«تييرا ديل فويغو»... أرض النار والفردوس البارد

رحلة لا تنسى إلى القطب الجنوبي الأرجنتيني

TT

«تييرا ديل فويغو»... أرض النار والفردوس البارد

قد يوحي اسم «تييرا ديل فويغو» أو «أرض النار»، وهي الفردوس البارد ناصع البياض في الأرجنتين، بشيء من التناقض. وتعد المنطقة موطنا لأبعد مدينة في أقصى جنوب العالم، أوشوايا. وهناك بوابة القارة القطبية الجنوبية، وهي من البرودة والذهول بأقصى ما يبلغه خيالك.
وتُعرف منطقة «تييرا ديل فويغو» باسم «نهاية العالم». ولما وراء أوشوايا، المدينة الواقعة عند الطرف الجنوبي لقارة أميركا الجنوبية، فإن المساحة المواجهة من اليابسة هي القارة القطبية الجنوبية. وهذه القارة المكونة من الجبال والجليد هي الموطن الطبيعي لكوكبة من المخلوقات الرائعة مثل طائر البطريق، والحيتان، وأسود البحر، وأعداد لا تحصى من الكائنات الحيوانية التي يمكنها البقاء على قيد الحياة في أكثر الأماكن برودة على كوكب الأرض.
وزيارة القارة القطبية الجنوبية هي من الفرص الفريدة من نوعها لاستكشاف الثروة الطبيعية في العالم، فيما يبدو أنه آخر البراري مترامية الأطراف في هذا الكوكب. ولا يمكن الوصول إلى هناك إلا من خلال رحلة بحرية، وهناك الكثير من الشركات التي تقدم هذه الخدمات. وزيارة القارة القطبية الجنوبية هي من التجارب المكلفة للمسافرين ولكنها تقدم شيئا فريدا من نوعه. ومتوسط الأسعار يتراوح بين 5 آلاف و11 ألف دولار إن كنت ترغب في جناح خاص.
وأغلب الرحلات البحرية تبدأ وتنتهي في أوشوايا، وهي مدينة ساحلية صغيرة حيث يتملكك شعور بالانعزال عن العالم على حواف القارة ووضعيتها كبوابة رئيسية إلى القارة القطبية الجنوبية. واسم أوشوايا يعني «الخليج المتجه غربا».
وتوضح يوت هوهن بوين، مديرة شركة انتاربلي إكبيديشنز، أنها قررت تنمية السياحة في هذا الجزء البعيد للغاية من الكوكب قبل 20 عاما، بسبب أنها عشقت هذا المكان كثيرا: «من المهم إظهار جمال هذه المنطقة وتعريف الناس بأهميتها بالنسبة للنظام المناخي العالمي. والقارة القطبية الجنوبية تقارب أستراليا والصين في المساحة سويا. إنها ضخمة للغاية».
والوجهة الأولى في الرحلة التي تستمر 10 أيام هو ممر دريك، وهو ممر مائي كبير بين قارة أميركا الجنوبية وجزر ساوث شيتلاند بالقارة القطبية الجنوبية. وهو ممر كبير للغاية لدرجة أنه يستغرق يومين أو ربما ثلاثة أيام حتى يمكن عبوره، ولكن أثناء الإبحار يمكنك مشاهدة الحقول الجليدية الضخمة، والجبال المغطاة بالجليد، والأنهار الجليدية الممتدة. ومن المقرر أن يكون أول هبوط في اليوم الثالث، ولكن كل شيء يتوقف على الأحوال الجوية. ويمكن من هنا رؤية مستعمرات البطريق الأولى حيث يعيش الآلاف من هذا الطائر الظريف.
ويمكن في هذا الجزء من القارة البيضاء، كما تُسمى، مشاهدة ثلاثة أنواع من طائر البطريق، ومن بينها نوع الإمبراطور الذي يبلغ طوله 1.2 مترا. وربما من أكثر الأشياء المتوقع رؤيتها هي الحيتان. وهذه الثدييات الضخمة هي من أروع ما يمكن رؤيته هناك ويبدو أنها مستمتعة للغاية ببرودة المياه في القطب الجنوبي.
