«فيتو» أميركي يجهض مشروعاً عربياً لحماية وضع القدس

هيلي اعتبرت طرح النص {إهانة لا يمكن نسيانها}

السفيرة الأميركية نيكي هيلي خلال الإدلاء بكلمتها في مجلس الأمن أمس (إ.ب.أ)
السفيرة الأميركية نيكي هيلي خلال الإدلاء بكلمتها في مجلس الأمن أمس (إ.ب.أ)
TT

«فيتو» أميركي يجهض مشروعاً عربياً لحماية وضع القدس

السفيرة الأميركية نيكي هيلي خلال الإدلاء بكلمتها في مجلس الأمن أمس (إ.ب.أ)
السفيرة الأميركية نيكي هيلي خلال الإدلاء بكلمتها في مجلس الأمن أمس (إ.ب.أ)

استخدمت الولايات المتحدة الأميركية أمس حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار دولي، يطالب بإلغاء إعلان الرئيس دونالد ترمب جعل القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، ويشدد على أن أي تغيير في وضع القدس ليس له أثر قانوني ويجب عكسه، وقد أيد القرار 14 دولة.
وبعد التصويت اعتبرت السفيرة الأميركية نيكي هيلي أن طرح مشروع القرار يعتبر «إهانة لا يمكن نسيانها». فيما وجه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الشكر إلى المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة لاستخدامها حق الفيتو ضد مشروع القرار الذي يدين الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ويدعو مشروع القرار جميع البلدان إلى الامتناع عن فتح سفارات في القدس، ويطالب الدول الأعضاء بعدم الاعتراف بأي إجراءات تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة بشأن وضع المدينة.
وكانت الولايات المتحدة قد امتنعت سابقاً عن التصويت على قرارات مماثلة، ومنها القرارات 476 و478 و2334، إلا أن السفيرة هيلي أكدت أن بلادها «لم تؤيد تلك القرارات»، في إشارة إلى تصويتها بـ«الامتناع» آنذاك، مشددة في كلمتها على أن لإسرائيل الحق في تحديد عاصمتها، وهو المنطق الذي عارضته الدول الأخرى الأعضاء بمجلس الأمن، بما فيها الدول الغربية.
ورغم أن الفيتو الأميركي لم يكن مفاجأة للدول العربية، أو بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي، فإن الهدف من عرض المشروع هو توجيه رسالة هامة إلى الإدارة الأميركية مفادها أن المجلس بأغلبية أعضائه يرفض الإعلان الأميركي جملة وتفصيلا، وأن بقية الأعضاء يجددون تأكيدهم لمواقف الأسرة الدولية بشأن وضع القدس، والمتمثلة في عدم وجود دعم دولي للعمل الأميركي الأحادي الجانب، وعزله.
وفي هذا الصدد، أكد ميتيو رايكروفت، المندوب البريطاني، أن تصويت بلاده لصالح مشروع القرار جاء بسبب القرارات السابقة، بما فيها القرار الشهير رقم 242، وغيرها من القرارات ذات الصلة، مؤكدا كما جاء في كلمة نظيرة الفرنسي، على ضرورة احترام القانون الدولي، وأن القدس هي عاصمة لدولتين: فلسطين وإسرائيل.
ويؤكد مشروع القرار الذي تقدمت به مصر على أن القدس قضية «يتعين حلها من خلال المفاوضات»، وأن «أي قرارات أو إجراءات تهدف إلى تغيير طابع المدينة المقدسة، أو وضعها الديمغرافي، أو تركيبتها الديمغرافية لا يمكن أن يكون لها أي أثر قانوني، وتعتبر ملغاة وباطلة، ويجب إلغاؤها». كما يدعو مشروع القرار، الذي لم ينجح بسبب الفيتو الأميركي، جميع البلدان إلى الامتناع عن فتح سفارات في القدس، ويطالب الدول الأعضاء بعدم الاعتراف بأي إجراءات تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة بشأن وضع المدينة.
وفور الإعلان عن الفيتو الأميركي أعربت مصر عن أسفها لعدم اعتماد مشروع القرار الذي تقدمت به بشأن القدس.
