكومة.
وبعدما أحال برّي معالجة ملف ترقية الضباط من دورة 1994 سنة واحدة، إلى رئيس الجمهورية قائلاً: إنه يترك لعون معالجة الموضوع، صرّح رئيس الجمهورية في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بأن «منح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 محقّ؛ لأنه في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990، الدورة كانت في المدرسة الحربية وأنا وقّعت مرسوم دخولها». ورأى عون أنه «بسبب كيدية سياسية معينة أرسلوهم إلى منازلهم (إثر الإطاحة به وإخراجه من القصر الجمهوري)، ثم استدعوهم بعد سنتين، ونحن حاولنا أن نردّ لهم نصف حقهم».
وشدّد عون على أن «هذه القضية محقّة بالجوهر وبالأساس، والمرسوم يوقّعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وإذا هناك أحد معترض فليذهب إلى القضاء، وسأفرح إذا كسر القضاء قراري».
هذا التصعيد، قابله برّي برفضه دعوة عون الذهاب إلى القضاء الذي «يذهب إليه الضعفاء» – حسب تعبيره -، وبتحذير من أن يمسّ تصرف عون بـ«اتفاق الطائف» والدستور، تاركاً كرة المعالجة مرة أخرى في ملعب رئيس الجمهورية بالقول: «مرة جديدة يا فخامة الرئيس أترك الأمر لحكمتك وقضائك، فالمخفي أعظم».

كيمياء مفقودة
في الحقيقة، لم تشهد العلاقة بين عون وبرّي تطوّراً إيجابياً، منذ عودة عون من منفاه في العاصمة الفرنسية باريس في عام 2005، وتفاقم الخلاف بينهما أكثر في مرحلة إبرام التسوية بين الحريري وعون؛ لأن رئيس مجلس النواب بقي من أشدّ معارضي انتخاب عون رئيساً للبنان، حتى تاريخ جلسة انتخابه في 30 أكتوبر 2016.
ولا يخفي مراقبون أن «الكيمياء مفقودة» بين الرجلين، وأنه لو كانت هناك علاقة بينهما، تشبه علاقة برّي بالنائب وليد جنبلاط مثلاً، أو علاقة تشبه علاقة عون بالحريري في هذا الوقت مثلاً، لما وصل الخلاف إلى مرحلة التعقيد الحالي.
غير أن انعدام اللقاءات بين الرئيسين، رغم أنه الحلّ المتوقع بالنسبة لقياديين في «التيار الوطني الحر» بعد التصعيد بين الطرفين في الإعلام، فاقم المشكلة. ووسط التعقيدات التي تحيط بالحلول، بعد انكفاء «حزب الله» - حليف الطرفين - عن التوسّط، وإعلان الحريري أنه «غير معني بما يُشاع» عن وساطة لحل خلاف الرئيسين، تفتح الأزمة النقاش على دور الشيعة في السلطة التنفيذية.

