اليمين المتطرف في النمسا يدخل الائتلاف الحكومي

يتولى الخارجية والداخلية والدفاع

TT

اليمين المتطرف في النمسا يدخل الائتلاف الحكومي

تؤدي حكومة الائتلاف اليميني النمساوي الجديدة القسم صباح غدا الاثنين أمام الرئيس ألكسندر فان دير بلين الذي التقى سابستيان كورتس رئيس حزب الشعب وهانز كرستيان شتراخه رئيس حزب الحرية اليميني المتطرف المعادي للمهاجرين. إذ توصل المحافظون النمساويون إلى اتفاق مع حزب الحرية يوم الجمعة مما يمهد الطريق أمام النمسا لتصبح الدولة الوحيدة في غرب أوروبا التي يشارك في حكومتها حزب يميني متطرف وبعدد من الحقائب الوزارية. وقال كورتس في بيان مشترك: «بوسعنا أن نبلغكم بأن هناك اتفاقا».
وقال متحدث إن الاتفاق على تشكيل ائتلاف حاكم في النمسا بين المحافظين واليمين المتطرف سيعطي حزب الحرية المناهض للهجرة حقائب الخارجية والداخلية والدفاع من بين حقائب وزارية أخرى في التشكيل الحكومي. وأضاف المتحدث أن حزب كورتس سيحصل على حقائب وزارية من بينها المالية والعدل والزراعة.
يذكر أن حزب الشعب بزعامة كورتس، وحزب الحرية بزعامة شتراخه، توصلا في وقت متأخر من مساء أمس الجمعة، وذلك بعد مفاوضات استمرت سبعة أسابيع، إلى اتفاق مكون من 160 صفحة، بشأن تشكيل ائتلاف حاكم يصبح بموجبه كورتس مستشارا وشتراخه نائبا له، وبهذا يصبح كورتس أصغر رئيس حكومة في أوروبا.
وتبادل كورتس وشتراخه المزاح في مكتب الرئاسة، حول الموعد المبكر للقاء، حيث قال كورتس: «أنا أميل إلى أن أكون كائنا ليليا». ويعتزم كورتس وشتراخه عقد لقاء مع اللجان الحزبية، حيث يتعين أن يوافق كبار المسؤولين في الحزبين على تعاون الجانبين في إطار الائتلاف، ويعد هذا الإجراء شكليا.
وكان حزب الشعب قد فاز بالانتخابات البرلمانية التي جرت 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فيما حل حزب الحرية ثالثا بينما قرر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي حل ثانيا الاتجاه لصفوف المعارضة.
ما يجدر ذكره أن مشاركة سابقة لحزب الحرية المعروف بتطرفه بقيادة زعيمه الراحل الأشهر يورك هايدر في عام 2000 كانت قد أدت لمقاطعة غربية شاملة ضد النمسا قادتها الولايات المتحدة الأميركية التي يحكمها اليوم الرئيس دونالد ترمب المتهم بالعداء للمهاجرين والأجانب.
أعلن كورتس أنه سيعول في حكومته الجديدة على المساواة بين الجنسين في الوزارة والاستعانة بالخبرات المتخصصة. وقال كورتس، 31 عاما، أمس السبت في فيينا: «سيكون 50 في المائة من فريقي نساء، وثلث الفريق من الخبراء». وكان كورتس قد ناقش قائمة الوزراء، في وقت سابق من اليوم، مع نائبه شتراخه والرئيس ألكسندر فان دير بيلن. وأفادت تصريحات صادرة من الرئيس فان دير بيلن بأنه يريد التعرف شخصيا على الوزراء الجدد قبل تأدية الحكومة اليمين غدا لاثنين، ويتمتع الرئيس بصلاحية رفض بعض الوزراء.
وكان الحزبان قد نشطا خلال فترة الشهرين الماضيين في نقاش ومساع لتكوين الحكومة والاتفاق على برنامجها والجدول العريض لأعمالها. من جانب آخر نشطت بالنمسا يوم أمس وأول من أمس حملة تدعو لإرسال إمضاءات للرئيس قبل أداء الوزراء للقسم تعترض على تعيين هربرت كيكل أمين عام حزب الحرية كوزير للداخلية في الحكومة الجديدة، وهو المعروف بكونه من أكثر السياسيين اليمنيين تطرفا لدرجة تشبيهه بجوزف غوبلز وزير الدعاية السياسية لحكومة الرايخ النازي.
وتخشى أحزاب نمساوية أن يصبح هذا السياسي اليمني المعروف بتطرفه مسؤولا عن الشرطة وغيرها من القوات النظامية التي تتعامل تعاملا مباشرا مع المواطنين واللاجئين.
من جانب آخر تم اختيار كارين كنسيل الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط وزيرة للخارجية كما تم اختيار مرشح الرئاسة السابق عن حزب الحرية نوربرت هوفر وزيرا للبنية التحتية والنقل.
من جانبها ذكرت أطراف معارضة أن كورتس نفسه فاز بالانتخابات بعدما تبنى شعارات حزب الحرية المتشددة تجاه سياسة الباب المفتوح أمام اللجوء واللاجئين بالنمسا وضد المساعدات الاجتماعية. ودعا نشطاء سياسيون معارضون لمظاهرة نهار الاثنين احتجاجا على اشتراك حزب الحرية في الحكومة مع تنبيه عام أن المظاهرات لن تنقطع وسوف تنتظم بصورة دورية طيلة بقائه في الحكم، فيما تتوقع مصادر ألا تكمل هذه الحكومة دورتها وطولها خمس سنوات، إذ لم يحدث قط لحكومة اشترك فيها حزب الحرية أن أكملت الدورة. وحسب المراجع فإن أطول قترة لهذا الحزب في الحكم بلغت 3 سنوات فقط.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».