مؤسس «ويكيبيديا»: أنصح الصحافيين بعدم الاقتباس من موقعنا... ولا نطمح أن نصبح مرجعاً أكاديمياً

جيمي ويلز قال لـ«الشرق الأوسط» إن المحتوى العربي أقل من المأمول

جيمي ويلز (رسمة: سمية العمري)
جيمي ويلز (رسمة: سمية العمري)
TT

مؤسس «ويكيبيديا»: أنصح الصحافيين بعدم الاقتباس من موقعنا... ولا نطمح أن نصبح مرجعاً أكاديمياً

جيمي ويلز (رسمة: سمية العمري)
جيمي ويلز (رسمة: سمية العمري)

قبل شهر، طلبت موعداً لإجراء المقابلة مع الشخص الذي جعل المعرفة والاستزادة عن كل شيء أمراً لا يكلفك سوى اتصال بالإنترنت. وكلّف الموعد إرسال 6 رسائل بريد إلكتروني وإلحاحاً حتى جاء الرد بأن الموعد الأقرب لإجراء لقاء مع جيمي ويلز مؤسس ورئيس موسوعة «ويكيبيديا» - أحد أهم 5 مواقع إلكترونية في العالم - سيكون في الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول) الساعة 11 صباحاً. الأسئلة المعدة كانت عن الموسوعة، ودقة المعلومات، وتدخل الحكومات. لكن حين طرحنا سؤالاً عبر «تويتر»، اعترف بعض المغردين بأن «ويكيبيديا» لها الفضل في الحصول على شهادة البكالوريوس أو الماجستير. وهذا ما لا يوده ويلز، ولا يطمح أن تصل الموسوعة الأشهر إلى هذا المستوى، لأنها لم تنشأ لأجل ذلك، حسب قوله.
تأخر ويلز عن الموعد 9 دقائق بسبب اجتماع آخر، لكنه منح للمقابلة 20 دقيقة إضافية. يرفض ويلز أن يوصف بالملياردير، ويتنقل في صالة تحرير صغيرة ضمن مساحة مخصصة لمشاريع رياديي الأعمال في أحد أبراج الحي المالي في لندن، ويعمل في صالة التحرير 9 صحافيين ورئيس تحرير يديرون مشروعاً جديداً هو صحيفة «ويكي تريبيون» التي من المتوقع أن تحدث ثورة شبيهة بـ«ويكيبيديا»، لكنه أشار وأكد أن الصحيفة منفصلة تماماً عن ويكيبيديا، وأنها مشروعه الخاص وهوايته الجديدة.
سألته: هل هو ملياردير، وهو السؤال الذي نفاه لصحيفتي «الغارديان» و«نيويورك تايمز»، ونفاه لي أيضاً، لكن بابتسامة. يقول إن «ويكيبيديا» مملوكة لصندوق خيري الآن رأسماله 100 مليون دولار، ويقوم على المتبرعين، وله مجلس إدارة يديره بشكل محافظ، ويعتبر ذلك رأسمالاً معقولاً وليس بالقليل، وهذا ما يعطيه قوة واطمئناناً من الإفلاس، والقدرة على إدارة وتمويل نفقات الموسوعة.
يعتبر ويلز المحتوى العربي أقل من المأمول، ولا يريد أن يضع سبباً لذلك لا يعرفه، لكنه يتمنى من العرب أن يضيفوا ما يمكن إضافته ويضيف للعالم وللقراء عبر «ويكيبيديا» ويقول: «المحتوى العربي لويكيبيديا أقل مما نريد للأسف، والمجتمع الخاص به قليل وما ينشر أو ما يتم تحريره قليل كذلك. اللغة العربية بها قوة وثراء لغوي، أيضاً هناك أمر مهم وهو عدد الدول الناطقة بها والتنوع الثقافي في هذه الدول، وهذا ما نود أن نحصل عليه، ونتمنى أن تتضاعف جهودهم لإثراء محتوى ويكيبيديا كما هو في اللغات الأخرى، لا أريد أن أخمن السبب، هل هو مرتبط بالترجمة وعدد الكتب الأكاديمية المترجمة إلى العربية أم سبب آخر. هل هو بسبب عدد الكتب المترجمة إلى العربية مثلاً؟ ليست وجهة نظري، لكن حسب بعض المتطوعين في ويكيبيديا يقولون إنه بسبب الاهتمامات للشباب العربي وكثير منها رياضي وليس أكاديمياً أو بحثياً، لكن هذا ليس سبباً حقيقياً وكافياً، فليس كل الناس في بريطانيا مثلاً أكاديميين! وهناك مقارنة قديمة عن الترجمة بين الألمانية والعربية أن مجموع ما يترجم يومياً إلى الألمانية يعادل ما يترجم سنوياً للعربية، وهذه أتوقع مقارنة قديمة. لكن أعتقد أن الاستثمار في التعليم مهم جداً للوصول إلى مقاربات قريبة فيما يتعلق بالتحرير وغيره. وأعتقد أن الشباب المتعلم هو الأساس والمفترض أن يكون هو العماد فيما يتعلق بالترجمة أو النهضة بالأوطان كذلك».
ويبتسم ويلز حين جاء الحديث عن سخرية الأفراد من بعضهم ببعض حين يكون هناك استعراض بالمعلومات أنها غير دقيقة، وأنه جاء بها من الهواء أو «ويكيبيديا»، ويرد: «في 2001 حين بدأنا الموقع لم يكن هدفنا أن نصبح مرجعاً أكاديمياً، لكن من المهم أن نسهم في إثارة التساؤلات لا أن نوجد الإجابة، وليس هدفنا كذلك أن نتحول لمرجع أكاديمي للباحثين في الكليات، قد يستخدم الباحث الموسوعة لقراءة معلومة معينة أو الاطلاع عليها، لكن ليس للجزم بها واستخدامها والاقتباس منا والإشارة إلينا في بحثه».
هل يعني هذا أن الموسوعة لا قيمة لها؟ يرفض ويلز التقليل من حجم العمل والجهد المبذول، ويقول إن القائمين عليها ومشرفي التحرير يسعون لأكبر قدر ممكن للوصول إلى الدقة والكمال والجودة، لكن لا يمكن القول إن الموسوعة مرجع أكاديمي أو بحثي.
الجامعات التي لا تعتبر ويكيبيديا مرجعاً، لديها صفحات بتفرعاتها على الموقع الأشهر، وسألته فيما إذا كانت الجامعات هي من تحرر صفحاتها، أم أن هناك متطوعين، فرجّح أن المتطوعين يقومون بذلك.
ويسهب في الحديث عن اقتباس بعض من يهاجمهم واستخدام المعلومات المنشورة: «مع كل هذا التشكيك، هناك من يستخدمنا مصدراً إلى حد معين، ولكن كمصدر لمقال علمي أو أكاديمي لا أظن أننا نسعى لذلك، وللصحافيين أقول إن ويكيبيديا هي المكان المناسب للعثور على الأسئلة لا الأجوبة وهناك أداة اسمها (حديث/ تالك) يستطيع الباحث أو الصحافي الضغط عليها وسيجد نقاشات القراء أو المجتمع الويكيبيدي حول المصادر، هنا بإمكانه البحث والتأكد أكثر».
وفي جو الحديث عن تحرير صفحات الجامعات، سألت ويلز فيما إذا كان هو من يحرر صفحته الشخصية، ضحك قبل أن يجيب، رفع حاجبيه ثم نفى بقوله: «أنا لا أحرر صفحتي في ويكيبيديا، يحررها مئات القراء مثلها مثل أي صفحة أخرى ولا أتحكم بها، وهذا ما يجعلني سعيداً بأنني أطبق ما يطبق على الآخرين في الموسوعة».
يرفض ويلز الحديث عن شأنه المالي، ويرفض كذلك أن يصنف في قائمة المليارديرات، وسألته رغم علمي المسبق بإجاباته لصحيفة «الغارديان» حين نفى أن يكون مليارديراً، لكن ليس على غرار «فيسبوك» و«سنابشات» و«تويتر»، فيبدو أن المعلومات والاستثمار الثقافي لا يجعلان من الإنسان صاحب ثروة طائلة، أو أن ويلز يفضل إخفاء ذلك. قال لي إنه سعيد بالموسوعة وبما وصلت إليه وإنه ليس مليارديراً، وأضاف: «لست مليارديراً، وويكيبيديا لا تخشى الإفلاس، ولن نقوم ببيع الصفحات الشخصية أو فرض رسوم أو تمكين الحكومات أو المسؤولين من ملكية الصفحات الخاصة بهم وتحريرها».
