وسائل الإعلام حين تقع ضحية للإرهاب

«القاعدة» رسَّخ في أدبياته أن أكثر من نصف المعركة يجري على ساحات «الميديا»

مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)
مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)
TT

وسائل الإعلام حين تقع ضحية للإرهاب

مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)
مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً من دون توقف وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام على تلقف التسجيلات المرئية لقيادات التنظيمات الإرهابية وبثّها («الشرق الأوسط»)

من الصعب نسيان تصريح الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، المتمثل في عبارته الشهيرة: «إما أن تكونوا معنا وإلا فأنتم مع الإرهابيين»، فهو يعكس تحولاً مفصلياً غَيّر من مفهوم الإرهاب، وعمّق من إدراك العالم لمدى خطورة التنظيمات الإرهابية بتسليط الضوء عليه. شهدت تلك الفترة التي ابتدأت بالألفية الجديدة تهافت وسائل الإعلام في تغطيتها ليس فقط الهجمات الإرهابية وإنما ما تجاوز ذلك ليُسهِم في دعم (البروباغندا) للتنظيمات الإرهابية».
فمشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمية تكرر بثه مراراً دون توقف، وقابله من جهة أخرى حرص الإعلام تلقف التسجيلات المرئية لقياديي التنظيمات الإرهابية وبثّها، كما حدث حين بثت قناة «الجزيرة» في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2004 التسجيل المرئي لزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وتناقلته وسائل الإعلام العالمية، مما أتاح له أن يعلل أسباب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي شنها تنظيم القاعدة، ويستعرض قدرات التنظيم والحيثيات التي مكَّنَته من تنفيذ الهجمات. كل ذلك عاد بالنفع على تنظيم القاعدة، إذ اكتسب عبره المزيد من المؤيدين، وتمكن من بث الرعب في نفوس المشاهدين، وهو يتوعد الولايات المتحدة وحلفاءها بالمزيد من الهجمات الإرهابية.
الأمر الذي لم يتوقف عند هذا الحد وأسهم في إرضاء الأنا المتضخمة لدى المتطرفين، إذ عززت وسائل الإعلام من الهالة الإعلامية التي أحاطت بن لادن بالتسابق من أجل إجراء لقاءات صحافية معه، تعاقبت عليها كثير من الأسماء اللامعة أمثال الصحافي البريطاني روبرت فيسك، والأميركي سكوت ماكلويد. بل وصل الأمر إلى أن يسأل الإعلامي بيتر أرنيت في لقاء صحافي أجراه مع أسامة بن لادن في مارس (آذار) عام 1997 لقناة «سي إن إن» الإخبارية باهتمام بالغ: «ما مخططاتك المستقبلية؟»، وكأنه أحد مشاهير هوليوود ممن يتوق المشاهدون لمعرفة مخططاته. ليجيبه بن لادن برصانة وثقة: «سوف تراها وتسمع عنها في وسائل الإعلام إن شاء الله»، تلك الحقبة التي افتتنت فيها وسائل الإعلام بنقل صوت المتطرفين اندحرت ليقابلها في الفترة الآنية الاكتفاء بتغطية الهجمات الإرهابية وعواقبها، بعيداً عن الوقوع في سقطة تضخيم الجماعات المتطرفة، إذ بدأ ذلك بالخفوت التدريجي إلى الحد الذي ظهرت فيه أصوات تتهم وسائل الإعلام بعدم وجود تغطية كافية للهجمات الإرهابية.
