«جمعة الغضب» تمتد إلى واشنطن.. ومتظاهرون يؤدون «الجُمعة» أمام البيت الأبيض

اصطفاف المئات من المتظاهرين من كافة الديانات وسط حراسات مشددة

أدّى المسلمون صلاة الجمعة في الساحة الشمالية أمام البيت الأبيض. (ا.ف.ب)
أدّى المسلمون صلاة الجمعة في الساحة الشمالية أمام البيت الأبيض. (ا.ف.ب)
TT

«جمعة الغضب» تمتد إلى واشنطن.. ومتظاهرون يؤدون «الجُمعة» أمام البيت الأبيض

أدّى المسلمون صلاة الجمعة في الساحة الشمالية أمام البيت الأبيض. (ا.ف.ب)
أدّى المسلمون صلاة الجمعة في الساحة الشمالية أمام البيت الأبيض. (ا.ف.ب)

تظاهر المئات من الأميركيين أمس الجمعة أمام البيت الأبيض في دعوة دعت إليها بعض المنظمات الحقوقية، والجماعات الدينية الإسلامية، اليهودية، والمسيحية، مطالبين في هتافات واحدة بضرورة تراجع الإدارة الأميركية عن القرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترمب، بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، واعترافه بها عاصمة لإسرائيل.
وبالرغم من تدني درجات الحرارة إلى أربع درجات مئوية (44 فهرنهايت)، والحراسات المشددة على محيط البيت الأبيض، أدّى المسلمون صلاة الجمعة في الساحة الشمالية أمام البيت الأبيض، والتفّ جمع من اليهود والمسيحيين حول المصلين المسلمين، الذين استغرقت صلاتهم 20 دقيقة، ثم واصلوا تظاهراتهم بعد ذلك.
والتقت «الشرق الأوسط» عدداً من المتظاهرين أمس (الجمعة)، الذين أكدوا عدم تعرض السلطات الأميركية لهم، ولم تمانع من أدائهم صلاة الجمعة، بيد أنها أغلقت المنطقة القريبة من أسوار البيت الأبيض، وكذلك الشارع الأمامي (ينسلفانيا أفينيو)، المعروف باصطفاف السياح أمامه والتقاط الصور التذكارية، وذلك تأهباً واستعداداً للمظاهرات والتجمعات أمام البيت الأبيض.
وقال الحاخام فايس متحدث جمعية يهود ضد الصهيونية نكي (NKI)، إن الفلسطينيين لهم حق أصيل في القدس، وهي بلادهم التي لا يحق لأحد أن يظلمهم فيها، وقد عاش الفلسطينيون على مدار التاريخ بكافة الأديان والأطياف جنباً إلى جنب، ولم يتغير شيئ من حقوقهم، إلا أن قرار الإدارة الأميركية الأخير يسلبهم هذا الحق.
وأكد فايس لـ«الشرق الأوسط»، أن جمعية يهود ضد الصهيونية تقف وبكل قوة ضد قرار الرئيس دونالد ترمب، وتؤيد الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه، مضيفاً: «نحن نقف اليوم كيهود أمام البيت الأبيض لقول كلمة الحق، ولا يمكن تهويد القدس ومنحها لإسرائيل، وهذا مخالف للديانة اليهودية بالكامل، ولا نعترف بذلك».
بدورها، عارضت بيرل دان عضو منظمة التحرر الاشتراكية الأميركية، قرار الرئيس الأميركي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، دون أدنى مراعاة لمشاعر الشعب الفلسطيني، مشددة خلال حديثها إلى «الشرق الأوسط»، على ضرورة تراجع الإدارة عن هذا القرار، ومنح الفلسطينيين حقوقهم المسلوبة.
وأضافت: «الفلسطينيون لهم حقوقهم التي يجب أن تعود إليهم، وليس إنصافاً سلبهم هذه الحقوق، وما اتخذته الإدارة الأميركية يعارض كافة أشكال الجهود المبذولة في عملية السلام بالشرق الأوسط».
فيما أكد روبرت مكاو مدير قسم العلاقات الحكومية والخارجية في مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير)، أن المظاهرات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني لن تتوقف بل ستستمر حتى تتراجع الحكومة الأميركية عن قرارها بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والعودة إلى المفاوضات بين الطرفين.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن الغضب الفلسطيني ومساندة الشعب الأميركي بكافة أطيافه بالتظاهر أمام البيت الأبيض، هو اعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، ومعارصة لقرار الرئيس ترمب، مضيفاً: «سنطالب بإلغاء القرار من بدايته في الكونغرس، وسنواصل المطالبات السياسية الرسمية بهذا الخصوص، إذ لا يمكن الاعتراف بطرف واحد في القضية دون الآخر».


مقالات ذات صلة

رئيسة وزراء الدنمارك رداً على ترمب: «غرينلاند ملك لأهلها»

أوروبا علم غرينلاند يظهر في قرية إيغاليكو (أ.ب)

رئيسة وزراء الدنمارك رداً على ترمب: «غرينلاند ملك لأهلها»

أكدت رئيسة وزراء الدنمارك، الثلاثاء، أن مستقبل غرينلاند يقرره سكانها، بعد أن اقترح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الاستحواذ على الإقليم.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
المشرق العربي مقاتلان من الفصائل الموالية لتركيا في جنوب منبج (أ.ف.ب)

تحذيرات تركية من سيناريوهات لتقسيم سوريا إلى 4 دويلات

تتصاعد التحذيرات والمخاوف في تركيا من احتمالات تقسيم سوريا بعد سقوط نظام الأسد في الوقت الذي تستمر فيه الاشتباكات بين الفصائل و«قسد» في شرق حلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد أوراق نقدية من فئة الجنيه الإسترليني (رويترز)

الجنيه الإسترليني يرتفع لأعلى مستوى في أسبوع

ارتفع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.25 في المائة إلى 1.2548 دولار، بعد أن وصل إلى 1.2562 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ 31 ديسمبر (كانون الأول).

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد لوحة أسعار الأسهم بعد مراسم بدء التداول لهذا العام في بورصة طوكيو (أ.ب)

الأسواق الآسيوية ترتفع بتفاؤل حيال سياسة تجارية أقل صرامة من ترمب

ارتفعت الأسهم الآسيوية يوم الثلاثاء بدعم من تفاؤل المستثمرين بتبني الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، سياسة تجارية أقل صرامة من المتوقع.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب جونيور (أرشيفية- رويترز)

نجل ترمب يزور غرينلاند بعد تصريحات والده حول السيطرة عليها

يتجه دونالد ترمب جونيور، إلى غرينلاند؛ حيث يزور الإقليم الدنماركي بعد أسابيع من تجديد والده اقتراحاته بأن الولايات المتحدة قد تتمكن بطريقة ما من السيطرة عليه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