طريق غسان سلامة لحل المعضلة الليبية

مبعوث الأمم المتحدة فصّل في لقاء مع «الشرق الأوسط» رؤيته للتسوية

غسان سلامة لدى وصوله إلى بنغازي نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
غسان سلامة لدى وصوله إلى بنغازي نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

طريق غسان سلامة لحل المعضلة الليبية

غسان سلامة لدى وصوله إلى بنغازي نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
غسان سلامة لدى وصوله إلى بنغازي نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)

بحركات يدٍ تمسك بمسبحة، وبكلمات حاسمة تغترف من قاموس دولي، كشف مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة، عن ثلاث ركائز للحل، من أجل الوصول بهذه الدولة الغارقة في الفوضى منذ 2011 إلى بر الأمان. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الركائز هي الدستور والانتخابات والمصالحة الوطنية.
لكن ليس من السهل حل هذه القضايا كلها، بما فيها من تفاصيل صغيرة محيِّرة، في ظل انقسام لمؤسسات ليبيا بشكل لم يشهده لا العراق في فترة ما بعد الغزو الدولي، ولا لبنان في زمن الحرب الأهلية، وفقا لخبرة سلامة نفسه في هاتين الدولتين، وفي أحداث كبيرة أخرى تعامل معها في حينها.
وفي القاهرة التي ترعى محاولات يقوم بها ضباط ليبيون لتوحيد الجيش الليبي، استمع سلامة البالغ من العمر 66 عاماً، إلى قادة في وزارة الدفاع المصرية، وفي وزارة الخارجية أيضاً، وأعرب عن أمله في أن تكون جهود القاهرة نموذجاً لتوحيد مؤسسات أخرى مدنية، قائلا بنبرة قلقة إن استمرار الانقسام «يزيد من إرباك الدولة المركزية في ليبيا».
وتولى سلامة، وهو وزير لبناني سابق وأكاديمي مخضرم، منصبه بصفته مبعوثاً أممياً في سبتمبر (أيلول) الماضي. وهو الشهر نفسه الذي قدم فيه خطة للحل في ليبيا، وافق عليها كل من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ومنذ ذلك الوقت زار مصر، الجارة التي تعاني من جراء غياب سلطة قوية في ليبيا، مرتين، كانت أحدثهما الأحد الماضي.
وقضى المبعوث الأممي أقل من يومين في اجتماعات مكثفة، وفي لقاءات مع أطراف في الحكومة المصرية وفي الجامعة العربية وغيرهما. ثم استقل الطائرة إلى تونس حيث ينتظره فرقاء ليبيون هناك أيضاً، لكن وجوده في القاهرة كان يحمل تطلعات وتصميماً على حل المعضلة التي تعصف بحياة الليبيين.
ويقول مستعيداً مشاهد عن تردي الخدمات ونقص السيولة في البنوك، رآها أثناء تجوله في شوارع طرابلس، إن مساعيه تتركز الآن على إيجاد «حكومة من أجل تسيير حياة المواطنين فيما تبقى من المرحلة الانتقالية التي تنتهي في سبتمبر 2018... الناس في حاجة للصحة والتعليم... هذا سيكون جيداً كذلك للنسوة الليبيات اللائي يقفن ليومين أمام مصرف للحصول على 25 دولاراً من مدخراتهن».
ويسعى سلامة إلى استكمال مهمة الأمم المتحدة التي توصلت في 2015، إلى توقيع اتفاق الصخيرات بين إخوة أعداء في ليبيا. ونتجت عن ذلك الاتفاق بنود عدة، من بينها تشكيل مجلس رئاسي وحكومة وفاق. وبعد نحو عامين من الجهود، ما زالت السفينة الليبية تتقاذفها الأمواج من دون أن تصل بعد إلى بر الأمان. وهو يريد أن يعيد ترتيب الأمور، لكن ليس من خارج الاتفاق السياسي، وإنما من داخله. وهذا ربما يتطلب مهارة جراح، لأن الوضع معقد، وطموحات الليبيين كبيرة ومتعجلة ومثيرة للارتباك أيضاً.
وضع الرجل السبحة ذات اللون الأخضر الغامق على الطاولة، ونظر إلى ساعته ثم إلى النافذة، حيث طرق القاهرة المزدحمة، فأمامه موعد للحاق باجتماع مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، واجتماعات أخرى كثيرة، بينها مائدة مستديرة لمعنيين بشأن هذه الدولة الأفريقية الغنية بالنفط. وقال إن إحدى مشكلات اتفاق الصخيرات «عدم الانفتاح بصورة كافية على شرائح المجتمع الليبي».