هواجس شيعية من الإقصاء
تحضر «هواجس» الشيعة المعلنة من إقصاء دورهم في السلطة التنفيذية، عبر استبعاد توقيع وزير المال على مرسوم منح أقدمية عام للضباط من دورة 1994، في الخلاف القائم في هذا الوقت، رغم نفي طرفي الخلاف أن يكون الموضوع طائفياً أو ذا بعدٍ يمسّ بـ«الميثاقية».
ويقول الوزير اللبناني الأسبق إيلي الفرزلي: «إن هناك نقاطاً في الدستور اللبناني، غالباً ما تكون نقطة تجاذب أو خلاف على تفسيرها، موجودة الآن بين الرئاستين الأولى والثانية، وقد تكون بين الرئاستين الأولى والثالثة، أو بين الثانية والثالثة»، وتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط» موضحاً «كنا دائماً نقول يجب تطبيق الطائف والالتزام به، وإيجاد المرجعية الدستورية الصالحة للبت بالتفسيرات»، ومنادياً بتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري في هذا المجال.
وحسب الفرزلي «في الحقيقة هناك وجهات نظر بالقصة الأخيرة، لا أنظر إليه على أنه خلاف على تثبيت صلاحيات الشيعة، رغم بعض الأصوات التي تحدثت عن هذه المقاربة. أنا أرى أنه كان يمكن أن يحدث لو كان هناك وزير مال من أي طائفة أخرى». وذكّر بخلافات كثيرة حول تفسيرات مواد دستورية في تجارب سابقة بين الرئاسات الثلاث، شارحاً «حاولت أن أستطلع حقيقة الخلاف وخلفيته بالنسبة للنقاط التي سمعتها حول سحب صلاحيات الشيعة بفعل الاتفاقات المسيحية - السنية أخيراً، وسألت جهات شيعية وازنة حول تلك المقاربة، لكن الجواب كان قاطعاً بالنفي... لكن في ظل وجود اختلاف في وجهات النظر حول تفسيرات دستورية، لا بد من وجود مرجعية لحل الخلاف، ويجب على مجلس النواب الجديد بعد الانتخابات أن يحل هذه المعضلة».
ورداً على سؤال عن «الهواجس» الشيعية المزعومة إزاء إقصاء دورهم من السلطة التنفيذية، لا يخفي الفرزلي أنه «قد تكون هناك هواجس عند البعض في ظل التوافق الذي جرى بين المسيحيين والسنة، لكنها ليست قراراً شيعياً عاماً. أستطيع أن أؤكد ذلك». وأردف النائب السابق لرئيس مجلس النواب إن ذلك «لا يعني أن العلاقة بين السنة والمسيحيين يجب أن تتوقّف، بل يجب أن تنمو وتترعرع وتتطوّر؛ لأن هناك مصلحة وطنية عليا في نمو العلاقة بين السنة والمسيحيين، وهي ضرورة وطنية ولزوم وطني أثمرت استقراراً في البلد وإنتاجية في العمل الحكومي»، مؤيداً في الوقت نفسه نمو العلاقة بين السنة والشيعة.

برّي متمسك بتطبيق «الطائف»
حتى هذا الوقت، لا يخرج المقرّبون من برّي الخلاف من إطار النقاش القانوني، مستندين إلى موقف رئيس مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي، وقوله: إنه لن يضيف شيئاً على ما قاله في السابق حول ضرورة توقيع وزير المال على مرسوم ترقية الضابط.
وتتحدث مصادر مطلعة على موقف برّي عن إصراره على «الاحتكام للدستور»، واعتباره أن الجهة المخوّلة بفض الخلاف على تفسيره هي مجلس النواب، مؤكدة أن برّي طرح الحل القائم على أن يُحال المرسوم لوزير المال لتوقيعه كي يصبح نافذاً، وهو الاقتراح الذي لم يستجب له عون.
من جهة ثانية، تنفي تلك المصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تكون هناك هواجس شيعية من إقصاء الطائفة من دورها في السلطة التنفيذية الذي يتمثل بتوقيع وزير المال على المراسيم التي تترتب عليها أعباء مالية. وتؤكد «إن الاتفاقات السياسية جزء من الديمقراطية المعمول بها في لبنان (في إشارة إلى اتفاقات عون – الحريري)... وفي السياسة هناك تحالفات وخصومات، وهذا أمر طبيعي». ومن ثم، تشدّد المصادر على أنه «فيما يتعلق بالقانون والدستور، جميعنا تحت سقف القانون، وكل الأطراف متفقة على الدستور واتفاق الطائف الذي لا يجوز خرقه». ثم تقول: إن الخلاف «ليس طائفياً، ولكن مع ضرورة تطبيق القانون النافذ وتحاشي خرق الدستور واتفاق الطائف».

