نقطة انطلاق التحول الاقتصادي السعودي

حصيلة عام استثنائي بالأرقام

نقطة انطلاق التحول الاقتصادي السعودي
TT

نقطة انطلاق التحول الاقتصادي السعودي

نقطة انطلاق التحول الاقتصادي السعودي

قد يكون عام 2017 العام الأبرز اقتصادياً في تاريخ المملكة العربية السعودية، إذ شهد هذا العام كثيراً من التغيرات الاقتصادية فيها، وذلك بالبدء الفعلي في تطبيق برامج «رؤية 2030» على المستويين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي بدأت المملكة في تطبيق برامج الرؤية مثل برامج التوازن المالي أو التخصيص أو فرض رسوم الوافدين وضريبة القيمة المضافة، أما على النطاق الخارجي، فقد شملت هذه التغييرات تكوين شراكات اقتصادية مع كبريات دول العالم مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين. كما شهدت أيضاً الإعلان الشفاف عن الاستثمارات السعودية الخارجية والداخلية عن طريق صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
إنه العام الذي شهد الإعلان عن مشاريع غير تقليدية... مشاريع هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة، مثل مشروع البحر الأحمر السياحي ومشروع القدية الترفيهي، أو مشروع مدينة «نيوم»، وهو الأضخم من بين هذه المشاريع
شهد عام 2017 تغيراً في السياسات المالية للسعودية على المستوى الداخلي ابتداء من إعلان الميزانية، مروراً بالإعلان الشفاف عن المشاريع والاستثمارات السعودية الخارجية.
على الصعيد الداخلي، بدأت تتضح معالم تطبيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تعدد مصادر الدخل للمملكة، بدلاً من الاعتماد على النفط بصفته مصدراً أساسياً للمصاريف العامة. وقد ينظر البعض إلى استحالة استغناء المملكة عن النفط، إلا أن الواقع هو أن الهدف من برامج تعدد الدخل الحكومي ليس الاستغناء عن النفط بشكل كلي، بل يهدف هذا البرنامج لتخفيف الآثار المترتبة على تذبذب أسعار النفط على الدخل الحكومي.
لقد استمرت المملكة في عام 2017 في تطبيق برنامج التوازن المالي لـ2020، الذي يهدف إلى الموازنة بين دخل الدولة ومصاريفها العامة بحلول عام 2020، وحتى الآن اتضحت مرونة هذا البرنامج من خلال حدثين مهمين في عام 2017.
الحدث الأول كان إعادة بدلات الموظفين الحكوميين بعد إيقاف صرفها العام الماضي، واعتمدت هذه الخطوة بعد إعلان وزارة المالية أن المملكة بدأت بالفعل بتوفير جزء من النفقات ما مكَّنَها من إعادة البدلات دون تضرر الميزانية.
والحدث الثاني تمثل بإعادة تقييم برنامج التوازن المالي نفسه عبر إعلان وزير المالية أن المملكة قد تغير موعد تحقيق التوازن المالي من عام 2020 إلى عام2023.
هذا، ورحب خبراء البنك الدولي في منتصف عام 2017 بهذه الخطوة من الحكومة السعودية، التي تعد الأولى خليجياً وعربياً، ثم إن هذه الخطوة تحديداً تخدم التوجه السعودي الذي يهدف إلى اكتفاء الوزارات السعودية ذاتياً بحيث يصار إلى تقييم أداء الوزارات أربع مرات في العام بدلاً من مرة واحدة. كذلك فوجود الميزانيات ربع السنوية يسهل عملية التقييم المالي للقطاعات الحكومية في حال أرادت المملكة خصخصتها وبيعها للقطاع الخاص.
من ناحية ثانية، أعلن هذا العام عن بدء تطبيق عدد من البرامج الحكومية على المستوى الداخلي، لعل الأبرز من ضمن هذه البرامج هو تطبيق ضريبة القيمة المضافة بدءاً من غرة عام 2018.
البرنامج الآخر الذي أعلن عنه وسيتم تطبيقه العام المقبل هو فرض رسوم على الوافدين في المملكة، سواءً كان الوافد ضمن القوة العاملة أو ضمن المرافقين لهم. ويتوقع أن تدرّ هذه الرسوم ما يقارب 24 مليار ريال.
وعلى مستوى التخصيص، استمرت برامج تخصيص الدوائر الحكومية بين دراسة على الورق وتخصيص بشكل فعلي. وتهدف برامج التخصيص في المملكة إلى تقليص المصاريف الحكومية، ونقل بعض الدوائر الحكومية من كونها عبئاً على الميزانية العامة إلى أن تصبح مؤسسات مستقلة بذاتها ومحققة الاكتفاء الذاتي. كذلك تهدف برامج التخصيص إلى زيادة الفعالية في هذه الدوائر الحكومية والانتقال من البيروقراطية الحكومية إلى الديناميكية المعروفة عن مؤسسات القطاع الخاص. ومما لا شك فيه أن في تخصيص بعض الدوائر الحكومية الدعم للقطاع الخاص، ونقله من الاستثمارات التقليدية القصيرة المدى إلى استثمارات طويلة المدى أحد أهداف الرؤية التي تتطلع إلى رفع نسبة مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي إلى نسبة 50 في المائة.
وإضافة إلى توفير المصاريف العامة من تخصيص بعض الدوائر الحكومية، فإن المملكة قد تحصل على دخل إضافي من بيع هذه المؤسسات الحكومية إلى القطاع الخاص. ولعل أكبر مثال ناجح على تخصيص المؤسسات الحكومية السعودية ما تحقق في بعض مطارات المملكة، ومنها مطار الملك فهد الدولي في الدمام الذي جرى تحويله إلى «شركة مطارات الدمام»، وما هو جارٍ حالياً في بيع جزئيات من «مطار الملك خالد الدولي» في العاصمة الرياض إلى «شركة مطارات الرياض». وكذلك الحال في مطارات أخرى في المملكة.
