قلق في آسيا الوسطى من عودة مواطنيها من سوريا

القبض على «داعشي» قرغيزي عاد لتنفيذ «مهام» في بلاده

TT

قلق في آسيا الوسطى من عودة مواطنيها من سوريا

أعلنت السلطات في قرغيزيا السوفياتية سابقاً، الواقعة في آسيا الوسطى، إلقاء القبض على مواطن «داعشي» شارك في القتال في سوريا، وعاد منها إلى بلده بمهمة تشكيل خلايا للتنظيم الإرهابي في بلاده. وقالت لجنة الأمن القومي القرغيزي في بيان رسمي أمس، إن «قوات الأمن، وفي إطار نشاطها في التصدي للإرهاب، والكشف عن وإحباط محاولات تسلل مقاتلي التنظيمات الإرهابية الدولية إلى أراضي الجمهورية، قامت باعتقال مقاتل (داعشي) من مواطني جمهورية قرغيزستان». ولم تكشف لجنة أمن الدولة القرغيزية عن اسم الإرهابي المعتقل، واكتفت باختصار اسمه بحرفي «ن.خ»، وقالت إنه من مواليد عام 1989. وأكدت أن التحقيقات والمتابعة أظهرت أن «الإرهابي المعتقل انضم إلى مجموعات التنظيم الإرهابي الدولي منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016 وحتى سبتمبر (أيلول) عام 2017، حيث اجتاز تدريبات على تنفيذ عمليات تخريبية، وشارك في العمليات القتالية ضد قوات الحكومة السورية».
وتقول لجنة أمن الدولة القرغيزية، إن المواطن «الداعشي» عاد إلى البلاد «بهدف تنظيم نشاط إرهابي سري، وفتح قنوات جديدة لإرسال المقاتلين إلى سوريا». ولم تكشف السلطات الأمنية القرغيزية عن أي تفاصيل إضافية، حول المكان والظروف التي جرت فيها عملية الاعتقال، إلا أنها أشارت إلى فتح ملف قضية جنائية في الواقعة، بموجب الفقرة من قانون الجنايات القرغيزي الخاصة بـ«المشاركة في نزعات عسكرية أو عمليات قتالية على أراضي دولة أجنبية». وأشارت إلى أن التحقيقات مع الموقوف حول نشاطه ما زالت مستمرة.
وتشير تقارير إلى وجود آلاف من مواطني آسيا الوسطى في صفوف تنظيم داعش. وتقول السلطات القرغيزية إن نحو 500 من مواطنيها يقاتلون ضمن صفوف التنظيم في سوريا والعراق. وقالت وزارة الداخلية القرغيزية إنها كشفت العام الماضي عن 200 واقعة نشاط تجنيدي، لجذب مواطنين للمشاركة في القتال ضمن الجماعات الإرهابية خارج البلاد.
وهذه ليست أول مرة تحبط فيها السلطات القرغيزية نشاط مواطن «إرهابي»، التحق بتنظيم داعش وشارك معه في القتال في سوريا. وكانت لجنة أمن الدولة في قرغيزيا قد أعلنت في يوليو (تموز) الماضي عن إحباط عمليات إرهابية كان يخطط لتنفيذها مواطن شارك في القتال في سوريا والعراق. وقالت اللجنة حينها إن الأمن في منطقة «أوش» تمكن من إحباط عمل إرهابي كان في مرحلة التحضير، واعتقل عضواً في تنظيم داعش هو مواطن قرغيزي من مواليد عام 1980، كان يخطط لتنفيذ عمل إرهابي. وأكدت العثور على عبوة ناسفة يدوية الصنع في مقر إقامة المعتقل، وقالت إنه «شارك في النزاعات المسلحة في سوريا والعراق، واجتاز دورات تدريب على القتال وتنفيذ عمليات تخريبية، وكان يخطط لتنفيذ عمل إرهابي على الأراضي القرغيزية».
ونظراً لوجود أعداد كبيرة من مواطنيها في صفوف التنظيمات الإرهابية، تشعر جمهوريات آسيا الوسطى بقلق من احتمال انتقال ظاهرة الإرهاب إلى أراضيها، لا سيما أنها تقع على الحدود مع أفغانستان، حيث تنشط مجموعات إرهابية، بما في ذلك «داعش».
ويزداد القلق في المنطقة بعد الإعلان عن القضاء على «داعش» في سوريا ومن ثم في العراق، ما يعني أن عناصر التنظيم الفارين من هناك سيحاولون العودة إلى بلادهم. ولا يقتصر القلق من هذا التطور على جمهوريات آسيا الوسطى، إذ تعبر روسيا كذلك عن قلقها من هذا التطور المحتمل، لا سيما أن مواطنين روسيين - بصورة خاصة من جنوب البلاد والقوقاز - يقاتلون أيضا في صفوف «داعش».
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حذر خلال قمة قادة دول منظمة شنغهاي في كازاخستان، صيف العام الجاري، من أن «داعش» يعد خطة لزعزعة الاستقرار في جمهوريات آسيا الوسطى، وقال إن «خلايا سرية لتنظيم داعش تم تأسيسها في دول منظمة شنغهاي»، وأكد أن «هذا ما تؤكده التحقيقات الجارية حول عمليات إرهابية وقعت في روسيا، في بطرسبورغ»، في إشارة منه إلى التفجير الإرهابي في مترو المدينة يوم 3 أبريل (نيسان) 2017، والذي تقول السلطات الروسية إن مواطناً قرغيزياً يحمل الجنسية الروسية قام بتنفيذه.
وأضاف بوتين خلال قمة شنغهاي في آستانة، إن التنظيم يعد خططاً لزعزعة الاستقرار في آسيا الوسطى ومناطق جنوب روسيا، ودعا قادة دول المنظمة إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية والاستخبارات لمواجهة تلك المخططات.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».