اقتصاد مصر في 2017... إصلاح وإنجاز وإحباط

سوق شعبية في وسط ميدان العتبة بالقاهرة (أ.ف.ب)
سوق شعبية في وسط ميدان العتبة بالقاهرة (أ.ف.ب)
TT

اقتصاد مصر في 2017... إصلاح وإنجاز وإحباط

سوق شعبية في وسط ميدان العتبة بالقاهرة (أ.ف.ب)
سوق شعبية في وسط ميدان العتبة بالقاهرة (أ.ف.ب)

كان عام 2017 بالنسبة إلى الاقتصاد المصري ثرياً بالإصلاحات والإنجازات والإحباطات، وإن كانت الصورة الإجمالية إيجابية، مقارنة بما كان عليه الحال قبلها. وبعد سنوات من تفاقم عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات (أي الخلل على المستوى الكلي)، وتباطؤ النشاط الاقتصادي وارتفاع مستوى البطالة، وتزايد أعداد الفقراء وتنامي الإحساس بعدم عدالة التوزيع، شهدت مصر تحسناً على كثير من هذه الأصعدة.
ونحن على أعتاب 2018، يبدو الاقتصاد المصري أكثر جاهزية للانطلاق إلى الأمام، لكن الانطلاق الفعلي سيتطلب استمرار الإصلاح الكلي على الوتيرة نفسها، وتعميق الإصلاح الهيكلي المحفز للنمو، وتوسيع رقعة الإصلاح لتشمل جوانب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
في عرض موجز لما تبنته مصر من إصلاحات لتحقيق التوازن الكلي، جاءت الطفرة الكبرى في أواخر 2016 واستمرت في 2017 في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار. مدة هذا البرنامج 3 سنوات تلتزم فيها مصر باتخاذ عدد من الإجراءات الخاصة بالسياستين النقدية والمالية.
فيما يتعلق بالسياسة النقدية، حررت مصر الجنيه ورفعت سعر الفائدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016. بعدما تناقص الاحتياطي النقدي لأقل من 3 شهور من الواردات، واستشرت السوق السوداء للعملات الأجنبية، وعز استيراد مستلزمات الإنتاج والسلع الاستهلاكية. وقد كان من آثار هذا القرار تناقص قيمة الجنيه بشكل حاد في البداية (من نحو 9 جنيهات للدولار إلى 20 جنيها)، ثم عودته للتوازن حول 18 جنيها للدولار.
ومن التوابع الإيجابية لهذا القرار اختفاء السوق السوداء، وزيادة متواضعة في الصادرات وانخفاض في الواردات، وإقبال المصريين على تحويل ما لديهم من عملات أجنبية إلى العملة المحلية، وعودة الاحتياطي النقدي إلى مستواه قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 (نحو 36 مليار دولار). فضلاً عن زيادة ثقة المستثمرين، ما لا يقل إيجابية أن قرار التحرير مكّن البنك المركزي من استخدام أدواته النقدية لاستهداف التضخم، وقد تم الإعلان مؤخراً عن أن معدل التضخم المستهدف بنهاية عام 2018 هو 13 في المائة.
على مستوى السياسة المالية، استهدف برنامج الإصلاح تحقيق فائض أولي في الموازنة العامة، وتخفيض العجز الكلي بغرض تقليل حجم وعبء الدين العام. لتحقيق هذا الهدف اتخذت الحكومة حزمة من الإجراءات لزيادة الإيرادات، أهمها تبني ضريبة القيمة المضافة (بمعدل 13 في المائة في البداية، ثم 14 في المائة فيما بعد)، وحزمة من الإجراءات الجريئة لتقليل النفقات، أهمها خفض دعم المحروقات، وزيادة أسعار الخدمات العامة (الكهرباء والمياه والمترو). وكان من آثار هذه الإجراءات انخفاض عجز الموازنة من 11.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين يوليو (تموز) 2015 ومايو (أيار) 2016 إلى 9.5 في المائة في الفترة من يوليو 2016 إلى مايو 2017.
ورغم هذه الآثار الإيجابية، إلا أن البرنامج كانت له آثار سلبية، خصوصاً على الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة. أهم هذه الآثار الزيادة غير المسبوقة في معدل التضخم، وقد وصل إلى أكثر من 33 في المائة في يوليو 2017. وفي محاولة لتخفيف العبء على المواطنين، تمت زيادة مرتبات موظفي الحكومة والقطاع الخاص الرسمي، وإن كانت الزيادة بنسب أقل من الزيادة في الأسعار. كما تم طرح بعض السلع الأساسية بأسعار مخفضة، وتدشين برنامجي «تكافل» و«كرامة» لمساعدة الفقراء. ورغم أهمية هذين البرنامجين، إلا أن مبادرة طرح السلع المدعومة تشوبها إمكانية عدم الاستمرارية وتسربها للقادرين، كما أن البرنامجين، رغم نجاحهما في الوصول إلى 1.7 مليون أسرة (أو ما يقرب من 7 ملايين مواطن)، لم يصلا إلى كل من هم تحت خط الفقر (نحو 28 في المائة من المصريين).