كثير من الحكومات ووزارات الخارجية في العالم تتواصل مع ويكيبيديا لتحرير صفحاتها، لكن بالطرق التقليدية المعروفة، ويرفض جيمي ويلز، تحت أي ظرف من الظروف، تمكين الحكومات من ملكية صفحاتهم في الموسوعة، ويبرر ذلك بقوله: «لأن ذلك ضد الفكرة الرئيسية من ويكيبيديا، وهي الفضاء والمجال المفتوح لسكان المعمورة للمشاركة، كما أنها ستتحول من صفحة معلومات إلى صفحة علاقات عامة».
لكن كيف تدير موسوعة الفضاء المفتوح الأشهر شأنها المالي؟ صندوق خيري رأسماله 100 مليون دولار، وهو ما يجعل ويلز واثقاً أن الإفلاس ليس وارداً ولا يقلقهم، ويبرر طلب الموقع تبرع القراء مالياً أن ذلك نوع من المشاركة لنشر المعرفة وليس للربح ويقول: «مالياً، نحن ندير صندوقنا الخيري بشكل حذر جداً ومحافظ، ولا يمكن أن نخشى من الإفلاس على الأقل هذه الفترة».
لكن كيف يمكن لويلز الحفاظ على المصداقية، والتأكد من خلو موسوعته الشهيرة من أخبار المغرضين، أو الأخبار المزيفة FAKE NEWS، ويوضح ذلك بقوله: «صحيح أن هناك قلقاً من الأخبار المزيفة، لكننا نسعى قدر الإمكان أن يكون هناك حذر فيما ينشر ويقوم مجتمع ويكيبيديا بالتعديلات اللازمة وتصحيح المعلومات المغلوطة. وهناك انتخابات داخل مجتمع ويكيبيديا للمشرفين كذلك، فليست بهذه السهولة. صحيح أنه فضاء مفتوح للجميع، وأدوات مفتوحة للتحرير ومتاحة للجميع، لكن هذا لا يعني. لا يمكن لأي شخص أن يضيف رابطاً كمصدر إذا كان هذا الرابط غير مرتبط، والجدل المستمر بين مستخدمي الموقع يمكننا من الوصول إلى الدقة إلى أكبر قدر ممكن. بإمكان أي شخص بلا شك أن يضيف محتوى مسيئاً، خصوصاً إذا كانت لديه أجندة معينة أو غيره، لكن في حال اكتشاف ذلك يتم حظر ذلك المستخدم من إمكانية التحرير على ويكيبيديا».
مجلة «ذي أتلانتيك» قالت إن مشروع جيمي ويلز الجديد، صحيفة «ويكي تريبيون»، سيقتل مهنة الصحافة ويقتل وظيفة الصحافي وسينهي مسألة أن الصحافي يجب أن يتقاضى راتباً نظير عمله. وتقوم فكرة الصحيفة، التي مضى على إطلاقها وقت إجراء المقابلة 29 يوماً فقط، ويرأس تحريرها بيتر بال، الصحافي النيوزيلندي الشهير الذي تنقل في العمل الصحافي بين مؤسسات كبرى ومنها «سي إن إن» و«فايننشيال تايمز» وأسس وعمل على إنشاء مواقع إلكتروني لأشهر الصحف ومنها «تايمز»، تقوم فكرتها على الاستفادة من جميع سكان المعمورة للإسهام في نشر الأخبار وتزويد الموقع بالصور والمقاطع المرئية للحوادث أو الأخبار في مختلف أنحاء العالم. ويخطط جيمي ويلز للتوسع التدريجي في اللغات بحيث سيشهد نهاية عام 2018 إطلاق اللغتين الألمانية والإسبانية للموقع، أما اللغة العربية فسيكون لها نصيب من الصحيفة الجديدة، لكن «ويكي تريبيون» ليست «ويكيبيديا» كما يقول ويلز، ولا يمكن إنشاء مواقع بجميع اللغات.
يدافع ويلز عن وليده الجديد، ويرفض ما قيل إنه سيقتل القيمة الحقيقية للصحافي وسيجعل الجميع صحافيين بلا أجر، ويقول: «لا يمكن لأي شخص أن ينشر مباشرة على ويكي تريبيون، هناك رئيس تحرير، وهناك صحافيون، وهناك إجازة للمواد والنشر بعد موافقة فريق التحرير. الفكرة هي في الاستفادة من جميع سكان المعمورة قدر المستطاع أن يشاركوا في نشر الخبر وتقديم المواد والصور وغيرها».
