سنوات السينما: منزل روثتشايلد

من «منزل روثتشايلد»
من «منزل روثتشايلد»
TT

سنوات السينما: منزل روثتشايلد

من «منزل روثتشايلد»
من «منزل روثتشايلد»

The House of Rothschild
(1934)
العائلة التي بنت العالم؟

قبل أن يحقق المخرج الأميركي ألفرد ل. وركر أفلامه الجيدة (على قلتها ومنها «سار ليلاً» (He Walked by Night و«حدود مفقودة» (Lost Boundaries)، أنجز في أواخر عشرينات القرن الماضي وثلاثيناته، عددا من أفلام السير عن شخصيات حقيقية ساد الخيال معظمها تبعاً لأن الكثير منها تعامل مع شخصيات في الغرب الأميركي (مثل جيسي جيمس وكت كارسن) ما حدا بتلبيسها مسالك البطولة الفردية وتخصيصها بمفارقات ربما لم تقع أو لم تقع كما تم تقديمها.
لكن «منزل روثتشايلد» اختلف بالنسبة إليه كما بالنسبة لباقي السير آنذاك من عدة زوايا: أولها أنه عن عائلة يهودية معروفة وثانيها أنه مقتبس عن مسرحية (وضعها جورج همبر وستلي) وثالثها، وربما الأهم، هو أن الفيلم خرج وسط عواصف «سنوات اليأس» الأميركية في تلك الحقبة حيث كان ملايين الأميركيين يتضوّرون جوعاً وملايين أخرى تتشبث بالحلم الكبير ومشاهدة نموذج نجح في شق طريقه من لا شيء إلى إمبراطورية اقتصادية عالمية لبّى حاجة الفريقين معاً.
يبدأ «منزل روثتشايلد» بمشهد للأب ماير روثتشايلد يستقبل في منزله الكائن في الحي اليهودي من مدينة فرانكفورت، في العام 1780، مفتش الضرائب الألماني الذي ينوي فرض جزية قدرها 20 ألف مارك على اليهودي وأسرته. ماير يشكو من أن الأحوال صعبة وليس في حوزته ذلك المبلغ، إلا أن المفتش مقتنع بالعكس ويأمر الشرطة بالتفتيش عن المال والمجوهرات المخبأة في المنزل. لكن ماير ينجح أولاً بالتفرد بالمفتش وإغرائه بدفع رشوة شخصية. وهكذا يتم الاتفاق على تقاضي المفتش خمسة آلاف مارك تذهب لجيبه الخاص مقابل غض النظر عن الضريبة. وها هو ماير سعيد بإنجازه إذ وفّر على نفسه 15 ألف قطعة نقدية.
لا يمكن وصف هذا الفصل من الأحداث بأنه متعاطف مع شخصية اليهودي. صحيح أنه يتداول نُطقاً وصف حال عنصرية المسيحيين وقلة حيلة الجالية اليهودية غير المحبوبة، لكن تمثيل المسرحي جورج أرليس نمطي في أداء شخصية اليهودي الأب كما لو أن الفيلم مقصود به الذم وليس المدح. لاحقاً، وعلى فراش الموت يأتي المشهد الذي سيغرف من ذلك التنميط المزيد وإن كان في واقعه يريد إظهار مهارة وحذق الذهن اليهودي، فماير يجمع أولاده الخمسة ويرسل بكل منهم إلى عاصمة أوروبية مختلفة ليؤسسوا في كل منها مصرفاً على أن لا يتخذ أحد منهم قراراً إلا بموافقة الآخرين وأن يمارسوا هذا التآخي على الجالية اليهودية كلها.
تثير مشاهدة الفيلم اليوم أسئلة حول ما إذا كان ممكناً إضافة التنميط الذي بدأ به الفيلم إلى ملاحظاته حول دور العائلة في توجيه دفة الحروب الأوروبية ودوافعها السياسية والاقتصادية. هل رفض الابن الأكبر ناتان (جورج أرليس أيضاً) زواج ابنته من المسيحي مدعاة مدح فعلاً أو هو إظهار تعصب في مقابل تعصب؟ وماذا عن مقايضة أحد الأبناء ناتان الديْـن الذي تم دفعه للدوق ويلنغتون لكسب الحرب ضد نابليون بونابرت مقابل منح اليهود حرية الانتقال خارج حاراتهم؟ أليس لهم الحق في ذلك أو أنه مثال آخر على مكر آل روثتشايلد؟
هذا الالتباس ينتهي أو يكاد بالفصل الأخير من الأحداث عندما يحتفي الفيلم بنيل ناتان روثتشايلد، الذي جعل لندن عاصمة عمله، رتبة البارون من قِبل ملك بريطانيا لقاء دوره في دعم البريطانيين في معركة ووترلو الشهيرة.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.