تقف السجون الرسمية اليمنية الواقعة تحت سلطة الانقلاب الحوثي والسجون غير الرسمية التي أقيمت في المنازل المصادَرَة من مسؤولي الحكومة الشرعية، شاهدةً على حالة من الانهيار الأخلاقي للميليشيات الحوثية، وتورُّطِها في انتهاكات حقوق الإنسان عبر استخدام أبشع أنواع التعذيب الذي يؤدي إلى وفاة غالبية المعتقلين.
وتحدّث مجموعة من المعتقلين المفرج عنهم الذين تم مبادلتهم بأسرى لـ«الشرق الأوسط»، عن أساليب التعذيب التي تعرضوا لها وشاهدوها في المعتقلات الحوثية.
يقول أحد الناجين: «بعد اختطافي من إحدى الأسواق في الحديدة خضعت للتحقيق على يدي أحد الحوثيين الذي كان يهدد ويستخدم الصعق الكهربائي لاستجوابي، ثم ألقوني في إحدى زنازين السجن غير الرسمي مع كثير من الأشخاص المخطوفين مثلي، وبعد ثلاث ليال أخرجونا وعرضوا علينا التهم التي وُجِّهَتْ لنا، وهي امتلاكنا سلاحاً، ورصد الأهداف للتحالف، وبعدها نقلونا إلى السجن المركزي في الحديدة الذي بقيت فيه 12 شهراً».
حفلة تعذيب
وعن أساليب التعذيب التي كان يتعرض لها مع زملائه، ذكر أن التعذيب عند الانقلابيين كان متعدد الأشكال، فمنه التعذيب بأحجار البناء، ووضع ما يقارب 30 منها على ظهر المعتقل الواحد، وأيضاً التعذيب بالخنق، والاستمتاع بمشاهدة المعتقل وهو يُشرِف على الموت بعد أن يُلبِسوا رأسه غطاء مصنوعاً من النايلون، وهو مقيد بالسلاسل، ومعاودة تكرار هذه العملية قبل اختناقه تماماً.
ولفت إلى أن التعذيب يختلف باختلاف شخصية المحقق والمعتقل؛ فكلما كان الشخص قوياً ورافضاً الاتهامات تفننوا في تعذيبه، فبعض المعتقلين تعرضوا لإحراق أعضائهم التناسلية بولاعة السجائر، ومنهم من قاموا بضربهم بالحجارة في منطقة الكلى إذا علموا أنهم مصابون بمرض الكلى، وأشخاص كانوا يسكبون عليهم الماء ويطرحونهم أرضاً في العراء حتى تتجمد أطرافهم من شدة البرد، وآخرون كانوا يقيمون عليهم «حفلة»، عبر حقنهم بإبر يزعمون أنها «سم» ويبقونهم ليعيشوا وَهْم الموت فيما تعلو ضحكات السجانين.
رصاصة في قلب الصحافة
ولم يسلم الإعلاميون منذ بداية الانقلاب الحوثي من الملاحقة. الصحافي يوسف العجلان أحد الصحافيين الذين تعرضوا للاختطاف والتعذيب، وتمكنوا من الخروج بعد صفقة تبادل بين الحوثي والحكومة الشرعية، حكى لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل قصته: «كان اعتقالي في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، من أمام منزلي وسط العاصمة صنعاء، حيث قدم مسلحون بلباس عسكري وأشهروا أسلحتهم في وجهي حينما كنت على متن سيارتي، وطلبوا مني الذهاب معهم إلى قسم شرطة الحميري الذي بقيت فيه ساعات عدة دون تحقيق قبل أن أنقل إلى البحث الجنائي».
وذكر العجلان أن الميليشيات الحوثية اعتقلته سنة و45 يوماً، توزعت إقامته بين 6 سجون جميعها بصنعاء، واختلف التعامل معه من سجن إلى آخر، لكن ما جمعهم هو أن المعتقل يُعامَل بإذلال وإهانة، وتوجيه تهمة «داعشي» له بشكل دائم.
وتعرض العجلان للتعذيب والضرب المبرح خلال فترة التحقيق التي استمرت 26 يوماً، وبقي في زنزانة انفرادية ضيقه (متر × مترين) مع مختَطَف آخر، ومنع من دخول دورة المياه إلا ثلاث مرات باليوم.
وأشار أثناء حديثه، إلى وجود أشخاص استمرّ تعذيبهم أكثر من ثلاثة أشهر بقي بعضهم في الزنزانات الانفرادية، واستخدمت طرقاً مختلفة في تعذيبهم، وأشخاص تم إخفاؤهم أشهراً عدة دون أن تعرف عائلاتهم أماكنهم، وآخرون مر على اختفائهم 3 سنوات ولا أحد يعلم مكانهم.
وأوضح أن الحوثيين استخدموا كل ما أمكنهم من تعذيب، بدءاً من الإهانة والضرب التي تصل مع بعضهم حد التعذيب الذي يُفقِدهم حياتهم، إلى التصفية، كما حدث أواخر العام الماضي، مع المختطف وليد الابي الذي قُتِل بالرصاص أثناء التحقيق معه في البحث الجنائي.
وقال العجلان: «لا يُسمَح لأي مريض بأخذه للمستشفى من أجل العلاج، ما جعل كثيراً من المختطفين يفقدون صحتهم، فبعضهم أتُلِف كبده أو أصيب بالشلل أو فقد السمع وغيره كما حصل مع زميلي الصحافي المختطَف عبد الخالق عمران الذي تعرض جزء من جسمه للشلل، والزميل صلاح القاعدي الذي فقد السمع في إحدى أذنيه».
