مدينة مشهد... من معقل المحافظين إلى مهد الاحتجاجات الإيرانية

احتجاجات شعبية في إيران على الغلاء المعيشي (أ.ب)
احتجاجات شعبية في إيران على الغلاء المعيشي (أ.ب)
TT

مدينة مشهد... من معقل المحافظين إلى مهد الاحتجاجات الإيرانية

احتجاجات شعبية في إيران على الغلاء المعيشي (أ.ب)
احتجاجات شعبية في إيران على الغلاء المعيشي (أ.ب)

انطلقت التحركات الاحتجاجية الأخيرة في إيران من مدينة مشهد، أحد أكبر وأهم المراكز الاقتصادية والدينية في البلاد.
ولاندلاع المظاهرات منذ أكثر من أسبوعين من هذه المنطقة بالذات دلائل مهمة تثبت هشاشة النظام والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطنون حتى في أكبر المدن التجارية في إيران.
ومشهد هي ثاني المدن المقدسة في إيران بعد مدينة «قم»، ومركز محافظة خراسان رضوى، وثاني أكبر مدينة في إيران بعد طهران.
وتحظى المدينة بقدسية خاصة بالنسبة للإيرانيين لاحتوائها على مقام «الإمام الرضا»، وتعتبر قبلة لبعض الشيعة داخل وخارج إيران، ومزاراً دينيّاً وسياحياً. كما تضم مشهد مؤسسات حكومية ودينية كثيرة مثل جامعة العلوم الإسلامية الرضوية، جامعة الإمام الرضا، المؤسسة الثقافية الرضوية، مؤسسة القدس الثقافية، مؤسسة طبع ونشر المشهد الرضوي، مركز إدارة الأمور الثقافية، مؤسسة عاشوراء، مؤسسة آل البيت وغيرها.
ومعنى انطلاق المظاهرات الحاشدة من هناك، وبحسب محللين سياسيين واجتماعيين في إيران فإن الفقر والخراب ضربا كافة محافظات إيران وصولا إلى الأماكن الدينية والسياحية بالبلاد.
وقالوا إنه في هذه الانتفاضة برزت شعارات جريئة استخدمها الإيرانيون مثل الموت للديكتاتور خامنئي، ولا نريد نظام الملالي، وهي شعارات لم ترفع في الثورات السابقة التي شهدتها إيران منذ قيام هذه الجمهورية عام 1979، حتى إنه تم هذه المرة حرق صور الخميني مؤسس الدولة، الذي يعتبره البعض رمزا دينيا.
وأشار خبراء إلى أن إيران بدأت ترفض الطابع الديني الحالي لنظام الحكم، حيث تكررت عمليات إحراق لبعض الحوزات والمقامات من قبل المواطنين، أي إنهم يعتبرونها مقرات لسلطة سياسية وليست مراكز دينية يؤمنون بها.
وأشارت أيضا صحف أجنبية عدة إلى أن الغضب الإيراني اندلع هذه المرة ليس من بين أوساط الأكراد بالشمال الغربي أو سكان الأهواز بالجنوب الغربي أو البلوش بالجنوب الشرقي، بل من بين أوساط السكان الأساسيين، في مدن مثل مشهد، معقل المحافظين السياسيين.
ومن المعروف أن المدن التي تحتوي على مراكز دينية شهيرة مثل مشهد، تشكل ركائز هامة يعتمد عليها الاقتصاد، ذلك لاستقطابها الكثير من الوفود الشعبية التي تحرك بدورها الأسواق التجارية والمحلات القريبة منها. وبالتالي، فإن الإيرانيين الذين يعيشون في مشهد يُعتبرون من أصحاب الحرف والمهن والمحال التجارية، أي من طبقة اجتماعية متوسطة الحال أو مكتفية على الأقل. لذلك، فاتخاذ هذه المدينة نقطة للانتفاض بوجه نظام الحكم يؤكد ما يردده المعارضون في الشوارع، «وصول الشعب إلى حالة اقتصادية يرثى لها في ظل غياب أي خطط إصلاحية للحد من الهدر والحفاظ على المال العام».
وتمّت الدّعوة للمشاركة في المظاهرات بمدينة مشهد في أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2017، تحت شعار «لا للغلاء»، احتجاجا على السياسات الاقتصادية لحكومة حسن روحاني.
وحول أسباب المظاهرات، قال أحمد توكلي رئيس مجلس الإدارة لمنظمة «مراقبة الشفافية والعدالة» إنّ «الاحتجاجات كانت نتيجة لضعف الحكومة والمسؤولين في حل المشاكل الاقتصادية وتجنب الشفافية والمساءلة عن القرارات المتخذة من قبل الحكومة».
كما نشرت المنظمة الدولية للعمل تقريرا سنويا بخصوص معدل نسبة البطالة في مختلف بلدان العالم. وكشفت الأرقام أن نسبة البطالة في إيران وصلت إلى 17 في المائة عام 2017، مع توقعات بالارتفاع العام المقبل.
ومن أبرز الشعارات الاقتصادية التي تردّدت في التجمّعات والاحتجاجات على الغلاء وارتفاع الأسعار: «التضخم، الغلاء، نطالب بالمساءلة يا روحاني»، و«الأثرياء المترفون.. عارٌ للشعب»، «الموت للغلاء»، و«الموت للبطالة ولروحاني الديكتاتور».



«ردع العدوان»... لماذا الآن؟ ولماذا تصمت تركيا؟

TT

«ردع العدوان»... لماذا الآن؟ ولماذا تصمت تركيا؟

مقاتلون من «تحرير الشام» على جبهة حلب (إكس)
مقاتلون من «تحرير الشام» على جبهة حلب (إكس)

أثارت عملية «ردع العدوان» التي أطلقتها «هيئة تحرير الشام»، بدعم من فصائل « غرفة عمليات الفتح المبين»، ضد الجيش السوري في حلب، تساؤلات حول توقيتها، وكذلك الموقف التركي تجاهها.

