شبكة إجرامية لـ«حزب الله» في أميركا جنت مليار دولار سنوياً من المخدرات والسلاح

إدارة أوباما عرقلت ملاحقة «الشبح» ومبعوث الحزب إلى طهران وقيادي في «الحرس الثوري» خوفاً على مفاوضات «النووي»

TT

شبكة إجرامية لـ«حزب الله» في أميركا جنت مليار دولار سنوياً من المخدرات والسلاح

كشفت مجلة «بوليتيكو» الأميركية أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عرقلت تحقيقات أجرتها وحدة تابعة لإدارة مكافحة المخدرات في أنشطة «حزب الله» اللبناني الإجرامية وداعميه الإيرانيين، خوفاً من أن تقوّض ملاحقة المتهمين فرص التوصل إلى اتفاق مع طهران حول برنامجها النووي.
واستعرضت المجلة في تقرير مطول من ثلاثة أجزاء، وثائق ومقابلات مع مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، تشرح كيف تحول «حزب الله» من منظمة سياسية وعسكرية تنشط في الشرق الأوسط، إلى منظمة إجرامية دولية تجني ما يصل إلى مليار دولار سنوياً من الاتّجار بالسلاح والمخدرات وتبييض الأموال وغيرها من الأنشطة الإجرامية.
وكشف التقرير الاستقصائي عن عرقلة مسؤولين في وزارات الخارجية والعدل والخزانة الأميركية لجهود الحملة التي أطلقتها جهات التحقيق تحت اسم «مشروع كساندرا» في 2008، لملاحقة الشبكة الإجرامية الدولية للحزب.
وعلى مدى 8 سنوات، استخدم عملاء أميركيون يعملون من مكاتب سرية تابعة لإدارة مكافحة المخدرات في فيرجينيا، أجهزة تنصّت وعمليات سرية ومخبرين، بمساعدة 30 وكالة أميركية وأجنبية، وتتبعوا شحنات مخدرات، بعضها من أميركا اللاتينية إلى غرب أفريقيا، ثم إلى أوروبا والشرق الأوسط، وبعضها الآخر من فنزويلا والمكسيك إلى الولايات المتحدة. كما تتبعوا الطرق التي استخدمها «حزب الله» لتبييض الأموال، عبر شراء سيارات أميركية مستعملة وبيعها في أفريقيا. وبمساعدة شهود متعاونين، توصّل العملاء الأميركيون إلى تورّط الدائرة الداخلية في «حزب الله» ودولته الراعية، إيران في هذه العمليات.
وقالت المجلة، بناء على مقابلات أجرتها مع مشاركين في «مشروع كساندرا»، إن العملاء واجهوا عدداً كبيراً من العراقيل من طرف إدارة أوباما عندما وصلوا إلى مستويات متقدّمة من التحقيق. وأكدت عناصر بارزة في العملية الأمنية أن وزارتي العدل والخزانة أخّرتا أو رفضتا طلب العملاء بإطلاق تحقيقات مهمة أو متابعات قضائية أو اعتقالات أو فرض عقوبات مالية.
ورفضت وزارة العدل طلباً من وحدة التحقيق لمحاكمة المتهمين الرئيسيين في القضية، بما في ذلك مبعوث «حزب الله» إلى إيران عبد الله صفي الدين، وبنك لبناني وشركتي صرافة متّهمين بغسل أموال متصلة بشبكة الاتجار بالمخدرات بلغت مليارات الدولارات، وكذلك قيادي في «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني، موجود على الأراضي الأميركية. كما رفضت وزارة الخارجية التعاون لاستدراج مطلوبين مهمين إلى بلدان يمكن توقيفهم فيها بشكل قانوني.
وقال خبير التمويل غير القانوني في وزارة الدفاع الأميركية ديفيد آشر الذي ساعد في إنشاء «مشروع كساندرا» والإشراف عليه، إن إدارة أوباما «مزّقت هذه الجهود التي كانت مدعومة بدلائل». وأضاف أن هذا التصرف كان «قراراً منهجياً»، كما نقلت عنه المجلّة.
وتسلم أوباما منصبه في 2009 بعد أن تعهد بتحسين العلاقات الأميركية - الإيرانية. وفي حملته الانتخابية، أكد الرئيس السابق مراراً أن سياسة إدارة سلفه جورج بوش الابن في الضغط على إيران لوقف برنامجها النووي غير المشروع «لا تعمل»، وأنه سيتواصل مع إيران لتخفيف التوتر.
وذهب جون برينان الذي أصبح مستشار أوباما في مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض ومدير وكالة المخابرات المركزية «سي آي إيه» أبعد من ذلك، وأوصى بأن «الرئيس القادم لديه الفرصة لإقامة مسار جديد للعلاقات بين البلدين»، ليس عبر الحوار المباشر فحسب، بل عبر «دمج أكبر لـ(حزب الله) في النظام السياسي في لبنان».