ومن بين طاقم السفينة هناك مجموعة من الخبراء الذين يفسرون الأعاجيب الطبيعية في هذا الإقليم، وأهمية العناية الفائقة بها وحمايتها. ويتضمن خط سير الرحلة زيارة شبه الجزيرة القطبية الجنوبية، وجزر ساوث شيتلاند، حيث يمكن مشاهدة أسود البحر وطيور البطريق.
ويتميز القانون الذي يحمي القارة القطبية الجنوبية بالصرامة البالغة نظرا لأهمية هذه المنطقة في المحافظة على التوازن الطبيعي للأرض. ومن المستحيل بشكل عملي أن تتمكن مجموعة تزيد على 100 شخص أن تقوم بزيارة هذا المكان المذهل في رحلة واحدة، ويضطر الزوار إلى حجز الرحلات على العبارة قبل ميعاد الرحلة بعام كامل.
وتوضح السيدة هوهن بوين الأمر فتقول: «من المحظور تماما أن تترك وراءك أي شيء من خارج هذه القارة. فالسياحة في هذا الجزء من العالم تتسم بصرامة ومسؤولية كبيرة. ويُسمح فقط بالتقاط الصور وترك آثار الأقدام على الجليد».
وأفضل مواسم العام لزيارة القارة القطبية الجنوبية خلال فصل الصيف، والذي يكون في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية بين شهري نوفمبر (تشرين الثاني) ومارس (آذار). ومتوسط درجة الحرارة هناك يبلغ صفر درجة مئوية. والقارة القطبية الجنوبية هي من أعلى القارات وأكثرها جفافا على مستوى العالم، وبالتالي، فهي جافة للغاية وباردة للغاية، وهو ليس بالأمر السيئ على أي حال.
ليست هناك مجتمعات دائمة تعيش هناك طوال الوقت، فالأمر مستحيل بكل بساطة. ولكن هناك بعض الدول ترسل البعثات العلمية في محطات ثابتة بهدف مراقبة المحيط القطبي الجنوبي والمناخ السائد هناك، ولكن لا توجد هناك بنية تحتية، أو فنادق، أو شبكة الإنترنت. لا يوجد هناك سوى الرياح الباردة، والمخلوقات الجميلة، والفردوس المتجمد المذهل.
والشعور السائد من زيارة هذا المكان هو «أنه من أفضل الأماكن على مستوى العالم، إنه فردوس حقيقي». إنها القارة الجديرة بالحماية، وهي بيئة هشة للغاية، وذات أهمية بالغة أيضا لاستقرار المناخ العالمي. إنها أعجوبة من أعاجيب الطبيعة.
وفور العودة إلى أوشوايا، يمكن للزوار الذهاب إلى الأنهار الجليدية، أو إذا ما أرادوا شيئا يبعث على الاسترخاء، يمكن زيارة أحد المتاحف الأربعة الموجودة هناك. وأحد هذه المتاحف هو متحف «نهاية العالم». كما أن هناك مجموعة واسعة من الأنشطة الخارجية في الهواء الطلق مثل الرحلات، وزيارة الحديقة الوطنية في «تييرا ديل فويغو» حيث تبدأ الجبال في الصعود على جانب واحد ويبدو المحيط القطبي الجنوبي الشاسع على الجانب الآخر.
وللذهاب إلى أوشوايا لا بد من زيارة العاصمة الأرجنتينية بوينس آيريس أولا. ومن هناك تستقل الطائرة التي تقطع مسافة تقدر بثلاثة آلاف كيلومتر في نحو ثلاث ساعات متواصلة، لبلوغ هذه الزاوية النائية ولكن الساحرة من العالم.


مقالات ذات صلة

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)
سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.