وعلى مدى أكثر من شهر، قبل انعقاد الجولة الـ22 لمسار آستانة للحل السياسي في سوريا في 11 و12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، كثفت «تحرير الشام» من استعداداتها لعملية عسكرية تستهدف توسيع سيطرتها التي تقتصر على شريط جبلي بالقرب في إدلب من حدود تركيا إلى محافظة حلب.

قوبلت الاستعدادات بالرفض من جانب روسيا، التي عقد عسكريوها لقاءات عدة مع عسكريين أتراك في إدلب؛ بهدف تخفيف التوتر بعد تصاعد الضربات الجوية الروسية، ودخول الجيش السوري على الخط، في محاولة من جانب روسيا لتحقيق سيطرة دمشق على آخر معاقل المعارضة في الشمال السوري.

قصف لـ«تحرير الشام» في حلب (أ.ف.ب)

أبدت تركيا قلقها الشديد تجاه التصعيد في إدلب، والذي يخالف التفاهم التركي - الروسي بشأن مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا، المعروفة باسم منطقة «بوتين - إردوغان».

في المقابل، ترى روسيا أن تركيا لم تفِ بتعهداتها فيما يتعلق بفصل الفصائل «المعتدلة» عن «الجماعات المتشددة» في إدلب، بموجب التفاهمات بين الجانبين.

موقف تركيا

وكشفت تقارير عن ضغوط تعرضت لها «تحرير الشام» من جانب تركيا، وتهديدات بإغلاق المعابر الحدودية مع إدلب، بما يقطع خطوط الإمداد على «تحرير الشام».

وبدا أن هناك تراجعاً من جانب «تحرير الشام» عن العملية العسكرية الموسعة، إلى أن أطلقتها بشكل مفاجئ، فجر الأربعاء، في توقيت أثار الكثير من علامات الاستفهام.

فقد جاءت العملية وسط انتقادات صريحة من جانب أنقرة لكل من روسيا وإيران بشأن عملية تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، حيث قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، منذ أيام، إن روسيا تقف على الحياد الآن في ملف التطبيع، بينما أعلنت موسكو صراحة للمرة الأولى أن تركيا تتصرف «كدولة احتلال في سوريا، وأن رفضها سحب قواتها هو ما يعرقل مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق».

جانب من تدريبات قوات «تحرير الشام» قبل عملية «ردع العدوان» (إكس)

وبعد ذلك، قال فيدان إن التطبيع بين بلاده وسوريا ليس من أولويات إيران، ولمح إلى العودة إلى مبادرة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لجمع الجانبين التركي والسوري في بغداد.

وتعارض «تحرير الشام» تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وتؤكد أن الحكومة السورية لن يكون بمقدورها أن تضيف شيئاً إلى تركيا فيما يتعلق بأمن الحدود أو عودة اللاجئين.

ويرى مراقبون أن التوصل إلى تفاهم بين أنقرة ودمشق، سيلقي بظلاله على «هيئة تحرير الشام»، وأن الحراك في هذا الاتجاه قد يدفعها إلى البحث عن حلول تضمن بقاءها ضمن أي تغييرات في الملف السوري.

أهداف «تحرير الشام»

ويعتقد هؤلاء أنه من المحتمل أن «تحرير الشام» تسعى لامتلاك أوراق قوة من خلال إطلاق معارك قد تعيد رسم خريطة السيطرة في الشمال السوري، بما يسهم في فرض تفاهمات جديدة مع دمشق، تتيح للسوريين في تركيا العودة إلى مناطقهم في حلب وجنوب إدلب وشمال حماة (مناطق خفض التصعيد).

قصف روسي على مواقع في إدلب في أكتوبر الماضي (المرصد السوري)

وبعد إطلاق عمليتها «ردع العدوان»، لم يصدر عن تركيا موقف رسمي، ولم تتحرك باتجاه الضغط على «تحرير الشام»، وكان رد الفعل الوحيد هو ما ذكره مصدر مسؤول بوزارة الدفاع التركية، الخميس، من أن تركيا تتابع عن كثب التحركات الأخيرة لفصائل المعارضة في شمال سوريا، واتخذت كل الاحتياطات لضمان أمن القوات التركية هناك.

ومع بدء التحرك من جانب «تحرير الشام»، دفعت تركيا بتعزيزات ضخمة إلى مواقع قواتها بمنطقة «درع الفرات» في حلب، فضلاً عن نقاطها العسكرية في إدلب.

موقف إيراني

على الجانب الآخر، عدّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن التحركات الأخيرة لـ«تحرير الشام» والفصائل الداعمة لها هو «مخطط أميركي - إسرائيلي»، يهدف لإرباك الأمن والاستقرار في المنطقة، عقب إخفاقات وهزائم إسرائيل أمام المقاومة.

وشدد عراقجي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب، الخميس، بخصوص آخر مستجدات الوضع في لبنان، بعد وقف إطلاق النار، على ضرورة التصدي لظاهرة الإرهاب المقيتة.

قوات من «تحرير الشام» تدخل قرى في ريف حلب الغربي (أ.ف.ب)

وقد تكون العمليات العسكرية لـ«تحرير الشام» محاولةً لإعادة تموضع جغرافي في مساحة واسعة في أرياف حلب وحماة، مستغلة الضغط الإسرائيلي على الميليشيات الإيرانية الداعمة للجيش السوري، في ظل استمرار رفض الكثيرين لنهجها، وخروج المظاهرات التي تطالب بإسقاط زعيمها أبو محمد الجولاني، والإفراج عن المعتقلين.