جيش الساحل لمواجهة الإرهاب... بداية تجاوز إشكالية التمويل

لمكافحة التنظيمات المتعددة والمتداخلة مع عالم الجريمة وتجارة المخدرات

تدريبات عناصر من قوات «أفريكوم» في مالي استعداداً لمواجهة التنظيمات المتطرفة («الشرق الأوسط»)
تدريبات عناصر من قوات «أفريكوم» في مالي استعداداً لمواجهة التنظيمات المتطرفة («الشرق الأوسط»)
TT

جيش الساحل لمواجهة الإرهاب... بداية تجاوز إشكالية التمويل

تدريبات عناصر من قوات «أفريكوم» في مالي استعداداً لمواجهة التنظيمات المتطرفة («الشرق الأوسط»)
تدريبات عناصر من قوات «أفريكوم» في مالي استعداداً لمواجهة التنظيمات المتطرفة («الشرق الأوسط»)

تكثف بعض القوى الدولية والإقليمية من وتيرة تجهيز «جيش الساحل»، باعتباره القوة الجديدة لمحاربة الإرهاب في دول الساحل الأفريقي. وجاءت القمة الأوروبية الأفريقية الأخيرة بباريس يوم الأربعاء 13 ديسمبر (كانون الأول) 2017، والتي عرفت مشاركة المملكة العربية السعودية و20 من قادة أوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وشركاء دوليين آخرين، لتؤشر على بداية حقيقية، ومنعطف حاسم في التشكيل الفعلي لجيش (جي 5)، وتنزيل أهدافه الاستراتيجية، في رقع جغرافية، تموج بالتنظيمات الإرهابية.
ذلك أن إعلان ميلاد الجيش يوم الأحد الثاني من يوليو (تموز) 2017 في دولة مالي، واجهته عقبتان رئيستان: الأولى، تتعلق بالتمويل؛ والأخرى، تهم الخلافات بين كلٍّ من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وكذا الموقف الجزائري تجاه تكوين «جيش الساحل»، حيث ترفض الجزائر الانضمام إلى هذا الجيش رغم إلحاح باريس في طلبها.
على المستوى المالي، وفي إطار جهود المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف الإسلامي ضد الإرهاب؛ أعلنت الرياض عن تقديمها أكبر مساهمة مالية متبرَّع بها بمبلغ 100 مليون يورو، لبناء الجيش الجديد لدول الساحل والصحراء التي تضم بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد.
وبالإضافة إلى الدعم السعودي، قررت دولة الإمارات العربية المتحدة بدورها المساهمة بمبلغ 30 مليوناً. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي، وعد بتقديم 50 مليون يورو، بينما التزمت فرنسا الدولة بقيمة 8 ملايين يورو، عبارة عن معدات عسكرية. أما الدول المؤسِّسة لـ«جيش الساحل» فقد التزمت بتقديم 10 ملايين يورو لهذه القوة الوليدة؛ فيما وعدت الولايات المتحدة، دولَ الساحل الخمس بمساعدة تبلغ 60 مليون دولار؛ من جهتها عبرت فرنسا وبعض دول الساحل عن استعدادها للمساعدة في تدريب القوات وتبادل المعلومات.

