القراءة فعل مقاومة روائياً

«جمعية غيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطا» في طبعة عربية

القراءة فعل مقاومة روائياً
TT
20

القراءة فعل مقاومة روائياً

القراءة فعل مقاومة روائياً

يجد القارئ نفسه، بمجرد قراءته هذه الرواية، متورطاً في عضوية جمعية لا يعرف أحداً من أعضائها، جمعية دولية للقراءة، عابرة للغات والأجناس والقوميات، اسمها «جمعية غيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطا»، هذا ما أرادت فعله الكاتبة ماري آن شيفر، عبر روايتها التي حملت الاسم نفسه، وفي إطار لعبة رأت أنها يمكنها أن تنقذ ملايين البشر، عبر دمجهم في جمعية غير محدودة للقراءة.
الرواية صدرت ترجمتها العربية حديثاً، ضمن سلسلة «إبداعات عالمية»، عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (الكويت)، وقام بترجمتها حنان عبد المحسن مظفر، ومراجعة عبد الله عبد الرحمن الزغبي.
اللافت أن رواية آن شيفر (التي رحلت قبل إكمالها، وأتمتها بعد مرضها المميت ابنة شقيقها آني باروز) عن جمعية أدب متخيلة، ابتكرتها كرابطة لتروي من خلالها قصة جزيرة غيرنزي التابعة لإنجلترا، التي سقطت تحت الاحتلال الألماني يونيو 1941، واستمرت محتلة لـ5 سنوات، تحولت لدعوة عالمية مجيدة للقراءة وللفنون، كفعل نجاة ومقاومة، و«للتغلب على أي حواجز أو عوائق»، كما تقول.
فبمجرد صدور هذه الرواية، بعد وفاة الكاتبة عام 2008، طبعت في جميع اللغات، وقوبلت بعاطفة هائلة من المديح، بدءاً من القراء وبائعي الكتب حتى النقاد المتخصصين في الأدب. بل تحول الأمر إلى دعوة عالمية للانضمام لهذه الجمعية المتخيلة، كما تروي آني باروز، ابنة شقيق الكاتبة ومتمة الرواية، في الخاتمة الملحقة بالعمل، مؤكدة أنها تسلمت رسائل من قراء من شتى أنحاء العالم، يطلبون الانضمام لنادي القراءة، وأن يكونوا أعضاء في تلك الجمعية، وهو ما جعلها ترد بأن «عضوية جمعية غيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطا في ازدياد مستمر مع كل قارئ يستمتع بالكتاب»، معتبرة «الكم الهائل من الأسئلة والحكايات (التي تلت الرواية) تصلح لتكون النسخة الجديدة من جمعية غيرنزي للأدب، ينتشر أعضاؤها حول العالم، ويجمعهم حبهم للكتب والحديث عنها... فهناك قوى سحرية تجذبنا باتجاه جمعية الأدب، كلما مررنا بكتاب ما... فكلما أبدينا رغبتنا بالاستمتاع، نجد أنفسنا جزءاً من جمعية غيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطا».
اعتمدت شيفر تقنية بنية الرسائل في إدارة عوالم روايتها، وهو ما منحها دفئاً وحميمية مع القارئ، فالأحداث تتوالى في الصعود درامياً مع كل رسالة متبادلة بين أبطال الرواية، وفي الأغلب تكون أحد أطرافها الكاتبة اللندنية جوليت آشتون التي تتراسل مع قرائها، إلى أن تقودها الصدفة، عبر إحدى الرسائل، للتعرف على أحد أعضاء جمعية للأدب في جزيرة غيرنزي، أسست كفعل مقاومة لتبعات الاحتلال الألماني للجزيرة الواقعة في القنال بين فرنسا وإنجلترا، وتتبع التاج البريطاني.
ولأن بطلة الرواية جوليت آشتون، الكاتبة اللندنية التي سحقت طائرات الاحتلال النازي منزلها، تبحث عن فكرة لمقالة طلبتها منها صحيفة «التايمز»، عن القيمة العملية والأخلاقية والفلسفية للقراءة، تطلب من دوزي آدامز، أحد أعضاء الجمعية الذي بدأ بمراسلتها، وستقع في حبه وتنتهي القصة بزواجهما، أن تتراسل مع أعضاء الجمعية، عن أسباب تأسيسها وعن مسماها الغريب «جمعية غيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطا»، وكيف كانوا يعقدون اجتماعاتهم في ظل الاحتلال، لتخصص مقالتها عنها.
ومع توالي الرسائل من سكان جزيرة غيرنزي إلى آشتون جوليت، نتعرف أن تأسيس جمعية «غيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطا» أتى بالمصادفة. ففي إحدى المرات، وأثناء عودة بعض الأصدقاء من مأدبة عشاء على الخنزير الوحيد الذي تبقى في الجزيرة، بعد أن استولى الألمان على كل الحيوانات لإطعام جنودهم، استوقفت دورية عسكرية ألمانية الأصدقاء لخرقهم حظر التجول، فما كان من «إليزابيث» (أحد مؤسسي الجمعية) إلا أن اخترعت حكاية تأسيسهم نادياً لقراءة كتاب «إليزابيث وحديقتها الألمانية»، لينجو الأصدقاء بالحيلة من عقوبة السجن أو الترحيل لمعسكرات العمل، لمخالفتهم أمر المحتل النازي.
