مصر تحكم سيطرتها على «منابر التحريض» بقانون رئاسي لتنظيم ممارسة الخطابة

الحكومة: يهدف إلى إسناد الأمر لأهله.. والأزهر: «يُخلص من المتطفلين»

د. محمد مختار جمعة
د. محمد مختار جمعة
TT

مصر تحكم سيطرتها على «منابر التحريض» بقانون رئاسي لتنظيم ممارسة الخطابة

د. محمد مختار جمعة
د. محمد مختار جمعة

خاضت مصر معركة جديدة أول من أمس، لإحكام سيطرتها على منابر التحريض في المساجد ولمواجهة الأفكار والدعاة التكفيريين الذين يدعون المصريين للعنف ضد السلطات الحاكمة في البلاد، وأصدر الرئيس المؤقت المنتهية ولايته المستشار عدلي منصور قانونا لتنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد وقصرها على أئمة وزارة الأوقاف ووعاظ بالأزهر الشريف.
وبينما أكد الدكتور شريف شوقي المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء في مصر أمس، أن «الموافقة على قانون الخطابة جاءت لضبط الدعوة بالمساجد.. ويهدف إلى إسناد الأمر لأهله»، رأى الأزهر الشريف أن «القانون سوف يضبط الخطاب الديني ويخلصه من المتطفلين عليه». وقال أزهريون إن «القانون انتصار للدعوة والدعاة وإبعاد غير المتخصصين عن الخطابة».أتى هذا كرد قوي لمواجهة دعاة التطرف والعنف بعد أن خاضت وزارة الأوقاف من قبل معركة لبسط سيطرتها الدعوية على منابر المساجد الفترة الماضية، والتي أصبحت أرضا خصبة لدعاة التطرف والتحريض منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، عن السلطة، في يوليو (تموز) من العام المنصرم.وقال مصدر مسؤول في الوزارة لـ«الشرق الأوسط»، إن «وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة تقدم بمشروع قانون لقصر ممارسة الخطابة بالمساجد على المتخصصين من خريجي الأزهر الشريف»، لافتا إلى أن هذه الخطوة بعدما وحدت الوزارة خطبة الجمعة في المساجد فبراير (شباط) الماضي.
وتحاول الدولة المصرية منع استخدام دور العبادة في الصراع السياسي الذي تشهده البلاد. وقالت وزارة الأوقاف، وهي المسؤولة عن المساجد، إنه «جرى وضع خطة شهرية مسبقة بالموضوعات التي سيتناولها الأئمة خلال خطبة الجمعة».ونص قانون الرئاسة المصرية بحسب السفير إيهاب بدوي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، على أنه «لا يجوز لغير المعينين المتخصصين بوزارة الأوقاف والوعاظ بالأزهر المُصرح لهم، ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها، ويصدر بالتصريح قرار من شيخ الأزهر أو وزير الأوقاف حسب الأحوال».
وأضاف بدوي أن «القانون نص أيضا على أنه لا يجوز لغير خريجي الأزهر والعاملين في المجال العلمي أو الدعوي به وطلابه في التعليم الجامعي وقبل الجامعي، والعاملين بوزارة الأوقاف في مجال الدعوة، والعاملين بدار الإفتاء في المجال العلمي والدعوي، والمُصرح لهم بالخطابة من وزارة الأوقاف، ارتداء الزى الأزهري. ويصدر بتحديد مواصفات هذا الزي قرار من شيخ الأزهر بناءً على عرض وزير الأوقاف».وأوضح بدوي أنه طبقا للقانون يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، كل من قام بممارسة الخطابة أو أداء الدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها دون تصريح أو ترخيص. كما يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه، كل من ارتدى الزى الأزهري من غير الفئات المُشار إليها أو قام عمدا بإهانة هذا الزي أو ازدرائه أو الاستهزاء به.
من جانبه، شدد وزير الأوقاف أمس، على أنه لا تهاون بعد اليوم في تطبيق حق الأئمة وحماية كيانهم الفكري بعدم تدخل غير المتخصصين في خطابهم أو محاولة التهوين من ملابسهم التي تعد بمثابة رمز للأزهر والتابعين له، فشكل الدعاة ومضمونهم أصبح في حماية القانون.بينما أعرب الأزهر الشريف عن تأييده لقانون ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها. وقال وكيل الأزهر الشريف الدكتور عباس شومان: «لقد صدر المرسوم بقانون الذي فوض شيخ الأزهر ووزير الأوقاف في تقديم نظم ممارسة الخطابة للمصرح لهم من الأزهر أو الأوقاف فقط، ويجرم ارتداء الزي الأزهري لغير العاملين في مجال الدعوة بالأزهر والأوقاف، ويُعاقب من يهين الزي الأزهري بعقوبة الحبس أو الغرامة أو الجمع بينهما، لتعود للزي الأزهري هيبته، وينضبط الخطاب الديني بعد تخلصه من المتطفلين عليه».
وأعلنت الحكومة المصرية جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا نهاية العام الماضي، وحملتها مسؤولية عمليات إرهابية استهدفت أبرياء في قلب العاصمة المصرية والمحافظات وشبة جزيرة سيناء، خلال الأشهر الماضية.وأضاف المصدر المسؤول في وزارة الأوقاف نفسه، أن «الأزهر يريد أن يرسل صورة جيدة عن الأوضاع في مصر للخارج، بأن الدين الإسلامي ليس فيه تشدد ضد أحد».ومن جهة ثانية، أدى عدد كبير من علماء الأزهر والأوقاف خطب الجمعة بالمساجد الكبرى في القاهرة والمحافظات أمس، مشددين على ضرورة وحدة الصف والتمسك بسماحة الإسلام لعكس الصورة الصحيحة عنه، فيما أطلق الأزهر مع وزارة الأوقاف قافلة دعوية بمحافظة جنوب سيناء أمس، في محاولة لمحاربة الفكر المتطرف، وبث خطب الدفع بالوطن إلى الأمام بأسلوب وسطي بعيدا عن اللغو والتشدد.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.