اتفاق الطائف
«اتفاق الطائف» حوّل حكم لبنان الرئاسي إلى حكم جماعي، وباتت السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء مجتمعاً، بعدما كانت محصورة برئيس الجمهورية يعاونه الوزراء. وبالتالي، كرّس إعادة توزيع الصلاحيات بشكل يضمن التمثيل العادل لكل الطوائف.
ومن ثم، تميزت مرحلة ما قبل الطائف بالنسبة للسلطة التنفيذية بـ«الثنائية في الحكم»، في إشارة إلى رئيس الجمهورية المسيحي الماروني ورئيس الحكومة المسلم السنّي، وباتت المراسيم تحتاج إلى توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة، علماً بأن رئيس الجمهورية كان قبل يتمتع بصلاحية تسمية رئيس الحكومة وإقالته. أما في دستور ما بعد «الطائف»، فبات الحكم – كما سبقت الإشارة – لمجلس الوزراء مجتمعاً، وباتت المراسيم تحتاج إلى توقيع الوزير المتخصص إلى جانب توقيعي رئيسي الجمهورية والوزراء. وهنا أهمية توقيع وزير المال على أي مرسوم تترتب عليه أعباء مالية.
الدستور اللبناني، حتى بعد «الطائف»، لم ينص صراحة على تقسيم المواقع وتقاسمها، لكن هناك أعرافاً في الحياة السياسية كرّست المحاصصة. وبهدف إشراك الشيعة (الذين يتمتعون بترؤس السلطة التشريعية، أي البرلمان) في السلطة التنفيذية، جرى بعد «الطائف» اعتماد تقليد في أول حكومتين شكلتا في أعقاب توقيع الاتفاق التاريخي، كذلك وفي الحكومتين الأخيرتين أن تعطى وزارة المال للشيعة. وكان قد تولى هذه الوزارة خلال عقد التسعينات الوزير الراحل الدكتور علي الخليل، وفي آخر حكومتين الوزير الحالي علي حسن خليل.

معركة ما بعد الانتخابات
في أي حال، المؤشرات على أن الخلاف يأخذ الطابع الميثاقي، تتكرّر. ويتساءل الباحث السياسي جورج عَلَم «هل النأي بالنفس على أساس الاتفاق بين عون والحريري، يعيد الثنائية المارونية - السنّية، وبالتالي، يهمش الدور الشيعي؟»، ويجيب: «ثمة وجهة نظر تقول ذلك»، استناداً إلى ما قاله بري: إن «اللبنانيين دفعوا 150 ألف ضحيّة في الحرب الأهلية ثمناً لـ(الطائف)، لكي لا يكون قرار الدولة عند شخص واحد، بل عند مجلس وزراء يمثّل التوافق في البلد».
غير أن عَلَم يأخذ الخلاف إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، متوقعاً أنه «لو اجتمع الرئيسان عون وبري، وأبرما اتفاقاً رئاسياً، يضمن لبرّي الاستمرار بالمجلس بعد الانتخابات المقبلة، ستُعالج المشكلة». ولكن، لا ينظر كثيرون إلى هذه الرؤية بوصفها واقعية، بالنظر إلى أن تمسك الكثير من الأطراف المؤثرة ببقاء برّي رئيساً للمجلس النيابي، يخفف من وقع هذا الخيار الذي يرفضه الآن، على الأقل: «حزب الله» و«تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي يترأسه النائب وليد جنبلاط.
لكن عَلَم، يوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «التفاهم الرئاسي بين عون والحريري، الذي أنعش الثنائية المارونية - السنية، أقلق الطائفة الشيعية ودفع برّي للطرح في دائرته الضيقة سؤالاً جوهرياً عن مستقبله في رئاسة المجلس إذا أجريت الانتخابات» المزمع إجراؤها في مايو (أيار) المقبل. ويضيف: «من حق برّي التساؤل هنا، كون الكيمياء بين الطرفين ليست على ما يرام منذ زمن. وكان بري قد أعلن صراحة يوم انتخاب عون أنه لن ينتخبه مع أنه أمّن نصاب الجلسة القانوني لانتخابه، في حين يعتبر عون أنه انتخب برّي مرتين لرئاسة البرلمان».
وحول معارضة أطراف مؤثرة لخيار استبعاد برّي من رئاسة المجلس، يقول عَلَم إنه «في الحسابات الحالية، بالتأكيد لا بديل عن برّي، ولا أحد يتجاوز الخطوط الحمراء بهذا الخصوص... لكن بعد الانتخابات قد تكون هناك خيارات أخرى بالنظر لكون لبنان ليس جزيرة معزولة عن التغييرات في المنطقة، والتحولات الدولية والإقليمية التي قد تنتج حسابات جديدة، قد تكون مشابهة للحسابات التي كرّست الاتفاق بين عون والحريري». وحتى الوصول إلى تلك المرحلة، لا يستبعد عَلَم تأثيرات الخلاف على العمل الحكومي، قائلا: إنها «واردة»، قبل أن يضيف «في ظل انقطاع الوسطاء وسكوت (حزب الله)، تظهر أجواء اليوم أن لا أمل بالانفراج قريباً»، ثم يستطرد «حياد (حزب الله) عن المشكلة بين حليفيه، سلبي». وللعلم: «حزب الله» كان قد أعلن في وقت سابق على لسان أمينه العام أن «الأزمة دقيقة ولبنان يحتاج إلى جهة دستورية قوية تحكم بالخلافات حول تفسير الدستور».