أيضاً تواصل العمل في دعم برامج المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وذلك لدعم القطاع الخاص بالمملكة. ويتمثل هذا الدعم بتعزيز صناديق وبرامج التمويل والاستشارات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، مثل برنامج «بادر» و«ريادة» وغيرها من برامج دعم الشباب السعودي.
إلا أن الحدث الأكثر صدى في عام 2017 كانت التوقيفات في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي؛ ففي حين فوجئ الناس بإيقاف وزير الخدمة المدنية وإحالته للتحقيق في تجاوزات نسبت إليه في أبريل (نيسان) الماضي في حالة هي الأولى من نوعها في تاريخ الدولة السعودية، شكلت توقيفات الرابع من نوفمبر مفاجأة على المستويين المحلي والدولي. إذ في ليلة واحدة تم توقيف ما يقارب الـ50 شخصاً ما بين أمراء ووزراء سابقين، في قضايا تتعلق بالفساد. وتترتب على هذه التوقيفات - من الناحية الاقتصادية - عدة أمور:
الأمر الأول يعنى بتنظيم المصاريف العامة الحكومية، ذلك أنه من الصعب أن توفر الدولة في النفقات العامة بوجود الفساد والاختلاسات في دوائرها الحكومية.
الأمر الثاني معني باستعادة جزء مما تم استلابه من الميزانيات العامة للسنوات السابقة، وهو ما صرح ولي العهد السعودي بقيمته التي تعادل ما يقارب 10 في المائة من الميزانيات السعودية للسنوات الماضية. وبحسب تصريح ولي العهد السعودي لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية فإن المبالغ التي قد يتم استردادها من المتهمين في قضايا الفساد عن طريق التسوية قد تقارب 100 مليار دولار أميركي. ولاستيعاب ضخامة هذا المبلغ، يكفي معرفة أن المبلغ الذي ستحصل عليه المملكة في حال طرح «أرامكو» للاكتتاب العام (الذي وُصِف بحجر الزاوية لرؤية 2030) هو 50 مليار دولار.
الأمر الثالث أن المملكة بهذه التوقيفات وجهت رسالة واضحة إلى المستثمرين الأجانب في المملكة، وهو أن الفساد لن يقف حجر عثرة في وجه دخولهم للسوق السعودية. وكانت التشكيكات قد ازدادت أخيراً بقدرة المملكة على جذب المستثمرين الأجانب لسوقها المحلية، وركزت تشكيكات المشككين على معدل الفساد في المملكة وعلى البيروقراطية الحكومية. وبالتالي، جاءت الحملة ضد الفساد كفيلة بالرد على هذا التشكيك.
على صعيد آخر، لعل أول انطلاقة للشراكات الاقتصادية الدولية للمملكة في عام 2017 كانت بزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة في منتصف شهر مارس (آذار) بعد شهر ونصف الشهر تقريباً من تولي دونالد ترمب الرئاسة. ولقد وصفت وكالة «رويترز» هذه الزيارة بـ«نقطة التحول» في العلاقات بين المملكة وأميركا بعد سنوات من اللااستقرار إبان ولاية الرئيس السابق باراك أوباما. وكانت هذه الزيارة حجر أساس لكثير من الاتفاقيات التي أعلن عنها إبان زيارة الرئيس الأميركي للمملكة في مايو (أيار) الماضي، وتضمنت هذه الاتفاقيات استثمارات سعودية بقيمة 40 مليار دولار، ولقد تنوّعت هذه الاستثمارات ما بين القطاع الصناعي والتقني والبنية التحتية، وهي المشاريع ذاتها التي قامت الحكومة الصينية أيضاً بالاستثمار بها.
ووقعت المملكة أيضاً أثناء هذه الزيارة اتفاقيات مع كبريات الشركات الأميركية لإنشاء مصانع أميركية سعودية على الأراضي السعودية، ولعل أكبر هذه الشركات شركة «جنرال إلكتريك» العملاقة، وكان هدف هذه الاستثمارات واضحاً ومتوافقاً مع برنامج «الرؤية»، ألا وهو نقل التقنية الصناعية إلى المملكة وتوطينها بحيث تنشئ فرصاً وظيفية للشباب السعودي، وتقلل الاعتماد على الواردات التي تعتمد عليها المملكة سواء كانت هذه الواردات تستخدم في التنقيب على النفط أو في الصناعات العسكرية.
وكانت ثاني الشراكات السعودية في عام 2017 إثر زيارة وزير الطاقة السعودي للصين في أغسطس (آب) الماضي، وتم الاتفاق خلالها على إنشاء صندوق سعودي صيني بقيمة 20 مليار دولار يتضمن استثمارات سعودية في مصافي النفط الصينية، إضافة إلى استثمارات في الطاقة المتجددة. ولا يخفى على أحد أهمية العلاقة السعودية - الصينية، إذ يبلغ حجم الاستثمارات المشتركة بين البلدين ما يقارب 60 مليار دولار، وتستورد الصين حالياً ربع الصادرات النفطية السعودية، ثم إن المملكة دعمت سياسياً واقتصادياً المشروع الصيني لـ«طريق الحرير الجديد» المسمى «طريق واحد... حزام واحد» الذي يخدم بشكل كبير الحركة الملاحية في البحر الأحمر.
وتمثّلت ثالث الشراكات الدولية في زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لروسيا الاتحادية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في زيارة تُعدّ أول زيارة لملك سعودي إليها. ولقد كان النفط سابقاً نقطة التقاء محورية بين المملكة وروسيا، وكاد يكون نقطة الالتقاء الوحيدة بين البلدين، فالدولتان تنتجان سوياً ربع الإنتاج النفطي العالمي. وكان تم الاتفاق مسبقاً بين البلدين عام 2014 على خفض مستوى الإنتاج النفطي بغية المحافظة على مستويات أسعار النفط، إلا أن الزيارة السعودية لروسيا أسَّسَت أيضاً نقاط التقاء أخرى بين البلدين تمثلت في نقل بعض الصناعات العسكرية من روسيا إلى المملكة، إضافة إلى استثمارات التعدين والطاقة المتجددة، وفتحت المملكة المجال للمستثمرين الروس بالبحث عن فرص استثمارية في المملكة.