لكن هذا غير واضح؟ أي أن العمل الحقيقي يعتمد على المجانية، والصحافيون هم المواطنون، وستسهم فعلاً في قتل الصحافة الاحترافية، يقول: «لا أعتقد أن ذلك سيكون ممكناً، صحيفة ويكي تريبيون فكرتها مختلفة، لكن هناك صحافيين والمحررين الرئيسيين الذين يعملون عليها. عدا ذلك صحيح أنه بإمكان الجميع في أنحاء العالم أن يتطوعوا لإرسال الأخبار والتحقيقات، وهي تطبيق حقيقي لصحافة المواطن. لكن لا أظن أن الاتهام هو بهذه الدقة أن ويكي تريبيون ستقتل مسألة الصحافي الذي يتقاضى راتباً من عدمه. المسألة باختصار أننا نتيح الفرصة للجميع للمشاركة، هناك رئيس تحرير وهناك محررون. ومن خلال تطوع ومشاركة الناس بإمكاننا أيضاً معرفة من الذي لديه جودة عالية في جانب معين وبالإمكان أن يصبح مسؤولاً عن الملف أو الصفحة أو القسم الذي ينشط فيه بشكل مستمر ودقيق ومهني. هناك أزمة في الصحف المحلية في العالم بعضها أغلق تماماً وبعضها قام بتقليص الأعداد، لكن الصحف العالمية لا تزال تقاوم».
ويشير ويلز إلى أن الصحافي الذي يراسل الصحيفة باستمرار ويتخصص في شأن معين، بعد فترة من ملاحظته بالإمكان الاستعانة به محرراً أو مشرفاً على ما تخصص به، وضرب مثالاً على ذلك بالبيتكوين، وقال: «لدينا الصحافيون، وبإمكانهم أن يكونوا أعضاء أو متطوعين. لكن لن ينشر أي شيء حتى تتم إجازته من قبل المحررين، ولدينا بيتر بيل رئيس تحرير. وكيف سنعمل؟ مثلاً هناك من يتطوع دوماً ويكتب قصصاً عن البيتكوين وتقنياتها وما يحدث عنها، نركز عليه ونراقبه عن بعد أو بالأصح نراقب أداءه وبعد ذلك نستعين به».
يتحدث ويلز عن «ويكي تريبيون» بشغف، لكنني سألته عن التفاؤل، هل يتوقع أن تصبح قريباً من أهم المواقع في العالم على غرار مشروعه الأول «ويكيبيديا»؟ فرد أنه شخصية متفائلة، وحين بدأ موسوعوته الشهيرة في 2001 كان يطمح أن يكون ضمن أكثر 100 موقع زيارة، والآن أصبح ضمن أهم 5 مواقع في العالم: «أنا متفائل وسأظل متفائلاً دوماً، حين أدهشتني تقنيات المصادر المفتوحة في بداياتها تنبأت أن شيئاً ما يمكن فعله، كان الطموح أن أكون في قائمة الـ100، وتدريجياً أصبحت ضمن نطاق أصغر وأهم، وهو مع الخمسة الأوائل. وهذه الفكرة التي أجيب بها دائماً، أن الذي دفعني لترك عالم المال والأعمال والتفكير بويكيبيديا لم يكن الثراء أو المال، بقدر ما هو تحفيز Open source platforms وتقنياتها، والقدرة على جلب مبرمجين والتشارك في الفضاء المفتوح وهذا ما حدث، صحيح أنها مخاطرة لكنها نجحت».
يختتم ويلز حديثه بالتأكيد على أن الصحافي هذه الأيام يجب أن يكون عالماً بكل شيء، ومتسائلاً، ويقول إن على الصحافي ألا يستعين بـ«ويكيبيديا» فقط، بل عليه أن يستخدمها للتساؤل وإثارة الأسئلة والبحث عن المصادر بشكل أوسع وأدق.


مقالات ذات صلة

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

شكلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.