تونس... ألوان زاهية في معرض السجاد التقليدي

تونس... ألوان زاهية في معرض السجاد التقليدي
TT

تونس... ألوان زاهية في معرض السجاد التقليدي

تونس... ألوان زاهية في معرض السجاد التقليدي

ألوان زاهية تعمر فضاء قصر المعارض بالكرم (الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية) وتطبع المكان بكثير من الجمال والإبداع، هذا ما يمكن أن يلاحظه أي زائر إلى المعرض الوطني للزربية والنسيج المحفوف والألياف النباتية في دورته السادسة التي تمتد إلى 24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
غير أن تلك اللمسات الفنية ذات الجمال الأخاذ تخفي وراءها معاناة العاملين في قطاع الصناعات التقليدية بأكمله خلال السنوات الماضية في ظل تراجع أعداد السياح وقلة المقبلين على اقتناء تحف المنسوجات التونسية التي غالبا ما تكون من مقتنيات السياح الأجانب.
المعرض فتح أبوابه في دورته السادسة بمشاركة نحو 80 عارضا توزعوا على سبع فضاءات من بينها فضاء الاستلهام وفضاء الحرف وفضاء الابتكار.
وخصص فضاء الاستلهام في هذه الدورة، للنساج التونسي حميدة وحادة وهو من مبدعي الصناعات التقليدية بمنطقة قفصة (جنوب غربي تونس)، وهو أحد المولعين بالمنسوجات والمعلقات الحائطية وقد سخر مخيلته الفنية الخصبة للاستنباط والتجديد والإبداع في مجال الزربية (السجاد الحائطي).
وعلى الرغم من العودة التدريجية لمعظم أنشطة الصناعات التقليدية في تونس، فإن ذلك لم يمنع من تواصل الصعوبات المختلفة في هذا القطاع الاقتصادي الحيوي، وعن ذلك قال زين طعملي رئيس الغرفة الوطنية للزربية والنسيج المحفوف، إن المشكلات التي يعيشها المنتجون الناشطون في صناعة الزربية والنسيج المحفوف خلال السنوات الأخيرة، لا تحصى ولا تعد، ولكن إمكانية تجاوزها تبقى واردة.
وأشار بالخصوص إلى ضعف توفر المواد الأولية وانعدامها أحيانا أو صعوبة الحصول عليها بعد أن أغلق بعض أصحاب مصانع غزل الخيط وصناعته مؤسساتهم وتخصيص منتجاتهم للتصدير بدل تزويد السوق الداخلية، وهذه المادة الأولية أساسية لصناعة الزربية (السجاد) على حد قوله.
وفي السياق ذاته، قالت عزيزة السلاوي المختصة في صناعة الزربية القيروانية، إن هذا النشاط يعاني أساسا من عزوف الفئات الشابة عن الاعتناء بالزربية وكذلك من ضعف الترويج واستيلاء الوسطاء على معظم عائدات بيع الزربية.
وعن مميزات زربية «العلوشة» القيروانية ذائعة الصيت وأهميتها ضمن قائمة الهدايا في تونس، تقول عزيزة إنها تتلخص في عدد الدقات (الغرز) التي تنفذها الحرفية في المتر المربع الواحد من الزربية.
وتعرف زربية «العلوشة» بأنها ذات 20 دقة على 20 في المتر المربع الواحد وتسوق بنحو مائة دينار تونسي (نحو 40 دولارا أميركيا) في المتر الواحد. وقد يصل طولها إلى ستة أمتار أما العرض فهو في حدود 70 سنتيمترا، وهي تكتسب أهمية في البيت كلما تقدم بها العمر على حد تعبيرها.
وتشير السلاوي إلى أن الزربية القيروانية مميزة من حيث نوعية الصوف حيث يتم اختيار أجوده ويبقى على طبيعته (أسود وأبيض عموما) دون إضافة ألوان صناعية، وهو ما يجعل لها خصوصيات وميزات قلما تتوفر في غيرها.
ومن ناحيتها، قالت إيمان الزرمديني (حرفية من مدينة المنستير)، إن كل جهة من جهات تونس تحتفظ بأسرارها في صناعة المنسوجات وهي تستوحي كثيرا من إبداعاتها من المحيط الاجتماعي والثقافي للمدينة، لذلك صرنا نتحدث عن السجاد القيرواني ومنسوجات الساحل التونسي (المنستير وسوسة والمهدية وصفاقس)، كما بات للمرقوم المنسوج في الجنوب التونسي صيت كبير لدى التونسيين والسياح الأجانب، وهو ما يجعل الإقبال على المنسوجات يتعدى حدود السياح إلى العائلات التونسية.
وبحسب دراسة للمركز الفني للزربية والحياكة التابع لوزارة السياحة، فإن نحو 25 ألف حرفي تونسي خسروا عملهم خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2016، بسبب ضعف القطاع وتراجع مداخيل الحرفيين وصعوبة التزوّد بالمواد الأولية، بالإضافة إلى ضيق مسالك الترويج على المستوى المحلي.
وأشارت الدراسة ذاتها إلى تراجع إنتاج تونس من الزربية (سجاد تقليدي) والنسيج المحفوف من 426 ألف متر مربع إلى 40 ألف متر مربع خلال الفترة نفسها.
ولدعم هذه الأنشطة الحرفية، أعلنت سلمى اللومي وزيرة السياحة والصناعات التقليدية خلال إشرافها على هذا المعرض عن الشروع في تنفيذ برنامج يمتد على مدى خمس سنوات للنهوض بالصناعات التقليدية وقد خصصت له اعتمادات مالية مقدرة بنحو 50 مليون دينار تونسي (نحو 20 مليون دولار).
ويعتبر قطاع الصناعات التقليدية من بين أهم القطاعات التي لها علاقة عضوية مع القطاع السياحي التونسي، وهو يساهم سنويا بنحو 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.