تواصلت التحليلات في عام 2017 عن طرح شركة «أرامكو» السعودية للاكتتاب العام، والمعروف أن المملكة كانت قد أعلنت في بداية عام 2016 عن نيتها طرح جزء من أرامكو للاكتتاب العام. واتضح بعد فترة أن أكبر الأسواق المرشحة لاحتضان هذا الطرح الأضخم تاريخياً هما سوقا لندن ونيويورك الماليتان. ومع اقتراب موعد الاكتتاب، تناولت الصحف العالمية هذا الاكتتاب، خصوصاً من ناحية تقييم الشركة العملاقة. ففي حين قيَّمَت المملكة شركة «أرامكو» بما يقارب تريليوني دولار، ارتأت بعض الشركات المالية أن القيمة الفعلية للشركة لا تزيد عن 1.4 تريليون دولار. وعلى الرغم من هذه الضغوط، فإن المنافسة لا تزال قائمة بين لندن ونيويورك لاحتضان هذا الاكتتاب. ولقد نبعت خلال هذا العام فكرة أن تشتري الصين هذه الحصة من «أرامكو» دون أي طرح لاكتتاب عام. ويرى المحللون أن في شراء الصين حصة من «أرامكو» مصلحة للبلدين. إذ تتمثل مصلحة المملكة بأن تشتري الصين هذه الحصة بناء على التقييم المحدد من قبل المملكة دون نقصان، بينما تتمثل المصلحة الصينية في ضمان الحصول على حصتها النفطية بشكل منتظم كونها أحد المالكين في الشركة. ولكن على الرغم من جميع التكهنات عن تأجيل المملكة طرح أسهم أرامكو للاكتتاب، دحض وزير المالية السعودي هذه التكهنات بإعلانه أن المملكة تنوي بالفعل المضي قدماً بهذا الطرح في مطلع العام المقبل.
وفي الرابع والعشرين من أكتوبر عام 2017، وضمن مبادرة المملكة لمستقبل الاستثمار الذي أقيم في الرياض، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن مشروع طموح يقام بين ثلاث دول هي المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية.
سمي هذا المشروع «نيوم»، وهو المشروع الأضخم من نوعه من حيث التكلفة المادية، إذ تبلغ تكلفة المشروع ما يقارب 500 مليار دولار، وهو «مشروع حالم» كما وصفه ولي العهد السعودي.
تقام هذه المدينة على مساحة تربو على 26 ألف كيلومتر مربع، بامتداد على ما يقارب 460 كيلومتراً على شاطئ البحر الأحمر. ويتضمن المشروع الضخم عدداً من المشاريع في عدد من القطاعات الاستثمارية تتصل بمستقبل الطاقة والمياه، ومستقبل وسائل النقل، ومستقبل التقنيات الحيوية، ومستقبل الغذاء، ومستقبل التصنيع المتطور، ومستقبل الإنتاج الإعلامي، ومستقبل الترفيه، ومستقبل المعيشة، ومستقبل العلوم التقنية والرقمية. وقد يُطرح هذا المشروع مستقبلاً للاكتتاب العام، كما هو الحال مع «أرامكو»، إلا أن هذا الإعلان عن الاكتتاب سابق لأوانه، وقد لا يتم إلا بعد عام 2030.
من جهة أخرى، يهدف صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى إنشاء استثمارات سعودية سيادية في مجالات عدة، وذلك لتكون هذه الاستثمارات مصدراً لدخل المملكة في المستقبل. وحتى هذه اللحظة أعلن الصندوق عن استثمارات عدة، من ضمنها الاستثمار في البنية التحتية الأميركية بما يقارب 40 مليار دولار، والاستثمار في «صندوق الرؤية التقني» بالمشاركة مع «سوفت بانك» الياباني بما يقارب 100 مليار دولار، وهو ما يجعله الصندوق الاستثماري الأضخم في العالم.
كذلك يشارك صندوق الاستثمارات العامة في مشاريع محلية، مثل مشروع البحر الأحمر السياحي ومشروع القدية الترفيهي، بالإضافة إلى مشاركته في مدينة «نيوم»، وصندوق الاستثمارات السعودي - الروسي. وكان قد سبق لصندوق الاستثمارات السعودي إعلانه شراء حصة من شركة «أوبر» العالمية لسيارات الأجرة، وتأسيس الشركة السعودية للصناعات العسكرية، وتأسيس الشركة الوطنية لخدمات كفاءة الطاقة، وشركة «نون»، وتأسيس الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير. ولقد أعلن الصندوق أخيراً عن برنامجه خلال السنوات الثلاث المقبلة وهو برنامج يتوقع أن يرفع قيمة أصوله إلى 1.5 تريليون دولار. ويهدف الصندوق بحلول عام 2020 إلى أن تشكل استثماراته ما يقارب 6.3 في المائة من الناتج المحلي، وأن يوفر ما يقارب 20 ألف وظيفة بشكل مباشر.
ختاماً، حددت المملكة العربية السعودية أهدافها في عام 2017، وسعت إليها بشكل مباشر، وكان من ضمن هذه الأهداف نقل الصناعات والتقنيات وتوطينها في المملكة. كذلك سعت المملكة عن طريق ذراعها العلمية المتمثلة بـ«مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية»، إلى نقل كثير من الصناعات في المملكة وتوطين تقنيتها في المملكة. ولعل أبرز هذه المساعي كان البرنامج السعودي - الأوكراني المشترك لصناعة طائرات «أنتونوف» التي تم تدشين نموذجها الأول هذا العام.وبدأت المملكة في التسويق للاستثمار الأجنبي بشكل فعال من خلال «مؤتمر مستقبل الاستثمار» في المملكة بإشراف مباشر من ولي العهد السعودي، في حدث ضم أكثر من 2500 مستثمر ومدير تنفيذي من مختلف أنحاء العالم.
- خبير إقتصادي سعودي


