محاكمة نمساوي من أصل ألباني خطط لعمليات إرهابية في فيينا

جند صبياً 12 سنة في ألمانيا لتنفيذ عملية انتحارية

إجراءات أمنية في العاصمة النمساوية فيينا («الشرق الأوسط»)
إجراءات أمنية في العاصمة النمساوية فيينا («الشرق الأوسط»)
TT

محاكمة نمساوي من أصل ألباني خطط لعمليات إرهابية في فيينا

إجراءات أمنية في العاصمة النمساوية فيينا («الشرق الأوسط»)
إجراءات أمنية في العاصمة النمساوية فيينا («الشرق الأوسط»)

رفعت النيابة العامة في النمسا دعوى جزائية ضد شاب نمساوي من أصل ألباني بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي أجنبي والتحضير لعمليات إرهابية في النمسا. واتهمت النيابة العامة في فيينا يوم أمس الاثنين لورينتز ك. (18 سنة) بتجنيد صبي في ألمانيا عمره 12 سنة لتنفيذ عملية تفجير في سوق لأعياد الميلاد في ألمانيا. وجاء في محضر الادعاء، المؤلف من 55 صفحة، أن لورينتز ك. خطط بنفسه لعملية انتحارية في محطة قطارات الأنفاق في فيينا بواسطة متفجرات يحملها تحت ملابسه، كما أنه أرسل إلى الشاب الألماني، من أصل عراقي، عبر الإنترنت مخططات لتركيب قنبلة معبأة بالمسامير بغية استخدامها في تفجير سوق لأعياد الميلاد قرب دار البلدية في مدينة لوفيغسهافن. وذكرت النيابة العامة أن محاكمة المتهم ستجرى في العاصمة النمساوية في الربع الأول من العام الجاري، وأنه متهم بالشروع بالقتل وتعريض أمن الدولة إلى خطر داهم. ويمكن أن ترتفع العقوبة، في حالة إدانته، إلى 15 سنة سجنا.
وتم اعتقال لورينتز ك. يوم 24 يناير (كانون الثاني) 2017 ويقضي فترة اعتقال رهن التحقيق منذ ذلك الوقت. أقسم لورينتز ك. الولاء لتنظيم «داعش»، بحسب محضر الدعوى، وخطط للعمليات الإرهابية مع زوجته الألمانية، من أصل ألباني أيضاً، التي تزوجها في ديسمبر (كانون الأول) 2016. وحصل الاثنان على مخططات لتركيب القنابل عبر الإنترنت، وكان المتهم يخطط لدفع زوجته إلى تنفيذ عملية انتحارية بحزام ناسف. وتقدم والد الزوجة بشكوى إلى الشرطة الألمانية بعد أن اكتشف في هاتف ابنته الجوال على رسائل إلكترونية من الزوج يحض زوجته على تنفيذ عملية إرهابية. والمعتقد أنه تم اعتقال لورينتز في فيينا، من قبل وحدة مكافحة الإرهاب «كوبرا»، بعد وصول بلاغ من «مخابرات صديقة» عن مدى خطورته. وواضح أن هذه المخابرات كانت شرطة الجنايات الألمانية. وكتب لورينتز ك. إلى الصبي الألماني على الإنترنت «البس معطفاً عريضاً (يغطي القنبلة), اذهب خلف أحد الدكاكين، وفجر القنبلة». ورد الصبي بالقول بأنه يعجز عن لبس المعطف لأن الحزام والقنبلة كبيران. وبادر لورينتز للسفر إلى ألمانيا حاملاً معه أجزاء القنبلة للصبي العراقي الأصل. والتقى لورينتز في مدينة نويس، بالقرب من دسلدورف، بشاب ألماني عمره 21 سنة، من أصل ألباني أيضاً، وركبا القنبلة سوية في بيت الأخير. ونفذ الاثنان تفجيراً تجريبياً مصغراً في برميل للنفايات في ضواحي مدينة نويس في يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) 2016.
واعتقل لورينتز في مدينة آخن الحدودية الألمانية سنة 2016 بسبب تحركاته المشبوهة، وتم تسليمه إلى النمسا، إلا أنه أطلق سراحه بسبب صغر سنه آنذاك ولعدم كفاية الأدلة. لكنه واصل مخططاته لتنفيذ العمليات الإرهابية بعد إطلاق سراحه. واعترف لورينتز بمخططاته أثناء التحقيق في فيينا، إلا أنه نفى عمله على تجنيد الصبي الألماني لتنفيذ عملية انتحارية. كما ادعى أنه تخلى عن مخططاته قبل أسابيع طويلة من اعتقاله، إلا أنه احتفظ بالقرار لنفسه خشية أن يتهم من قبل رفاقه «بالجبن». دخل لورينتز سجن الأحداث في مدينة نويشتادات بسبب السرقة وهو بعمر 15 سنة. وتحول إلى الإسلام في السجن وصار يرتاد مساجد المتطرفين، ويلتقي مع «ممثل» داعش في النمسا الداعية محمد محمود. أطلق على نفسه اسم «صبر ابن غريب»، وصار يتعلم العربية، ويستمع إلى خطب الداعية المتطرف مرساد أميروفيتش، الذي يلقب نفسه بـ«أبو تيمة». وأنتج لورينتز على هاتفه الجوال فيلماً يصوره مع الداعية محمد محمود، كما صار يطلق على نفسه لقب «طباخ الإرهابيين». وقال محامي الدفاع فولغانغ باليشتز إن موكله سيقر بكل التهم في المحكمة، لكنه سينكر العضوية في «داعش»، وينفي تجنيده للصبي الألماني في لودفيغسهافن. وكتبت مجلة «فوكوس» آنذاك أن لورينتز ك. اعترف للسلطات النمساوية أثناء التحقيق بأنه أقسم الولاء لـ«داعش»، وأنه كان يحضر لتفجير محطة فيينا الغربية لقطارات الأنفاق في وقت يزدحم فيها الناس. والمهم أيضاً أن المتهم في فيينا اعترف أنه بنى القنبلة المفترضة في ألمانيا. وسبق للباحثة كلاوديا دانتشكة، الخبيرة في شؤون التنظيمات المتطرفة ببرلين، أن حذرت من أن المنظمات المتشددة تعيد ترتيب تنظيماتها بهدف الخلاص من الرقابة. وأضافت أن الرقابة الألمانية المشددة أجبرتهم على نقل نشاطهم من برلين إلى ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، ومن ثم إلى سويسرا والنمسا بعد أن لاحقتهم الرقابة إلى هذه الولاية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