صناعة الموضة حائرة بين التقشف الإبداعي والتمرد على المألوف

البعض يعتبرها دروعاً والبعض الآخر أسلحة اختلاف

من تصاميم دار «سيلين» الآخيرة... حققت المعادلة بين الأناقة والحشمة  -  الفستان الذي أثار ضجة على شبكات التواصل الاجتماعي لماركة «كريتشرز أوف كمفورت»  -  ظهرت هذه الموجة قبل عامين تقريبا  -  إطلالة في غاية البساطة من جيل ساندر  -  دار «فالنتينو» كانت من بين الأوائل الذين جمعوا الأنيق بالمحتشم
من تصاميم دار «سيلين» الآخيرة... حققت المعادلة بين الأناقة والحشمة - الفستان الذي أثار ضجة على شبكات التواصل الاجتماعي لماركة «كريتشرز أوف كمفورت» - ظهرت هذه الموجة قبل عامين تقريبا - إطلالة في غاية البساطة من جيل ساندر - دار «فالنتينو» كانت من بين الأوائل الذين جمعوا الأنيق بالمحتشم
TT

صناعة الموضة حائرة بين التقشف الإبداعي والتمرد على المألوف

من تصاميم دار «سيلين» الآخيرة... حققت المعادلة بين الأناقة والحشمة  -  الفستان الذي أثار ضجة على شبكات التواصل الاجتماعي لماركة «كريتشرز أوف كمفورت»  -  ظهرت هذه الموجة قبل عامين تقريبا  -  إطلالة في غاية البساطة من جيل ساندر  -  دار «فالنتينو» كانت من بين الأوائل الذين جمعوا الأنيق بالمحتشم
من تصاميم دار «سيلين» الآخيرة... حققت المعادلة بين الأناقة والحشمة - الفستان الذي أثار ضجة على شبكات التواصل الاجتماعي لماركة «كريتشرز أوف كمفورت» - ظهرت هذه الموجة قبل عامين تقريبا - إطلالة في غاية البساطة من جيل ساندر - دار «فالنتينو» كانت من بين الأوائل الذين جمعوا الأنيق بالمحتشم

