رموز نضال فلسطينية

TT

رموز نضال فلسطينية

> كثرة من العرب والفلسطينيين أنشدت في عقد السبعينات أغنية «لينا» للمغني اللبناني خالد الهبر، كتب كلماتها الشاعر حسن ظاهر وتقول: «لينا طفلة كانت تصنع غدها... لينا سقطت لكن دمها كان يغني للجسد المصلوب الغاضب.. للقدس ويافا وأريحا، للشجر الواقف في غزة.. للبحر الميت في الأردن. يا نبض الضفة لا تهدأ أعلنها ثورة... حطم قيدك.. اجعل لحمك جسر العودة... فليمسِ وطني حراً.. فليرحل محتلي.. فليرحل».

لينا النابلسي

المقصودة بهذه الأغنية هي الفتاة الفلسطينية الصغيرة لينا إسحاق النابلسي التي لم تكن تبلغ في حينه سن الخامسة عشرة.
يوم 16 مايو 1976، لاحق أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي لينا التلميذة في المدرسة العائشية في مدينة نابلس، وهي تقود مظاهرة، وحاصرها في أحد مباني المدينة وألقى القبض عليها. شهود عيان قالوا إنها بصقت في وجهه فأعدمها برصاصة في العنق، مع أنها كانت بين يديه لا تقوى على الحركة وكان بإمكانه اعتقالها. وهكذا تحولت لينا النابلسي إلى رمز وطني استمد منه جيل الشباب الفلسطيني الإلهام في مقارعة الاحتلال خلال السنوات اللاحقة، ونموذج للفتاة الفلسطينية المناضلة ضد القهر والاحتلال. وفي عقد الثمانينات ما كاد بيت فلسطيني يخلو من اللوحة التي تصوّرها وهي ملقاة على الأرض والدماء تسيل من شعرها وهي بزيها المدرسي الأخضر. اللوحة رسمها الفنان الفلسطيني ابن القدس سليمان منصور بعدما صادرت سلطات الاحتلال الصورة الأصلية التي تظهرها مضرجة بدمائها بعد قتلها.
أصبحت لينا ثاني شهيدة في مدينة نابلس بعد إلهام أبو غزالة، المقاتلة في صفوف «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، التي استشهدت بانفجار عبوة ناسفة كانت تعدها عام 1968. كذلك كانت لينا النابلسي ثاني شهيدة بالضفة الغربية تقضي برصاص جيش الاحتلال بعد عدوان يونيو (حزيران) 1967.

منتهى الحوراني و«الانتفاضة الأولى»