واعتبرت المجلة الأميركية أن تصوّر إدارة أوباما لدور جديد لـ«حزب الله» في الشرق الأوسط، إضافة إلى رغبتها في التوصل إلى تسوية مع إيران حول برنامجها النووي، تُرجمت بمقاومتها اتخاذ أي خطوة ضد كبار أعضاء الحزب، وفق مشاركين في «مشروع كساندرا» وآخرين.
وأعطت «بوليتيكو» مثالاً على عرقلة إدارة أوباما عمل «مشروع كساندرا» بتاجر السلاح اللبناني علي فيّاض، وهو عميل بارز لـ«حزب الله»، يعمل لصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كمورد رئيسي للأسلحة إلى سوريا والعراق. وعندما اعتقل فيّاض في براغ في ربيع 2014 واحتجز لمدة عامين هناك، رفض المسؤولون في إدارة أوباما ممارسة ضغوط جدية على الحكومة التشيكية لتسليمه إلى الولايات المتحدة، رغم ممارسة بوتين ضغوطاً شديدة ضد ذلك.
بيد أن المحاكم الأميركية وجّهت إلى فيّاض اتهامات بالتخطيط لقتل موظفين في الحكومة الأميركية، وتوفير الدعم المادي لمنظمة إرهابية ومحاولة الحصول على الصواريخ المضادة للطائرات ونقلها واستخدامها. وسُلّم فياض إلى بيروت. ويعتقد مسؤولون أميركيون أنه عاد ليمارس مهامه ويساعد على تسليح أطراف في سوريا وغيرها بالأسلحة الروسية الثقيلة.
وفي حالة أخرى، قوّض مسؤولون في إدارة أوباما أو منعوا تحقيقات «مشروع كساندرا» الهادفة إلى اعتقال عناصر بارزين من «حزب الله»، وبينهم شخص ملقّب بـ«الشبح»، مما سمح لهم بمواصلة نشاطهم. ويقول أشخاص مطلعون على القضية إن «الشبح» كان أحد أكبر مهربي الكوكايين في العالم، فضلاً عن كونه مورّداً كبيراً للأسلحة التقليدية والكيميائية التي استخدمها نظام بشار الأسد في سوريا ضد شعبه.
ونقلت «بوليتيكو» عن أربعة مسؤولين سابقين مطلعين أن وزارة العدل الأميركية رفضت التحقيق مع عبد الله صفي الدين، موفد «حزب الله» إلى طهران، والذي يعتبر «العمود الفقري للشبكة الإجرامية» للحزب.
في المقابل، نفى مسؤولون سابقون في إدارة أوباما وجود دوافع سياسية وراء القرارات إزاء «حزب الله» وإيران. ورفض هؤلاء التعليق على الحالات الفردية، إلا أنهم أكدوا أن وزارة الخارجية أدانت القرار التشيكي بعدم تسليم فيّاض. وقال عدد منهم رفضوا الكشف عن هوياتهم إنهم استرشدوا بأهداف سياسية أوسع نطاقاً، بما في ذلك تخفيف حدة الصراع مع إيران، والحد من برنامجها للأسلحة النووية، وإطلاق سراح ما لا يقل عن أربعة سجناء أميركيين كانت تحتجزهم طهران. وقال كيفن لويس، وهو موظف سابق في البيت الأبيض ووزارة العدل، إنه تم فرض عقوبات قاسية على «حزب الله» قبل الاتفاق النووي مع إيران وبعده.
غير أن كاثرين باور، وهي موظفة سابقة في وزارة الخزانة، كتبت في شهادة قدّمتها في فبراير (شباط) الماضي للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، أنه «تحت إدارة أوباما، تم إخماد التحقيقات المتعلّقة بـ(حزب الله)، تجنباً لتهديد الاتفاق النووي مع إيران». وتابعت أنه «نتيجة لذلك، لم تتم ملاحقة عملاء تابعين لـ(حزب الله) بإدانات أو عقوبات من طرف وزارة الخزانة ما كان ليمنعهم من الوصول إلى الأسواق المالية الأميركية».
وكنتيجة لعرقلة إدارة أوباما لعمل «مشروع كساندرا»، اعتبرت المجلة أن الحكومة الأميركية فقدت قدرتها على مواجهة الاتجار بالمخدرات وغيرها من الأنشطة الإجرامية في جميع أنحاء العالم، ولكن أيضاً مؤامرات «حزب الله» غير المشروعة مع كبار المسؤولين في الحكومات الإيرانية والسورية والفنزويلية والروسية، وصولاً إلى الرؤساء نيكولاس مادورو وبشار الأسد وفلاديمير بوتين، وذلك وفقاً لأعضاء فريق العمل السابقين في المشروع وغيرهم من المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين.



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.