مقالات ذات صلة

استحواذ «دلّه الصحية» على مستشفى المملكة يعزز حضورها في الرياض

عالم الاعمال استحواذ «دلّه الصحية» على مستشفى المملكة يعزز حضورها في الرياض

استحواذ «دلّه الصحية» على مستشفى المملكة يعزز حضورها في الرياض

أعلنت «دلّه الصحية» عن إتمام إجراءات الاستحواذ على شركة درع الرعاية القابضة (مستشفى المملكة والعيادات الاستشارية)

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)

تقدم قوي في أداء التجارة الخارجية بارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية

أظهرت بيانات حديثة تقدماً قوياً في أداء التجارة الخارجية للسعودية، بما يعكس نجاح سياسات تنويع الاقتصاد وتعزيز الصادرات غير النفطية.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)

وزير الصناعة السعودي: ولي العهد سرّع إلغاء المقابل المالي لتعزيز تنافسية القطاع عالمياً

كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر الخريف، عن كواليس ما قبل إصدار قرار مجلس الوزراء، الأخير، المتمثل في إلغاء المقابل المالي عن القطاع الصناعي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ميناء الملك عبد العزيز بالدمام (واس)

ارتفاع الصادرات غير النفطية السعودية 32.3 % في أكتوبر

سجّلت الصادرات غير النفطية في السعودية (شاملة إعادة التصدير) ارتفاعاً بنسبة 32.3 في المائة خلال شهر أكتوبر 2025 مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مقر شركة «أكوا باور» السعودية في العاصمة الرياض (الشرق الأوسط)

«أكوا باور» ترفع ملكيتها في «الشعيبة للمياه والكهرباء» إلى 62 %

وقّعت «أكوا باور» اتفاقية للاستحواذ على كامل حصة «بديل» في شركة الشعيبة للمياه والكهرباء.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تقدم قوي في أداء التجارة الخارجية بارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية

ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)
ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

تقدم قوي في أداء التجارة الخارجية بارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية

ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)
ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)

أظهرت بيانات حديثة تقدماً قوياً في أداء التجارة الخارجية للسعودية، بما يعكس نجاح سياسات تنويع الاقتصاد وتعزيز الصادرات غير النفطية التي شهدت ارتفاعاً (شاملة إعادة التصدير) خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بنسبة 32.3 في المائة، على أساس سنوي.

