مصر: القصة والشعر وكواليس السياسة والتراث في المقدمة

أهم ما قرأه شعراء وكتاب عرب في 2017

مصر: القصة والشعر وكواليس السياسة والتراث في المقدمة
TT

مصر: القصة والشعر وكواليس السياسة والتراث في المقدمة

مصر: القصة والشعر وكواليس السياسة والتراث في المقدمة

توزعت قراءات الكتاب والشعراء المصريين في عام 2017 ما بين الرواية والشعر والقصة القصيرة، والكتب ذات الطابع الفكري والسياسي والنقدي، إضافة إلى بعض الكتب التي تعد من أمهات التراث الأدبي العربي.
«الشرق الأوسط» استطلعت آراء شعراء وكتاب حول أفضل 3 كتب قرأوها من حزمة ما نشر في هذا العام، مع إطلالة خاطفة على عوالم هذه الكتب.
- «من النهضة إلى الردة»
في البداية قال الشاعر «محمود قرني»: «إن عام 2017 عام حافل بالكتب كما هو حافل بالأزمات والمفارقات، ولست هنا لأضفي قيمة ما على كتب قرأتها وأبخس كتباً لم أقرأها حق وجودها. هذه بكل أسف نتيجة حتمية لكل قراءة من هذا النوع، لذلك فأنا مضطر لأن أذكر هنا أنني قرأت أعمالاً كثيرة ومهمة ورائعة بين القصة والرواية والشعر والنقد والفلسفة، دون أن يعني ذلك أنني قارئ مثالي بأي معني».
من بين هذه الكتب يذكر قرني أنه أعاد قراءة كتاب «من النهضة إلى الردة» لجورج طرابيشي، مشيراً إلى أنه كتاب الأسئلة الموجعة، فهو يحاول الإجابة عن سؤال موجع ومتجدد: «لماذا تخلفنا ولماذا تقدم الآخرون».
وفي الشعر يقول قرني: «كما قرأت في الشعر ديوان (جدار أزرق) الصادر عن دار (بتانة) للشاعر جمال القصاص، وهو ديوان يتوج تجربة طويلة لشاعر من أهم شعرائنا المحدثين. وكذلك كتاب (العقل الأميركي يفكر) للمترجم والكاتب شوقي جلال وهو فحص دقيق للكيفية التي استبدلت بها المؤسسة الأميركية الحاكمة فلسفة الأخلاق فيها بالفلسفة المنحطة التي تعتبر القيمة الأخلاقية قيمة ميتة لأنها ثابتة».
ويضيف قرني: «كما قرأت كتاباً نقدياً مهماً عن أمل دنقل للدكتور جابر عصفور هو (شاعر الرفض)، وهو نموذج حقيقي ومهم للقراءة التطبيقية لشعرنا الحديث. وأيضاً قرأت مجموعة قصصية جميلة اسمها (كلنا عبده العبيط) للكاتب الشاب محمود فطين، وهي مجموعة مفارقة بحق، وتستعيد قيماً مهمة أهدرها هروب الكتاب إلى الرواية بحثا عن المال والشهرة».
- «الكواليس السرية للشرق الأوسط»
وعن أهم ما قرأه، يذكر الروائي حمدي البطران أن الكتاب الأول هو «الكواليس السرية للشرق الأوسط» تأليف يفجيني بريماكوف، وترجمة نبيل رشوان، وأصدره المركز القومي للترجمة بمصر. والمؤلف كان صحافياً ودارساً أكاديمياً، ووزيراً لخارجية روسيا الاتحادية ثم رئيساً لوزرائها. وبحكم وظيفته كان مراقباً وشاهداً وصانعاً لبعض تلك الأحداث. ويتحدث الكتاب بأسلوب شيق عن وقائع وحوادث وأحداث وحقائق ووثائق كثيرة غير معروفة حدثت في الشرق الأوسط، وتنشر للمرة الأولى، لأن الكاتب كان على علاقة بكثير من القادة الأساسيين والفاعلين في المنطقة، بل التقى بعضهم، وعاصر صعودهم ونهايتهم أيضاً. ويتحدث المؤلف كذلك عن الربيع العربي في 2011 وخفاياه وما حدث فيه، من وجهة نظر مؤثرة.
يتابع البطران: «الكتاب الثاني بعنوان (ثلاث مدن شرقية) الجزء الأول، تأليف فيليب مانسيل، ترجمة مصطفي قاسم، صادر عن سلسلة (عالم المعرفة) الكويتية، ويتحدث عن ثلاث مدن هي: أزمير التركية، ولكنه يذكرها باسمها القديم سميرنا حتى عام 1922، عندما أصبحت أهم ميناء تركي، ومدينة بيروت اللبنانية؛ ويقول المؤلف إن محمد علي هو مؤسس بيروت الحديثة، عندما فتحها الجنود المصريون عام 1931، وكانت مجرد متاهة من الأزقة الضيقة، وبيوت لها أسقف بارزة، حشرت داخل أسوار صليبية سميكة في حالة من القذارة الشديدة، والمدينة الثالثة هي الإسكندرية الميناء المصري، ويرى أيضا أن محمد علي هو صانع الإسكندرية الحديثة. تقع المدن الثلاث على شواطئ البحر المتوسط، ويرى أنها تمثل المشرق، وكانت بمثابة مختبرات سياسية وثقافية واقتصادية لعوالم جديدة، وتستطيع القوى الناعمة في تلك المدن أن تؤثر في سكانها أكثر من تأثير القوي الخشنة للدول».