ومن هنا، مع سماح الألمان بنشاطات الجمعية «ليثبتوا للبريطانيين أن الاحتلال الألماني احتلال نموذجي»، يتخذ سكان الجزيرة فكرة تأسيس «جمعية غيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطا»، كوسيلة للقاء وتحدي وخداع الاحتلال الألماني، إلا أنه سرعان ما يجد أعضاء الجمعية في القراءة، وفي الكتب والحديث المتبادل عنها، متعتهم، وما يدعم قوتهم وقدرتهم على العيش في ظل الاحتلال، ويحول لياليهم لـ«ليالي جميلة ومبهجة تنسيهم ذلك الظلام الذي كان سائداً في الخارج».
ويضع أعضاء الجمعية قوانينهم الخاصة، ويتفقون على تبادل قراءة الكتب، ويجتمعون في اجتماع دوري للحديث عنها، مع تناول فطيرة قشر البطاطا التي اخترعوها مع عدم توافر الزبدة والسكر والطحين جراء الحصار المفروض على الجزيرة.
يلي ذلك أن يرسل كل عضو من أعضاء الجمعية رسالة لآشتون جوليت عن الكتب التي قرأها، وكيف أثرت فيه، وكان لها دورها في رفع معنوياتهم، وتغيير أنماط حياتهم كمزارعين لم يقرأوا من قبل سوى كتاب الإنجيل. مثلاً، يختار إيبين رامزي، عضو الجمعية، كتاب «مختارات من شكسبير» لقراءته ومناقشته مع أعضاء الجمعية، ويكتشف أن الكتَّاب العظام يفكرون بأشخاص بسطاء مثله وهم يكتبون، كما يقول في رسالته لجوليت: «إن السيد (تشارلز) ديكنز والسيد (وليم) رودزورت كانا يفكران بأشخاص مثله عندما كانا يكتبان، لكني أعتقد أن شكسبير كان أكثرهم تفكيراً بنا».
ومن بين ما قرأه، يختار رامزي عبارة شكسبير «لقد مضى يومنا الوضاء، وأشرفنا على حلكة الليل»، لتكون جملته المفضلة التي تمنى أنه كان يعرفها في اليوم الذي شهد نزول القوات الألمانية إلى أرض الجزيرة، ليشعر ببعض العزاء، و«يتمكن من الخروج ومقاومة الظروف، بدل أن تخونه الشجاعة ويصاب بخيبة الأمل»، كما حدث.
وانحاز عضو الجمعية كلوفيس فوسي للشعر، بدايةً للإيقاع بقلب الأرملة هوبرت، فحسب نصيحة صديقه، فـ«النساء يعشقن الشعر، وبمجرد الهمس بكلمات رقيقة يذبن مثل بقعة من الدهن على عشب»، لذا يتعرف على أعمال الشاعر وليم رودزورت، وبالفعل يستطيع الإيقاع بقلب هوبرت حين يردد على مسمعها: «انظري، يا نانسي، كيف تظلل رقة السماء البحر، واستمتعي».
ولا يتوقف الأمر بكلوفيس فوسي في علاقته بالشعر عند الإيقاع بقلب حبيبته، ولكن القروي الذي لم يكن يرغب في حضور اجتماعات الجمعية، يكوِّن آراء نقدية، ويأخذ على الشاعر الإنجليزي ييتس استبعاده أي قصائد عن الحرب العالمية الأولى، ضمن كتاب «أكسفورد» للشعر الحديث، ظناً (من ييتس) أن المعاناة السلبية ليست موضوعاً للشعر، ليعترض فوسي على ذلك، مستشهداً بمقطع لملازم يدعى أوين يقول: «أي أجراس تقرع لكن يموتون كالماشية؟ هم لا يستحقون سوى الغضب الوحشي للبنادق»، وذلك كمثال على خطأ ظَنِ ييتس في أشعار الحرب العالمية الأولى، واعتقاده بسقوطها في المعاناة السلبية.
وفي رسالته إلى جوليت عن تأثير الكتب على حياته، اختار عضو الجمعية جون بوكر كتاباً واحداً ليقرأه، وهو رسائل الفيلسوف الروماني سينيكا إلى أصدقائه المتخيلين، التي يخبرهم فيها بطريقة التصرف في حيواتهم. ويجد بوكر بين مقولات سينيكا ما يفسر له التناقض في أفعال البشر خلال الحروب.
وتسير الرسائل ويمضي الحديث عن الكتب والقراءة كفعل للنجاة من وطأة الاحتلال الألماني والفظاعات التي ارتكبها، حتى تسقط بطلة الرواية آشتون جوليت في محبة الجزيرة وسكانها وأعضاء جمعية الأدب، لتترك خلفها لندن، وحبيبها الناشر الأميركي، وتذهب للحياة في الجزيرة، لتؤلف كتاباً عن «إليزابيث»، إحدى مؤسسات الجمعية. وتتولى رعاية طفلتها «جين»، ابنة إليزابيث التي أنجبتها من علاقة مع أحد الضباط الألمان على الجزيرة، كانت سبباً في إعدامها على يد الألمان.
على الجزيرة، تتبدل حياة جوليت، وتسقط في حب أحد أعضاء الجمعية، وتتزوج منه، وتستقر بها، رافضة أن تنتهي الراوية بمجرد تكليل قصة الحب بالزواج، وإنما تكون، حسب ما تقول: «البداية فقط، وسيكون كل يوم جديد جزءاً من الحبكة».