وتكشف البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، الخميس، عن زيادة الصادرات الوطنية غير النفطية بنسبة 2.4 في المائة، والصادرات السلعية الإجمالية بنسبة 11.8 في المائة، ما أسهم في زيادة الفائض في الميزان التجاري 47.4 في المائة على أساس سنوي.

وارتفعت قيمة السلع المعاد تصديرها إلى ما نسبته 130.7 في المائة في أكتوبر، وذلك نتيجة لزيادة «معدات النقل وأجزائها» 387.5 في المائة (تُمثل 37.4 في المائة من إجمالي إعادة التصدير).

الميزان التجاري

البيانات أفصحت عن زيادة الصادرات السلعية في أكتوبر بنسبة 11.8 في المائة، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. كما ارتفعت الصادرات النفطية 4 في المائة التي انخفضت من مجموع الصادرات الكلي 72.5 في المائة خلال هذا الشهر من 2024، إلى 67.4 في المائة في أكتوبر الماضي.

وعلى صعيد الواردات، فقد ارتفعت في أكتوبر 2025 بنسبة 4.3 في المائة، وعند النظر للميزان التجاري السلعي، فقد زاد الفائض 47.4 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

ويرى مختصون لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الأداء المتسارع في حجم الصادرات والواردات، يعكس نجاح تنويع القاعدة التصديرية للمملكة، وتعزيز متانة الاقتصاد الوطني، وترسيخ موقع السعودية لاعباً مؤثراً في التجارة العالمية.

تنويع الاقتصاد

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، الدكتور سالم باعجاجة إنه يلاحظ في بيانات الهيئة العامة للإحصاء قفزة كبيرة في الصادرات غير النفطية بنحو 32.3 في المائة خلال أكتوبر، بدعم قوي من إعادة التصدير التي تقود هذا النمو.

وتابع أن ارتفاع الصادرات غير النفطية في أكتوبر يعكس قوة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، وخطوات المملكة الثابتة نحو مستقبل مزدهر يقوده العمل والتخطيط المحكم.

ووفق الدكتور سالم باعجاجة، فهذه القفزة في الصادرات غير النفطية يُعد تحولاً هيكلياً في الاقتصاد، ويؤكد نجاح سياسة المملكة في تنويع الاقتصاد، وعدم الاعتماد على الأنشطة النفطية.

الخدمات اللوجيستية

بدوره، أكّد المختص في الشأن الاقتصادي، أحمد الجبير، لـ«الشرق الأوسط»، أهمية التسهيلات المقدمة إلى القطاع الخاص المحلي لزيادة انتشار المنتجات الوطنية في الأسواق الخارجية، بما يُحقق المصالح المشتركة في ارتفاع نمو أرباح الشركات والمؤسسات، بما يتوافق أيضاً مع سياسة المملكة في تنويع مصادر الدخل ونمو إسهام القطاع غير النفطي في الاقتصاد الوطني.

وتطرّق الجبير إلى التحول الشامل في الخدمات اللوجيستية بالسعودية وتطورات مناطق الشحن، سواءً الجوية، والبحرية، وكذلك البرية؛ حيث استطاعت هذه الممكنات ضخ مزيد من المنتجات المصدرة إلى الأسواق العالمية.

المعدات الكهربائية

وفي تفاصيل بيانات الهيئة العامة للإحصاء، فقد تصدّرت الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها قائمة الصادرات غير النفطية، مستحوذة على 23.6 في المائة من إجمالي الصادرات غير النفطية، تلتها منتجات الصناعات الكيميائية بنسبة 19.4 في المائة.

وعلى صعيد الواردات، جاءت الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها في المرتبة الأولى بنسبة 30.2 في المائة من إجمالي الواردات، مسجلة ارتفاعاً بنسبة 26.3 في المائة مقارنةً بأكتوبر 2024، تلتها معدات النقل وأجزاؤها التي شكّلت 12.1 في المائة من إجمالي الواردات، مع انخفاضها بنسبة 22.9 في المائة على أساس سنوي.

وحافظت الصين على موقعها بصفتها الشريك التجاري الأول للمملكة في الصادرات والواردات، إذ شكّلت 14.1 في المائة من إجمالي الصادرات، و24.8 في المائة من إجمالي الواردات، فيما استحوذ أهم 10 شركاء تجاريين للمملكة على 70.4 في المائة من إجمالي الصادرات، و67.7 في المائة من إجمالي الواردات.

وعلى مستوى المنافذ الجمركية، جاء ميناء الملك عبد العزيز بالدمام في الصدارة، مستحوذاً على 25.7 في المائة من إجمالي الواردات.


مصرف سوريا المركزي يحدد بداية يناير المقبل لإطلاق العملة الجديدة

مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
TT

مصرف سوريا المركزي يحدد بداية يناير المقبل لإطلاق العملة الجديدة

مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)

حدد حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، الأول من يناير (كانون الثاني) 2026 موعداً لإطلاق العملة السورية الجديدة وبدء عملية استبدال العملة القديمة، مؤكداً أن العملية ستكون «سلسة ومنظمة»، وأن آليتها ستُشرح «بكل وضوح وشفافية».