يذكر البطران أن الكتاب الثالث كان رواية بعنوان «أيام كارلوس في الخرطوم» من تأليف السوداني عادل الباز، صادرة عن دار العين للنشر في القاهرة، وتحكي عن الفترة التي عاشها كارلوس متخفياً في السودان، وعلاقته الغرامية بليلى. كان كارلوس يرى أن علاقته بليلى بمثابة حبل متين حول رقبته، والابتعاد عنها في مثل تلك الأوقات يمكن أن يسبب له تعقيدات خطرة، وكانت راودته شكوك حول علاقتها بالمخابرات الأميركية، وتزايدت أكثر حول علاقتها بالمُصلح الديني والسياسي حسن الترابي. وكان يرى أن الأميركان يريدون استغلالها لاختراق النظام من خلال علاقتها بالترابي، واستغلها كارلوس كممر للوصول إلى الترابي الرجل القوي الذي ضمن له الإقامة بأمان في السودان».
«محمد مندور شيخ النقاد»
قال الشاعر عبد الستار سليم إن الكتاب الأول بعنوان «محمد مندور شيخ النقاد» تأليف فؤاد قنديل. هذا الكتاب صادر عام 2015 عن المجلس الأعلى للثقافة، ويتناول المسيرة الحياتية والأدبية لشيخ النقاد محمد مندور، وأهمية هذا الكتاب تتمثل في أن المؤلف رأى في حياة مندور رحلة نضالية أثرت في حياتنا الثقافية، خصوصاً في تجديد وتطوير الرؤى النقدية... الكتاب الثاني بعنوان «كوكب آمون» وهو رواية من إصدارات مؤسسة (ن) للنشر والتوزيع عام 2016 ومن تأليف سالي مجدي، وهي من الروايات الخيالية التي تحوي بعض المعلومات الصحيحة، وبعض الشخصيات التاريخية الحقيقية، وتم دمج كل ذلك في وسط أحداث خيالية، ونسيج واحد أقرب إلى الشكل المسرحي.
والكتاب الثالث لدى سليم بعنوان «بين منزلتين» سيرة ذاتية لمؤلفه عبد المحسن فراج القحطاني، وصادر عن مركز عبد المحسن القحطاني للدراسات النقدية بجدة، والكتاب مكون من 30 فقرة تحلل الكثير من الأحداث السياسية التي شهدتها المنطقة العربية برؤية الكاتب نفسه.
- «ألف ليلة وليلة»
أعادت الروائية سلوى بكر هذا العام قراءة ثلاثة كتب تراثية، هي: «ألف ليلة وليلة»، و«كليلة ودمنة»، و«التحفة السنية» لابن الجيعان، وعنها تقول: «لاشك أن هناك إصدارات هامة لعام 2017 لكنني عاشقة للتاريخ وأستمتع بقراءته، فـ(ألف ليلة وليلة) كتاب مؤسس لعالم الرواية، حيث إن الرواية بدأت من الحكاية، وهو كتاب حكايات لتاريخ العالم، وكتب في عصر ازدهار مليء بالشخصيات والأحداث، فضلاً عن أنه كتاب شديد المعاصرة». وترى أن «كليلة ودمنة» كتاب تربوي بامتياز يستند إلى فكرة بديعة، وهي أن الحكم والمواعظ إنما تكون على ألسنة الحيوانات والطيور، والهدف من قراءته أنه كتاب جميل. أما كتاب «التحفة السنية» لشرف الدين يحيى ابن المقر ابن الجيعان فيحتوي على جميع المواقع الجغرافية المصرية القديمة، ووضع في القرون الوسطى، وكان الهدف منه تحديد المواقع التي يحصل منها «الخراج» أي ضريبة الأراضي الزراعية، ولولا هذا الكتاب ما كان يمكن أن نتعرف على المواقع الجغرافية المصرية القديمة كالقرى والنجوع والكفور فضلاً عن المدن الكبيرة.
- عام إعادة القراءة
أما الروائي مصطفى البلكي، فخصص أغلب هذا العام لإعادة قراءة الكثير من الأعمال، يقول: «كنت مع البساطي وأصلان، وعميد الرواية العربية، و(عجائب الآثار في التراجم والأخبار)، ومن وقت لآخر كنت أقرأ الإصدارات الحديثة؛ ربما العودة للقديم نتج من عدم وجود العمل الفارق الذي تقف أمامه بدهشة طفل يدرك أن الجرأة سمة مميزة لمن يدرك موضع قدميه».
يتابع: «حتى لا أكون متجنياً على ما صدر في مدار العام، فهناك الكثير من الأعمال التي تستحق القراءة وتسليط الضوء، لكني لم أبذل الجهد الكافي كي أحصل عليها، فغرقت مع أعمال قرأتها من قبل، فمحمد البساطي ساحر في بناء رواياته بصبر وحنكة تعلي من قيمة التفاصيل، والانتباه لقراءة ما بين السطور، فنكون بين عوالم يتداخل فيها الفرح بالشجن، والخيال بالواقع المرير بكل قبحه أو جماله. ونفس الأمر مع إبراهيم أصلان، وطه حسين عميد الرواية العربية، لكن الحدث الأهم عودتي مرة أخرى لإعادة قراءة (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) في رحلة لإعادة اكتشاف هذا العالم الفريد والغني في كل شيء، من حيث إبرازه للحياة بكل ما يحدث فيها، فنكون في حقبة تاريخية الجبرتي كان سيداً عليها، يدير أمورها ويعيدها في كتابه، حيث لن يكون من حق من وقعت عينه على ما دونه الجبرتي من يوميات أن يعيد تشكيل المشهد، لأن من أوجد ليس كمن مرت عيناه على الأوراق. لذلك كنت أتساءل وأنا أقرأ: هل حدث هذا بالفعل؟».