الشهيدة الأولى كانت منتهى الحوراني (16 سنة) من مدينة جنين، واستشهدت في يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1974، على مقربة من دوار مدينة جنين. وهي أيضاً سارت في مظاهرة ضد عنف الاحتلال فرّقها الجنود بالرصاص الحي، فأصابوها برأسها. وتحوّلت إلى رمز. وللعلم، بعد مقتل لينا، نفذت «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» عملية فدائية في الجفتلك بمنطقة غور الأردن يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) 1976، سمتها «عملية الشهيدة لينا النابلسي» وشارك في العملية خمسة مقاتلين، عبروا نهر الأردن وهاجموا معسكراً للجيش الإسرائيلي. ودارت معركة عنيفة قتل خلالها ثلاثة مقاتلين هم مشهور طلب العاروري وحافظ أبو زنط وخالد أبو زياد، في حين عاد اثنان إلى قاعدتهما، في حين قتل ثلاثة وأصيب ستة من جنود الاحتلال.
في تلك الفترة، تصاعد النضال الفلسطيني ضد الاحتلال بمشاركة مختلف الفصائل الفلسطينية المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية. وانطلقت «الانتفاضة الأولى» يوم 8 ديسمبر 1987، وإثرها دعا الرئيس الأميركي جورج بوش الأب إلى مؤتمر مدريد للسلام (عام 1991)، وبدأت مفاوضات على مسارين. وفيها برزت وتألقت د. حنان عشراوي، كناطقة بلسان المفاوضين الفلسطينيين عن منظمة التحرير الفلسطينية، ود. صائب عريقات، ورئيس الوفد د. حيدر عبد الشافي والمناضل المقدسي فيصل الحسيني. تلك الانتفاضة توقفت رسمياً مع الكشف عن «اتفاقيات أوسلو» في 13 سبتمبر (أيلول) 1993. وبرز في هذه «الانتفاضة» ألوف القادة الميدانيين الذين تحولوا إلى رموز للكفاح. وكانت حصيلتها 1162 شهيداً، بينهم 241 طفلاً ونحو 90 ألف جريح ومصاب و15 ألف معتقل فضلاً عن تدمير ونسف 1228 منزلاً. ولاستيعاب هذا العدد الهائل من الأسرى اضطرت إسرائيل إلى فتح عدة سجون. وأبعدت إسرائيل مجموعة من شباب «الانتفاضة» الذين أصبحوا لاحقاً رموزاً وقادة أمثال مروان البرغوثي ومحمد دحلان وجبريل الرجوب وتوفيق الطيراوي وغيرهم.
في تلك الفترة، أيضاً، وجهت إسرائيل لأول مرة ضربة لحركة حماس، التي بدأت محاولات لتحويل الانتفاضة إلى عمل عسكري. وفي ديسمبر 1992 أبعدت 415 شخصية من قادة حماس إلى محيط قرية مرج الزهور اللبنانية. وفي إطار المعركة لأبطال قرار الإبعاد، بقي المبعدون في خيام يرفضون أي توطين. وهبت حملة تضامن عالمية معهم أسفرت عن تحريرهم وعودتهم بعد نحو السنة إلى فلسطين. وبرز من هؤلاء يومها عدد من الشخصيات التي احتلت مواقع قيادية، مثل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس ود. محمود الزهار عضو المكتب السياسي، ود. عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، وحسن يوسف قائد حماس في الضفة الغربية، وسامي أبو زهري المتحدث الرسمي. وكان بين القادة البارزين من اغتيل لاحقاً مثل د. عبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب وسعيد محمد صيام وصلاح دروزة. وهذا إضافة إلى الشيخ أحمد ياسين، الذي اغتيل هو أيضاً بأيدي إسرائيل عام 2004.

«الانتفاضة الثانية» ومروان البرغوثي

«الانتفاضة الثانية» انطلقت في 28 سبتمبر 2000 إثر دخول أريئيل شارون (رئيس المعارضة الإسرائيلية يومذاك) إلى باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه، الأمر الذي دفع جموع المصلين إلى التجمهر ومحاولة التصدي له، فكان من نتائجه اندلاع أول صدامات عنيفة في هذه «الانتفاضة». وفي مرحلة معينة منها، توفي الرئيس الفلسطيني وكبير الرموز، ياسر عرفات، الذي يصر الفلسطينيون على أن إسرائيل قامت بتسميمه. وتوقفت هذه «الانتفاضة»، فعلياً في 8 فبراير (شباط) 2005، بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ، وجمع الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً محمود عباس وشارون، الذي أصبح رئيساً للوزراء. واتسمت «الانتفاضة الثانية» مقارنة بسابقتها بكثرة المواجهات المسلحة التي راح ضحيتها 4412 شهيداً فلسطينياً و48322 جريحاً (خسائر إسرائيل 334 قتيلاً عسكرياً و735 قتيلاً مدنياً بمجموع 1069 قتيلاً و4500 جريح). ومرت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خلالها بعدّة اجتياحات إسرائيلية منها عمليات «الدرع الواقي» و«أمطار الصيف» و«الرصاص المصبوب».
وكان من أبرز رموزها: مروان البرغوثي (من مواليد 1958)، الذي كان يقود تنظيم حركة فتح الميداني في الضفة الغربية، واعتقلته في عام 2002، وحكمت عليه بالسجن لخمسة مؤبدات، كما برزت صبايا فلسطينيات نفذن عمليات عسكرية، منهن: وفاء إدريس (كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح)، وهبة الضراغمة (سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي)، وريم الرياشي (كتائب القسام التابعة لحركة حماس)، فضلاً عن عشرات النساء الفلسطينيات اللواتي تحولن إلى أسيرات.
وفي السنتين الأخيرتين تعاظمت هذه الجهود. وراح الإسرائيليون يتحدثون عن «انتفاضة السكاكين»، التي يقصدون بها قيام فلسطينيين أفراد بعمليات طعن لجنود أو مستوطنين. وخلالها تحول بعض الفتية إلى رموز، أمثال إسحق بدران (14 سنة) ومهند حلبي من سكان القدس المحتلة، اللذين قُتِلا بدعوى تنفيذ محاولة طعن.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.