سنوات السينما

لقطة من فيلم ياسوجيرو أوزو «قصة طوكيو»
لقطة من فيلم ياسوجيرو أوزو «قصة طوكيو»
TT

سنوات السينما

لقطة من فيلم ياسوجيرو أوزو «قصة طوكيو»
لقطة من فيلم ياسوجيرو أوزو «قصة طوكيو»

(1952) Tokyo Story
حكاية بسيطة بأبعاد تتخطى الثقافات

شيء مما يرد في الفيلم الياباني «قصـة طوكيو» يرد في كل الثقافات في كل مكان وفي كل زمان. الآباء الذين يعيشون حياتهم لأبنائهم، والأبناء الذين يعيشون حياتهم لأنفسهم. العلاقات مقطوعة إلا من طرف الوالدين، وهما لا يعرفان ذلك إلا من بعد تجربة قاسية يكتشفان على أثرها أنه لا مكان لهم في أحضان أولادهم. المشاغل تختلف. المشاعر تتباين ومحطات الحياة تتباعد.
على سطح فيلم ياسوجيرو أوزو، لا يقع أي حدث كبير. الفيلم هو حكاية بسيطة من مشهده الأول إلى الأخير مع كاميرا ترتفع عن سطح الأرض قليلاً ما يسمح للمخرج بالتركيز على الوجوه وأداء الممثلين أساساً.
هناك رجل وزوجته مسنان (شيشو ريو وشيكو هيغاشياما) اللذان يتركان بلدتهما الصغيرة ويسافران إلى مدينة طوكيو لزيارة اثنين من أولادهما لأول مرة منذ سنوات بعيدة. الولدان هما الطبيب كويشي (سو ياملمورا) ومديرة صالون تجميل شيغي (هاروكو سوغيمورا).
يحلان في منزل ابنهما الطبيب الذي ما أن يستقبلهما مرحبـاً (بتحفظ ملحوظ)، حتى يهرع إلى الخارج لحالة طارئة. يلاحظ الأبوان أن ابنهما ليس بالطبيب المعروف أو الثري كما توقعـا، ويلاحظان أيضاً أن حفيديهما الصغيرين يعيشان في انطواء ملحوظ. بقاؤهما في منزل ولدهما ليس مريحاً للعائلة؛ كونها غير ميسورة، وكون أكبر حفيديهما أخذ يشتكي من أن جديه احتلا غرفته التي يدرس فيها. حيال ذلك يوافقان على النزوح إلى بيت ابنتهما ليكتشفا هناك وضعاً مادياً مختلفاً؛ فهي تعيش في بحبوحة لا بأس بها بالمقارنة. لكن استقبال شيفي لا يختلف كثيراً عن استقبال شقيقها كويشي، يسمعانها تحذر زوجها الطيب (نوبو ناكامورا) من إغداق الهدايا والصرف عليهما. ثم، وحتى تتخلص من عبء الاهتمام بهما، تتصل بأرملة شقيق آخر مات خلال الحرب لكي تعنى بهما. الأرملة نوريكو (ستسوكو هارا) هي أفقر وأبسط شخصيات الفيلم، وهي ترحب بوداعة وصدق بالمهمة فتأخذ يوم عطلة من عملها لتمضيه مع العجوزين لكي يتاح لهما التجول في المدينة.
اليوم الجميل ينتهي والأبوان يغادران عائدان إلى منزلهما الريفي. على الطريق تشعر الأم بألم، وبعد أيام من عودتها تلفظ الأنفاس. أولادها يحيطون بها تجاوباً مع التقاليد، ثم يهربون من شعائر الدفن. نوريكو وحدها التي تبدي مشاعر صادقة وتبقى لكي ترعى الأب الكبير بعد موت رفيقة حياته.
عالج المخرج أوزو سماتٍ اجتماعية صادقة وحميمة في أفلامه من دون توزيع بدائل ونهايات سعيدة. «قصـة طوكيو» حزين جداً، لكنه واقعي وراصد بعناية ومن دون افتعال درامي. الحزن فيه سمة تتسلل إلى الذات من دون أن تعلن عن نفسها. لا شهقات ملتاعة، ولا صراخ أو شجار ولا حتى انفعال. هو كالسلوك الياباني التقليدي (وأوزو كان من أكثر مخرجي اليابان التصاقاً بالهوية الاجتماعية والثقافية اليابانية)، يتحرك «جوانياً». يتبلور بهدوء. كمشاهد ترقب هذه العناصر العاطفية والنفسية العميقة التي لا تخون مكونات المخرج البسيطة. تتراءى لك الأبعاد كما الأفق في يوم صاح. ترتسم المعاني بلا جهد وبكاميرا بلا ألوان ذات أحجام موحـدة معظم الوقت (متوسطة - بعيدة) ومن دون أن تتحرك الكاميرا في متابعات من أي نوع. بكلمة لا توجد أي حركة للكاميرا، لا أفقية ولا عمودية ولا على «شاريو» الخ… فقط، فنان رائع مثل أوزو يستطيع أن يمنح مشاهديه عملاً بمثل هذا العمق بأقل قدر من التكنيك معتمداً فقط على ما يحتويه المشهد من تفاصيل في السلوك وفي حركة الشخصيات وفي الحوار وفي الصمت أيضاً.
الزوجان العجوزان هما عينا المخرج أوزو اللتان تعاينان طوكيو بعد 10 سنوات من نهاية الحرب. طوكيو جديدة تنسلّ من التقاليد وتتغير. وها هو الأب يقول لزوجته بعدما اكتشفا الحقائق: «لا نستطيع أن نتوقـع الكثير من أولادنا. الأزمنة تغيرت. يجب أن نعترف».


