المسماري: مطالبة حفتر بالانتخابات لا تعني سعيه إلى السلطة

قال لـ {الشرق الأوسط} إنه يريد الوصول بليبيا إلى بر الأمان عن طريق سلطة مدنية

المسماري: مطالبة حفتر بالانتخابات لا تعني سعيه إلى السلطة
TT

المسماري: مطالبة حفتر بالانتخابات لا تعني سعيه إلى السلطة

المسماري: مطالبة حفتر بالانتخابات لا تعني سعيه إلى السلطة

قالت مصادر مقربة من المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي، إنه أبلغ جان إيف لو دريان وزير الخارجية الفرنسي، الذي التقاه أول من أمس، بمقره في مدينة الرجمة خارج مدينة بنغازي بشرق ليبيا، ما وصفته بـ«ثوابته المبدئية» للقبول بالانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تزمع بعثة الأمم المتحدة إجراءها قبل نهاية العام الجاري.
وكشفت المصادر، التي طلبت عدم تعريفها، لـ«الشرق الأوسط»، أن حفتر قال خلال لقائه الذي استمر ساعة مع المسؤول الفرنسي، إنه «لا انتخابات يمكن أن تتم، بينما مقر المفوضية العليا للانتخابات داخل العاصمة طرابلس» التي تهيمن عليها الميليشيات المسلحة منذ 3 أعوام.
وأوضحت أن حفتر دعا فرنسا، «إذا كانت متحمسة لإجراء هذه الانتخابات إلى تفهم المخاطر التي تترتب على وجود مفوضية الانتخابات تحت رحمة وهيمنة هذه الميليشيات» التي قال حفتر -حسب المصادر- إن حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فائز السراج «مجرد أداة في يدها».
ونقلت عن حفتر قوله «لا يمكن إجراء الانتخابات في هذه الأوضاع، ولن تقبل هذه الميليشيات بنتائجها، وبالتالي فإنها مضيعة للوقت والجهد إذا ما جرت من دون توافر الشروط الأمنية والقانونية المعروفة».
من جهتها نقلت وكالة «شينخوا» الصينية عن مصدر بالمجلس البلدي لمدينة بنغازي أن المشير حفتر أبلغ الوزير الفرنسي، بأن الجيش لن يتوقف عن محاربة الإرهاب على كامل التراب الليبي، كما دعا حفتر المجتمع الدولي إلى دعم جهود الجيش الليبي الذي قال إنه «يقود معركة تاريخية بأقل الإمكانات المتاحة، وحقق خلالها نصراً غير مسبوق».
وتابع أن «وزير الخارجية الفرنسي أبلغ حفتر احترام وتقدير المجتمع الدولي لتضحيات الجيش ضد الجماعات الإرهابية، لكنه طالب قيادة الجيش في المقابل باحترام العملية السياسية متمثلة في اتفاق الصخيرات، والعمل على الدخول في تسوية تامة مع كل الأطراف السياسية».
واكتفى المكتب الإعلامي لقيادة الجيش الليبي بإصدار بيان مقتضب، أوضح فيه أن المشير حفتر استقبل الوزير الفرنسي على رأس وفد كبير ضم سفيرة فرنسا لدى ليبيا بريجيت كورمى، في مقر القيادة العامة للجيش في منطقة الرجمة بمدينة بنغازي، لكنه لم يكشف عن أي تفاصيل تتعلق بثاني زيارة من نوعها يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي إلى ليبيا هذا العام.
لكن العميد أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي، قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط»، إن «زيارة لو دريان تأتي في إطار الاهتمام الفرنسي بالأزمة الليبية واستكمالاً لاتفاق باريس الذي رعاه الرئيس الفرنسي والإيفاء بمخرجاته».
وأضاف المسماري: «نحن نرحب بالانتخابات وهي أهم مخرجات باريس على أن تكون حرة ونزيهة وآمنة تحت إشراف القضاء الليبي ومراقبة دولية لضمان هذه المتطلبات»، مشيراً إلى أن اللقاء بين المشير حفتر والمسؤول الفرنسي «كان حول هذا الموضوع».
وتابع: «ومعنى موافقة القيادة خصوصاً (السيد القائد العام) ومطالبته بالانتخابات وقيادة منتخبة من الشعب الليبي، أنه لا يسعى للوصول إلى السلطة أو التحكم فيها، بل يريد الوصول بليبيا إلى بر الأمان عن طريق سلطة مدنية منتخبة وديمقراطية».
وقام لو دريان بجولة مكوكية بين غرب وشرق ليبيا لمدة يوم واحد، التقى خلالها السراج وحفتر في إطار الوساطة التي تقوم بها باريس منذ شهر يوليو (تموز) الماضي، لحلحلة الأزمة الليبية.
واستضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماع السراج وحفتر في باريس والذي صدر عنه إعلان اتفاق مشترك، ينص على وقف إطلاق النار والسعي لتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية خلال العام المقبل.
كان حفتر قد أعلن يوم الأحد الماضي بمناسبة مرور عامين على توقيع اتفاق الصخيرات بالمغرب، عن انتهاء صلاحية هذا الاتفاق وإصراره على عدم وضع الجيش تحت قيادة حكومة السراج، التي قال إنها ليست منتخبة شعبياً.
واعتبر حفتر أنه «بحلول يوم 17 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، انتهت صلاحية الاتفاق لتفقد معه كل الأجسام المنبثقة عنه بصورة تلقائية شرعيتها المطعون فيها منذ اليوم الأول من مباشرة عملها».
إلى ذلك، أعلن الجيش الوطني الليبي استئناف العمل بميناء طبرق البحري بعد إغلاقه لأكثر من شهرين لأسباب أمنية، حيث تلقت إدارة الميناء، الواقع شرقي البلاد ويقع تحت سلطة حكومة عبد الله الثني الموالية لمجلس النواب الليبي، إخطاراً من مكتب حفتر عن طريق مصلحة الموانئ والنقل البحري، بالسماح بحركة الملاحة الدولية داخل الميناء.
وقالت مصادر إنه تم وضع خطة أمنية موسعة بالتعاون مع وحدات الجيش ومصلحة الجمارك بهدف منع أي اختراقات تتعلق بعمليات التهريب بمختلف أنواعها خصوصاً الوقود والمخدرات والسلاح، إضافةً إلى التدقيق في الشحنات التجارية الدولية.
وأغلق الجيش في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الميناء، لتهديده الأمن القومي بعد تفشي ظاهرة التهريب داخله، وحول مسار الرحلات التجارية الدولية إلى ميناء بنغازي البحري.
إلى ذلك، وصف المجلس الأعلى للدولة عقب اجتماع تشاوري مُوسع عقده مساء أول من أمس في العاصمة طرابلس، تعيين محافظ للمصرف المركزي بشكل أحادي من قبل مجلس النواب، بأنه خرق ومخالفة لاتفاق الصخيرات، وطالب مجلس النواب بضرورة إعلانه قبول الاتفاق السياسي قولاً وفعلاً حتى يُمكن الاستمرار في هذه العملية السياسية أو البحث عن بدائل أخرى.
وأكد المجلس أنّ ما قام به مجلس النواب لا يعد خرقاً للمادة 15 فحسب، بل يُظهر عدم التزام المجلس بالاتفاق السياسي، الأمر الذي من شأنه أن يزيد المشهد السياسي تعقيداً.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.