ميلاد جديد في 2018

ويبدو أن الجيش الجديد الخاص بمكافحة الجماعات الإرهابية، سيولد فعلياً بداية هذه السنة، خصوصاً بعد تجاوزه أكبر معوق له وهو الجانب المادي. ومن جهة ثانية، فإن التسريع في تكوينه وممارسة مهامه لم يعد هماً خاصاً لدول الساحل؛ بل أصبح مصلحة استراتيجية لكل من فرنسا وأميركا رغم خلافاتهما في الساحل وغرب أفريقيا. ذلك أن نشاط الجماعات الإرهابية المتعددة، ازداد بالمنطقة في النصف الثاني من سنة 2017، واستطاع تهديد المصالح الحيوية لفرنسا وأميركا، كما قتل بعضاً من جنودهما المنتشرين في المنطقة. ومن جهة أخرى أدت سيطرة الجماعات الإرهابية على نحو ثلثي مساحة مالي إلى إعلان الحكومة عن تأجيل الانتخابات الإقليمية التي كان مقرراً إجراؤها يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2017، «لكي تنظم انتخابات شاملة في أجواء سلمية»؛ ويأتي هذا التأجيل في الوقت الذي كسبت جماعة «أنصار الإسلام والمسلمين» بزعامة إياد آغ غالي، وغيرها من التنظيمات، مزيداً من الأنصار خصوصاً في صفوف عرقية البولس.
ومن المرتقب أن يتكون «جيش الساحل» من 5000 جندي، مع بداية 2018، ويوجد مقر قيادته المركزية في مالي. وترى دول الساحل أن هذه القوة تحتاج إلى مبلغ 240 مليون يورو لتمويلها الإجمالي، كما أنها ستتكلف سنوياً 100 مليون يورو. وتعمل القوة المسلحة الجديدة، بـ7 فرق عسكرية، تستحوذ مالي والنيجر على فرقتين لكل بلد نظراً إلى التحديات الجمة التي تواجه جيشي البلدين. بينما خُصص لكل من تشاد وموريتانيا وبوركينا فاسو، فرقة واحدة لكل بلد؛ وتشير الاتفاقية المبرمة بين الدول الخمس للساحل إلى أن هذه القوات لها الحق في ملاحقة الإرهابيين، والقيام بالعمل العسكري على مساحة تمتد 50 كلم في البلد المجاور، الشيء الذي سيمكّنها من تحسين تأمين حدود الدول الأعضاء.
ومن الناحية التنظيمية، وزِّع «جيش الساحل» على 3 «شُعب»: الأولى، سُميت الشعبة المركزية، وتضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ والثانية، أُطلق عليها الشعبة الشرقية، وتتكون من النيجر وتشاد التي تقودها؛ وأخيراً الشعبة الغربية وتضم موريتانيا ومالي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل جيوش الدول الأعضاء تعاني من قلة الإمكانات اللوجيستية، وضعف الجانب الاستخباراتي وشح الموارد المالية، مما يجعلها عاجزة عن حماية حدودها، أمام نشاط الإرهابيين والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
ويدفع هذا الوضع المالي الهش بعض دول «جي 5»، إلى طلب وضع هذا الجيش الجديد تحت إشراف الأمم المتحدة مثل الوحدات الدولية «ميوسما» المتكونة من 10 آلاف جندي، يدعمون 4 آلاف جندي فرنسي، تحمل اسم (برخان)، منتشرين في مالي؛ إلا أن هذا الاقتراح رفضته الولايات المتحدة الأميركية، وأيّدت في المقابل توفير الوحدات الأممية لـ«جيش الساحل»، المياه والوقود والذخائر، دون الرواتب، أو وضع الجنود تحت الحماية الدولية.