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو
TT

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

في روايتها «عشبة ومطر» دار «العين» للنشر بالقاهرة - تختار الكاتبة الإماراتية وداد خليفة الثقافة العربية سؤالاً مركزياً حائراً بين واقع مشوّش ومستقبل مجهول، حيث تبدو اللغة والتاريخ وكأنهما ينازعان أنفاسهما الأخيرة للصمود داخل قِلاعها العربية نفسها.

وتعتمد الروائية على تقنية الأصوات المتعددة لتعميق صراعات أبطالها مع عالمهم الخارجي، حيث تتشارك كل من بطلة الرواية «عشبة» وابنها «مطر» في نزعة تراثية جمالية يتفاعلان من خلالها مع دوائرهما التي يبدو أنها تتنصّل من تلك النزعة في مقابل الانسحاق في مدّ «الثقافة العالمية» المُعلبّة، ولغة التواصل «الرقمية»، فتبدو بطلة الرواية التي تنتمي إلى دولة الإمارات وكأنها تُنازِع منذ أول مشاهد الرواية من أجل التواصل مع محيطها الأسري بأجياله المتعاقبة، حيث تُقاوم النزعة «السائدة» في ذلك المجتمع العربي الذي بات أفراده يتحدثون الإنجليزية داخل بيوتهم، ولا سيما أجيال الأحفاد وسط «لوثة من التعالي»، «فهؤلاء الأبناء لا يعرفون من العربية سوى أسمائهم التي يلفظونها بشكل ركيك»، في حين تبدو محاولات «عشبة» استدراك تلك التحوّلات التي طرأت على المجتمع الإماراتي أقرب لمحاربة طواحين الهواء، فتأتيها الردود من محيطها العائلي مُثبِطة؛ على شاكلة: «لا تكبّري المواضيع!».