وجاء في البيان الصادر عن الخارجية المصرية أن مشروع القرار جاء «استجابة لضمير المجتمع الدولي، الذي عبر بوضوح عن رفض اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل».
وأضاف البيان أنه من المقلق للغاية أن يعجز مجلس الأمن عن اعتماد قرار يؤكد على قراراته ومواقفه السابقة بشأن الوضعية القانونية لمدينة القدس، باعتبارها مدينة محتلة تخضع لمفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وفقاً لكل مرجعيات عملية السلام المتوافق عليها دولياً.
وأوضح أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أن مصر، بصفتها العضو العربي بالمجلس، «تحركت بشكل فوري في مجلس الأمن، تنفيذاً لقرار الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، حيث قادت بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة عملية تفاوض مطولة وهادئة مع جميع أعضاء المجلس، بالتنسيق الكامل مع بعثة فلسطين والتشاور مع المجموعة العربية بنيويورك»، مبرزاً أن الجولة استهدفت «الوصول إلى صياغة متوازنة لمشروع القرار، تستهدف الحفاظ على الوضعية القانونية للقدس، وتطالب جميع الدول بالالتزام بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتعيد التأكيد على المرجعيات الخاصة بعملية السلام»، كما أشار إلى أن «حصول مشروع القرار على دعم 14 عضواً من أعضاء المجلس الـ15 يؤكد مجدداً على أن المجتمع الدولي رافض لأي قرارات من شأنها أن تستهدف تغيير وضعية مدينة القدس، والتأثير السلبي على مستقبل عملية السلام والتسوية الشاملة والعادلة للقضية الفلسطينية».
وأضاف المتحدث أن المجموعة العربية ستجتمع لتقييم الموقف، وتحديد الخطوات القادمة للدفاع عن وضعية مدينة القدس.
وقبل ساعة من جلسة التصويت، عقد المجلس جلسة أخرى، استمع خلالها إلى المنسق الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ميلادينوف، الذي أكد موقف الأمم المتحدة بشأن القدس «قضية نهائية يجب حلها عن طريق المفاوضات المباشرة بين الطرفين، على أساس قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة، مع مراعاة الشواغل المشروعة لكل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي».
ولاحظ المبعوث الدولي أنه لا يمكن فصل أي تطورات على أرض الواقع عن السياق الأوسع، الذي تحدث فيه، وهو عدم اليقين بشأن مستقبل عملية السلام، والإجراءات الأحادية الجانب التي تقوض حل الدولتين والاحتلال والعنف، مشيرا إلى أن 23 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري سيصادف سنة واحدة على اتخاذ القرار رقم 2334، وهو القرار الذي كرر مطالبته بأن على إسرائيل أن «تكف فورا وكليا عن جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية». إلا أنها «لم تتخذ أي خطوات من هذا القبيل خلال الفترة المشمولة بالتقرير؛ حيث تمت الموافقة على بناء حوالي 1200 وحدة في الضفة الغربية المحتلة، ما يقرب من 460 وحدة سكنية في مستوطنة معاليه أدوميم. كما تقدمت إسرائيل من خلال مختلف مراحل عملية التخطيط، بنحو 1400 وحدة سكنية في المنطقة جيم من الضفة الغربية».
وخلص التقرير إلى أنه «في ظل البيئة الحالية، فإن عدم وجود اقتراح موثوق به، يمكن أن يصبح أساساً لمفاوضات هادفة، يضر باحتمالات السلام»، مبرزاً أن «عدم اتخاذ خطوات هامة على أرض الواقع تحمي بقاء حل الدولتين ودعم الدولة الفلسطينية، يقوض المعتدلين ويمكّن المتطرفين... وإضعاف الهيكل الدولي في دعم السلام سيزيد من المخاطر التي تتعرض لها المنطقة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.