وأضاف أن الحوثيين رفضوا إطلاق سراحه رغم تدخل شخصيات اجتماعية وأيضاً قيادات في الجماعة المسلحة، وكانوا يُرعِبونه بأن قضيته كبيرة جدًّا، خصوصاً أنه إعلامي. وتابع: «أنا واحد ممن هاجمهم زعيم الحوثيين، وحرَّض علينا بشكل واسع، ما اضطر أصدقاء لي للتواصل مع الحكومة الشرعية من أجل مبادلتي مقابل أسير حوثي لدى الجيش الوطني لإخراجي، واستمرت عملية التفاوض حولي ما يقرب من 6 أشهر، حتى تمت صفقة التبادل في 23 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي وتم نقلي إلى مأرب».
منظمات مشلولة
وبسؤاله عن دور المنظمات الدولية، قال العجلان: «للأسف، لم تقدم شيئاً باستثناء الصليب الأحمر الذي كان يزور فقط السجن المركزي الذي بقِيَت فيه 5 أشهر وزارنا مرة واحدة فقط، ولم يقدم شيئاً باستثناء صابون الغسيل والاستحمام ولا شيء سواه، أما منظمات دولية أو محلية حقوقية فهي لم تزُرْ أي معتقلات».
معتقلات سرية
وعن أماكن المعتقلات غير الرسمية، أكد العجلان أن الميليشيات الحوثية استخدمت مباني حكومية ومنازل شخصيات في الحكومة الشرعية، مثل منزل نائب الرئيس الفريق علي محسن الأحمر، وكذا منزل محمد بن موسى العامري مستشار الرئيس هادي ورئيس حزب الرشاد الذي تحدث كثيراً من المعتقلين أنه كان أكثر مكان مشهور بالتعذيب والمعاناة، ويقع جنوب العاصمة صنعاء.
إلى ذلك، أوضح لـ«الشرق الأوسط» يحيى الهيج الذي كان يعمل مديراً لمدرسة الثورة في الحديدة وكان ضمن أحد المعتقلين الذين تم إطلاق سراحهم بعملية تبادل أسرى بين الحكومة الشرعية والحوثي، أن الميليشيات الحوثية استخدمت منازل المسؤولين في الحكومة الشرعية التي صادرتها في الحديدة معتقلاتٍ للناشطين، التي منها منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي الواقع في كورنيش الحديدة، وبيت عسكر زعيل أحد ضباط القوات المسلحة في الشرعية، إضافة إلى المؤسسات الخاصة والمناطق الأثرية المعتمدة من «اليونيسكو»، مثل قلعة الكورنيش في الحديدة.
اعترافات تحت التعذيب
وأشار الهيج إلى أنه بقي مقيداً بالسلاسل قرابة العام وتعرض للتعذيب وهو لا يعلم التهم الموجَّهَة له «مارسوا معي الضرب والتجويع والتهديد بخطف أبنائي وأسرتي والإساءة لسمعتي وسمعة أسرتي، حققوا معي وأنا معصوب العينين، وأخذوا بصمتي بالقوة على أوراق لا أعلم ما كُتِب فيها».
وعن وسائل التعذيب التي مورست ضد المعتقلين، قال الهيج: «من وسائل التعذيب استخدمت الميليشيات الصعق الكهربائي والضرب حتى فقدان الوعي أو الموت، وتعليق المعتقل من اليدين أو الأرجل في سقف الغرفة لمدة تصل إلى 18 ساعة متواصلة، ومنع الدواء بشكل كامل، ومنع الطعام والشراب بشكل جزئي، والحرمان من دخول الحمام لفترة تصل إلى ثلاث أيام، مع الإبقاء في تقييدنا بالسلاسل طيلة فترة الاعتقال».
عذاب في القلعة
تنقل الهيج بين سجون رسمية وغير رسمية في الحديدة وذمار، وبقي فترة طويلة مسجوناً في صرح «القلعة» المظلم، الذي حوله الحوثيون من معلم تاريخي أثري إلى سجن كبير يحتوي على أكثر من 200 سجين، يتم تكديس المعتقلين فيها داخل 12 زنزانة، وتابع: «كانت لحظات غروب الشمس تصيب أبداننا بالرجفة من الخوف كون الفترة بين غروبها وشروقها هي فترة التحقيق المصحوبة بألوان التعذيب». وأشار إلى أن سجن القلعة احتوى على عدد كبير من كبار السجن والأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 18 عاماً من بينهم لم تتعدّ أعمارهم الـ11 عاماً، سجنوا للضغط على آبائهم وأقربائهم الفارين لتسليم أنفسهم، انتقلوا فيما بعد إلى سجن «حنيش» الواقع في جزيرة بالبحر الأحمر لا يوجد فيها سكان يرفض حتى أفراد الجيش الوجود فيها بسبب الظروف البيئية والمناخية القاسية.
وأضاف: «أثناء اعتقالي في السجن المركزي في الحديدة، طالب مجموعة من المعتقلين الاتصال بذويهم للاطمئنان عليهم، ورفعوا أصواتاً مطالباتهم بذلك، وهو ما قوبل بإطلاق الرصاص المباشر الحي من قبل محقق يدعى محمد السودي بشكل عشوائي على الجميع ليسقط مجموعة منهم بين قتيل وجريح، وقام الحوثيون بمكافأته وتنصيبه كبير المحققين في السجن».