وقال الحصرية، في بيان صدر اليوم، إن صدور المرسوم رقم 293 لعام 2025 الخاص بـ«ولادة العملة السورية الجديدة»، يمثل «محطة وطنية مفصلية» تعكس بداية مرحلة اقتصادية ونقدية جديدة.

وأضاف أن المرسوم منح المصرف الصلاحيات اللازمة لتحديد مهل التبديل ومراكزه «بما يضمن حسن التنفيذ وسلاسة الإجراءات»، مشيراً إلى أن التعليمات التنفيذية الناظمة ستصدر بقرار من حاكم المصرف، مع التركيز على خدمة المواطنين وتسهيل الإجراءات عليهم في مختلف المناطق.

وأكد الحصرية، حسب ما نقلته وكالة أنباء سوريا (سانا)، أن تفاصيل عملية التبديل ستُعلن بشكل واضح وشفاف خلال مؤتمر صحافي مخصص، بما يعزز الثقة ويكرّس الشراكة مع المواطنين، لافتاً إلى استمرار مصرف سوريا المركزي في العمل خلال أيام 25 و26 و27 ديسمبر (كانون الأول) لمتابعة التحضيرات اللازمة لإطلاق العملية.

عبد القادر الحصرية حاكم مصرف سوريا المركزي (سانا)

ووصف حاكم مصرف سوريا المركزي العملة السورية الجديدة بأنها «رمز للسيادة المالية بعد التحرير»، وعنوان لمرحلة جديدة تُبنى بتعاون الجميع وبإدارة المصرف المركزي، لتكون إنجازاً وطنياً يضاف إلى ما تحقق بعد التحرير، وخطوة «راسخة» نحو الاستقرار والنهوض الاقتصادي.

وأضاف أن الخطوة تمثل «لحظة مفصلية» في التاريخ المالي والاقتصادي للبلاد، للتعبير عن الوحدة والحضارة والتمسك بالسيادة المالية التي تجسدها العملة الجديدة.

وكان مصرف سوريا المركزي قد أوضح في 18 من شهر ديسمبر الحالي أنه سيعلن تفاصيل العملة الجديدة «في الوقت المناسب»، وحال اكتمال التجهيزات والترتيبات المطلوبة، مؤكداً أن جميع التعاملات المصرفية تسير مثل المعتاد دون أي تأثير على الخدمات المقدمة للمواطنين والمستثمرين.

وفي وقت سابق ذكر حاكم المصرف المركزي أن قرار تغير العملة درس بعناية ويجري العمل على توفير المتطلبات الفنية واللوجيستية، وضبط القاعدة النقدية لتجنب الآثار التضخمية.

وأوضح أن «لتبديل العملة رسائل مهمة، فعلى المستوى السياسي يعد تعبيراً عن استعادة السيادة، وعلى المستوى النقدي يسهم في تنظيم أفضل للوحدة النقدية، أما اقتصادياً فيشكل إشارة استقرار وجذب للاستثمار، فيما تنعكس آثاره اجتماعياً من خلال تخفيف عبء الأصفار عن الأسعار وتسهيل التعاملات».


السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
TT

السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)

تشير بوصلة الاستثمار العالمي نحو المملكة المتحدة في عام 2026، حيث يُجمع كبار محللي بنوك الاستثمار على أن السندات البريطانية (Gilts) ستكون «الحصان الأسود» في الأسواق المالية. فبعد سنوات من التشدد النقدي، يترقب المستثمرون تراجعاً تدريجياً في تكاليف الاقتراض، مدفوعاً بآمال خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا.

المسار المتوقع لعوائد السندات السيادية

شهدت السندات البريطانية لأجل عشر سنوات تحولات حادة، حيث قفزت عوائدها مطلع عام 2025 إلى ذروة ستة عشر عاماً، ملامسةً مستوى 4.9 في المائة. جاء هذا الارتفاع مدفوعاً بتضافر عاملين: أولهما تنامي الهواجس بشأن وصول إصدارات الدين العام إلى مستويات قياسية، وثانيهما موجة التصحيح العنيفة (Sell-off) التي اجتاحت أسواق السندات العالمية آنذاك.

ومع ذلك، تشير التوقعات الاستشرافية إلى انعطافة في هذا المسار، حيث يُنتظر أن تتراجع العوائد لتستقر عند 4.32 في المائة بحلول نهاية عام 2026. ورغم أن وتيرة هذا التراجع تبدو «متحفظة» بالنظر إلى المستوى الحالي البالغ 4.49 في المائة، فإنها تحمل في طياتها دلالة استثمارية مهمة؛ فهي تضع السندات البريطانية في موقع الأفضلية من حيث الأداء النسبي مقابل سندات الخزانة الأميركية.

ففي الوقت الذي يتوقع فيه خبراء «وول ستريت» أن تراوح تكاليف الاقتراض الأميركية مكانها عند حدود 4.18 في المائة لأجل عشر سنوات، فإن الانخفاض المرتقب في العوائد البريطانية يمنحها هامشاً أوسع لتحقيق مكاسب رأسمالية، مما يعزز جاذبيتها في محافظ الاستثمار الدولية خلال المرحلة المقبلة.

