«محطة مصر»... قلب القاهرة النابض بملايين الركاب

فيلم «باب الحديد» وثّق الحياة داخلها قبل نصف قرن

محطة مصر من الخارج
محطة مصر من الخارج
TT

«محطة مصر»... قلب القاهرة النابض بملايين الركاب

محطة مصر من الخارج
محطة مصر من الخارج

بهوٌ فسيح، تزينه أرضية رخامية مزركشة الألوان، تتسع لمئات الركاب، يتوسطها هرم رفيع مقلوب إلى جواره يوجد نموذج لمبنى المحطة العتيق، ترك فيه الركاب نقوداً تذكارية وصورا شخصية، تشبه محطات السكك العالمية، إذ تجمع ما بين الحداثة والتاريخ في الوقت نفسه. محطة مصر، أو «باب الحديد» كما كان يطلق عليها قديما، توصف بأنّها «عصب القاهرة»، فالجميع يمرّ بها أو من أمامها، حيث إن معظم المرافق الخدمية والدواوين الحكومية والشوارع الرئيسة ودور الصحف والبنوك الكبرى، تقع بقلب العاصمة على مقربة منها، فضلا عن وقوع ميدان رمسيس وهو الأقدم في القاهرة أمام واجهة بعد أمتار من المحطة، كما يوجد أكبر موقف أتوبيس نقل عام في حرم محطة القطار بالخارج، تحديداً في ميدان أحمد حلمي، وهو مخصص لنقل الركاب داخل القاهرة الكبرى، ومعه يقع موقف آخر لسيارات النقل الجماعي.
«الشرق الأوسط» تجولت داخل محطة مصر، ورصدت تباين المشاهد بين الركاب والقطارات على حد سواء... قطار يدخل الرصيف ببطء، لينزل منه الركاب يحملون أمتعتهم وحقائبهم، وقطار آخر مزدحم بالركاب يُطلق سائقه صافرة الخروج من المحطة استعداداً للرحيل، بينما ينتظر ركاب آخرون دورهم للسفر بقدوم قطارهم المنتظر على مقاعد معدنية ورخامية، فيما يبقى صوت الجرارات القديمة طابعاً مميزاً في المحطة التي تتجاور فيها القطارات المميزة مع الأخرى الفاخرة.
مشهد الزحام الدائم داخل المحطة، يعيد للأذهان فيلم «باب الحديد» إنتاج عام 1958، للمخرج الكبير الراحل يوسف شاهين، الذي صُوّر كاملاً داخل محطة مصر، فكان شاهين أحد أبطاله وجسد شخصية قناوي المصاب بحالة نفسية معقدة ويحب هنومة «بائعة الحاجة الساقعة» (المشروبات الغازية)، وقد لعبت دورها الفنانة الراحلة هند رستم التي كانت تتجاهل معاكسته ووده لها، فكانت على علاقة حب مع «أبو سريع» شيخ الشيالين بالمحطة، والذي جسد دوره الفنان فريد شوقي.
«وثق الفيلم حياة العاملين والركاب داخل محطة القطار في تلك الحقبة الزمنية المهمة من تاريخ مصر، وهي بمثابة مجتمع مصغر من مجتمع مصر الأكبر»، وفقا لما قاله الدكتور محمد فوزي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، ففيها ترى الباعة الجائلين و«الشيّالين»، وترى المواطن البسيط ورجل الأعمال... الطالب وأستاذ الجامعة، الطبيب والمريض، الرجل المسن، والصبي والطفل الصغير، جميعهم على الرصيف نفسه وفي القطار ذاته.
أضاف فوزي لـ«الشرق الأوسط»: «يميل قطاع كبير من المصريين لركوب القطارات، لا سيما أنهم يتعاملون مع محطة مصر بعاطفة وحب، إذ يشعرون بأنّهم يدخلون بيوتهم، وهذا إحساس نادرا ما يشعر به المصريون تجاه أي مرفق عام، بما فيه مطار القاهرة نفسه». مضيفاً: «محطة مصر هي روح القاهرة، فمنها تنطلق حياة عشرات الآلاف من المواطنين بالقاهرة الكبرى إلى جميع المحافظات، وأي شلل في المحطة الرئيسية يخلف وراءه خسائر ببقية المحطات التي تصل إليها ومنها القطارات القادمة من وإلى العاصمة».
وحسب أحمد إبراهيم، المتحدث باسم هيئة السكك الحديدية، فإنّ مرفق السكة ينقل 500 مليون راكب سنويا، بمعدل 1.4 مليون راكب يوميا، في مختلف المحطات الرئيسية والفرعية.
محطة مصر التي أُنشئت عام 1854 في عهد محمد سعيد باشا والي مصر، صممها وأشرف على بنائها المهندس أدوين بانس، وكان ذلك أثناء إنشاء الخط الأول لسكك حديد مصر بين القاهرة والإسكندرية، الذي بُدئ العمل فيه عام 1851 وافتتح عام 1856. وهو أول خط سكك حديدية في أفريقيا والشرق الأوسط، وثاني أقدم خط في العالم بعد الخط الأول في إنجلترا (ليفربول - مانشستر) الذي أُنشئ عام 1830. وينطلق من محطة مصر 22 خطا إلى مختلف المحافظات، أشهرها خط الصعيد وخط الإسكندرية وخط المناشي وخط منوف.
إلى ذلك قال الدكتور مصطفى عامر، خبير اقتصادات النقل، إن «مرفق السكك الحديدية وفي قلبه محطة مصر، يلعب دوراً مهماً في منظومة نقل البضائع التي تصل إلى 6 ملايين طن سنويا، بما يعد نقطة جوهرية في أي تقدم اقتصادي يطرأ على البلاد، وهو رقم من الممكن مضاعفته إذا تم تحسين منظومة السكة الحديدية، مضيفا أنّ محطة مصر تملك من المقومات العمرانية والتراثية ما يجعلها مصدرا لجذب السياح».
ولفت إلى أنّ «السائح الأجنبي بطبيعته يعشق الأشياء القديمة ويهوى تصويرها ومعرفة المزيد عنها، وبالتالي من الممكن تزويد متحف السكة الحديدية الكائن بمحطة مصر بصور قديمة ونادرة ومواد فيلمية مترجمة لعدة لغات تحكي قصة بناء المحطة ودخول السكة الحديدية مصر». وقدر الدكتور عامر عدد الوافدين على محطة مصر شهريا نحو «ستة ملايين راكب».
يشار إلى أنّ محطة مصر قد مرّت بمراحل مختلفة من التجديد والتطوير، كان أوّلها عقب احتراق مبنى المحطة الرئيس عام 1882. وأُعيد بناؤها على الطريقة القديمة نفسها، وبعد ثورة يوليو (تموز) 1952 كانت المحطة قد شاخت، فقرّر جمال عبد الناصر توسعة المبنى عام 1955 وتطويره، وفي عام 1961 طوّرت المحطة، لا سيما واجهتها الأمامية، لكنّها ظلت تتّسم بالطراز الإسلامي على الطريقة الأندلسية، وفي عام 2008 نفّذت الحكومة المصرية مشروعاً ضخماً لتطويرها وقد فرغت منه عام 2011. ولعل أبرز ما يميز التطوير الأخير، هو البهو الفرعوني للمحطة من الداخل، حيث تتزين أركانها وجدرانها بأعمدة على شكل زهرة اللوتس.



مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».