اجتماع «مجموعة دعم لبنان» الجمعة... وباريس تنتظر «الإعلان الجديد» من بعبدا

الدبلوماسية الفرنسية تنشط في جميع الاتجاهات... واتصالات مع طهران

TT

اجتماع «مجموعة دعم لبنان» الجمعة... وباريس تنتظر «الإعلان الجديد» من بعبدا

مثلما وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري حين وصوله من الرياض إلى العاصمة الفرنسية بدعوة «مجموعة الدعم للبنان» للاجتماع في باريس «في أقرب وقت»، فإن الدبلوماسية الفرنسية وفت بوعدها ووجهت الدعوات للأطراف المعنية التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية وألمانيا وإيطاليا ومصر، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، وبالطبع لبنان المفترض أن يمثله الحريري نفسه.
وإذا كان قد قيل سابقا إن ماكرون شخصيا سيختتم أعمال هذا الاجتماع الذي سيحصل يوم الجمعة، فإن مصادر في قصر الإليزيه رجحت لـ«الشرق الأوسط»، ألا يقوم بذلك «بسبب مواعيده العديدة». والجدير بالذكر أن الاجتماع الذي سيديره وزير الخارجية جان إيف لو دريان بالتشارك مع الحريري لم يكن قد أدرج، حتى أمس، على الأجندة الرسمية المنشورة للوزير، ما يعني أن الأمور يمكن أن تتغير في آخر لحظة. ولذا، غابت المعلومات المؤكدة للوزراء أو الشخصيات الأخرى التي ستحضر. لكن مصادر الخارجية تؤكد مشاركة الوزير الأميركي ريكس تيلرسون الموجود في أوروبا الأسبوع الجاري، ووزراء خارجية ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا ومصر. ولم تتوافر معلومات بشأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. ومن المنتظر غياب الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام للجامعة العربية اللذين سيرسلان ممثلين عنهما، بعكس وزيرة الشؤون الخارجية الأوروبية فدريكا موغيريني التي ستحضر شخصيا الاجتماع.
ترى المصادر الفرنسية أن أهمية الاجتماع تكمن في أنه «يعكس إجماع الأسرة الدولية ممثلة بالأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وبالأمم المتحدة وبمجموعتين إقليميتين وبأكبر دولة عربية، تدفع كلها باتجاه دعم استقرار لبنان، وتوفير شبكة أمان له للحفاظ على أمنه في منطقة متفجرة». ومنذ ما قبل الإعلان عن عزم باريس على الدعوة للاجتماع، كثفت باريس اتصالاتها مع كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية «بمن فيها إيران» لحثها على العمل من أجل بقاء لبنان خارج كرة النار المتدحرجة في المنطقة من خلال تأكيد الالتزام والعمل بمبدأ «النأي بالنفس» الذي جعله الرئيس الحريري الشرط الأول لقبول التريث في تقديم استقالته. وتأمل باريس أن تكون الحكومة اللبنانية قد نجحت في تبني «إعلان جديد» يكون أكثر صرامة ووضوحا مما كان سائدا حتى الآن، والذي نتج عن اللقاءات الحوارية في قصر بعبدا أثناء ولاية الرئيس ميشال سليمان، والذي بقي خصوصا حبرا على ورق. من هنا، فإن باريس تنتظر «إشارة الانطلاق» من بعبدا بمناسبة اجتماع مجلس الوزراء المفترض به أن يتبنى الإعلان الجديد بموافقة جميع مكوناته السياسية.
وتعي باريس أن الضغوط على لبنان، عهدا وحكومة، بالنسبة لـ«حزب الله» ودوره داخل لبنان وخارجه لم ولن تتوقف، أكان ذلك من خلال التهديدات الإسرائيلية أو العقوبات الأميركية أو المطالب الخليجية، فضلا عما يصدر عن قطاعات لبنانية واسعة جاءت استقالة الحريري لتعطيها دفعة قوية. ومع التحولات الحاصلة في سوريا وتراجع تنظيم داعش والتطورات في إيران والعراق، يبدو الحزب اليوم في مرحلة «رمادية» بالنسبة للدور المستقبلي المطلوب منه إقليميا. وتقول الأوساط الفرنسية إن وجه الصعوبة اليوم بالنسبة لباريس يكمن في التوتر «المستجد» الحاصل بينها وبين طهران على خلفية الطروحات الفرنسية الداعية في بعضها لإخضاع البرنامج الصاروخي الإيراني لعقوبات فرنسية وأوروبية ودولية «إذا دعت الحاجة» أو تصريحات لو دريان وماكرون عن «نزعة الهيمنة» الإيرانية في المنطقة والردود العنيفة عليها من قبل أعلى السلطات الإيرانية، ومن قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، ومستشار الإمام خامنئي للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي. ومن زاوية فرنسية، فإن الصراعات داخل السلطة الإيرانية تجعل من ملف «حزب الله» موضع تجاذب داخلي بالنسبة لدور الحزب «الخارجي». وتفيد تقارير صحافية بأن باريس أرسلت مسؤولا أمنيا كبيرا إلى طهران لبحث الملف المذكور مع طهران علّها تحصل منها على تجاوب من أجل «لجم» نشاطات الحزب الخارجية.
غير أن الراعي الفرنسي، ورغم أهمية الأدوار التي تلعبها الأطراف الإقليمية والدولية في التأثير على القرار اللبناني، فإنها تعتبر أن المسؤولية الأولى تقع على كاهل اللبنانيين الذين يعود لهم الحرص على استقرار وأمن وازدهار بلدهم من خلال تغليب لغة الحوار والتفاهم. وتؤكد المصادر الفرنسية أن باريس التي لعبت الدور الأول في إيجاد المخارج لمسألة الحريري في الأيام السابقة تبقى من خلال القنوات الدبلوماسية أو الاتصالات المباشرة، على تواصل مستمر مع كل الأطراف اللبنانية، ومنها «حزب الله» «من خلال السفارة الفرنسية في بيروت»، من أجل الامتناع عن الدفع باتجاه التوتر في الداخل أو مع إسرائيل. وسيكون الملف اللبناني موضع بحث بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وماكرون بمناسبة زيارة الأول لباريس يوم الأحد القادم. وتريد باريس تعزيز دور القوة الدولية «اليونيفيل» لتلافي الاحتكاكات للمحافظة على الهدوء على حدود لبنان الجنوبية بين «حزب الله» وإسرائيل. لكن المواجهة بين هذين الطرفين لم تبق محصورة في لبنان، بل انتقلت إلى سوريا، ما يزيد الوضع تعقيداً ومهمة باريس صعوبة.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.