استقبلت ليبيا عام 2017 بتقرير منسوب إلى مصادر فرنسية يفيد بأن أمام رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني (المعترف بها دولياً) فائز السراج أربعة عناصر «مخربة» لعمل حكومته المنبثقة عن اتفاق الصخيرات. حدد التقرير هذا الرباعي بعنصر سياسي يمثله رئيس البرلمان عقيلة صالح الذي لم يصوّت لمنح الحكومة الثقة، وآخر عسكري يتمثل في المشير خليفة حفتر، فضلاً عن رفض البنك المركزي الليبي للتعاون مع حكومته (جرى الاتفاق على تسوية هذا الأمر الآن)، أما العنصر الرابع فهو مفتي ليبيا السابق الصادق الغرياني الذي يسير مع المتشددين.
فيما بعد سينفق السراج كل العام في محاولة زحزحة هذه العناصر الأربعة. وبالفعل تمكن بمساعدة داخلية وخارجية من إزاحة ثلاثة عناصر، وها هو العام يشارف على الانتهاء، ولم تبق أمامه إلا المفاوضات الشاقة مع المشير حفتر، التي انتهت من دون نتيجة مع حلول يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2017، تاريخ انتهاء الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات في 2015.
انعكست الخلافات الجهوية على عمل المجلس الرئاسي منذ مطلع العام، إذ أصدر رئيس المجلس المكلّف في غياب السراج، فتحي المجبري عدداً من التعيينات، اعترض عليها بقية الأعضاء واضطر السراج لاحقاً إلى إلغائها، لكن بعد أن تقدم عضو المجلس عن الجنوب موسى الكوني باستقالته، بينما استمر ممثل حفتر علي القطراني في مقاطعة المجلس، إضافة إلى عمر الأسود ممثل الزنتان. وفيما بعد اضطر المجبري أيضاً إلى مقاطعة المجلس بعد تمكن قوات حفتر من السيطرة على منطقة الهلال النفطي في مارس (آذار) والتي كان يسيطر عليها إبراهيم الجضران الرئيس السابق لجهاز حماية المنشآت النفطية، باعتبار أن المجبري الذي ينتمي إلى المنطقة الشرقية هو ممثل الجضران في المجلس. وهكذا لم يبق في المجلس إلا خمسة من أصل تسعة، وأصبح التوافق والتنسيق بينهم أفضل مما كان عليه في السابق.
في مطلع العام، أبدت روسيا اهتماماً كبيراً بليبيا بعد سيطرتها على سوريا، وظهرت حاملة الطائرات «الأميرال كوزينتسوف» أمام سواحل بنغازي واستقبل المشير حفتر بشكل رسمي على متنها، وعقد اجتماعاً بالدائرة المغلقة مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وكان حفتر يعول على الحصول على أسلحة من روسيا، حتى ولو منحها قاعدة بحرية وجوية في شرق ليبيا، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتورط في المستنقع السوري فضل الابتعاد عن مستنقع آخر أكثر غموضاً. وفي آخر الأمر فضلت روسيا الوقوف مع الشرعية الدولية في ليبيا، ويبدو أن الجزائر الحليف التقليدي لروسيا منذ الاتحاد السوفياتي كانت وراء ذلك.
وفي طرابلس، واجه السراج الكثير من المتاعب بسبب هجوم قوات رئيس ما يسمى «حكومة الإنقاذ» خليفة الغويل، التي احتلت في يناير (كانون الثاني) مقار خمس وزارات وقصور الضيافة والفندق الذي كان مقر المؤتمر الوطني السابق. وقوات الغويل تتكون في معظمها من جناح منشق على الأغلبية في مصراتة يسير في ركاب الإسلاميين ويحاول تخريب الاتفاق السياسي، وهو الجناح الأكثر تطرفاً في قوات «فجر ليبيا» التي سيطرت على طرابلس عام 2014 وأحرقت مطارها الدولي الذي كان تحت سيطرة الزنتان، واحتاج الأمر إلى جهد كبير من السراج للتنسيق مع الميليشيات المسيطرة على طرابلس، مثل «كتيبة ثوار طرابلس» بقيادة هيثم التاجوري، و«قوة الردع الخاصة» بقيادة عبد الرؤوف كارة، وقوة أخرى بقيادة عبد الغني الككلي لتنجح في طرد قوات الغويل.
