ذوو الضحايا في البيرو غاضبون من العفو عن فوجيموري

TT

ذوو الضحايا في البيرو غاضبون من العفو عن فوجيموري

يدرس أهالي ضحايا نظام حكومة ألبرتو فوجيموري التدابير التي يتعين القيام بها لتقديم استئناف، بعد خروج فوجيموري المحكوم عليه بالسجن 25 عاما بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، حرا طليقا من المستشفى الذي نقل إليه في 23 ديسمبر (كانون الأول)، وحصوله في اليوم التالي على عفو «إنساني» من الرئيس الحالي بيدرو بابلو كوزينسكي.
وقالت غلاديس روبينا: «لدي شعور بأنهم قتلوا شقيقتي مرة ثانية». وعلى غرار أقرباء آخرين لضحايا حكومة فوجيموري، عمدت غلاديس أول من أمس (الجمعة) إلى تفجير غضبها بعد خروج الرئيس البيروفي السابق المعفو عنه من المستشفى. وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت غلاديس (49 عاما) فيما كانت تضم صورة شقيقتها إلى صدرها خلال اجتماع لعائلات الضحايا، إن «والدتي تتألم، تنظر إلى غرفة شقيقتي وتنصرف إلى البكاء، فيما يجلس هذا السيد (فوجيموري) مع أبنائه الذين يستطيعون أن يضموه إلى صدورهم ويعانقوه».
وشقيقة غلاديس روبينا، نيللي روبينا التي كانت في السابعة عشرة من عمرها لدى وقوع الأحداث، هي في عداد الضحايا الـ15 لمجزرة حي باريوس ألتوس في ليما. وكانت إحدى فرق الموت المؤلفة من عسكريين، اقتحمت حفلا في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 1991، وقتلت جميع الأشخاص الموجودين، المتهمين بأنهم تعاونوا مع تنظيم الدرب المضيء (المتطرف الماوي). وأقر القضاء البيروفي أن هذا الاتهام كان كاذبا، خلال محاكمة الرجل القوي السابق في البيرو (1990 - 2000)، الذي حكم عليه في نهايتها بالسجن 25 عاما في 2009، لأنه أمر بارتكاب مجزرتين، إحداهما تلك التي وقعت في باريوس ألتوس.
وقالت روزا روخاس، التي فقدت زوجها وابنها (8 سنوات)، في تحقيق لـ«فرانس برس» من ليما، إن «الجرح الذي أشعر به لم يندمل أبدا». وتساءلت: «كيف يمكن أن يتمتع فوجيموري بالحرية بعدما دمر عائلة؟». وأضافت ربة العائلة هذه التي نجت بأعجوبة من المجزرة عندما هربت لدى دخول الجنود: «كنا خمسة، ولم نعد سوى ثلاثة». وقد أمضى فوجيموري، 79 عاما، 12 عاما في السجن، وأعفى عنه في 24 ديسمبر (كانون الأول) الرئيس كوزينسكي الذي كان تعهد خلال حملته الانتخابية في 2016 بأن لا يفرج عنه. وتأخذ شريحة من الشعب البيروفي على «بي بي كاي»، مختصر اسم الرئيس وكنيته، أنه تفاوض على بقائه رئيسا للدولة مع نجل فوجيموري، كينجي فوجيموري، النائب في حزب «فورزا بوبيلار» أبرز أحزاب المعارضة. وفي 21 ديسمبر نجا الرئيس الآتي من يمين الوسط من إجراء إقالة في البرلمان بدأ بسبب صلاته بمجموعة أوديبريشت البرازيلية العملاقة للأشغال العامة والإنشاءات. وأعلن ذوو الضحايا أنهم ناشدوا محكمة البلدان الأميركية لحقوق الإنسان، التي تتخذ من سان خوسيه في كوستاريكا مقرا، محاسبة الحكومة البيروفية، وأن تدرس صحة هذا العفو. ومن المقرر أن تعقد جلسة حول هذا الموضوع في الثاني من فبراير (شباط). وقالت جيزيلا أورتيز: «نريد من المحكمة أن تستمع إلى أطراف النزاع، أن تستمع إلى الضحايا، وأيضا إلى الدولة البيروفية حتى تدرك أن هذا العفو ما كان يجب أن يحصل».
وكانت فرقة عسكرية خطفت شقيقها لويس إنريك أورتيز، في الثانية والعشرين من عمره، مع ثمانية طلبة آخرين ومدرس، في 18 يوليو (تموز) 1992 في جامعة لا كانتوتا، وقتلوا جميعا ودفنوا في حفرة. وعثر على رفات خمسة فقط من الضحايا العشر.
وقالت جيزيلا أورتيز، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «كل آمالنا باتت معلقة بجلسة محكمة البلدان الأميركية». وأضافت أن «الجثة الوحيدة الكاملة (التي عثر عليها) كانت جثة شقيقي، أما الجثث الأخرى فأحرقت». وأوضحت أن «فوجيموري يستطيع متابعة مشاريعه الشخصية ومواصلة العيش مع عائلته، لكن مشاريعنا الشخصية نحن، ومشاريع عائلاتنا، لم تعد موجودة، بسبب قرار سياسي اتخذه. هذا ظلم دائم». وبصوت مفعم بالهدوء، قالت كارولينا أوياغ التي فقدت شقيقتها دورا (22 عاما) في مجزرة لا كانتوتا: «إنه يسخر من أمهاتنا اللواتي لم يدخرن جهدا للمطالبة بأن تأخذ العدالة مجراها. فوجيموري لا يفي بأي من الشروط للحصول على عفو إنساني. هذا العفو سياسي فقط».
وداخل المنزل، كان ثلاثة أولاد آخرون ينتظرون فوجيموري، ومن بينهم ابنته كيكو زعيمة حزب القوة الشعبية، الحزب الأكبر في البرلمان. وكتبت كيكو فوجيموري على «تويتر»: «سعداء للغاية للترحيب بوالدنا في هذه المرحلة الجديدة من حياته»، وعرضت صورة الرئيس السابق مع أولاده الأربعة، حسبما نقلت وسائل الإعلام المحلية يوم الجمعة.
وغادر الرئيس اليميني القومي فوجيموري عيادة صحية في ليما على كرسي متحرك في وقت متأخر من مساء الخميس، عقب العفو الذي منحه إياه الرئيس بيدرو بابلو كوتشينسكي الأسبوع الماضي. ورافق الابن كنجي والده فوجيموري إلى منزل بضاحية لا مولينا في ليما، ويخضع لحراسة شديدة من جانب الشرطة.
وقال خبراء إن فوجيموري غير مؤهل للحصول على معاش تقاعدي عن عمله رئيسا.
ونقلت صحيفة «إل كوميرسيو» اليومية عن وزير العدل السابق ألدو فاسكيز قوله إن فوجيموري ليس له الحق في الحصول على معاش تقاعدي، لأنه أقيل نظرا لأنه كان «غير قادر أخلاقيا» على الحكم. وتصاعدت الانتقادات وسط تقارير أفادت بأنه سيحصل على دفعات شهرية كبيرة رغم عدم دفع ما يقرب من 16 مليون دولار أمرته المحاكم بدفعها تعويضا إلى الدولة.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.