الرياض تستعد لاحتضان أول معرض للتصميم المعاصر

يحتفي المعرض بالمواهب السعودية في مجال التصميم (الشرق الأوسط)
يحتفي المعرض بالمواهب السعودية في مجال التصميم (الشرق الأوسط)
TT
20

الرياض تستعد لاحتضان أول معرض للتصميم المعاصر

يحتفي المعرض بالمواهب السعودية في مجال التصميم (الشرق الأوسط)
يحتفي المعرض بالمواهب السعودية في مجال التصميم (الشرق الأوسط)

تستعد العاصمة السعودية لاحتضان معرض «داون تاون ديزاين الرياض»، أول معرض للتصميم المعاصر وعالي الجودة، لتسليط الضوء على أعمال محدودة الإصدار من مختلف أنحاء العالم، والاحتفاء بالمواهب السعودية في المجال.

وقالت الدكتورة سمية السليمان، الرئيسة التنفيذية لهيئة فنون العمارة والتصميم، إن قطاع التصميم في السعودية يشهد نمواً متسارعاً وملحوظاً، مؤكدة التزامهم بدعم هذا التقدّم من خلال إبراز التميّز الإبداعي المحلي واستقطاب المعارض الدولية الرائدة والمتخصصة.

ومن المتوقع أن يشكل معرض «داون تاون ديزاين الرياض»، الذي يقام في حي جاكس من 20 إلى 23 مايو (أيار)، نقطة تحول بارزة في المشهد الإبداعي الديناميكي في السعودية، من خلال توفير منصة مبتكرة تلبي الطلب المتزايد على التصميمات الداخلية الفاخرة، وخدمة السوق سريع النمو والمشاريع النشطة بمختلف أنحاء المملكة.

وأشارت السليمان إلى أن استضافة المعارض المرموقة، وتعزيز التبادل الثقافي مع مختلف دول العالم، يرسخان مكانة السعودية كوجهة عالمية للتصميم، فيما يجسّد هذا المعرض عبر برنامجه المُنظّم بعناية وتكامله بين الخبرات المحلية والعالمية، رؤية الهيئة لبناء مجتمع تصميم متجدد، ويجسد تنوّع وغنى الهوية الثقافية للسعودية.

تصاميم معاصرة ومحدودة الإصدار من مختلف أنحاء العالم تشارك في المعرض (الشرق الأوسط)
تصاميم معاصرة ومحدودة الإصدار من مختلف أنحاء العالم تشارك في المعرض (الشرق الأوسط)

ويجمع أول معرض سعودي مخصص للتصميم المعاصر عالي الجودة نخبةً من العلامات التجارية العالمية، والاستوديوهات الإقليمية، والمواهب الإبداعية الناشئة، ما يعكس المكانة المتزايدة للسعودية في مشهد التصميم العالمي.

ويستكمل المعرض ببرنامج مُصاحب يتضمن تركيبات إبداعية، وفعاليات تفاعلية، وتجارب مؤقتة ديناميكية، إلى جانب مجموعة جلسات حوارية مُصممة خصيصاً للسياق المحلي ومشهد التصميم المزدهر.

ويهدف البرنامج إلى تلبية احتياجات جمهور رفيع المستوى، من متخصصي الصناعة والمطورين إلى مالكي المنازل المحليين وعشاق التصميم، الذين يتطلعون إلى الاستكشاف أو الشراء أو التكليف.

وسيشهد المعرض تصاميم بإصدارات محدودة، وذلك في قسم مخصص، حيث يمكن للزوار استكشاف أعمال فنية نادرة ومجموعات فائقة الجودة، تقدمها معارض فنية دولية ومصممون مستقلون، ومصنعون، حيث تُعرض براعة حرفية استثنائية وإبداع معاصر.

كما سيقدم المعرض في جميع أجنحة حي جاكس برنامجاً غنياً بالتجارب الديناميكية والمتاجر المؤقتة، بدءاً من مفاهيم المطبخ الإبداعي، وصولاً إلى المعارض الثقافية، مع مجموعة جلسات حوارية وحلقات نقاش مثيرة، كما سيكشف استوديو التصميم متعدد التخصصات «كريم+إلياس»، بقيادة كريم تامرجي وإلياس حاج، عن مشروع «ستراتا» الخارجي النموذجي، المصنوع يدوياً من رمال السعودية باستخدام تقنية التربة المدكوكة.