أعمال تعرض قضايا القارة الأفريقية في أيام قرطاج المسرحية

مشهد من عرض {توق إلى الأفق}
مشهد من عرض {توق إلى الأفق}
TT

أعمال تعرض قضايا القارة الأفريقية في أيام قرطاج المسرحية

مشهد من عرض {توق إلى الأفق}
مشهد من عرض {توق إلى الأفق}

افتتح العرض المسرحي الأفريقي «توق إلى الأفق» القادم من بوركينا فاسو، الدورة 19 لأيام قرطاج المسرحية التي تدور فعالياتها في تونس من 8 إلى 16ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وتعرض ثلاثة أعمال أفريقية أخرى قادمة من وراء الصحراء الكبرى خلال هذه المظاهرة المسرحية الأكثر شهرة على المستوى الأفريقي والعربي، وتشمل القائمة مسرحية «بسيكوز 4.48» من ساحل العاج وهي إنتاج مشترك مع فرنسا ومن إخراج «سليمان صو» و«تالا كبوماهو»، ومسرحية «أدجوج» من بوركينا فاسو وهي من إخراج لوكا جي إم فوسي، أمّا المسرحية الثالثة والأخيرة فهي مسرحية «سأقتـل القرد» من مالي للمخرجين «أماندين ساني» و«كوامي فينيون».
وطرح العمل المسرحي الافتتاحي الذي أخرجه «سالينا سانو» وطرح مجموعة من القضايا الجوهرية المتعلقة بالقارة السمراء على غرار الهجرة واللجوء السياسي والحروب الأهلية المدمرة والتوق إلى الحرية والعدالة الاجتماعية.
ووظفت مسرحية «توق إلى الأفق» الحركات التعبيرية الجماعية الراقصة للتعبير عن المعاناة بأشكالها المتعددة واعتمدت بعض المشاهد القوة والقسوة للإشارة إلى عمق المأساة الأفريقية في تضاد كامل مع مبادئ الثورة وإرادة المقاومة وتجاوز الواقع السائد.
وتتناول مسرحية «بسيكوز 4.48» مرض الاكتئاب الذهني الناتج عن الانفصال التام والانزواء عن المحيط العائلي والاجتماعي. وتهتم المسرحية بإفرازات حالة اليأس عندما تهيمن العقلية الانهزامية على معظم أبطال العمل المسرحي. ويعمد مخرج العمل المسرحي إلى تشريك الجمهور في مختلف مراحل العملية الإبداعية لهذه المسرحية وذلك لتحسيسه أو إقناعه بمسؤولية ما يحدث للشخص المنهزم ويتمسك من ثمّة بأمل الحياة والقدرة على تجاوز الصعوبات.
فيما تدور مسرحية «أدجوج» حول «جوب بولما» وهو تقني بشركة مختصة في تصنيع السكر وقد تعرض لطرد تعسفي من قبل مرؤوسيه، مما يضطره إلى العمل في الاختصاص نفسه ولكن بعقد موسمي لا يستجيب لمتطلبات عائلته ودراسة أبنائه كما يجد نفسه عاجزاً عن تسديد أقساط القرض البنكي. وتنطلق رحلة عذاب هذا المواطن عندما يجد نفسه محاصرا بطلبات أبنائه.
أمّا أحداث مسرحية «سأقتل القرد» فتدور حول ثلاثة أصدقاء أفارقة هم: «كوامي» و«جون ماري» و«موسى»، يجمعهم ولعهم بموسيقى «الهيب هوب»... ينظم أحد الهياكل اختبارا للشباب الموهوبين في هذا الفن، لكنّ الاختبار يتزامن مع اندلاع حرب ضروس في المنطقة. يختفي الأصدقاء الثلاثة ليكتشف أهلهم أنّ الأبناء اختطفوا بهدف تجنيدهم وتحويلهم إلى آلة قتل شرسة على الرغم من سنّهم الصغيرة.
وإضافة إلى هذه الأعمال الثلاثة المشاركة في المسابقة الرسمية، يتابع جمهور أيام قرطاج المسرحية عملين أفريقيين خارج المسابقة هما «الخادمات» من كوت ديفوار للمخرج صو سليمان، و«ستموت خلال عشرة أيام» من الكونغو وهي من إخراج جون كلوفيس.
خلال الدورة الجديدة من أيام قرطاج المسرحية التي يسدل الستار عليها يوم السبت المقبل، يتنافس 11 عملا مسرحيا على جوائز «العمل المتكامل» وجائزة «الإخراج» وجائزة «النص»، وجائزة «أحسن أداء مسرحي نسائي»، وجائزة «أحسن أداء مسرحي رجالي». كما تشهد الدورة مشاركة 105 أعمال مسرحية، وتسهم تونس بـ56 مسرحية، وهو ما يفوق نصف الأعمال المسرحية المشاركة، فيما يتوزّع الباقي بين 14مسرحية عربية وخمس مسرحيات أفريقية ونحو و8 مسرحيات من جنسيات مختلفة.
وتدخل تونس المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية بعملين مسرحيين مهمين هما مسرحية «فريدم هاوس» للمخرج الشاذلي العرفاوي ومسرحية «الأرامل» وهي من كتابة وإخراج وفاء الطبوبي.



مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
TT

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)

يُطلق المهندس اللبناني عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية. ليستْ هنا محصورةً في عَكْس وجوهٍ وأشياء تتقاطع ضمن حدودها، فتنتهي الحاجة إليها باطمئنان الرائي إلى مظهره، أو إدخال تعديل عليه، أو بلملمة انعكاسات خارجية. بمَنْحها وَقْعاً جمالياً، تتحوّل إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر، فيستوقفه ليتساءل عن ماهيتها: أهي مرآة أو لوحة فنّية، وماذا لو كانت الاثنتين معاً؟ في «ذا ميرور بروجيكت» بمنطقة مار مخايل البيروتية، مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق.

تتحوّل المرآة إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر (ذا ميرور بروجيكت)

نُسِجت علاقةٌ بالمرايا في داخل الشاب البالغ 37 عاماً منذ المرة الأولى التي تسلَّم فيها مشروعاً وتعذَّر إيجاد مرآة بملامح فنّية. رفض الاكتفاء بزجاج يتيح للآخر رؤية نفسه من خلاله؛ فالمسألة بالنسبة إليه تتخطّى الدور المُعدّ سلفاً، والمَهمَّة الجاهزة. المرايا «فنّ وظيفي»، لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها وتُكافأ ببرودة الناظر إليها. يُحوّل عبد الله بركة الغاليري معرضَه الدائم، فتصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تسرق العين من احتمال الاكتفاء بالنظرة الخاطفة.

المرايا «فنّ وظيفي» لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها (ذا ميرور بروجيكت)

يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» بشغف الفنان الباحث عن لمسة، ويُذكّر بأنّ الهندسة الداخلية تتطلّب عمقاً في النظرة والأفكار، وخَلْق مزاج فنّي خاص. يقول عبد الله بركة: «لا أريد للمرآة أن تتحلّى بدور واحد. ذلك حَدٌّ لها. المرايا هي الأشخاص. أي نحن حين تُرينا أشكالنا وصورنا. وهي انعكاس يمكن أن نشعر به، فإذا بإبهاره الجمالي المُعبَّر عنه في التصميم والكادر، يجَعْل ذلك الشعور متبادَلاً، فيُعدّل حالة نفسية أو يُغيّر نظرة تجهُّم. هذا فعلُ اللون حول المرآة وقالبها. بمجرّد أنها ليست تقليدية، يحدُث الأثر في الناظر».