على نسق تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في فبراير (شباط) 2017، حين اتهم وسائل الإعلام بالتقصير في تغطيته للإرهاب وعملياته. وذلك ليس بالأمر المستغرب، إذ لطالما سقطت التغطيات الإعلامية لقضايا الإرهاب ضحية الانتقاد إما بالإفراط أو التقصير، بالأخص كون الإعلام مهما كان محايداً من السهل إلصاق الكثير من التهم به، بدءاً بالترويج للتنظيمات المتطرفة، ووصولاً إلى النمطية في تغطية الهجمات الإرهابية والتركيز على تغطية الهجمات التي نفذها متطرفون باسم الإسلام مما يشعل فتيل الإسلاموفوبيا ويوسع الهوة بين الحضارات والثقافات المختلفة. من جهته وصف زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري الحرب الإعلامية التي تخوضها «القاعدة» بالمعركة وبأن أكثر من نصف هذه المعركة تجري على ساحات وسائل الإعلام بما يبدو أشبه بـ«سباق لاستمالة قلوب وعقول الأمة». مثل هذا السعي من أجل كسب «أفئدة وعقول» الآخرين عبر وسائل الإعلام ليس بالأمر الجديد، إذ سعى تنظيم القاعدة بالتحديد التكثيف من حضوره في الساحة الإعلامية التقليدية، وعبر المنابر الإعلامية للتنظيم من أجل محاولة إبهار الآخرين، وفي الوقت نفسه لتخويف الآخرين من خلال استعراض قدراتهم التي تصب في محاولات إثبات وجودهم والاستمرارية في ذلك. إذ إن الهدف الأول المتعارف عليه من الهجمات الإرهابية ليس حصد عدد قتلى كبير وإنما اللعب بالعامل النفسي من خلال إثارة الرعب والحصول على أكبر قدر من المشاهدين عبر الضجة الإعلامية التي تحدثها تلك الهجمات، وقد انتقل ذلك في الآونة الأخيرة على الساحة الإلكترونية التي ارتكز عليها إرهاب العصر الحديث، ففي حقبة ما قبل «داعش» كانت تظهر عبر شاشات التلفاز خطابات قادة «القاعدة»، فيما بزغ «داعش» لتمثل مرحلة جديدة تحمل توجهات مختلفة لا تمجد قادتها وإنما تحرص على إخفاء الهويات والانصهار تحت مسمى التنظيم. يبدو أعضاء «داعش» أشبه بشخصيات هلامية يصعب الإمساك بها بخلاف التنظيمات السابقة التي كانت تتخذ تنظيماً هرمياً ومنحى أكثر وضوحاً، وبأسماء معروفة لقادته، وشمل ذلك رموزاً لـ«القاعدة» ليس في التنظيم الأم فحسب، وإنما في المناطق المختلفة كـ«القاعدة» في جزيرة العرب والتي عرف قادتها في السعودية بالتحديد أمثال عبد العزيز المقرن ويوسف العييري. فيما يقابلها من جهة أخرى اختلاف كبير في سلوكيات تنظيم داعش، ويتجلى ذلك من خلال القبض على الداعشيين المطلوبين أمنياً في السعودية دون إعطاء أهمية للشخصيات، إذ كرّس التنظيم جلّ اهتمامه باستقطاب أكبر عدد من المنتمين لهم بعيداً عن الانتقائية التي حرصت عليها القاعدة من قبل. لم يكترث تنظيم داعش بدءاً بزعيمه أبو بكر البغدادي للظهور الإعلامي واكتفى بتصريحات معدودة وقت الحاجة لذلك، الأمر الذي سهل من التشكك بصحة مقتله من عدمه وقلل من مدى تأثير اختفائه عن التنظيم بابتعاده عن التعظيم من شأن الشخصيات أو الأهداف، وهو امتداد لما تميز به تنظيم داعش بالقدرة على تغيير استراتيجياته وتكييفها مع الظروف المحيطة به. ففي الوقت الذي حرص فيه التنظيم على الابتعاد عن أنظار الإعلام التقليدي خشية الوقوع في قبضة السلطات والجهات الأمنية الدولية بالأخص بعد أن تضافرت جهودها من أجل القبض على المتطرفين وأصبح من السهل الوصول إلى أماكن وجودهم في حال تواصلهم إلكترونياً. خلق التنظيم لنفسه عالماً إلكترونياً آخر قائم على الترويج للتنظيم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الوصول لأكبر قدر من المتعاطفين وتكوين خلايا نائمة في بقاع بعيدة بطرق سريعة وسهلة دون الحاجة عن الكشف عن هوية الأعضاء المنتمين إليه. فأي شخص يتبنى أفكار «داعش» في أي بقعة من العالم من الممكن أن ينفذ هجمة إرهابية مباغتة وحده كذئب منفرد دون الحاجة إلى اجتماعٍ فعلي مع أعضاء آخرين. باستثناء حالات نادرة أتيحت فيها الفرصة لإعلاميين معدودين إجراء حوارات