جيش الساحل لمواجهة الإرهاب... بداية تجاوز إشكالية التمويل

لمكافحة التنظيمات المتعددة والمتداخلة مع عالم الجريمة وتجارة المخدرات

تدريبات عناصر من قوات «أفريكوم» في مالي استعداداً لمواجهة التنظيمات المتطرفة («الشرق الأوسط»)
تدريبات عناصر من قوات «أفريكوم» في مالي استعداداً لمواجهة التنظيمات المتطرفة («الشرق الأوسط»)
TT

جيش الساحل لمواجهة الإرهاب... بداية تجاوز إشكالية التمويل

تدريبات عناصر من قوات «أفريكوم» في مالي استعداداً لمواجهة التنظيمات المتطرفة («الشرق الأوسط»)
تدريبات عناصر من قوات «أفريكوم» في مالي استعداداً لمواجهة التنظيمات المتطرفة («الشرق الأوسط»)

تكثف بعض القوى الدولية والإقليمية من وتيرة تجهيز «جيش الساحل»، باعتباره القوة الجديدة لمحاربة الإرهاب في دول الساحل الأفريقي. وجاءت القمة الأوروبية الأفريقية الأخيرة بباريس يوم الأربعاء 13 ديسمبر (كانون الأول) 2017، والتي عرفت مشاركة المملكة العربية السعودية و20 من قادة أوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وشركاء دوليين آخرين، لتؤشر على بداية حقيقية، ومنعطف حاسم في التشكيل الفعلي لجيش (جي 5)، وتنزيل أهدافه الاستراتيجية، في رقع جغرافية، تموج بالتنظيمات الإرهابية.
ذلك أن إعلان ميلاد الجيش يوم الأحد الثاني من يوليو (تموز) 2017 في دولة مالي، واجهته عقبتان رئيستان: الأولى، تتعلق بالتمويل؛ والأخرى، تهم الخلافات بين كلٍّ من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وكذا الموقف الجزائري تجاه تكوين «جيش الساحل»، حيث ترفض الجزائر الانضمام إلى هذا الجيش رغم إلحاح باريس في طلبها.
على المستوى المالي، وفي إطار جهود المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف الإسلامي ضد الإرهاب؛ أعلنت الرياض عن تقديمها أكبر مساهمة مالية متبرَّع بها بمبلغ 100 مليون يورو، لبناء الجيش الجديد لدول الساحل والصحراء التي تضم بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد.
وبالإضافة إلى الدعم السعودي، قررت دولة الإمارات العربية المتحدة بدورها المساهمة بمبلغ 30 مليوناً. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي، وعد بتقديم 50 مليون يورو، بينما التزمت فرنسا الدولة بقيمة 8 ملايين يورو، عبارة عن معدات عسكرية. أما الدول المؤسِّسة لـ«جيش الساحل» فقد التزمت بتقديم 10 ملايين يورو لهذه القوة الوليدة؛ فيما وعدت الولايات المتحدة، دولَ الساحل الخمس بمساعدة تبلغ 60 مليون دولار؛ من جهتها عبرت فرنسا وبعض دول الساحل عن استعدادها للمساعدة في تدريب القوات وتبادل المعلومات.

