اقترح الرئيس الأميركي باراك أوباما ، في وارسو أمس، مبادرة بقيمة مليار دولار لتمويل نشر مزيد من القوات البرية والجوية والبحرية الأميركية في دول «الحلفاء الجدد» في أوروبا الشرقية وسط مواجهة بين الشرق والغرب بسبب الأزمة الأوكرانية. وتنص «مبادرة طمأنة أوروبا» التي لا تزال بحاجة إلى موافقة الكونغرس، على نشر قوات أميركية جديدة جوية وبرية وبحرية في أوروبا الشرقية، كما يفترض أن تساهم في بناء قدرات الدول غير الأعضاء في الحلف الأطلسي بما فيها أوكرانيا وجورجيا ومولدوفيا بحيث تعمل مع الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين لبناء دفاعاتها.
ودعا أوباما الذي كان يتحدث خلال مؤتمر صحافي في وارسو، أولى محطات جولته الأوروبية، روسيا إلى الضغط على الانفصاليين لوقف هجماتهم على القوات الحكومية في شرق أوكرانيا ومنع تدفق المقاتلين والأسلحة على تلك المنطقة. كما حذر من أي «استفزازات» روسية إضافية في أوكرانيا يمكن أن تدفع إلى زيادة العقوبات الاقتصادية على موسكو. ودعا أوباما نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى لقاء الرئيس الأوكراني المنتخب بيترو بوروشينكو، كما حث الحكومة الروسية على استخدام نفوذها «لمنع تدفق المسلحين والأسلحة إلى شرق أوكرانيا».
وجاءت تصريحات أوباما في بولندا التي وصل إليها بهدف المشاركة اليوم في الاحتفال بمرور 25 عاما على أول انتخابات حرة في هذا البلد المنتمي سابقا إلى حلف وارسو الشيوعي، ومنها سينتقل إلى بروكسل التي تستضيف قمة الدول السبع الأكثر تصنيعا، ثم إلى سواحل النورماندي الفرنسي التي ستشهد الجمعة لقاءات عالية الأهمية.
ويتوقع أن تبدأ في وارسو اليوم نشاطات دبلوماسية مكثفة على أعلى مستوى، تنتقل غدا إلى بروكسل ومنها في اليوم التالي إلى شواطئ النورماندي لإحياء الذكرى السبعين لإنزال الحلفاء عام 1944 على هذه الشواطئ، الذي كان الضربة التي أنهت السيطرة النازية على فرنسا ومهدت لوضع حد للحرب العالمية الثانية.
وتنبع أهمية المحطة الباريسية بالدرجة الأولى من وجود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في باريس تلبية لدعوة نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي حرص على حضوره رغم التوتر في العلاقات بين موسكو والعواصم الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية والاتهامات ضد روسيا وما تبعها من عقوبات وتهديدات بعقوبات إضافية.
وحتى الآن، لم يقرر أي لقاء خاص بين الرئيسين بوتين وأوباما اللذين سيكونان معا في العاصمة الفرنسية وفي احتفالات الجمعة. والأمر الطريف أن هولاند سيستقبل أوباما في الساعة السابعة بقصر الإليزيه في لقاء ضيق يقتصر على الرئيسين ووزيري الخارجية، ثم يستقبل في الساعة التاسعة نظيره الروسي في إطار الصيغة نفسها. وبالمقابل، فإن بوتين سيلتقي الجمعة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ثم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في منطقة النورماندي، كما ستحصل لقاءات عديدة على مستوى رؤساء الدول والحكومات البالغ عددهم 30 مسؤولا بينهم الرئيس الأوكراني المنتخب بيترو بوروشينكو الذي دعاه هولاند خصيصا ليكون قريبا من هذه اللقاءات، كما ستحصل لقاءات على مستوى وزراء الخارجية. وستتداخل هذه اللقاءات مع وجود ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في باريس في إطار زيارة دولة هي الخامسة من نوعها منذ توليها عرش بريطانيا وهي في سن الثانية والعشرين من عمرها. كذلك، فإن الملكة إليزابيث ستشارك في احتفالات النورماندي وسيكون إلى جانبها رئيس وزرائها كاميرون.
وقالت مصادر الإليزيه إن ملفين أساسيين سيكونان على رأس جدول اجتماعات الرئيس هولاند مع ضيفيه أوباما وبوتين؛ الأول هو الملف الأوكراني، والثاني هو الملف السوري، فضلا عن العلاقات بين روسيا ودول المعسكر الغربي بشكل عام.
تعد لقاءات باريس والنورماندي المباشرة بين بوتين والقادة الغربيين الأولى من نوعها بين الجانبين منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. وبحسب مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، فإن الغربيين يعولون عليها ليعرفوا نيات موسكو وبوتين تحديدا بصدد أوكرانيا والنزاع القائم في شرقها بين الانفصاليين الذين تدعمهم موسكو، وكييف التي يدعمها الغربيون. وأشارت هذه المصادر إلى وجود نوع من «التذبذب» في المواقف الروسية التي «تبدو اليوم متراجعة وأقل حدة مما كانت عليه قبل شهر أو شهر ونصف» عندما كان بوتين يؤكد أنه سيرسل الجيش الروسي للدفاع عن الروس والناطقين بالروسية إلى أي مكان يتعرضون فيه لاعتداءات. وفضلا عن ذلك، فإن موسكو لم تعلن موقفا واضحا من انتخاب بوروشينكو كما أنها لم تعمل جديا لمنع حصول العملية الانتخابية برمتها.
أما في الموضوع السوري، فإن الغربيين يسعون كذلك للتعرف على ما يريده بوتين للمرحلة التي ستلي الانتخابات الرئاسية في سوريا وإعادة انتخاب الأسد لولاية ثالثة. بيد أنهم، وفق ما أفادت به مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط»، «لا ينتظرون تغيرا محسوسا في طريقة تعاطي موسكو» مع الملف السوري. فضلا عن ذلك، فإن إعادة انتخاب الأسد والتقدم الذي يحرزه ميدانيا واستمرار تصاعد ظاهرة الجهاديين التي أخذت تصيب أوروبا كما حصل في بروكسل يوم 24 مايو (أيار) الماضي، «ستوفر لبوتين حججا إضافية» ليتمسك بالسياسة التي انتهجها حتى الآن والتي حمى بموجبها النظام السوري في مجلس الأمن وعلى الساحة الدولية كما وفر له السلاح والعتاد اللذين يحتاج إليهما.
مقابل ذلك، تقول المصادر الفرنسية إنها «ليست مقتنعة» بوجود تحول جذري في السياسة الأميركية إزاء سوريا وتحديثها إزاء توفير السلاح النوعي الذي تريده المعارضة المسلحة، بسبب العوائق المعروفة وأهمها تصاعد نفوذ المنظمات الجهادية وعدم اقتناع واشنطن بالضمانات التي أعطاها وفد المعارضة الذي زار العاصمة الأميركية قبل ثلاثة أسابيع.