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)

شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
TT

شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)

TO KILL A MONGOLIAN HORSE ‫★★★⭐︎‬

* إخراج: جيانغ شياو شوان | Jiang Xiaoxuan

‫* هونغ كونغ / ماليزيا

من بين كثير من المشاهد اللافتة يوجد في هذا الفيلم مشهدان متباعدان، في الأول يربت ساينا على رأس فرسه الذي يستجيب لحنان صاحبه ويميل برأسه فوق كتفه بحنان ظاهر. في المشهد الثاني قبيل النهاية يتقدم ساينا صوب الحصان نفسه يربت على وجهه، لكن الحصان ينظر إليه سريعاً ومن ثَمّ يشيح بوجهه بعيداً عنه. تمر بين المشهدين أحداث تنعكس على تلك العلاقة، فساينا مُخيّر بين أن يبيع حصانه ويعتزل المهنة التي توارثها بصفته مدربَ خيول وفارساً، أو البقاء في ذلك العمل. الحصان لا بد بات يشعر بأن صاحبه لم يعد ذلك الرجل الواثق من نفسه وقد يضحي بالفرس متى شاء.

«لقتل حصان منغولي» يطرح طوال الوقت (85 دقيقة) مسألة بين الأمس واليوم. إنها صحاري منغوليا الجافة التي لم تعُد تشهد مطراً كافياً لإنبات الأرض. السبب في الأزمة التحوّلات البيئية، وهذه واحدة من المسائل المطروحة بوضوح. تشكل عصباً مهماً كون صلب الموضوع يتعلق بحياة تتغير لا يستطيع ساينا فعل شيء حيالها. إنه مرتبط عاطفياً بتقاليد فروسية ومعيشية متوارثة في حين أن المتغيرات طرقت باب تلك التقاليد ولا مجال للحفاظ على الوضعين معاً. على ساينا ترك الماضي أو الانضمام إلى الحاضر. قدمٌ هنا وقدمُ هناك، والفيلم ينتهي بقرار يرتاح المُشاهد إليه.

كانت المخرجة الصينية الشابة جيانغ شياو شوان صوّرت فيلماً قصيراً في تلك الأنحاء وتعرّفت على مدرّب الخيول ساينا وراقبته في عمله. هذا ما أوحى إليها بإخراج هذا الفيلم عنه وعن البيئة وأزمة الوجود بين عالمين على المرء أن يختار بينهما. ساينا ممثلاً لديه القدرة على استخدام عدم حرفيّته في تناسب مع الشخصية التي يؤديها. رجل لديه من المتاعب مع والده السّكير والمديون ومطلّقته. في مشهد آخر يذكّره والده بأنه هو من وضعه فوق الفرس لأول مرّة عندما كان طفلاً صغيراً. يحاول ساينا فعل ذلك مع طفله، لكن طفله يخاف. هي فعلاً حياة أخرى تندثر سريعاً.