يُطلق عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية (ذا ميرور بروجيكت)

لم تكن يسيرةً ولادة الغاليري. مخاضُها خليطٌ من إحباط ومحاولة. يعود إلى عام 2019 المفصلي في لبنان. كلّ شيء بدأ يتغيَّر، والمسارات تتّخذ شكل السقوط. لم يدرك مكانه في وطن شديد التقلُّب؛ مباغت، وطافح بالمفاجآت. يروي: «الفراغ كان مميتاً. أشغالٌ توقّفت ومشروعات تبخَّرت. أسوةً بشباب لبناني لمس انسداد الأفق، تراءى منزلي مساحة اختناق. في تلك اللحظة، هبَّ الأمل. اشتريتُ ألواناً ورحتُ أرسم، وصمَّمتُ أشكالاً بالطين، فلمحتُ طريقي».

لا يريد عبد الله بركة للمرآة أن تتحلّى بدور واحد (ذا ميرور بروجيكت)

من الضياع وجد الخطوة الأولى. صقل عبد الله بركة رغبته في النحت وطوَّر مهارته. أنجز الشكل وصبَّ ضمنه المرآة. أراد وضع حدّ لحقيقة أنّ غاليريهات المرايا الفنّية في بيروت نادرة. اليوم، ليس عليه أو على زملاء المهنة البحث الطويل عن مرآة مشتهاة: «تعدّدت أدوات صناعة المرايا وكثَّفتُ العمل. كلما سمعتُ إطراء أردتُ مزيداً منه. في الغاليري أعمالي وأعمال مصمّمين من أميركا وكندا وأفريقيا الجنوبية وتايلاند وهولندا وأوكرانيا... خلف مراياهم قصص. ثمة مرايا مصمَّمة بالأسيد المحروق، وأخرى بالزجاج المُطبَّع، وصنف تتداخل بكادراته ألوان مُبهِجة. ولمّا تعدَّدت أسفاري، تعرَّفتُ إلى مدارس التصميم خصوصاً في ألمانيا وإيطاليا، وتعمّقت في جَعْل هذا الشغف واقعاً. اليوم أقول: أنا شاب لبناني بلغ اليأس. فرغَ العالم من حولي. وشعرتُ بالأبواب الموصدة. ثم نهضت. استراتيجية التفكير تبدَّلت، وأصبحت المعادلة: الآن أو أبداً! انتظار الوقت المناسب يهدر العمر. كل لحظة هي وقتٌ مناسب».

تصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تجذب العين (ذا ميرور بروجيكت)

أمضى شهراً ونصف شهر يُصمّم مرايا بأشكال خلّاقة حتى ساعات الليل المتقدّمة، استعداداً لإطلاق المعرض بعد تأخُّر فَرَضَه الظرف اللبناني. «4 مرايا علّقتُها على جدرانه قبل ربع ساعة من فَتْح الباب للحضور!»، يُكمل ضاحكاً. إحدى الزائرات رمت على مسمعه ما علَّم في أعماقه: «لم نكن نعلم أنّ هذه المرايا حاجة. متى أدخلناها إلى منازلنا أصبحت منّا». ومن كثافة الإقبال وحلاوة الأصداء، يُدرك أنه على السكّة التي نادته، أو ناداها؛ يمنحها كلَّه فتمنحه الإشباع الذاتي.

بعض المرايا بسيط يحوط به كادر يُجمِّل البساطة (ذا ميرور بروجيكت)

بعض المرايا بسيط، يحوط به كادر يُجمِّل البساطة. يتعامل عبد الله بركة مع تصاميمه بما يُبقي على الأساس، وهو المُتوقَّع من المرآة بوصفها زجاجاً يستجيب للانعكاسات؛ لكنه أساسٌ (Basic) لا يكتفي بنفسه، وإنما يتعدّاها إلى الغاية الجمالية والبُعد الفنّي ما دام الزجاج مقولباً بالألوان ومتداخلاً بإطار مُبتَكر. يرى في المرايا حكايات، وإنْ خلت صفحتها من أي شكل: «تُخبرني دائماً بأنّ المشاعر أصدق ما نملك. هي الدافع لنُنجز ما طال انتظاره. باستطاعتها تعويض غياب اللوحة عن الجدار. مشغولة بحبٍّ مماثل».