وقال لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في شركة «بيكتيه» لإدارة الأصول: «نتوقع أن تحقق السندات البريطانية أفضل عائد بين أسواق السندات الكبرى العام المقبل»، مشيراً إلى مزيج من خفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا، وتباطؤ النمو الاقتصادي، و«أوضاع مالية عامة أفضل مقارنة بغيرها».

ويأتي ذلك في وقت يتوقع فيه المحللون على نطاق واسع أن يبدأ بنك إنجلترا بخفض الفائدة تدريجياً طوال عام 2026، مع استمرار تراجع التضخم باتجاه الهدف البالغ 2 في المائة.

وإذا تحققت هذه التخفيضات، فقد تميل عوائد السندات البريطانية إلى الانخفاض، ما يوفر مكاسب رأسمالية محدودة إلى جانب تحسن العوائد الداخلية، مقارنة بفترة العوائد المتدنية للغاية التي سبقت جائحة «كوفيد - 19».

لكنّ صانعي السياسات حذروا من أن ضغوط التضخم، ولا سيما في قطاع الخدمات والأجور، لا تزال تشكل خطراً، وأن أي عودة لهذه الضغوط قد تحدّ من هامش خفض الفائدة وتُبقي العوائد مرتفعة لفترة أطول.

يمر المشاة أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

بين جاذبية العوائد وتفوق الأسهم

على الرغم من الأداء الإيجابي المتين الذي سجلته سوق السندات إجمالاً خلال عام 2025، حيث حقق مؤشر بلومبرغ الأميركي المجمع للسندات عائداً قارب 7 في المائة حتى أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، فإن هذه النتائج ظلت توصف بالمتواضعة عند وضعها في كفة المقارنة مع المكاسب المزدوجة التي حصدتها مؤشرات الأسهم الرئيسية، والتي تفوقت بوضوح في جذب شهية المخاطرة.

وفي سياق تحليل هذه الديناميكيات، أشار جيمس أذي، مدير الصناديق في شركة «مارلبورو» لإدارة الاستثمارات، إلى أن السندات البريطانية استعادت أخيراً قدرتها على توليد دخل مجدٍ للمستثمرين، مستدركاً أن فرضية العودة إلى مستويات العوائد المتدنية التي سادت حقبة ما قبل الجائحة تظل احتمالية مستبعدة إلى حد كبير.

واستطرد موضحاً أن مسار خفض أسعار الفائدة لن يؤدي بالضرورة إلى هبوط حاد في العوائد، وذلك نظراً لتقاطع ضغوط التضخم مع مخاطر ازدياد معروض الدين العام، الأمر الذي يعني استقرار العوائد عند مستويات قاعدية تفوق بكثير تلك التي اعتاد عليها المستثمرون إبان العقد الثاني من القرن الحالي.

من جهتها، قالت روث غريغوري، نائبة كبير الاقتصاديين البريطانيين في «كابيتال إيكونوميكس»: «بنك إنجلترا سيخفض الفائدة، لكنه سيفعل ذلك بحذر. وهذا يعني وجود بعض الضغوط النزولية على عوائد السندات البريطانية، ولكن من دون إعادة تسعير حادة».

وتتوقع «غولدمان ساكس» للأبحاث أن يقوم بنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال النصف الأول من العام المقبل، ليصل سعر الفائدة الأساسي إلى 3 في المائة بحلول صيف 2026.

وفي محاولة لاستعادة ثقة الأسواق وتقليص علاوة المخاطر السياسية على تكاليف الاقتراض البريطانية، رفعت وزيرة المالية رايتشل ريفز، في موازنة نوفمبر، هامش الأمان الحكومي ضمن قواعد الاقتراض من 9.9 مليار جنيه إسترليني إلى 21.7 مليار جنيه.

وقد شهدت السندات البريطانية ارتفاعاً قبل الموازنة، على خلفية توقعات بهذا التحول الإيجابي للمستثمرين، وارتفعت أسعارها يوم إعلان الموازنة، مدعومة أيضاً بإعلان الحكومة نيتها تقليص مبيعات الديون طويلة الأجل على وجه الخصوص.

وتُعد مورغان ستانلي من أكثر المؤسسات تفاؤلاً بشأن السندات البريطانية في العام المقبل، مستندة إلى خفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا وتحسن ديناميكيات العرض والطلب - مع توقع بلوغ إصدارات السندات ذروتها في السنة المالية الحالية - حيث تستهدف عائداً عند 3.9 في المائة على السندات لأجل عشر سنوات بنهاية 2026.

في المقابل، يبدو «جيه بي مورغان» أكثر تشاؤماً، إذ يرى أن مخاطر حدوث تحدٍّ لقيادة حزب «العمال» بعد الانتخابات الإقليمية في مايو (أيار) المقبل قد تدفع تكاليف الاقتراض طويلة الأجل إلى الارتفاع، مع مطالبة المستثمرين بعلاوة مقابل حالة عدم اليقين. ويتوقع «جيه بي مورغان» أن يبلغ عائد السندات لأجل عشر سنوات نحو 4.75 في المائة بنهاية 2026.