من التحفظات الأخرى على برنامج الإصلاح الكلي أنه انكماشي بطبيعته، وقد جاء في توقيت لا يعمل فيه الاقتصاد المصري بكامل طاقته، وتصل فيه نسبة البطالة إلى ما يقرب من 12 في المائة. منطق هذه السياسة من قبل الصندوق أنها مؤقتة وسيتم تعويض الفاقد في النمو بعد أن يستعيد الاقتصاد توازنه وتنافسيته. هذه نقطة خلافية مع من ينتمون إلى المدرسة الكينزية من الاقتصاديين، وتم تطبيق عكسها في أميركا للخروج من الأزمة المالية في 2007.
على أي حال، انخفض معدل النمو في مصر في الفترة بين يوليو 2016 ومارس 2017 إلى 3.8 في المائة، مقارنة بـ4.2 في المائة عن الفترة نفسها من العام السابق. وكان من الممكن أن يتدنى معدل النمو أكثر من ذلك، نظراً إلى ضعف الطلب الاستهلاكي الناتج عن تدهور الدخل الحقيقي للمواطنين، إذا لم تقم الحكومة بالتوسع في مشروعات قومية (مثل تفريعة قناة السويس الجديدة والطرق والكهرباء والعاصمة الإدارية الجديدة). المشكلة أن استمرار عجز الموازنة وهذه التوسعات أدت إلى تفاقم الدين العام، الذي وصل الجزء الخارجي منه إلى 79 مليار دولار في يونيو (حزيران) 2017 بعد أن كان 55.8 مليار دولار في يونيو 2016، وارتفاع الجزء الداخلي منه من 2.6 تريليون جنيه إلى 3.2 تريليون جنيه في الفترة نفسها.
على مستوى الإصلاحات الهيكلية، قامت الحكومة بجهود ملموسة لتحسين مناخ الاستثمار (بما في ذلك إصدار قانون جديد للاستثمار وآخر للتراخيص الصناعية). ومع ذلك، جاءت مصر في مرتبة غير متقدمة في تقارير التنافسية العالمية الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي والبنك الدولي. صحيح أن هذا الترتيب المتدني قد يرجع جزئياً إلى أن الإصلاحات جاءت بعد إعداد هذه التقارير، لكن هذا لا يعني أنه لا يعكس إرثاً ضخماً من معوقات بيروقراطية عند إنشاء شركات جديدة، أو ممارسة النشاط، أو الخروج من السوق. ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن مبادرات تشجيع الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر، خصوصاً في مجال إتاحة تمويل بسعر فائدة منخفض، لا يستفيد منها القطاع غير الرسمي، ومن المعروف أن هذا القطاع يستوعب ما لا يقل عن 40 في المائة من العمالة. وبشكل عام، فإن المشكلة التي تواجه النمو الاقتصادي في مصر أنه يعتمد بشكل أساسي على تراكم عناصر الإنتاج وليس على الإنتاجية، وهذا يعني قلة الاستفادة من التكنولوجيا وأساليب الإدارة الحديثة.
ماذا عن التوزيع العادل لعوائد النمو وتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص؟ ربما يكون هذا هو المحور الذي لم يحدث فيه إنجاز فاصل. صحيح أن الحكومة تبنت العديد من المبادرات في مجال الحماية الاجتماعية، وقد تمت الإشارة إلى برنامجي «تكافل» و«كرامة» وزيادة المعروض من السلع الأساسية المدعومة، وهناك أيضاً جهود محمودة في موضوع بطاقات التموين والتوسع في الإسكان الاجتماعي. أما موضوع العدالة الاجتماعية، فلم يطرأ عليه تغيير كبير، حيث إن منظومة الضرائب والإنفاق العام لم تشهد إصلاحاً يذكر، ولا أسهمت المبادرات التي تم تبنيها في قطاعي التعليم والصحة في تحسن ملموس في جودة هذه الخدمات حتى تاريخه.
خلاصة القول إذن، كان عام 2017 بالنسبة إلى الاقتصاد المصري نقطة اختبار حقيقية لتنفيذ برنامج التثبيت الكلي الذي تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي في أواخر 2016. خرجت مصر من هذا الاختبار بنجاح اعترفت به المؤسسات الدولية (مثل صندوق النقد والبنك الدولي ومؤسسات التقييم مثل موديز وفتش) والمستثمرون أنفسهم. كما أن الحكومة اتخذت عدداً من الإجراءات لتحسين مناخ الاستثمار وتقوية شبكة الحماية الاجتماعية. ومع ذلك، لا يزال الاقتصاد المصري في حاجة إلى مزيد من الإصلاحات الهيكلية لتحسين الإنتاجية، ولا تزال السياسات الاجتماعية بعيدة عن تحقيق طموحات المصريين التي عبروا عنها في 2011 تحت شعار: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.