الفيلم معزّز بالألوان والإضاءات المناسبة داخلياً وخارجياً. الإيقاع متمهّل، لكنه ليس مُملاً وفيه ملامح من بعض أفلام الوسترن الأميركية التي تحدّثت بدورها عن غروب حياةٍ وبدء أخرى.

* عروض مهرجان البحر الأحمر.

★★★⭐︎‬SIMA‪’‬S SONG

* رويا سادات | ‪Roya Sadat‬

‫* هولندا، فرنسا، أسبانيا ‬

لعلها صدفة لم تستطع المخرجة رويا سادات تحاشيها، وهي أن بداية فيلمها هذا شبيهة ببداية فيلم أفغاني القضية أيضاً، حققته ساهرا ماني في فيلمها التسجيلي «Bread ‪&‬ Roses» الذي شوهد في 2023. كلاهما يبدأ بمظاهرة نسائية في كابل تنادي بحقوقها. بعد 3 دقائق ينفصل الفيلمان بالضرورة ويعود «أغنية سيما» من زمن «طالبان» الحالي إلى عام 1973 عندما كانت أفغانستان على وعد مع التقدم المجتمعي. سورايا (مزهدة جمالزاده) هي إحدى المتظاهرات ومع عودة الفيلم إلى فترة سابقة نجدها حين كانت لا تزال شابة تؤمن بمبادئ التحرر عموماً وتحرر المرأة خصوصاً. في الواقع الحكاية التي نشاهدها هي حكايتها وليس حكاية سيما (نيلوفار كوقحاني) صاحبة الصوت الجميل التي حين تغني، في أحد المشاهد، تثير إعجاب الحضور.

«أغنية سيما» (بلوتو فيلم)

حينها، يقول الفيلم، كان بالإمكان للفتاة الظهور بتنانير والرجال بربطات عنق. صداقة سورايا وسيما قوية لدرجة رفضها الإفصاح عن مكان صديقتها سيما وزوجها عندما انضما إلى حركة «طالبان» وبدأت الحكومة الأفغانية سلسلة الاعتقالات والتحقيقات. مع اعتقال سورايا والإفراج عنها واحتلال الفيلا حيث كانت تعيش مع أهلها يدخل الفيلم جوّاً داكناً في أجوائه كما في تأطير مشاهده. يزداد التوتر وتبدأ رسالته بالتبلور صوب مراميها على نحو أفضل. إنه فيلم عن آخر فترة من حياة ثقافية ومجتمعية واعدة قبل دخول الاتحاد السوفياتي للدفاع عن الحكومة والولايات المتحدة لتأييد «طالبان».

يذكر الفيلم أن الأحداث مأخوذة عن قصّة واقعية، لكن هذا ليس ضرورياً، خصوصاً أن الشخصيات معروفة. ما يمكن التنويه إليه حقيقة أن التصوير وظّف أطراف مدينة أثينا بنجاح لافت.

* عروض مهرجان البحر الأحمر

في الصالات

* Juror‪#‬2 ‫★★★★‬

- دراما محاكِم نوعها غير معهود، للمخرج كلينت إيستوود، عن عضو لجنة محلّفين يحاول إخفاء جريمته.

* Nosferatu ‫★★★⭐︎‬

- يُعيد المخرج روبرت إيغرز سرد حكاية «نوسفيراتو» (1922) بزخم وطاقة جديدتين. يتضمن لحظات مرعبة.

* Carry‪-‬on ‫★★★‬

- تشويق جيد من جومى كوليت سيرا، حول رجل أمن في مطار مهدد باغتيال حبيبته إذا لم يهرّب متفجرة إلى طائرة.

* The Substance ‫★★⭐︎‬

- المخرجة الفرنسية كورالي فارجيت، تضع ديمي مور في بطولة فيلم عن امرأة تنشد شباباً وأنثوية دائمين.