صناديق مفتوحة

يتسلل هذا الصوت النقدي عبر شِعاب الرواية، فتبدو «عشبة» مهمومة بتوثيق العلاقة مع الماضي بذاكرته الجمعية التي تتقاطع مع سيرتها الشخصية منذ تخرجها في معهد المعلمات بإمارة الشارقة وحتى تقاعدها، لتعيد تذكّر تفاعل جيلها مع كبريات التغيّرات السياسية سواء المحلية، وعلى رأسها المخاض الطويل لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، وحتى سياقات الحروب والنكبات العربية منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وصولاً لمجازر «صبرا وشاتيلا» الدامية في لبنان 1982 والنزف الفلسطيني المُستمر، في محطات تجترها البطلة بعودتها إلى قصاصات الأخبار التي ظلّت تجمعها وتحتفظ بها من مجلات وصحف عربية لتؤرشفها وتُراكمها عبر السنوات داخل صناديق، ليصبح فعل تقليبها في هذا الأرشيف بمثابة مواجهة شاقّة مع الماضي، بينما تبدو الصناديق والقصاصات الورقية مُعادلاً للحفظ الإلكتروني والملفات الرقمية التي قد تتفوق في آلياتها وبياناتها، وإن كانت تفتقر إلى حميمية الذكرى، وملمس المُتعلقات الشخصية التي تنكأ لديها جراح الفقد مع كل صندوق تقوم بفتحه: «أعدت غطاء الصندوق الذي يحتاج مني إلى جرأة أكبر لنبشه، ففي الصندوق ثوب فلسطيني طرَّزته أمٌ ثكلى من بئر السبع... أم صديقتي سميرة أخت الشهيد، ودفتر قصائد نازقة دوّنته صديقتي مها من غزة... صورٌ لزميلاتي بالعمل من جنين ونابلس ورام الله... رسائل من صديقتي ابتسام المقدسية... ومن حيفا مفارش مطرزة من صديقة العائلة أم رمزي».

بالتوازي مع تنقّل السرد من حكايات صندوق إلى آخر، يتصاعد الصراع الدرامي لبطل الرواية «مطر» الخبير في تقييم التُحف، الذي يقوده شغفه بمجال «الأنتيك» والآثار القديمة لتتبع مساراتها في مزادات أوروبية تقترب به من عالم عصابات مافيا القطع الأثرية، كما تقوده إلى الاقتراب من حكايات أصحاب القطع الأثرية التي تُباع بالملايين في صالات الأثرياء، كحكاية «مرآة دمشقية» ظلّ صاحبها يتتبعها حتى وصلت لقاعة مزادات «كريستيز» حاملاً معه ذكرى حكاية جدته وأسرته وتشريدهم، وتصنيعهم تلك المرآة بأُبهتها الزخرفية والفنية في غضون ظروف تاريخية استثنائية خلال فترة سيطرة الحكم العثماني في دمشق.

نهب ممنهج

تبدو الرواية التي تقع في 350 صفحة، وكأنها تمنح حضوراً سردياً للقطع الأثرية المفقودة، والمنهوبة، بصفتها شواهد تاريخية تتعقب «تُجار الممتلكات الثقافية»، ودور المزادات، وأمناء المتاحف، وسط متاهات تزوير الوثائق الخاصة بالقِطع وشهادات المنشأ، وتهريب القطع من بلادها، ولا سيما بعد الربيع العربي والحروب الأهلية التي أعقبته، لتفتح ساحات السرقة الممنهجة للآثار في المواقع الأثرية العربية، كما في تونس ومصر وسوريا والعراق، في حين تبدو قصص القطع المفقودة أُحجيات تتبعها الرواية وتحيكها بخيوط نوستالجية تمدّها الكاتبة على امتداد السرد.

تعتني لغة الرواية بالوصف الدقيق للتفاصيل الجمالية التي تبدو في صراع متواتر مع تيار محو أعنف، كقطع السجاد الأصيل وأنواله التقليدية، والزخارف الغرناطية العتيقة على الأسطح، في مقابل ثقافة «الماركات» الاستهلاكية التي تُميّع الذوق العام، والحروف اللاتينية التي تُناظر الحروف العربية وتُغيّبها في لغة الحياة اليومية.

وقد حازت رواية «عشبة ومطر» أخيراً جائزة «العويس للإبداع»، ومن أجواء الرواية نقرأ:

«كنتُ قصيراً، أقفز كي تلمس أطراف أصابعي مطرقة الباب، وبعد أن كبرت قليلاً، وأصبحت أمسكها بيدي، استوقفني شكلها الذي صُنع على هيئة يد بشرية، ثم أدركت أن هناك مطرقتين فوق بعضهما، تعجبت، وسألت أمي عن السبب فقالت: (كانت لدروازتنا مطرقة واحدة، لكن والدك أبهرته فنون بغداد، فجلب منها مطرقتين، مثبتاً المطرقة الأكبر في الأعلى للرجال والمطرقة الأصغر أسفل منها للنساء، ليختصر بذلك السؤال عن هُوية الطارق، فكنا نُميّز الطارق رجلاً أم امرأة من صوت المطرقة)... بِتُ أنصت للطَرق، كنت أعرف طرقات أمي الثلاث، وتعرف أمي طرقاتي المتسارعة، كان هناك طَرقٌ مُبشر، وطرقٌ يخلع القلب، طرق هامس مُدلل، وطرق يُشبه كركرة الأطفال».