أنصار النظام السابق
وقبيل وصوله إلى القاهرة بساعات، كان هناك حديث يتردد بين قادة ليبيين عن أنه يفترض أن يكون لسلامة موعد مع عدد من ممثلي ما يسمى بأنصار النظام السابق، ممن يقيمون في مصر. لكنه يوضح أن هذا الموضوع غير مطروح في هذه الزيارة. وهذا لا يعني أنه لا يريد أن يلتقي بهذه الفئة. فقد سبق أن تناول طعام العشاء في تونس مع 35 من قيادات النظام السابق الأسبوع الماضي، واستمر النقاش هناك لأكثر من ثلاث ساعات.
يشرح سلامة الموضوع: «لقد قلت في تغريدتي الأولى (على «تويتر»)، عندما تسلمت هذا المنصب قبل أربعة أشهر. أنا في خدمة الليبيين، ومستعد للقاء بهم من دون أي استثناء. وأنفذ ذلك يومياً. أما بالنسبة إلى زيارة القاهرة التي هي أقل من 48 ساعة، فسببها أنني مضطر إلى أن أكون غداً في تونس في الساعة الثانية صباحاً، ولذلك كان الجزء الأكبر من وقتي للتشاور مع الإخوة في الحكومة المصرية».
كانت زيارته الأولى للقاهرة بعد تولي المنصب قبل نحو ثلاثة أشهر. وخلال هذه المدة شهدت المنطقة أحداثاً عدة كبيرة أثارت انتباه العالم، ففي مصر مثلاً كان هناك حادثان إرهابيان في منطقة الواحات غرباً وفي سيناء شرقاً، سقط فيهما أكثر من 300 قتيل. كما شهدت ليبيا نفسها تقلبات لافتة، ضمن موجة مفاجآت أخرى لا تهدأ في منطقة الشرق الأوسط.
يقول سلامة: «أعتقد أنه بعد الأحداث الجسيمة التي حصلت في الواحات وسيناء، وبعد التطورات التي حدثت أيضاً على الساحة الإقليمية، وكذلك داخل ليبيا، كان عليّ أن أخصص هذه الزيارة بالذات للإخوة في مصر، وللجامعة العربية، لأن هذه هي الأفضلية».
وحول ما يخص أي لقاءات مع الليبيين في مصر، يضيف: «آمل بأن أعود إلى القاهرة، وأن ألتقي مع عشرات من الإخوة الليبيين من أصل مئات الألوف الذين يعيشون في مصر. وهذا ما أقوم به تقريباً في كل بلد أزوره... أنا لا ألتقي فقط عناصر النظام السابق، ولكن أيضاً عناصر النظام الأسبق، من ملكيين ومن أنصار الشرعية الدستورية. أنا ألتقي مع الليبيين من دون استثناء، لأنه لا يهمني على الإطلاق ماضي أي فرد ليبي، ولكن يهمني مستقبل البلاد».
ويصفُ سلامة المسار السياسي، حين يتم إطلاقه في أي بلد، ليبيا أو غير ليبيا، بأنه «مثل الزهرة التي في منزلك... إن لم تصنها، يومياً، فهي تذبل وتموت. كيف تجعلها لا تذبل ولا تموت؟ بأن تُدخل باستمرار مزيداً من شرائح المجتمع. أنا أريد لكل الليبيين أن يتبنوا الحل السياسي، ولا أريد أن يكون الحل السياسي حكراً على فئة، أو على شريحة معينة». وأضاف: «أريد كل الليبيين أن يقبلوا بأمرين... أولاً، ألا عودة للماضي، وثانياً أن بناء المستقبل يتم بالتشاور والتفاوض، وليس بالسلاح».
وتعد ليبيا واحدة من دول «الربيع العربي» التي تفجرت فيها انتفاضات للتغيير شملت مصر وتونس وسوريا واليمن، إلا أن هذه الموجة تركت بلاداً منقسمة على نفسها، أو تعاني من تداعيات اقتصادية، خصوصاً تلك التي تعتمد على السياحة الأجنبية، مثل مصر التي ما زالت تكافح لإصلاح الوضع المالي والأمني.
ومن مقر إقامة سلامة في القاهرة، بدا الفندق الذي كان فيما مضى يعج بالسياح، خاوياً مثل فنادق أخرى كثيرة، ليعبِّر هذا المبنى المزخرف بصفوف الزهور المهجورة والمقاعد الشاغرة، عن سنوات الجدب التي يشهدها القطاعي السياحي منذ 2011.
وتحاول تونس أن تتعافى، بينما انفلت زمام الأمور في سوريا واليمن. وتعرضت مدن ليبية عدة للدمار، بيد أنَّ المقاربات السياسية التي يقوم بها سلامة في هذا البلد يمكن أن تضع حداً للمأساة. وبعد لحظات من الصمت والتأمل مع فنجان القهوة، يؤكد المبعوث الأممي مجدداً أن «انغلاق الاتفاق السياسي على نفسه يجعله يذبل».
وأضاف أن «كل انفتاح هو من أجل المستقبل»، قبل أن يشدد على هذه النقطة بقوله وهو يرفع حاجبيه إلى أعلى: «مرة أخرى... كل ليبي يقبل بأنه يريد أن يبني المستقبل، وليس أن يسترجع الماضي. وكل ليبي يقول إنه مستعد للتخلي عن أي عمل عسكري، ويريد الانخراط في العمل السياسي، ترشيحاً، وتصويتاً، وممارسة، وتحزباً، وما شابه، فيدي في يده. لذلك ليس الموضوع مطروحاً أنني سأقابل ملكياً أو قذافياً. أنا أقابل الملكيين وأقابل القذافيين».

توحيد الجيش
هناك أسباب عدة لزيارة سلامة الأخيرة للقاهرة، بينها لقاؤه مع قادة في الجيش المصري. فالملف الليبي انتقل هنا، مؤخراً، من يد الفريق محمود حجازي، الرئيس السابق للجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا، إلى رئيسها الجديد اللواء محمد الكشكي. واجتمع سلامة مع اللواء الكشكي الأحد الماضي، وأكد الأخير أن الجهود التي تقوم بها بلاده تندرج تحت مظلة الأمم المتحدة لإحلال السلام في ليبيا. ويقول سلامة إنه لم يلحظ اختلافاً جوهرياً بين الفريق حجازي واللواء الكشكي. «لكل شخص شخصيته. مؤسسة الجيش في مصر مؤسسة متكاملة، متضامنة، ولها عقيدتها، فلا أرى تحولاً في هذه العقيدة».
وتطرق المبعوث الأممي إلى دور مصر في عملية توحيد الجيش الليبي، ووصفه بأنه «دور مميز نتمنى له النجاح فعلاً». وأعرب، علاوة على هذا، عن رغبته في البقاء «على بيِّنة أوضح لما هو حاصل فعلا على الأرض بالنسبة إلى الأوضاع الأمنية والعسكرية» في ليبيا. ويبدو من كلمات سلامة، عموماً، أن مشكلة انقسام المؤسسات تمثل هاجساً كبيراً لديه. فحتى المصرف المركزي يعاني من انقسام يؤثر بالسلب على الاقتصاد وعلى حياة ملايين الليبيين.
«أنا بحاجة إلى ذلك»، يقول سلامة في معرض حديثه عن توحيد الجيش الليبي. ويستحضر تجارب دول عمل فيها ومرت بفوضى عارمة، لكن مؤسساتها لم تنقسم بمثل هذه الطريقة التي تعصف بالسفينة الليبية. ويوضح: «أنا قادم من بلد اسمه لبنان، عاش 15 عاماً من الحرب الأهلية المدمرة، ذهب ضحيتها 130 ألف لبناني، ولكن لم ينقسم المصرف المركزي. أنا عملت في العراق، حيث حصلت أشياء خطيرة، ولم ينقسم المصرف المركزي. في ليبيا انقسم المصرف المركزي. فهناك مؤسسة في مدينة البيضاء وأخرى في طرابلس. إذن أنت بحاجة لكي تبدأ بعملية توحيد المؤسسات في ليبيا. إذا كانت مصر تساعدك في توحيد إحدى هذه المؤسسات الأساسية في ليبيا، وهي الجيش، فأنت بحاجة إلى أن تدعم هذا التوجه، لأنك تعلم أنه قد يكون نموذجاً ومثالاً لتوحيد مؤسسات أخرى مدنية في ليبيا».
وحين انقسم الجيش الليبي، انقسم بطريقة لم تعرفها دول كثيرة مرت بأحداث مماثلة. ففي شرق ليبيا يوجد مقر الجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر. وفي الغرب هناك قوى عسكرية مثل الجزر المنعزلة. ويقول سلامة: «أنت، في ليبيا، لست أمام نصفي جيش... هناك كتلة جيش موحدة في الشرق، إلى حد كبير، وهناك تفرُّق أكثر في الغرب. يعني هناك بلدان ينقسم فيها الجيش إلى قسمين، قسم هنا وقسم هنا. وأمر توحيده يتم بطريقة غير الطريقة التي تتم بها محاولة توحيد جيش نصفه منقسم ولكن متشظٍ، ونصفه الثاني متوحد»، كالحالة الليبية.
ومن شرفة في أعلى الفندق الذي يقيم فيه كان يمكن أن ترى «برج أم كلثوم» في ضاحية الزمالك، ومن ورائه تمتد الكتل الخرسانية حتى أطراف مدينة الجيزة، حيث جرى هناك، قبل 77 عاماً، تأسيس الجيش الليبي للمرة الأولى. وحالياً تحاول مصر أن تساعد الليبيين لإعادة الجيش ككتلة واحدة مرة أخرى.
ويقول سلامة، وهو يتطلع إلى المباني الغارقة في الضباب: «أنا لا أسعى أبداً إلى انتصارات وهمية سريعة. أسعى إلى إرساء مؤسسات ثابتة لها طابع الديمومة. لذلك اهتممت مثلاً بعملية توحيد الجيش، وأعمل جاهداً على توحيد عدد كبير من المؤسسات الأخرى». ثم يضيف بعزم واضح: «أنت، اليوم، أمام مشروع طويل».
ومع ذلك يوجد قدر من التفاؤل. يقول: «في مصر، أرى أن هناك سيولة كبيرة في الفترة الأخيرة. ماذا أرى؟ أرى في مصر انفتاحاً حقيقياً على ضباط خارج ضباط المشير حفتر. والانفتاح على مناطق قيل (في السابق) إنها عصية على أي تواصل مصري. ووجدت عند هؤلاء الضباط الذين أقابلهم قدراً من الاهتمام بنجاح المبادرة المصرية في هذا المجال».

متغيرات حفتر
حتى بالنسبة إلى حفتر الذي كانت زياراته الدولية محدودة، أصبحت في الفترة الأخيرة أكثر من السابق. فبالإضافة إلى دول عربية حليفة عدة له، ظهر في موسكو وباريس وروما، وهي عواصم كانت تبدو غير مرتاحة له في الماضي. كما استقبل مسؤولين من دول أوروبية في مقره في قاعدة الرجمة العسكرية قرب بنغازي.
ويعلق سلامة على هذا المتغير اللافت في الشهور الأخيرة قائلاً: «ربما هناك مرحلة بدأت قبل أن أصل إلى ليبيا، لذلك لا أدَّعي أن لي علاقة بها، لكنها مرحلة بدأت قبل أشهر، فيها قدر أكبر من السيولة... كما أن من كانوا وراء حفتر يسعون إلى توسيع رقعة علاقاتهم في ليبيا، ومن كانوا بعيدين جداً عن حفتر، أقاموا علاقات معه».
وينظر المبعوث الأممي إلى هذا الأمر باعتباره تعبيراً عن «نوع من جنوح عام نحو قدرٍ من الواقعية». ففي مصر، وفي الدول التي أيدت حفتر منذ اليوم الأول، وكذلك في الدول التي خاصمته منذ اليوم الأول، يرى سلامة أن «هناك نوعاً من التلاقي التدريجي على فكرة أنه، من جانب، ليس هناك حل عسكري في ليبيا، ومن جانب آخر، لا يمكن تجاهل المشير حفتر كقوة حقيقية على الساحة الليبية. أعتقد أننا اقتربنا من نقطة الالتقاء هذه بين مختلف الدول المعنية بليبيا، وهذا الأمر مفيد للتوصل إلى حل سياسي».

شكاوى الجيران
من خلال المناقشات المطولة التي أجراها سلامة، سواء في وزارة الخارجية المصرية أو غيرها، لمس تخوفاً من انتشار ملايين من قطع الأسلحة في بلد بلا سلطة موحدة أو قوية. ويقول: «إذا كنت جاراً لبلد فيه 23 مليون قطعة سلاح، وهناك دولة غير قادرة على جمع هذا السلاح أو ضبطه، فمن حقك المشروع أن تقوم وتقول أنا أريد أن أحمي حدودي».
وسمع سلامة من المصريين، أنهم شهدوا في الفترة الأخيرة تكثيفاً لدخول «الممنوعات» من ليبيا، في إشارة إلى الأسلحة والمتطرفين. وهي مشكلة اشتكى منها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرات عدة. ويقول سلامة إن «حدود مصر مع ليبيا طويلة، والدولة المصرية تتكلف مئات الملايين من الجنيهات للدفاع عن حدودها الغربية ولمراقبتها».
وهناك شكاوى مماثلة من الجزائر وتونس. ويزيد سلامة موضحاً أن «هذا الأمر صحيح أيضاً بالنسبة إلى الجزائر. حدثني رئيس حكومة الجزائر عن مبلغ خيالي هو تكلفة نشر الجيش الجزائري على الحدود مع ليبيا. أما تونس فحدث ولا حرج. هم أيضاً على تماس مباشر. الدول التي هي على تماس مباشر مع الحالة الليبية، لديها مخاوف حقيقية وشرعية».
القضية تؤرق كذلك القارتين الأفريقية والأوروبية. ولهذا يسعى المبعوث الأممي إلى تحريك الرباعي الدولي المهتم بالشأن الليبي، الذي يضم كلا من الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي. ويضيف أن «الأفارقة يريدون أن يذكرونا، بحق، بأن ليبيا دولة أفريقية، وكان لها دور في أفريقيا. الأوروبيون يقولون إن ليبيا دولة مجاورة، ولهم مصالح وتخوفات، مثل الإرهاب والهجرة وغيره. وبالطبع بالنسبة إلى جامعة الدول العربية، ليبيا تعد مهمة للجامعة. وأنا كنت في لجنة إصلاح الجامعة، فلا يمكن أن أتجاهل الجامعة أساساً».

الطريق إلى الانتخابات
يخشى الدكتور سلامة من أن يكون الاحتكام إلى الانتخابات في البلدان التي تشهد نزاعات مجرد هروب إلى الأمام. ومن خلال حديثه يمكن أن تستشف تأثره بفترات عمله في مناطق صعبة منها العراق، حيث كان ضمن وفد الأمم المتحدة إلى هذا البلد بعد الاحتلال الأميركي في 2003.
ويقول: «أنا لست من ممارسي الانتخابات باعتبارها الفن للفن. أحياناً الانتخابات هروب للأمام، لأنك لا تجد حلاً. وأنا لست من أنصار هذا الحل. أقول لك، في العراق، أول انتخابات بعد الغزو كنت ضدها. لأنني لم أجد أن هناك القدر الكافي من الحرية عند الناس كي يترشحوا ويصوتوا. وطلبت تأجيلها. وهناك حالات كثيرة مماثلة في العالم. في أنغولا وفي الجزائر، وغيرها».
وفي الحالة الليبية يريد سلامة أن يكرر التجربة التونسية التي كان طرفاً فيها قبل ثلاث سنوات. ويقول: «عندي تجربة بسيطة ومتواضعة أتكلم عنها بفخر. في سنة 2014 تمكنا من جمع كل قادة الأحزاب الأساسية في تونس. جاءوا إلى دار البلدية، ووقَّعوا أمام كل كاميرات العالم على تعهد بقبول نتيجة الانتخابات قبل إجرائها... سأقول بصراحة. نعم أسعى لهذا الأمر في ليبيا».
ويريد الرجل أن يضمن قبول الأطراف الأساسية في ليبيا، عن قناعة، بنتائج الانتخابات، أياً كانت، وإلا ستكون العملية برمتها غير مضمونة، و«مغامرة غير محسوبة». ففي ليبيا اليوم برلمانان وثلاث حكومات، و«نحن لا نريد لا حكومة رابعة ولا برلماناً ثالثاً». ويضيف أن الصراع الحالي في ليبيا يجري على «سلطة غير موجودة، فلنوجد السلطة قبل أن نتصارع عليها».
ماذا يريد أن يفعل سلامة في ليبيا التي أصبحت تفتقر لأي تراث ذي شأن فيما يتعلق بالعمل المؤسسي؟ يقول: «أولاً: أنت تريد دستوراً. ثانياً: أنت تريد انتخابات حرة ونزيهة وإيجابية، وليست سلبية. وثالثاً: أنت تريد مصالحة وطنية في مجتمع متشظٍ. أنا أعمل على هذه الأشياء». ويرى بيقين وثقة أن «هذه النقاط، وكل ما يتعلق بها، قادرة على أن تؤمِّن فعلا عدم فتح مرحلة انتقالية جديدة، وإنما الانتقال إلى مرحلة ثابتة».
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف بدأ يحاول استخراج حكومة «مؤقتة» من قلب الاتفاق السياسي. حكومة تهتم بالأحوال المعيشية للناس، بينما يستمر عمله على الأمور الأساسية إلى نهاية المرحلة الانتقالية في سبتمبر المقبل. لكن هذه المحاولة يبدو أنها ما زالت تراوح مكانها، حيث اصطدمت بتفسيرات ليبية يمكن أن تخرجها عن هدفها، لأن البعض اعتقد أن الحكومة المؤقتة، التي يسعى إليها، ستكون حكومة دائمة.

معضلة 17 ديسمبر
ويمثل يوم 17 من الشهر الجاري معضلة يدور حولها لغط ليبي كبير. فهو موعد انتهاء عمل حكومة المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج، وفقا لما حدده اتفاق الصخيرات، لكن هناك تفسيرات مغايرة تقول إن بدء العد التنازلي لعمل السراج يكون من لحظة تصديق مجلس النواب على حكومته، وهو أمر لم يحدث منذ تولي السراج للمسؤولية في مثل هذا الوقت من عام 2015.
بيد أنَّ سلامة لا يعطي أهمية كبيرة لهذا الموضوع. ويقول: «نحن خارج هذه النزاعات القانونية، وهذا الجدل». ويضيف أن «هناك آراء تقول إن كل شيء ينتهي في 17 ديسمبر، وآراء تقول إن الحكومة لم تبدأ كي تنتهي في 17 ديسمبر. وهناك من يقول إن كل شيء ينتهي إلا أنا، وهناك من يقول إن حكومة الاتفاق تنتهي، لكن الاتفاق السياسي يظل».
ويتابع سلامة موضحاً: «أنا اقترحت على مجلس الأمن أن نذهب باتجاه تنفيذ خطة العمل، متجاوزين هذا التاريخ، وعدم اعتباره تاريخاً لانتهاء أي شيء أو بدء أي شيء. نحن نذهب إلى المصالحة الوطنية، واختيار دستور للبلاد، وانتخابات عامة، ونركز على هذا الأمر، ويستمر الوضع الحالي، حتى التوصل إلى هذه البنود الثلاثة، وآمل أن يتم ذلك في غضون عشرة شهور من الآن، على الأكثر».



خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.