رئيس الوزراء العراقي يتعهد بمحاربة الفساد وتطوير الاستخبارات

في إطار إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية

جنود عراقيون أصيبوا في المعارك مع «داعش» يتظاهرون في بغداد أول من أمس مطالبين بدفع رواتبهم وبعناية طبية أفضل (إ.ب.أ)
جنود عراقيون أصيبوا في المعارك مع «داعش» يتظاهرون في بغداد أول من أمس مطالبين بدفع رواتبهم وبعناية طبية أفضل (إ.ب.أ)
TT

رئيس الوزراء العراقي يتعهد بمحاربة الفساد وتطوير الاستخبارات

جنود عراقيون أصيبوا في المعارك مع «داعش» يتظاهرون في بغداد أول من أمس مطالبين بدفع رواتبهم وبعناية طبية أفضل (إ.ب.أ)
جنود عراقيون أصيبوا في المعارك مع «داعش» يتظاهرون في بغداد أول من أمس مطالبين بدفع رواتبهم وبعناية طبية أفضل (إ.ب.أ)

قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أمس، إن ما سماها «جرثومة الفساد» هي التي سهّلت دخول تنظيم داعش إلى البلاد ومكّنته من احتلال نحو 4 محافظات عراقية. وتعهد العبادي الذي يتولى منصب القائد العام للقوات المسلحة، بمحاربة الفساد وتطوير الجهد الاستخباري، معتبراً إياهما أبرز تحديين يواجهان حكومته خلال المرحلة المقبلة.
وأضاف العبادي، خلال المؤتمر الأول لجهاز الأمن الوطني الذي عُقد في بغداد، أن «التحدي المقبل أمني استخباري، وعلينا أن نُشعر المواطن بأن هناك تغيراً إيجابياً في حفظ الأمن»، مشيراً إلى أن «أمامنا مهمة فرض الاستقرار في المناطق المحررة، ويجب توفير الأمن والخدمات فيها». وأضاف العبادي أن «المواطنين قاعدة رصينة لدعم أي جهاز أمني استخباري»، وأنه «لا يمكن التهاون مع الفساد، ويجب القضاء عليه وعلى المحسوبية والمنسوبية في الأجهزة الأمنية». وتابع العبادي: «لا نحتاج إلى أعداد كبيرة من العناصر الاستخبارية، وإنما نحتاج إلى عناصر مهنية كفؤة»، مشدداً على أن «محاربة الفساد عنصر أساسي في عمل الأجهزة الأمنية». واعتبر أن «الفساد بمثابة جرثومة خطيرة سهّلت دخول تنظيم داعش».
كان العبادي، ومنذ إعلانه النصر النهائي على تنظيم داعش وطرده عسكرياً من كل الأراضي العراقية في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، قد حدد أولويات حكومته للمرحلة المقبلة، وعلى رأسها إعلان الحرب على الفساد، متعهداً بإحالة ملفات كبار الفاسدين إلى المحاكم. لكنه، طبقاً لما يراه المراقبون في العاصمة العراقية بغداد، فإن العبادي نفسه يواجه تحديات داخلية، جزء منها يتعلق بوضع حزب الدعوة الذي ينتمي إليه، لا سيما بعد تحوله إلى جناحين غير معلنين، أحدهما يتزعمه سلفه نوري المالكي والآخر برئاسته. كما يواجه تحديات داخل التحالف الوطني الشيعي، وأخرى خارج إطار بيئته الحزبية والمذهبية مع الأكراد بعد أزمة الاستفتاء، ومع السنة، لا سيما قضية النازحين التي يلوح بها ممثلو السُّنة في البرلمان والحكومة سبباً لمقاطعة الانتخابات المقبلة في حال عدم إرجاعهم وفقاً لتعهدات كان العبادي قد قطعها على نفسه بعد إعلان النصر على تنظيم داعش.
وبشأن الصلة بين أهمية تطوير الجهد الاستخباري وما عانته المؤسسة الأمنية من خروقات سابقة تركت تأثيرات سلبية على طبيعة علاقتها مع المواطنين، يقول إياد الجبوري، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «حسم هذه النقطة بالغ الأهمية سواء لجهة ما يمكن أن تتمتع به الأجهزة الأمنية من مهنية واحتراف في عملها مما يقلل الخسائر والتضحيات بين صفوفها، أو لجهة صلتها مع المواطنين التي تنعكس إيجاباً أو سلباً مع الدولة وفق طريقة تعامل الأجهزة الأمنية مع المواطن».
ويضيف الجبوري، وهو أحد شيوخ العشائر في منطقة حزام بغداد: «إننا سبق أن عانينا من هذا الأمر خلال الفترات الماضية، حيث كنا في الغالب نعالج أغلب المشكلات عن طريق بناء علاقات شخصية متوازنة مع الأجهزة الأمنية بهدف تلافي العديد من الخروقات والمشكلات مثل الاعتقالات العشوائية أو سواها، بينما إذا ما تمتعت الأجهزة بحس أمني عالٍ وتمكنت من بناء علاقة إيجابية مع المواطن فإنها سوف تجنب نفسها العديد من المخاطر التي تتعرض لها بسبب وشايات من المخبر السري أو غيره، كما أن المواطن سيتحول من خصم بسبب سوء المعاملة إلى مصدر يساعد على فرز الإرهابيين والخارجين عن القانون، مما ينعكس في النهاية بشكل إيجابي على الدولة والمواطن».
بدوره، أكد الخبير الأمني فاضل أبو رغيف لـ«الشرق الأوسط»، أن «العبادي يرى أن هناك متلازمة في التحديات التي تواجهها الحكومة، وهي التحديات الاستخبارية والأمنية، ويقابله تحدي محاربة الفساد والمفسدين»، مبيناً أن «العبادي تحدث عن مسألة في غاية الأهمية وهي العشائرية والمحسوبية في بعض القيادات الأمنية النافذة، بينما يرى العبادي أن الكفاءة تختصر المحسوبية والتضخم والتمدد، حيث إن الأمن لا يحتاج إلى أعداد كبيرة». وأشار إلى أن «العبادي كان واضحاً ومباشراً لجهة أهمية عدم زج أبناء العشيرة والمقربين داخل القطاع الأمني، لأنه يؤدي إلى الترهل، لأن المرحلة المقبلة هي مرحلة محاربة الفساد بكل أشكاله لا الفساد المالي فقط».
وحول ما إذا كان ما قاله العبادي سيرتبط بإجراءات عملية، قال أبو رغيف: إن «القضاء سيأخذ ما يحال إليه من قضايا، كما أن الادعاء العام بدأ ينهض بأعبائه»، مبينا أن «العبادي جاد تماماً في هذه القضية، حيث إن المرحلة القادمة سوف تشهد عمليات قانونية للحد من آفة الفساد والترهل في الجسم الأمني العراقي».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.