خلافات أميركا وفرنسا

ورغم الخلافات البينية بين فرنسا وأميركا، فإن الحوار بينهما لم ينقطع بخصوص تجاوز الإشكال المالي للقوة العسكرية الجديدة؛ فقد ظلت فرنسا مصرة على تقديم واشنطن مزيداً من الدعم للجيش الوليد، غير أنها جوبهت بسياسة جديدة ينتهجها البيت الأبيض بقيادة الرئيس ترمب، وهي تقليص الدعم المالي الخارجي. ففي زيارتها الأخيرة لواشنطن طالبت فلورنس بارلي، وزيرة الدفاع الفرنسية، يوم الجمعة 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، الولايات المتحدة بتكثيف دعمها لـ«جيش الساحل» المزمع تشكيله لمحاربة الإرهابيين في الساحل وغرب أفريقيا، وألا تترك فرنسا تتحمل العبء وحدها.
وقالت بارلي في ندوة لها بأحد مراكز الأبحاث بواشنطن: «في منطقة الساحل تنتشر فرنسا في أجواء شديدة التوتر بدعم هائل من الولايات المتحدة. نحن ممتنون بشدة لهذا الدعم... لكن لا بد من فعل ما هو أكثر من ذلك بكثير. لا يمكن أن نكون، ولا نريد أن نكون، (حراساً) لدول أفريقية ذات سيادة، لا بد من تمكينها من هزيمة الإرهاب بمفردها».
ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تمنح الأولوية للتعاون الاستخباراتي والتدريب، كما أنها تعمل بشكل مستقل عن التوجهات والاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل والصحراء، وتستحضر الجانب الاقتصادي وصراعها مع الصين في المنطقة. فقد كشف مقتل 3 من الجنود الأميركيين في أكتوبر 2017، عن سياسة أميركية منفصلة عن الهدف الفرنسي من تكوين «جيش الساحل»؛ فالولايات المتحدة مثل فرنسا تنشر قواتها الخاصة في كثير من مناطق دول الساحل، ويشارك نحو 1000 جندي أميركي في دورية عسكرية مشتركة مع قوات النيجر؛ وانتقلت واشنطن لمرحلة متقدمة في بناء قاعدة عسكرية بالنيجر في انيامي وأغاديز. بينما تم نشر نحو 1000 جندي أميركي في المناطق المحاذية لحوض نهر تشاد التي تضم تشاد وشمال النيجر وجمهورية وسط أفريقيا، يضاف إليهم نحو 300 جندي جنوب الكاميرون، علماً بأن لواشنطن قاعدة عسكرية بمدينة أغوارا الكاميرونية. وفي هذا السياق يشير بعض التقارير إلى أن أميركا ضاعفت من وجود قواتها الخاصة بأفريقيا بنسبة 300% بين 2010 و2017.
فبالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، فقاعدتها العسكرية بأغاديز، تمثل بؤرة لمراقبة جوية لمنطقة الساحل وتستعمل في ذلك طائرات من دون طيار من نوع MQ9 في محاربتها للجماعات الإرهابية. غير أن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة لا يخفي قلقه من التغلغل الصيني الاقتصادي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، فمؤسسة النفط الوطنية الصينية لها رخصة التنقيب عن النفط في حوض أغاديز بالنيجر، وهذه المؤسسة الصينية تعمل على بناء واستغلال مصفاة سوراز القريبة من ثاني أكبر مدينة في النيجر. كما أن الصين ستنجز عملية بموجبها سيتم نقل النفط عبر أراضي النيجر وتشاد وبوركينا فاسو والكاميرون.
وعلى ما يبدو فمنطقة الساحل التي تزخر بموارد طبيعية وطاقية مهمة جداً، لا تعاني من الإرهاب والهشاشة الأمنية والفقر فحسب؛ ولكنها تعاني أيضاً من صراع جيوستراتيجي بين 3 قوى دولية كبيرة هي: الصين، والولايات المتحدة، وفرنسا.

خلاصات

يمكن القول إن فرنسا تريد الخروج العسكري من منطقة الساحل مع ضمان مصالحها، دون أن تعرّض جيشها للخطر المباشر؛ فالإرهاب في المنطقة اندمج بشكل شبه كلي مع الاتجار في البشر والمخدرات، في مساحة واسعة جداً تمتد بين حوض تودني غرباً وحوض بحيرات تشاد شرقاً، مع نوع من الانسجام الاجتماعي بين مختلف شعوب المنطقة.
كما أن مصالح فرنسا والدول الإقليمية تمر عبر محاربة الإرهاب الذي يزعزع الأمن والاستقرار ويهدد بشكل مباشر الاستثمارات وجلب الموارد التي تعتمد عليها باريس في اقتصادها الوطني، خصوصاً الذهب، والبوكسيت، واليورانيوم، والحديد، والنحاس، واللتيوم، والمنجنيز، والفوسفات، والملح... من جهة أخرى فإن صراعات باريس الجيوسياسية مع الصين وأميركا، تدفعها إلى مزيد من البحث عن تأمين منطقة الساحل بطرق مختلفة، آخرها «جيش الساحل».
عموماً يمكن القول إن جيش الساحل، هو قوة عسكرية ضرورية لمواجهة التنظيمات الإرهابية المتعددة والمتداخلة مع عالم الجريمة الدولية وتجارة المخدرات العابرة للصحراء الكبرى. وعليه فإن التعاون ومساندة هذه القوة الجديدة مسؤولية الدول الكبرى، ولا بد لها من تجاوز خلافاتها، وتوفير مزيد من الدعم المالي والتقني والسلاح والتدريب لهذا الجيش، وجعلها نواة لقوة أفريقية محاربة للإرهاب في كل القارة السمراء.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية - جامعة محمد الخامس



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».