ميلاد جديد في 2018

ويبدو أن الجيش الجديد الخاص بمكافحة الجماعات الإرهابية، سيولد فعلياً بداية هذه السنة، خصوصاً بعد تجاوزه أكبر معوق له وهو الجانب المادي. ومن جهة ثانية، فإن التسريع في تكوينه وممارسة مهامه لم يعد هماً خاصاً لدول الساحل؛ بل أصبح مصلحة استراتيجية لكل من فرنسا وأميركا رغم خلافاتهما في الساحل وغرب أفريقيا. ذلك أن نشاط الجماعات الإرهابية المتعددة، ازداد بالمنطقة في النصف الثاني من سنة 2017، واستطاع تهديد المصالح الحيوية لفرنسا وأميركا، كما قتل بعضاً من جنودهما المنتشرين في المنطقة. ومن جهة أخرى أدت سيطرة الجماعات الإرهابية على نحو ثلثي مساحة مالي إلى إعلان الحكومة عن تأجيل الانتخابات الإقليمية التي كان مقرراً إجراؤها يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2017، «لكي تنظم انتخابات شاملة في أجواء سلمية»؛ ويأتي هذا التأجيل في الوقت الذي كسبت جماعة «أنصار الإسلام والمسلمين» بزعامة إياد آغ غالي، وغيرها من التنظيمات، مزيداً من الأنصار خصوصاً في صفوف عرقية البولس.
ومن المرتقب أن يتكون «جيش الساحل» من 5000 جندي، مع بداية 2018، ويوجد مقر قيادته المركزية في مالي. وترى دول الساحل أن هذه القوة تحتاج إلى مبلغ 240 مليون يورو لتمويلها الإجمالي، كما أنها ستتكلف سنوياً 100 مليون يورو. وتعمل القوة المسلحة الجديدة، بـ7 فرق عسكرية، تستحوذ مالي والنيجر على فرقتين لكل بلد نظراً إلى التحديات الجمة التي تواجه جيشي البلدين. بينما خُصص لكل من تشاد وموريتانيا وبوركينا فاسو، فرقة واحدة لكل بلد؛ وتشير الاتفاقية المبرمة بين الدول الخمس للساحل إلى أن هذه القوات لها الحق في ملاحقة الإرهابيين، والقيام بالعمل العسكري على مساحة تمتد 50 كلم في البلد المجاور، الشيء الذي سيمكّنها من تحسين تأمين حدود الدول الأعضاء.
ومن الناحية التنظيمية، وزِّع «جيش الساحل» على 3 «شُعب»: الأولى، سُميت الشعبة المركزية، وتضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ والثانية، أُطلق عليها الشعبة الشرقية، وتتكون من النيجر وتشاد التي تقودها؛ وأخيراً الشعبة الغربية وتضم موريتانيا ومالي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل جيوش الدول الأعضاء تعاني من قلة الإمكانات اللوجيستية، وضعف الجانب الاستخباراتي وشح الموارد المالية، مما يجعلها عاجزة عن حماية حدودها، أمام نشاط الإرهابيين والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
ويدفع هذا الوضع المالي الهش بعض دول «جي 5»، إلى طلب وضع هذا الجيش الجديد تحت إشراف الأمم المتحدة مثل الوحدات الدولية «ميوسما» المتكونة من 10 آلاف جندي، يدعمون 4 آلاف جندي فرنسي، تحمل اسم (برخان)، منتشرين في مالي؛ إلا أن هذا الاقتراح رفضته الولايات المتحدة الأميركية، وأيّدت في المقابل توفير الوحدات الأممية لـ«جيش الساحل»، المياه والوقود والذخائر، دون الرواتب، أو وضع الجنود تحت الحماية الدولية.