خلافات عون ـ برّي
برز التفاوت في علاقة الرئيسين نبيه برّي وميشال عون منذ عودة عون إلى بيروت في عام 2005. وفي حينه لم يكن عون جزءاً من «التحالف الانتخابي الرباعي» الذي جمع برّي والحريري وجنبلاط و«القوات اللبنانية». ورغم توقيع عون مذكرة تفاهم مع «حزب الله»، الحليف الأبرز لبرّي وشكلا معاً ثنائية شيعية – مسيحية مارونية، لم تحظ علاقة عون بالحرارة، لبري، بل وصفه برّي بأنه «حليف حليفي» (أي «حزب الله»).
وتفاقم التفاوت في العلاقة بين الطرفين في عام 2009 إبّان الانتخابات التي نافس فيها «التيار الوطني الحر» الذي كان يترأسه عون، مرشحي برّي التقليديين في منطقة جزّين (ذات الغالبية المسيحية) في جنوب لبنان، وأسفرت عن إقصاء مرشح برّي النائب الراحل سمير عازار خلال تلك الانتخابات في معركة أطلق عليها عون تسمية «استرداد قرار جزّين».
ورغم مشاركة الطرفين في خمس حكومات منذ عام 2008، لم تمنع المشاركة من التباينات التي تفاقمت في تمديد ولاية مجلس النواب التي رفضها عون، واصفاً مجلس النواب بأنه «غير شرعي»، لتصل إلى نقطة خلافية أكبر مع ترشيح برّي حليفه سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو خيار رفضه «حزب الله» متمسكاً بترشيح عون للرئاسة. ومع ذلك، لم يخفِ برّي رفضه انتخاب عون، وكانت له الجرأة في تأمين النصاب في جلسة انتخاب الرئيس من غير انتخابه، وانعكس ذلك على علاقة الرجلين خلال مرحلة تشكيل حكومة الحريري 2016 بعد انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
وامتدت الخلافات بعدها إلى قانون الانتخاب؛ إذ رفض برّي بصورة قاطعة أي تعديل على القانون النافذ الذي ستجري الانتخابات وفقه في مايو المقبل، رغم تلميحات الوزير جبران باسيل (صهر عون ورئيس «تياره») إلى رؤيته بإجراء بعض التعديلات. وبجانب المناكفات والخلافات التفصيلية في الحكومات اللبنانية حول قوانين ومراسيم مرتبطة بقضايا معيشية أو تلزيمات مشاريع، جاء الخلاف الأخير... الذي بدا مستعصياً حتى الآن في ظل غياب أي مبادرات تستطيع أن تحل الخلاف بين الرئيسين.



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».