البرد القارس يجتاح شمال أميركا... والثلج ينهمر في الجنوب

العاصفة «إليانور» تتسبب بفوضى في أوروبا

ثلوج على أرض جامعة شارلستون في ساوث كارولينا (إ.ب.أ)
ثلوج على أرض جامعة شارلستون في ساوث كارولينا (إ.ب.أ)
TT

البرد القارس يجتاح شمال أميركا... والثلج ينهمر في الجنوب

ثلوج على أرض جامعة شارلستون في ساوث كارولينا (إ.ب.أ)
ثلوج على أرض جامعة شارلستون في ساوث كارولينا (إ.ب.أ)

تجتاح عاصفة شتوية من نوع نادر جنوب شرقي الولايات المتحدة، لتشهد عاصمة ولاية فلوريدا أول انهمار للثلوج منذ 30 عاما، ويصبح التنقل بالغ الصعوبة، فيما استعدت منطقة نيو إنغلاند لتساقط المتوقع للثلوج بكثافة أمس الخميس.
وأعلن حكام ولايات فلوريدا وجورجيا ونورث كارولاينا وفرجينيا حالة الطوارئ، وحذروا السكان من درجات حرارة تصل إلى التجمد ومن إغلاق الطرق بسبب الثلوج، حسب «رويترز».
وتتعرض معظم مناطق شرق الولايات المتحدة لموجة باردة جمدت أجزاء من شلالات نياغرا على الجانبين الأميركي والكندي من الحدود، وأشاعت الفوضى في الحياة اليومية، وسببت تجمد المياه داخل المواسير، وعرقلت مكافحة الحرائق في بعض المناطق.
وتسبب البرد القارس في وفاة تسعة أشخاص على الأقل خلال الأيام القليلة الماضية. وتوقعت الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية أن تتأثر بشدة مناطق بين فرجينيا ومين، ومن المتوقع أن يصل ارتفاع الثلوج في محيط بوسطن إلى 30 سنتيمترا.
ومن جهة أخرى، تتسبب العاصفة «إليانور» التي تضرب منذ الأربعاء مساحات واسعة في أوروبا، بدمار كبير وسقوط قتلى وتوقف حركة النقل في بعض المناطق وانقطاع التيار الكهربائي عن عشرات الآلاف من السكان.
وقتل شخصان على ساحل منطقة الباسك الإسبانية (شمال) بعد أن جرفت الأمواج زوجين، على ما أفاد مسؤولون، في حين توجهت فرق الطوارئ لإنقاذ شخص ثالث حاول مساعدتهما على النجاة.
وفي فرنسا، قتل متزلج يبلغ 21 عاما جراء سقوط شجرة في موريللون في جبال الألب الفرنسية، حيث أجبرت ظروف الطقس الخطيرة الكثير من المنتجعات على إغلاق أبوابها.
وقال مايكل برنييه، المتحدث باسم الدفاع المدني، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن أكثر من 12 شخصا، من بينهم أربعة في حالة خطرة أصيبوا في أنحاء فرنسا جراء العاصفة التي يعدها خبراء الأرصاد الجوية الأعنف في ثماني سنوات.
وفي جزيرة كورسيكا الفرنسية في البحر المتوسط، سجلت هبات من الرياح تزيد سرعتها على 140 كيلومترا في الساعة، ما ساعد في تأجيج النيران في حرائق الغابات التي سببتها سقوط خطوط الكهرباء. وجرح ثلاثة أشخاص في هذه الاضطرابات الجوية في الجزيرة.
وفي لينك بوسط سويسرا، جرح ثمانية أشخاص حين أدت الرياح العاتية إلى انقلاب عربة قطار، فيما أصيب شخص جراء سقوط شجرة في قرية هيش في جنوب هولندا.
وأجبرت الرياح العاتية السلطات على إغلاق المطارات في ستراسبورغ وبازل - مولوز على الحدود بين فرنسا وألمانيا وسويسرا قبل أن يعاد فتحهما لفترة قصيرة بعد ذلك.
وفي مطار شارل ديغول في باريس، تأخرت 60 في المائة من الرحلات المغادرة صباح الأربعاء وثلث الرحلات القادمة، فيما تم تغيير مسارات عدة رحلات أخرى قبل أن تتراجع شدة الرياح قليلا.
وأحدثت الرياح كذلك حالة من الفوضى في خدمات القطارات في عدة مناطق فرنسية، إثر سقوط أشجار وخطوط كهرباء وغيرها. وبقي نحو 225 ألف منزل في أنحاء فرنسا دون كهرباء، وسط توقعات بحدوث فيضانات «كثيفة» على سواحل الأطلسي.
وأغلق برج إيفل الذي يستقبل عادة ستة ملايين زائر كل عام أمام الزوار صباح الخميس، بسبب العاصفة قبل أن يفتح لاحقا. كما أغلقت كل حدائق باريس ليوم واحد أول من أمس (الأربعاء)، خشية سقوط جذوع الأشجار على المارة. وصلت العاصفة «إليانور» إلى القارة الأوروبية بعدما ضربت إنجلترا وآيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا، فيما تم إغلاق أحد أكبر السدود المتحركة في العالم «ثايمز باريير» لحماية لندن من الفيضانات. وقال خبير الأرصاد الجوية بيكي ميتشل: «شهدنا بعض الأمطار الغزيرة في أنحاء جنوب بريطانيا مصحوبة بصقيع، ورعدا وبرقا».
وضربت رياح عاتية تبلغ سرعتها 160 كلم/ الساعة ويستمورلاند في شمال غربي بريطانيا، حيث تسبب انقلاب مركبات وشجر في إغلاق طرق سريعة رئيسية.
وفي آيرلندا، قالت شركة الكهرباء إن الخدمة أعيدت إلى 123 ألف مشترك، فيما لا تزال الكهرباء مقطوعة عن 27 ألف آخرين.
وفاضت الشوارع في غالواي على الساحل الغربي بالمياه بعد أن تجاوزت الأمواج العالية الحواجز البحرية، ما استدعى نشر نحو 25 جنديا لتعزيز جهود مكافحة الفيضانات.
ورفعت درجة التأهب في بلجيكا وأجزاء من إسبانيا إلى المستوى «البرتقالي»، وهو الثالث من أربعة، ودعا المسؤولون السكان إلى توخي الحذر.
ورغم تراجع الرياح مع حلول منتصف يوم أمس، تلقى عمال الإغاثة في بروكسل نحو 70 اتصالا من أنحاء المدنية، تحديدا بعد سقوط عدة أشجار.
وفي هولندا، ألغيت 252 من نحو 1200 رحلة في مطار سخيبول في أمستردام، فيما أغلقت طرقات رئيسية وخطوط قطارات. وأغلقت السلطات الهولندية لأول مرة جميع حواجز العواصف الخمسة على ساحل بحر الشمال، حسب ما أعلنت وزارة النقل.
واضطربت حركة النقل الجوي في مطاري فرنكفورت وزوريخ، بينما دعا المسؤولون السويسريون إلى تجنب السير في الغابات. وأعلنت محطة «آر تي إس» التلفزيونية أن الكهرباء قطعت عن نحو 14 ألف منزل في عدة مناطق سويسرية. وأغلقت معظم مراكز التزلج في سويسرا والألب الفرنسية، حيث بلغت سرعة الرياح 250 كلم-الساعة. وقال ديفيد بونسون، مسؤول التزلج في سافوي: «من الأفضل لكم البقاء (في المنازل) أمام نيران (التدفئة) اليوم».
و«إليانور» هي رابع عاصفة كبيرة تضرب أوروبا منذ ديسمبر (كانون الأول).



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».