صحافية مع بعض قادة التنظيم أو التعرف على العالم الداعشي عن كثب، كما حدث مع الصحافي الألماني يورغن هورفور في عام 2014، حين سمح له بالدخول إلى معاقل «داعش» في الموصل لمدة عشرة أيام، من خلال تصريح رسمي من زعيم التنظيم البغدادي أطلق عليه «كتاب الأمان» بعدم المساس به. وقد جرى ذلك في الفترة التي كان فيها التنظيم في أوج قوته وحرص على تكثيف جهوده من أجل تجنيد الجنسيات المختلفة والتركيز على الغربية منها من أجل توسيع الرقعة الجغرافية للتنظيم والاستثمار بشخصيات بإمكانها نقل خبرتهم العسكرية والفكرية الداعشية إلى أوطانهم حال رجوعهم إليها. وقد أعرب الصحافي يورغن عقب عودته إلى وطنه عن تفاجئه من أن التنظيم «أقوى مما كنا نتوقع»، وعن العدد الضخم من المناصرين من الجنسيات المختلفة بما فيها الجنسية الألمانية. بخلاف ذلك فإن تنظيم داعش اعتمد بشكلٍ عام على أذرعه الإعلامية المتمثلة في وكالة أعماق والمنشورات الإعلامية التي يعدها أعضاء التنظيم المختصون في نشر رسائله الإعلامية كمجلة دابق والتي تموجت لغاتها وأساليبها حسب الشريحة والجنسية المستهدفة. وقد تكثفت الرسائل الإعلامية للتنظيم في فترة مد نفوذ «خلافته المزعومة» في كل من العراق وسوريا، وألزم أعضاؤه بالاقتصار على سماع وسائل إعلام التنظيم وحدها، حرصاً على إقصاء أي مؤثرات خارجية، إلا أن تلك السيطرة الإعلامية تلاشت بعد فقدان تنظيم داعش لأراضيه، ليقتصر التنظيم على تبني الهجمات الإرهابية التي يزعم بأن أحد أعضائها قد ارتكبها. وإن تبنى التنظيم في الآونة الأخيرة هجمات لم يرتكبها كما حدث مع هجوم لاس فيغاس الذي أودى بحياة 58 شخصاً وارتكبه الأميركي ستيفن بادوك قبل انتحاره، وفي الحين الذي تبنى تنظيم داعش نفت ذلك السلطات الأميركية. الأمر الذي يظهر استماتة التنظيم في محاولته الحصول على أي إثبات لاستمرار قوته وأهمية هجماته وإن كان من خلال الادعاء بارتكاب عملية إرهابية لا علاقة له به، بالأخص بعد أن كثفت وسائل الإعلام من تغطيتها لأخبار انحسار قوة «داعش»، الأمر الذي جعل التنظيم يكثف من رسائله الإعلامية التي تحذر أعضاؤه ومناصرين من التأثر والانخداع بما تذكره وسائل الإعلام، وتجنب المعلومات التي وصفها التنظيم بـ«الكاذبة» بالأخص في الآونة الأخيرة مع تجلي ضعف قدراتهم العسكرية والإلكترونية، وصعوبة التحكم في المحتوى الذي يشاهده أعضاء التنظيم ويؤكد انحسار نفوذهم بخلاف ما كان يحدث من سيطرة إعلامية على المناطق التي أرسى فيها التنظيم «خلافته المزعومة» في الرقة والموصل. لا سيما بعد أن تمكنت السلطات الأمنية الدولية من كشف هويات الإرهابيين والتوصل إلى أماكن وجودهم من خلال أنشطتهم الإلكترونية. وقد قلّص من قدرات التنظيم الإلكترونية تشديد الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي وتصيد الحسابات التي تحرض على التطرف وإقفالها، ولم يقف الأمر عند تعطيل الصفحات الإلكترونية أو إقفال الحسابات المتطرفة فحسب وإنما، اتخذت طرق مكافحة الفكر المتطرف منحى جديداً من خلال محاولة تغيير التوجهات المتطرفة، إذ تمكنت عدة مواقع إلكترونية مثل «غوغل» و«يوتيوب» من إحالة الباحثين عن معلومات أو تسجيلات مرئية تحرّض على الإرهاب إلى أخرى تدينها. الأمر الذي يصعب على الإرهابيين القدرة على تجنيد المتعاطفين معهم كما كان يحدث من قبل ويساهم في خفض صوت خطابات الكراهية ويساهم في إعادة التوازن في المجتمعات وإرساء قيم السلام.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».