لا يمكن وصف فستان «سيكويا» الذي طرحته «كريتشرز أوف كمفرت»، وهي علامة تجارية دخلت عالم الموضة أخيراً وتتخذ من نيويورك مقراً لها، بالمثير أو الأنيق بالمعنى التقليدي. فهو بلون قاتم وبتصميم ينسدل على الجسم ليغطيه من الرأس حتى الكاحل. بالإضافة إلى كل هذا، يتميز أيضاً برقبة طويلة وأكمام ضخمة. بالنظر إلى هذه المواصفات التي تفتقد إلى أي ابتكار أو جمال يُذكر، لم يتوقع أحد أن يُحرك الفستان أي رغبة فيه، خصوصاً أن سعره يُقدر بـ450 دولاراً، أي أنه بالإمكان الحصول على فستان أكثر أناقة بالسعر نفسه أو أقل. لكن المفاجأة كانت أنه لفت الأنظار وحصل على تغطيات مجانية على شبكات التواصل الاجتماعي. على الأقل إذا وافقنا على أن حتى الترويج السلبي يتحول إلى إيجابي عندما يُسلط الضوء على أمر لم يكن ليثير الانتباه أساساً. تغريدة نشرتها الكاتبة والمحررة دورين شافرير كانت السبب في فتح جدل كبير حول الفستان وحالة الموضة ككل، فيما اعتبره البعض ترويجاً لأزياء قبيحة تتعدى مجرد إخفاء معالم الجسد. فقد غردت شافرير ساخرة: «لتحل البركة على أي امرأة جميلة بما يكفي، ورشيقة بما يكفي وثرية بما يكفي حين ترتدي هذا الفستان». تعليقها هذا أثار حفيظة الآلاف من المتابعين الذين لم يبخلوا بتعليقاتهم الخاصة ما بين مؤيد للتصميم على أساس أنه محتشم ومريح، وبين رافض له على أساس أنه منافٍ للموضة ويفتقد إلى الجمال والابتكار.
بيد أن قراءة لما يجري في ساحة الموضة حالياً، فضلاً عن التغيرات الاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم ككل، تشير إلى أن فستان «سيكويا» ما هو إلا ترجمة لتحول يشهده عالم الموضة منذ عامين تقريباً. تحول لا يدفعها لمخاصمة التصاميم المثيرة التي تكشف المستور فحسب، بل لتبني أسلوب بعيد كل البعد عن الإثارة. في حالته الإيجابية يتبنى أسلوباً محتشماً يخاطب أسواقاً مهمة مثل الشرق الأوسط وآسيا، وفي حالته السلبية يخاصم الجمال بالمفهوم التقليدي ويتمرد عليه.
وبالنظر إلى ردود الأفعال على «التغريدة» التي أطلقتها شافرير فإنه ليست كل عاشقات الموضة متحمسات لهذا التغير أو موافقات عليه. هناك فئة قليلة من النساء اللائي ينعمن بالمال الوفير والقوام الرشيق تُقبل على هذا النمط من الأزياء. ربما لا يكون الأمر حباً فيه بقدر ما هو من باب التغيير. فالزي يمحي أنوثتهن بالكامل ولا يُبرز أي جماليات على العكس من تصاميم أخرى حصدت النجاح نفسه وفرضت وجودها على الساحة في الخريف الماضي بعد أن رفعت شعار «الحشمة» واحترام جسد المرأة. فقد صرحت فانيسا فريدمان، وهي محررة وناقدة أزياء في صحيفة «نيويورك تايمز»، بأن صور الموضة المحتشمة التي تغطي الجسم من الرأس إلى الكاحل أصبحت تشكل التيار الرئيسي والمميز للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. فهي لم تعد ترتبط بدين رغم ما تستحضره من صورة لراهبات أو مسلمات محجبات. واستدلت بأسماء عالمية تُروج لها، مثل «سيلين» التي اقترحت تصميمات تشبه الشرنقة، و«إرديم» تصميمات فيكتورية بأكمام طويلة ورقبة عالية، وماركة «فيتمون» الشبابية بتصميمات بالغة الضخامة إلى حد كاريكاتيري أحياناً.
تفسير فانيسا فريدمان أنه في ظل فترة تسودها حالة من التوتر والأخطار المحدقة، خصوصاً بالنسبة للنساء، في إشارة إلى فضيحة المنتج الهوليوودي هارفي وينستين، فإن التصاميم الفضفاضة التي تخفي تفاصيل الجسد باتت بمثابة دروع تحميها من العيون وأي تحركات مريبة. هناك أيضاً سبب آخر يرده البعض إلى ثقافة تلفزيون الواقع التي أصابت المشاهد بالتخمة. فكلما انتشرت ظاهرة فضح كل لحظة حميمة وكل جزء من الجسد للاستهلاك العام، جاءت ردود أفعال مضادة تطالب وتتبنى العكس.
ومع ذلك ينصح الخبراء بالحيطة والحذر عند ركوب التيار المحافظ أو المحتشم، لما يتضمنه من إيحاءات قديمة ارتبطت به مثل تبعية المرأة وعدم ثقتها بنفسها واستقلاليتها. لكن يمكن للمرأة التغلب عندما تولي اهتماماً أكبر لأدق تفاصيل أناقتها. في هذه الحالة، فمن المؤكد أنها تحصل على إطلالة إيجابية رغم أنف قُبح هذه التصاميم الراديكالية المتمثل في اتساعها المبالغ فيه ومجافاتها للأنوثة والجسم ككل.
الطريف في هذه الظاهرة أن أكثر من أقبل عليها لحد الآن هن شابات في العشرينات والثلاثينات من العمر، وهو ما يعطي الإحساس بأنها رسالة يردن من خلالها تسجيل انتمائهن إلى فريق يرفض المتاجرة بجمال الشكل والمظهر للوصول إلى أهداف يمكنهن الوصول إليها بكفاءتهن.
ومع ذلك لا يمكن القول إن هذا الفريق بريء تماماً، بحيث يريد أن يمر مرور الكرام، بل العكس تماماً. فالاختلاف قد يكون لخض التابوهات وتحريك المياه الراكدة، لكنه يكون أيضاً أسهل طريقة للفت الأنظار.
صناعة الموضة حائرة بين التقشف الإبداعي والتمرد على المألوف
البعض يعتبرها دروعاً والبعض الآخر أسلحة اختلاف
صناعة الموضة حائرة بين التقشف الإبداعي والتمرد على المألوف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة