قلق حقوقي من ظروف اعتقال 20 ألف جزائري في أوروبا

لقاء جرى بين الرئيسين الجزائري والفرنسي الشهر الماضي في الجزائر العاصمة (أ.ف.ب)
لقاء جرى بين الرئيسين الجزائري والفرنسي الشهر الماضي في الجزائر العاصمة (أ.ف.ب)
TT

قلق حقوقي من ظروف اعتقال 20 ألف جزائري في أوروبا

لقاء جرى بين الرئيسين الجزائري والفرنسي الشهر الماضي في الجزائر العاصمة (أ.ف.ب)
لقاء جرى بين الرئيسين الجزائري والفرنسي الشهر الماضي في الجزائر العاصمة (أ.ف.ب)

عبر أشهر تنظيم حقوقي جزائري في تقرير حديث عن قلقه من «الطريقة غير الإنسانية والمعاملة السيئة التي يتعرض لها المهاجرون الجزائريون، الموجودون بأوروبا في وضع غير قانوني». وقال إن المهاجرين المعتقلين في إسبانيا على وجه الخصوص «يعانون من ظروف احتجاز قاهرة، ميزتها الجوع والبرد والعنصرية».
وصدر تقرير «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان» أمس، على خلفية وفاة مواطن جزائري في إسبانيا، ومقتل مواطنين آخرين في فرنسا الأسبوع الماضي في ظروف غامضة. وشكك التقرير في رواية الشرطة الإسبانية، التي قالت أول من أمس، إن الشاب الجزائري «تم العثور عليه منتحراً في زنزانته» بسجن مدينة ملقة في جنوب البلاد. ونقلت «الرابطة» عن شقيق المتوفى قوله إنه «لم ينتحر، وإنما تعرض لضرب عنيف في السجن».
من جانبه، صرح الطيب لوح، وزير العدل حافظ الأختام في البرلمان، بأن «النيابة الجزائرية فتحت تحقيقاً في ظروف الوفاة الغامضة للمواطن محمد بودربالة في إسبانيا واثنين آخرين بفرنسا». وتحدث عن «مساعٍ لتسلم جثة الضحية وإعادة تشريحها والقيام بالإنابات القضائية اللازمة».
وقال الوزير إن «السلطات الإسبانية أجرت تحقيقاً في الظروف الغامضة لوفاة الرعية الجزائري، والجزائر فتحت بدورها تحقيقاً في القضية، وهذا بموجب قانون الإجراءات الجزائية».
وبخصوص المواطنين الجزائريين اللذين اغتيلا في ظروف غامضة بفرنسا، قال لوح إن «النيابة فتحت تحقيقاً في هذه القضية طبقاً لقانون الإجراءات الجزائية، والجزائر تربطها بفرنسا اتفاقية في المجال الجزائي، ويعد هذا من النتائج الملموسة لسياسات رئيس الجمهورية، الهادفة إلى ضمان كرامة المواطن الجزائري».
وأفاد تقرير «الرابطة» بأن مهاجرين رحلتهم السلطات الإسبانية، بعد وفاة بودربالة «أشاروا في تصريحاتهم للشرطة الجزائرية إلى انتهاك حقوقهم أثناء فترة احتجاز داخل سجن ملقة، واشتكوا من الضرب ومن سجنهم دون تهمة». وبلغ عدد الجزائريين المرحلين من إسبانيا، العام الماضي 868 مرحلاً، حسب «الرابطة»، كلهم سافروا عبر البحر بواسطة قوارب تقليدية. كما أحصى التقرير أكثر من 20 ألف معتقل في سجون 7 دول أوروبية؛ هي ألمانيا وإيطاليا واليونان وبريطانيا وبلجيكا، إضافة إلى إسبانيا وفرنسا. وذكر بأن «غالبيتهم يواجهون التمييز العنصري، بينما لا تؤدي سفاراتنا وقنصلياتنا في أوروبا دورها تجاه مواطنينا المحتجزين، المتهمين في جرائم قتل ومخدرات والإقامة دون وثائق». وأوضح التنظيم الحقوقي في تقرير منفصل، تناول «العنف في البلاد عام 2017»، أن 13 ألف حالة عنف وقعت العام الماضي في المدن والمناطق الحضرية الكبرى، تمثلت في القتل المتعمد والضرب وسوء المعاملة. وضحايا أشكال العنف، هم في الغالب نساء وأطفال. وأضاف بهذا الخصوص أنه «خلال الشهور التسعة الأولى من السنة الماضية تعرضت 7500 امرأة إلى اعتداءات مختلفة، على الرغم من دخول الترتيبات الجديدة في قانون العقوبات، الخاصة بحماية المرأة من العنف والتحرش الجنسي، حيز التنفيذ».
وتحدث التقرير عن «إفشال 55 ألف محاولة خطف أطفال» خلال عام 2017، من طرف قوات الأمن، مشيراً إلى وجود 11 ألف طفل متشرد ينتشرون في شوارع المدن الكبيرة، ويمتهنون في الغالب بيع الخبز التقليدي والسجائر.
كما تناول التقرير الحقوقي «التوتر الحاد في الجبهة الاجتماعية»، بسبب قلق بالغ في أوساط فئات واسعة من المجتمع، ناجم عن انعدام رؤية اقتصادية واضحة، ناجمة بدورها عن فشل الحكومة في مواجهة أزمة سعر النفط، خصوصاً بعد أن قلصت السلطات من موازنة الإنفاق الاجتماعي، ورفعت أسعار كثير من المواد ذات الاستهلاك الواسع، ونتج عن ذلك تدهور حاد في القدرة الشرائية لدى الملايين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود.
وأفاد تقرير «الرابطة» بهذا الخصوص، بأن قطاعات الطيران المدني والبريد والمحروقات والسكة الحديد والتعليم، شهدت إضرابات «كانت عاكسة لضيق شديد يعاني منه العمال والموظفون». وأعاب التنظيم على السلطات، بأن «الحق الوحيد الذي تعترف به للمواطن هو الحق في الانتخاب»، في إشارة إلى إلحاح السلطات في المواعيد الانتخابية على المواطن بأن يصوت. وغالباً ما يكون هذا الإلحاح مرفوقاً بحملة تخويف من «ضياع الاستقرار» الذي تنعم به البلاد.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.