خلافات أميركا وفرنسا

ورغم الخلافات البينية بين فرنسا وأميركا، فإن الحوار بينهما لم ينقطع بخصوص تجاوز الإشكال المالي للقوة العسكرية الجديدة؛ فقد ظلت فرنسا مصرة على تقديم واشنطن مزيداً من الدعم للجيش الوليد، غير أنها جوبهت بسياسة جديدة ينتهجها البيت الأبيض بقيادة الرئيس ترمب، وهي تقليص الدعم المالي الخارجي. ففي زيارتها الأخيرة لواشنطن طالبت فلورنس بارلي، وزيرة الدفاع الفرنسية، يوم الجمعة 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، الولايات المتحدة بتكثيف دعمها لـ«جيش الساحل» المزمع تشكيله لمحاربة الإرهابيين في الساحل وغرب أفريقيا، وألا تترك فرنسا تتحمل العبء وحدها.
وقالت بارلي في ندوة لها بأحد مراكز الأبحاث بواشنطن: «في منطقة الساحل تنتشر فرنسا في أجواء شديدة التوتر بدعم هائل من الولايات المتحدة. نحن ممتنون بشدة لهذا الدعم... لكن لا بد من فعل ما هو أكثر من ذلك بكثير. لا يمكن أن نكون، ولا نريد أن نكون، (حراساً) لدول أفريقية ذات سيادة، لا بد من تمكينها من هزيمة الإرهاب بمفردها».
ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تمنح الأولوية للتعاون الاستخباراتي والتدريب، كما أنها تعمل بشكل مستقل عن التوجهات والاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل والصحراء، وتستحضر الجانب الاقتصادي وصراعها مع الصين في المنطقة. فقد كشف مقتل 3 من الجنود الأميركيين في أكتوبر 2017، عن سياسة أميركية منفصلة عن الهدف الفرنسي من تكوين «جيش الساحل»؛ فالولايات المتحدة مثل فرنسا تنشر قواتها الخاصة في كثير من مناطق دول الساحل، ويشارك نحو 1000 جندي أميركي في دورية عسكرية مشتركة مع قوات النيجر؛ وانتقلت واشنطن لمرحلة متقدمة في بناء قاعدة عسكرية بالنيجر في انيامي وأغاديز. بينما تم نشر نحو 1000 جندي أميركي في المناطق المحاذية لحوض نهر تشاد التي تضم تشاد وشمال النيجر وجمهورية وسط أفريقيا، يضاف إليهم نحو 300 جندي جنوب الكاميرون، علماً بأن لواشنطن قاعدة عسكرية بمدينة أغوارا الكاميرونية. وفي هذا السياق يشير بعض التقارير إلى أن أميركا ضاعفت من وجود قواتها الخاصة بأفريقيا بنسبة 300% بين 2010 و2017.
فبالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، فقاعدتها العسكرية بأغاديز، تمثل بؤرة لمراقبة جوية لمنطقة الساحل وتستعمل في ذلك طائرات من دون طيار من نوع MQ9 في محاربتها للجماعات الإرهابية. غير أن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة لا يخفي قلقه من التغلغل الصيني الاقتصادي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، فمؤسسة النفط الوطنية الصينية لها رخصة التنقيب عن النفط في حوض أغاديز بالنيجر، وهذه المؤسسة الصينية تعمل على بناء واستغلال مصفاة سوراز القريبة من ثاني أكبر مدينة في النيجر. كما أن الصين ستنجز عملية بموجبها سيتم نقل النفط عبر أراضي النيجر وتشاد وبوركينا فاسو والكاميرون.
وعلى ما يبدو فمنطقة الساحل التي تزخر بموارد طبيعية وطاقية مهمة جداً، لا تعاني من الإرهاب والهشاشة الأمنية والفقر فحسب؛ ولكنها تعاني أيضاً من صراع جيوستراتيجي بين 3 قوى دولية كبيرة هي: الصين، والولايات المتحدة، وفرنسا.

خلاصات

يمكن القول إن فرنسا تريد الخروج العسكري من منطقة الساحل مع ضمان مصالحها، دون أن تعرّض جيشها للخطر المباشر؛ فالإرهاب في المنطقة اندمج بشكل شبه كلي مع الاتجار في البشر والمخدرات، في مساحة واسعة جداً تمتد بين حوض تودني غرباً وحوض بحيرات تشاد شرقاً، مع نوع من الانسجام الاجتماعي بين مختلف شعوب المنطقة.
كما أن مصالح فرنسا والدول الإقليمية تمر عبر محاربة الإرهاب الذي يزعزع الأمن والاستقرار ويهدد بشكل مباشر الاستثمارات وجلب الموارد التي تعتمد عليها باريس في اقتصادها الوطني، خصوصاً الذهب، والبوكسيت، واليورانيوم، والحديد، والنحاس، واللتيوم، والمنجنيز، والفوسفات، والملح... من جهة أخرى فإن صراعات باريس الجيوسياسية مع الصين وأميركا، تدفعها إلى مزيد من البحث عن تأمين منطقة الساحل بطرق مختلفة، آخرها «جيش الساحل».
عموماً يمكن القول إن جيش الساحل، هو قوة عسكرية ضرورية لمواجهة التنظيمات الإرهابية المتعددة والمتداخلة مع عالم الجريمة الدولية وتجارة المخدرات العابرة للصحراء الكبرى. وعليه فإن التعاون ومساندة هذه القوة الجديدة مسؤولية الدول الكبرى، ولا بد لها من تجاوز خلافاتها، وتوفير مزيد من الدعم المالي والتقني والسلاح والتدريب لهذا الجيش، وجعلها نواة لقوة أفريقية محاربة للإرهاب في كل القارة السمراء.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية - جامعة محمد الخامس



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.