رغم الإلحاح المصري، فقد رفض حفتر في فبراير (شباط) لقاء السراج في القاهرة، وفيما بعد دفع حفتر ثمن رفضه عندما تمسكت مصر في نهاية العام أسوة ببقية دول جوار ليبيا بالشرعية الدولية. غير أن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد نجح في الجمع بين الرجلين في مايو (أيار) من العام نفسه، لكن من دون الوصول إلى نتيجة تذكر. وفي 25 يونيو (حزيران) تكرر اللقاء في ضيافة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرب باريس، وهو اللقاء الذي تفاءل به الليبيون إلا أنه أثار غضب الإيطاليين. ومنذ ذلك الحين فتح الإيطاليون خطا مع حفتر لم يفض إلى أي نتيجة، حتى عندما استقبلوه في روما في أواخر الشهر الجاري، ليصرح بأنه يوافق على الانتخابات وأنه متمسك بالشرعية الدولية.
خلفاً للدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر الذي لم ينجح في تطبيق الاتفاق السياسي الذي توصل إليه سلفه برناردينو ليون أو تعديله، تسلم المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا غسان سلامة مهام منصبه في أغسطس (آب)، واستهل عمله بالاستماع إلى معظم الأطياف الليبية.
وعلى عكس المبعوثين السابقين، بث تعيين الوزير اللبناني السابق موجة من التفاؤل بين الليبيين، فهو سياسي خبر دهاليز السياسة في بلد خاض حرباً أهلية مدمرة قبل أن يتوصل قادته إلى توافق، كما أنه يقوم على توازنات دقيقة بين الطوائف. وأدرك سلامة منذ البداية أن الحل هو في تخطي كل الأجسام السياسة في البلاد والذهاب مباشرة إلى الانتخابات، ففي البداية اقترح تعديلات على الاتفاق السياسي بحيث يتكون المجلس الرئاسي من ثلاثة أعضاء بدلاً من تسعة، وتشكيل حكومة تكنوقراط وعقد مؤتمر عام يجمع كل الأطياف الليبية في تونس، الهدف منه إضفاء شرعية شعبية على التعديلات، ثم إجراء انتخابات عام 2018، إلا أنه تخلى عن عقد المؤتمر ومضى قدماً نحو الانتخابات، بينما تولت الشرعية الدولية احتواء الرافضين للانتخابات.
ومن بين أهم ما سجله عام 2017 في ليبيا، ما حدث في نوفمبر (تشرين الثاني) عندما بثت قناة «سي إن إن» الأميركية شريطاً يكشف وجود مزاد علني لبيع المهاجرين في ليبيا. ورغم الملاحظات المهنية على التقرير، فإنه كان كافياً لتسليط الضوء على أوضاع المهاجرين الأفارقة في مراكز الاحتجاز. ومع التنديد العالمي بما يحدث في البلاد وخروج مظاهرات أمام السفارات الليبية في أوروبا، أصدرت القمة الأوروبية - الأفريقية في أبيدجان قرارات بإجلاء المهاجرين من مراكز الاحتجاز في ليبيا، كما تسببت الوعود الإيطالية بمنح خمسة ملايين يورو إلى إحدى الميليشيات في صبراتة في اندلاع اشتباكات عنيفة مع ميليشيا أخرى، انتهت بطرد الميليشيا الأولى التي يقودها أحمد الدباشي من المدينة، وإغلاق الشاطئ الذي كان ينطلق منه المهاجرون نحو السواحل الأوروبية.
وكما كان متوقعاً مع نهاية العام، أعلن المشير حفتر نهاية الاتفاق السياسي وإلغاء كل الأجسام المنبثقة عنه، بينما أيد حليفه السابق رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الذهاب إلى الانتخابات، ما دفع حفتر إلى إغلاق مجلس النواب في طبرق. كما هاجم عدد من الأشخاص المراكز الانتخابية في بنغازي ونزعوا الأرقام التي وضعتها المفوضية العليا للانتخابات، وهذا يعني أن الانتخابات قد لا تجري في معظم المنطقة الشرقية، ما يهدد بتقسيم البلاد. وحتى لو انتقل مجلس النواب إلى طرابلس، فإن نواب المنطقة الشرقية قد يواجهون مضايقات وتهديدات قد تطال عائلاتهم إذا التحقوا بزملائهم في طرابلس. وفي كل الأحوال لن يدّخر أنصار حفتر جهداً لإعاقة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولكن عسكرياً ستبقى الأمور على ما هي عليه، فالقوات المحسوبة على المجلس الرئاسي لن تهاجم المنطقة الشرقية، وهي تتعقب عناصر تنظيم داعش في الأودية الصعبة جنوب سرت. كما أن قوات حفتر لن تهاجم المنطقة الغربية وتحتل طرابلس كما كانت تهدد بذلك.
عام تعثر الوساطات في ليبيا
عام تعثر الوساطات في ليبيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة