ماكرون يغادر الجزائر دون «توبة» عن ماضي فرنسا الاستعماري

ناقش مع بوتفليقة الأزمة الليبية ومكافحة الإرهاب

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه مع رئيس الوزراء أحمد أويحيى في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه مع رئيس الوزراء أحمد أويحيى في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يغادر الجزائر دون «توبة» عن ماضي فرنسا الاستعماري

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه مع رئيس الوزراء أحمد أويحيى في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه مع رئيس الوزراء أحمد أويحيى في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته، أمس، إلى الجزائر إنه جاء إليها «كصديق، فما يجمع بلدينا هو الصداقة وشراكة استراتيجية، ومن المنتظر أن نتخذ قرارات مهمة في المستقبل بخصوص التعاون».
والتقى ماكرون نظيره عبد العزيز بوتفليقة في منزله في زيرالدة غرب العاصمة، في لقاء استغرق نحو الساعة، علماً بأن بوتفليقة الذي يتولى السلطة منذ 1999، لا يستقبل إلا القليل من القادة الأجانب منذ إصابته بجلطة دماغية في 2013. ولم يسمح للصحافيين بتغطية اللقاء الذي نشرت وكالة الأنباء الجزائرية صورة له بدا فيها الرئيسان جالسين وبينهما طاولة.
وصرح ماكرون في إعلان وجيز إثر اللقاء: «بحثنا مواضيع دولية... والتوصل إلى حل الأزمة الليبية ومكافحة الإرهاب في شريط الساحل والصحراء». كما شملت محادثات ماكرون بعض المسؤولين الجزائريين، وبينهم رئيس الوزراء أحمد أويحيى، وناقش معهم خصوصاً الأزمات في منطقة الساحل وليبيا، التي تثير قلق باريس والجزائر.
وأعلن ماكرون عن مقترح «صندوق فرنسي للاستثمار لمرافقة الشركات الفرنسية التي تملك مشروعات في الجزائر»، وقال بهذا الخصوص: «أريد تطوير مجالات التكوين إذا كنا نرغب في إطلاق مزيد من المؤسسات الصغيرة بالجزائر». كما تحدث عن إنشاء «مدرسة لتكوين الشباب الجزائري في مجال الرقمنة، قريباً»، مشيراً إلى عزمه التعامل بـ«مرونة أكبر» مع ملف تأشيرات الدخول إلى فرنسا، التي يتعاظم عليها الطلب جزائرياً من سنة لأخرى.
وأعلن ماكرون عن رغبته إجراء زيارة دولة للجزائر في 2018، كما أعلن استعداده تسليم الجزائريين جماجم قادة ثورات شعبية قامت ضد الاستعمار في القرن التاسع عشر، توجد حالياً في متحف باريس.
وحرص الرئيس الفرنسي على التأكيد على أنه «لا ينتمي لجيل الاستعمار، فأنا لم أعِشْ هذه الحقبة ولا علاقة لي بها، وماضي فرنسا في الجزائر لا يشكل بالنسبة لي أية عقدة».
وغادر ماكرون الجزائر الليلة الماضية دون أن يقدم على خطوة جريئة فيما يرتبط بقضايا «الذاكرة»، التي تعني بالنسبة للجزائريين اعترافاً صريحاً بأن فرنسا ارتكبت جرائم خلال فترة استعمار الجزائر، كما تعني تقديم اعتذار عن هذه الجرائم.
ومنعت قوات الأمن الجزائرية أمس مظاهرة نظمها مواطنون عاديون رفضوا زيارة ماكرون عندما كان بصدد التجول في أشهر شوارع العاصمة.
وبخصوص «الذاكرة» قال ماكرون في مقابلة مشتركة مع صحيفتي «الخبر» و«الوطن» المحليتين، نشرت أمس: «أعرف التاريخ، لكني لست رهينة الماضي. العلاقات الجديدة التي أود بناءها مع الجزائر، والتي اقترحها على الطرف الجزائري هي علاقة شراكة ند للند، نبنيها على أساس الصراحة والمعاملة بالمثل والطموح»، وفهم من كلامه أن الاستثمار والمشاريع والتجارة مواضيع سابقة على قضية «الذاكرة».
وأفاد الرئيس الفرنسي: «لدي نظرة رجل من جيلي... نظرة رئيس تم انتخابه على أساس مشروع انفتاحي. أنا أعرف التاريخ ولكنني لست رهين الماضي. لدينا ذاكرة مشتركة، ويجب أن ندرك ذلك»، مشيراً إلى أن بلده «يعتزم بناء محور قوي مع الجزائر، محور البحر المتوسط يمتد إلى أفريقيا، صحيح أن العراقيل موجودة وعلينا تخطيها مع كل الفاعلين في مجتمعينا، ولذلك ينبغي علينا أن نشتغل على ملفات التعليم وتطوير الاقتصاد والمبادلات الثقافية. شباب البلدين هم مفتاح مستقبلنا».
وأضاف ماكرون: «على الجزائر أن تنفتح أكثر. هناك العديد من العراقيل التي تعيق الاستثمار فيما يتعلق بمراقبة المساهمات وقواعد سعر الصرف في الجزائر»، مشيراً إلى أن فرنسا تعد «أول شريك أجنبي في الجزائر خارج قطاع المحروقات، ما يمثل مخزون استثمارات فرنسي يقدر بـ2.3 مليار يورو. وهذا المخزون ارتفع بـ4 في المائة مقارنة بعام 2015. واستثماراتنا متنوعة، خصوصاً في مجال المصارف والصناعة الغذائية، وخصوصاً في مجال صناعة السيارات والصناعات الكيميائية، ونحن نعتزم نقل المهارات والتكنولوجيا إلى الجزائر... وتعاوننا ينبغي أن يتوجه إلى قطاعات أخرى مثل الطاقات المتجددة».
من جانب آخر، دعا ماكرون في المقابلتين، إلى حوار مباشر بين الجزائر والمغرب بخصوص خلافهما حول نزاع الصحراء، وقال في هذا الشأن: «نقف على مسافة واحدة من أطراف نزاع الصحراء، وموقفنا معروف ولن يتغير. الحوار بين الجزائر والمغرب حول هذه المسألة أمر رئيسي، وعلى البلدين أن يعملا على حل هذه الأزمة التي تعد تحدياً كبيراً من أجل اندماج المغرب العربي، فهي سبب انسداد اقتصادي كبير بالمنطقة، وأتمنى أن يتمكن المغرب والجزائر من تخطي خلافاتهما من أجل بناء صرح مغاربي قوي وموحد ومزدهر».
واعتقلت قوات الأمن ناشطين بشبكة التواصل الاجتماعي، أطلقوا حملة منذ يومين لمقاطعة زيارة ماكرون.
وجرى الاعتقال عند مدخل شارع العربي بن مهيدي (يحمل اسم أشهر 6 رجال فجروا حرب التحرير من الاستعمار)، حيث نظمت السلطات الجزائرية استقبالاً شعبياً كبيراً للضيف الفرنسي غير العادي.
وعلّق عبد الرزاق مقري، رئيس الحزب الإسلامي المعارض سابقا «حركة مجتمع السلم» على الزيارة التي دامت 10 ساعات فقط: «تعيش فرنسا أزمة اقتصادية كبيرة عجزت عن حلها. وهذه الأزمة هي التي جاءت بماكرون كرئيس لفرنسا قدمته اللوبيات المالية على أنه منقذ اقتصاد بلده. فرنسا تريد أن تحل أزماتها على حساب مستعمراتها القديمة، بواسطة عملائها ولوبياتها داخل دول هذه البلدان. وتعتبر الجزائر من أكبر المستعمرات المؤهلة لإنقاذ الاقتصاد الفرنسي من مشكلاته، فالبحبوحة المالية التي عرفناها في السنوات الأخيرة أسهمت كثيراً في تحريك مصانع فرنسا، ومستثمراتها الزراعية ومؤسساتها الخدمية. ويكفي أن نعلم بأن 60 في المائة من حاجاتنا من القمح و80 في المائة من حاجاتنا من الحليب، تأتي من فرنسا»، مشيراً إلى أن السلطات الجزائرية «منحت لصناعة السيارات الفرنسية سوقاً لم تكن تحلم بها عن طريق الاستيراد وخديعة التركيب، وكذا إنقاذ شركات فرنسية مفلسة بإعطائها مشاريع ضخمة».
وأوضح مقري أنه «لو كان الاقتصاد الجزائري اقتصاداً وطنياً حقيقة لاستعملت الأموال، التي تمكنت منها فرنسا لتحقيق الأمن الغذائي، والانطلاق في صناعة اندماجية ناقلة للتكنولوجية، وشراء تلك الشركات بدل إنقاذها». وتساءل على سبيل الاستنكار: «ماذا بقي لتأخذه يا ماكرون؟ لقد أعطت الولاية (للرئيس بوتفليقة) لفرنسا حتى التخمة، فهل جئت تبيع لنا ولاية خامسة أو ما يشبهها) لتأخذ ما بقي؟ ثم ماذا عن الذاكرة؟ هل بقي في الدولة وطنيون لا يقبلون محو الذاكرة، ويبيعون عهد الشهداء بعرض زائل من الجاه والسلطة والمال؟!».
بدوره، كتب الصحافي الكبير ناصر سعدي: «هكذا تحولت علاقات الصداقة من الجانب الفرنسي إلى مجرد أرقام. فالمهم هو الفوز بأهم الصفقات المربحة، والمهم أن تبقى فرنسا أكبر مورد للسلع إلى مستعمرتها السابقة، فيما لا يتجاوز طموح الجانب الجزائري تسهيل إجراءات استخراج التأشيرة والحصول على الإقامة بفرنسا».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».