لا يمكن وصف فستان «سيكويا» الذي طرحته «كريتشرز أوف كمفرت»، وهي علامة تجارية دخلت عالم الموضة أخيراً وتتخذ من نيويورك مقراً لها، بالمثير أو الأنيق بالمعنى التقليدي. فهو بلون قاتم وبتصميم ينسدل على الجسم ليغطيه من الرأس حتى الكاحل. بالإضافة إلى كل هذا، يتميز أيضاً برقبة طويلة وأكمام ضخمة. بالنظر إلى هذه المواصفات التي تفتقد إلى أي ابتكار أو جمال يُذكر، لم يتوقع أحد أن يُحرك الفستان أي رغبة فيه، خصوصاً أن سعره يُقدر بـ450 دولاراً، أي أنه بالإمكان الحصول على فستان أكثر أناقة بالسعر نفسه أو أقل. لكن المفاجأة كانت أنه لفت الأنظار وحصل على تغطيات مجانية على شبكات التواصل الاجتماعي. على الأقل إذا وافقنا على أن حتى الترويج السلبي يتحول إلى إيجابي عندما يُسلط الضوء على أمر لم يكن ليثير الانتباه أساساً. تغريدة نشرتها الكاتبة والمحررة دورين شافرير كانت السبب في فتح جدل كبير حول الفستان وحالة الموضة ككل، فيما اعتبره البعض ترويجاً لأزياء قبيحة تتعدى مجرد إخفاء معالم الجسد. فقد غردت شافرير ساخرة: «لتحل البركة على أي امرأة جميلة بما يكفي، ورشيقة بما يكفي وثرية بما يكفي حين ترتدي هذا الفستان». تعليقها هذا أثار حفيظة الآلاف من المتابعين الذين لم يبخلوا بتعليقاتهم الخاصة ما بين مؤيد للتصميم على أساس أنه محتشم ومريح، وبين رافض له على أساس أنه منافٍ للموضة ويفتقد إلى الجمال والابتكار.
بيد أن قراءة لما يجري في ساحة الموضة حالياً، فضلاً عن التغيرات الاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم ككل، تشير إلى أن فستان «سيكويا» ما هو إلا ترجمة لتحول يشهده عالم الموضة منذ عامين تقريباً. تحول لا يدفعها لمخاصمة التصاميم المثيرة التي تكشف المستور فحسب، بل لتبني أسلوب بعيد كل البعد عن الإثارة. في حالته الإيجابية يتبنى أسلوباً محتشماً يخاطب أسواقاً مهمة مثل الشرق الأوسط وآسيا، وفي حالته السلبية يخاصم الجمال بالمفهوم التقليدي ويتمرد عليه.
وبالنظر إلى ردود الأفعال على «التغريدة» التي أطلقتها شافرير فإنه ليست كل عاشقات الموضة متحمسات لهذا التغير أو موافقات عليه. هناك فئة قليلة من النساء اللائي ينعمن بالمال الوفير والقوام الرشيق تُقبل على هذا النمط من الأزياء. ربما لا يكون الأمر حباً فيه بقدر ما هو من باب التغيير. فالزي يمحي أنوثتهن بالكامل ولا يُبرز أي جماليات على العكس من تصاميم أخرى حصدت النجاح نفسه وفرضت وجودها على الساحة في الخريف الماضي بعد أن رفعت شعار «الحشمة» واحترام جسد المرأة. فقد صرحت فانيسا فريدمان، وهي محررة وناقدة أزياء في صحيفة «نيويورك تايمز»، بأن صور الموضة المحتشمة التي تغطي الجسم من الرأس إلى الكاحل أصبحت تشكل التيار الرئيسي والمميز للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. فهي لم تعد ترتبط بدين رغم ما تستحضره من صورة لراهبات أو مسلمات محجبات. واستدلت بأسماء عالمية تُروج لها، مثل «سيلين» التي اقترحت تصميمات تشبه الشرنقة، و«إرديم» تصميمات فيكتورية بأكمام طويلة ورقبة عالية، وماركة «فيتمون» الشبابية بتصميمات بالغة الضخامة إلى حد كاريكاتيري أحياناً.
تفسير فانيسا فريدمان أنه في ظل فترة تسودها حالة من التوتر والأخطار المحدقة، خصوصاً بالنسبة للنساء، في إشارة إلى فضيحة المنتج الهوليوودي هارفي وينستين، فإن التصاميم الفضفاضة التي تخفي تفاصيل الجسد باتت بمثابة دروع تحميها من العيون وأي تحركات مريبة. هناك أيضاً سبب آخر يرده البعض إلى ثقافة تلفزيون الواقع التي أصابت المشاهد بالتخمة. فكلما انتشرت ظاهرة فضح كل لحظة حميمة وكل جزء من الجسد للاستهلاك العام، جاءت ردود أفعال مضادة تطالب وتتبنى العكس.
ومع ذلك ينصح الخبراء بالحيطة والحذر عند ركوب التيار المحافظ أو المحتشم، لما يتضمنه من إيحاءات قديمة ارتبطت به مثل تبعية المرأة وعدم ثقتها بنفسها واستقلاليتها. لكن يمكن للمرأة التغلب عندما تولي اهتماماً أكبر لأدق تفاصيل أناقتها. في هذه الحالة، فمن المؤكد أنها تحصل على إطلالة إيجابية رغم أنف قُبح هذه التصاميم الراديكالية المتمثل في اتساعها المبالغ فيه ومجافاتها للأنوثة والجسم ككل.
الطريف في هذه الظاهرة أن أكثر من أقبل عليها لحد الآن هن شابات في العشرينات والثلاثينات من العمر، وهو ما يعطي الإحساس بأنها رسالة يردن من خلالها تسجيل انتمائهن إلى فريق يرفض المتاجرة بجمال الشكل والمظهر للوصول إلى أهداف يمكنهن الوصول إليها بكفاءتهن.
ومع ذلك لا يمكن القول إن هذا الفريق بريء تماماً، بحيث يريد أن يمر مرور الكرام، بل العكس تماماً. فالاختلاف قد يكون لخض التابوهات وتحريك المياه الراكدة، لكنه يكون أيضاً أسهل طريقة للفت الأنظار.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.