آفاق الولايات المتحدة

تتسم التوقعات المستقبلية لسندات الخزانة الأميركية بقدر أكبر من التوازن والتعقيد خلال العام المقبل. فعلى الرغم من السياسة التيسيرية التي انتهجها الاحتياطي الفيدرالي، التي أفضت إلى تقليص سعر الفائدة الأساسي بنحو مائتي نقطة أساس على مدار الثمانية عشر شهراً الماضية، فإن عوائد الأوراق المالية ذات الآجال المتوسطة والطويلة أبدت مقاومة واضحة، وظلت مستقرة عند مستويات مرتفعة نسبياً.

وبناءً عليه، يتوقع المحللون أن تكون العوائد الأميركية أكثر صموداً مقارنة بنظيرتها البريطانية، مع احتمال استمرار التباعد بين السوقين. وستظل بيانات التضخم والسياسة المالية من العوامل الحاسمة في تحديد أداء سندات الخزانة.

وقالت بريا ميسرا، مديرة المحافظ في «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول: «تواجه الولايات المتحدة مزيجاً فريداً من النمو القوي والإصدارات الضخمة جداً من الديون». وأضافت: «هذا يجعل من غير المرجح حدوث تراجع حاد في عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل، حتى لو خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة».

أوراق نقدية للجنيه الإسترليني والدولار الأميركي في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

سندات الشركات

شهد هذا العام عدداً من صفقات السندات الضخمة بشكل استثنائي من قبل شركات عالمية كبرى، ما يعكس توجه شركات التكنولوجيا والاتصالات على وجه الخصوص إلى أسواق الدين لتمويل استراتيجيات كثيفة رأس المال.

وكانت أبرز صفقة في العام من نصيب شركة «ميتا»، التي جمعت نحو 30 مليار دولار من خلال إصدار سندات متعددة الشرائح، في واحدة من أكبر صفقات السندات الفردية التي تنفذها شركة تكنولوجية على الإطلاق، وقد قوبلت بطلب قوي من المستثمرين.

وقد عكس ذلك ثقة السوق في قوة الميزانية العمومية لـ«ميتا»، وقدرتها على دعم الإنفاق الواسع على الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات والبنية التحتية المرتبطة بها.

وتبعتها شركة «أوراكل» بإصدار سندات بنحو 18 مليار دولار، وُصف على نطاق واسع بأنه ثاني أكبر إصدار لسندات الشركات الأميركية في عام 2025، ما أتاح لها دعم توسعها في الحوسبة السحابية والخدمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

وفي الوقت نفسه، أنهت شركة «ألفابت» المالكة لـ«غوغل»، إصدار سندات متعددة الشرائح مقومة باليورو بقيمة تقارب 6 إلى 7 مليارات يورو، ما عزز دور السوق الأوروبية بصفتها مصدر تمويل لشركات التكنولوجيا الأميركية.

وعكس إصدار «ألفابت» كلاً من شهية المستثمرين القوية للديون عالية الجودة، ورغبة الشركات المُصدِرة في تنويع مصادر التمويل بعيداً عن أسواق الدولار الأميركي.

كما برز قطاع الاتصالات بقوة، إذ نفذت شركة «فيرايزون» عدة صفقات سندات كبيرة خلال عام 2025، من بينها إصدارات هجينة في أسواق اليورو والجنيه الإسترليني.

وبالنظر إلى عام 2026، من المرجح أن تستمر سوق سندات الشركات في التأثر بالقوة نفسها التي دفعت الإصدارات الضخمة هذا العام.

ومن المتوقع أن تظل شركات التكنولوجيا والاتصالات من أبرز المقترضين، مع استمرار الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، والطاقة الاستيعابية السحابية، ومراكز البيانات، والبنية التحتية للشبكات.

المخاطر

تمثل عودة التذبذبات في أسعار الفائدة التحدي الأكثر جوهرية الذي يواجه أسواق السندات خلال عام 2026؛ فبالرغم من المسار النزولي المفترض للفائدة الرسمية، فإن أي تحول مباغت في التوقعات التضخمية أو تبدل في النبرة التوجيهية للبنوك المركزية كفيل بإرباك جداول الإصدارات الزمنية.

وفي العرف الاستثماري، يبدي حائزو السندات مرونة أكبر تجاه العوائد المرتفعة مقارنة بحالة الضبابية وعدم اليقين؛ إذ إن أي عملية إعادة تسعير حادة وشيكة قد تفضي سريعاً إلى اتساع هوامش العوائد وانكماش ملحوظ في نشاط السوق الأولية. وعلاوة على ذلك، يبرز الاقتراض السيادي المكثف على أنه عامل ضغط إضافي، حيث إن وتيرة الإصدارات الحكومية المتصاعدة، لا سيما في الاقتصادين الأميركي والأوروبي، قد تسهم في رفع تكلفة التمويل الإجمالية على المصدرين كافة. ولا تزال الصدمات الجيوسياسية قائمة بوصفها متغيراً حرجاً قادراً على تقويض مستويات الثقة، وإضعاف شهية المخاطرة لدى المؤسسات الاستثمارية الكبرى.