ترمب ينفي طلبه من مكتب التحقيقات الفيدرالي التغاضي عن فلين

أحد محاميه اعتذر لاستخدامه «لغة غير مناسبة» في إحدى تغريدات الرئيس

الرئيس الأميركي يحمل حفيدته كلويه صوفيا ترمب لدى وصوله إلى البيت الأبيض مساء أول أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي يحمل حفيدته كلويه صوفيا ترمب لدى وصوله إلى البيت الأبيض مساء أول أمس (إ.ب.أ)
TT

ترمب ينفي طلبه من مكتب التحقيقات الفيدرالي التغاضي عن فلين

الرئيس الأميركي يحمل حفيدته كلويه صوفيا ترمب لدى وصوله إلى البيت الأبيض مساء أول أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي يحمل حفيدته كلويه صوفيا ترمب لدى وصوله إلى البيت الأبيض مساء أول أمس (إ.ب.أ)

نفى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، أن يكون قد طلب من المدير المقال لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، صرف النظر عن التحقيق المرتبط بمستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين، الذي اعترف بالكذب على «إف بي آي» بشأن اتصالاته بروسيا.
وأصرّ ترمب كذلك على أنه وفريق حملته الانتخابية لم يتعاونوا مع موسكو في انتخابات العام الماضي، ملقياً اللوم على وزارة العدل ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. وكتب ترمب على «تويتر»: «لم أطلب يوماً من كومي التخلي عن التحقيق بشأن فلين. مزيد من المعلومات الكاذبة لتغطية كذبة جديدة من كومي».
لكن تغريدة ترمب الثانية أثارت استغراب البعض، حيث أشار في تغريدة أخرى إلى أنه أقال فلين بسبب كذب الأخير على نائب الرئيس مايك بنس و«إف بي آي». وبدا هذا التعليق كأنه يشير إلى إقرار ترمب بمعرفته عند إقالته فلين بأن مستشاره السابق كذب على عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وفي هذا السياق، سأل النائب الديمقراطي وعضو لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف، موجهاً كلامه إلى ترمب: «إذا كان ذلك حقيقياً، فلماذا انتظرت كل هذا الوقت قبل أن تقيل فلين؟»، وأضاف: «لماذا لم تتحرك حتى تم فضح أكاذيبه علناً؟ ولماذا ضغطت على المدير كومي من أجل التخلي عن ذلك (التحقيق)؟».
من جهتهم، قال مسؤولو البيت الأبيض لصحيفة «نيويورك تايمز» إن ترمب كان يشير فقط إلى اعتراف فلين بالكذب على «إف بي آي» بشأن مضمون محادثاته مع السفير الروسي في واشنطن آنذاك سيرغي كيسلياك، فيما يتعلق بالعقوبات التي فرضها الرئيس السابق باراك أوباما على موسكو على خلفية التدخل في الانتخابات.
وقال شخصان تم اطلاعهما على المسألة، إن التغريدة كتبها في الواقع محامي ترمب الشخصي، جون داود، الذي اعتذر إلى البيت الأبيض على «اللغة غير المناسبة» التي استخدمها، وفق ما نقلته «نيويورك تايمز».
وبعد إقالته في مايو (أيار)، قال كومي في شهادة أدلى بها تحت القسم أمام لجنة تابعة لمجلس الشيوخ، إن ترمب طلب منه بعد يوم من إقالة فلين التخلي عن التحقيق المرتبط بالمستشار السابق للأمن القومي. لكن ما يثير التساؤلات هو أنه بعد معرفة البيت الأبيض عبر وزارة العدل بأن فلين كذب بشأن مناقشته موضوع العقوبات مع السفير الروسي، انتظر ترمب 18 يوماً قبل أن يقيله.
وأفاد ترمب بأنه أقال كومي على خلفية التحقيق المرتبط بمسألة التدخل الروسي. إلا أن التحرك جاء بنتيجة غير متوقعة، إذ إن وزارة العدل قررت تعيين روبرت مولر مدعياً خاصاً. وتجاوز مولر قضية التعاون المحتمل مع روسيا حصراً، ليفتح ملف التعاملات التجارية وينظر في مسألة إن كانت إدارة ترمب حاولت عرقلة التحقيق أم لا.
وذكرت وسائل إعلام أميركية أن نائب مسؤول مكافحة التجسس لدى «إف بي آي» بيتر ستروك، استبعد من التحقيق في الصيف بسبب إرساله رسائل نصية انتقد فيها ترمب. وأعاد ترمب نشر تغريدة للمعلق المحافظ بول سبيري تفيد بأن ستروك عمل كذلك على التحقيق المرتبط باستخدام كلينتون خادماً خاصاً لبريدها الإلكتروني، عندما كانت وزيرة للخارجية في عهد أوباما. وأعاد الرئيس الأميركي كذلك نشر تغريدة أخرى لسبيري تضمنت انتقادات لمدير ستروك، نائب مدير «إف بي آي» أندرو ماكبي.
وجدّد في وقت سابق التركيز على طريقة تعاطي وزارة العدل مع التحقيق المرتبط بكلينتون. وكتب: «يكذب الجنرال فلين على إف بي آي، فتُدمر حياته. بينما تكذب المحتالة هيلاري كلينتون عدة مرات (...) ولا يحصل لها شيء. نظام مشوه أم مجرد معايير مزدوجة؟»، وقال كذلك: «يتساءل كثيرون في بلدنا عما ستقوم به وزارة العدل بشأن المحتالة الكبيرة هيلاري التي حذفت وأخفت تماماً أي أثر لـ33 ألف رسالة إلكترونية بعد تلقيها مذكرة استدعاء من الكونغرس الأميركي؟ لا عدالة!».
ولدى مغادرته إلى نيويورك السبت، أصر ترمب مجدداً على أن فريقه لم يخطط مع موسكو للتأثير على الانتخابات حتى تصب في مصلحته. وقال الرئيس الأميركي: «ما ظهر هو عدم وجود أي تعاون. لا يوجد أي تعاون على الإطلاق، ولذا فنحن سعداء للغاية».
وفي رسالة عبر موقع «إنستغرام»، بدا كومي يشير إلى التطورات الأخيرة حيث كتب: «3 أمور لا يمكن إخفاؤها: الشمس والقمر والحقيقة». وأخفت التطورات الجديدة المرتبطة بالتحقيق بشأن روسيا انتصاراً قانونياً كبيراً حققه ترمب، يتمثل بإقرار مجلس الشيوخ أكبر إصلاح ضريبي تشهده الولايات المتحدة منذ 31 عاماً.
وتنص نسختا الإصلاح اللتان مررهما مجلسا النواب والشيوخ على تخفيض نسبة الضرائب على الشركات من 35 في المائة إلى 20 في المائة، وتتضمنان تخفيضات أقل على الأفراد من جميع مستويات الدخل. ويصر الديمقراطيون على أن الخطة مكلفة للغاية، وأنها لن تفيد إلا الأغنياء، وأنها قد تؤثر في النهاية على برامج مثل التأمين الصحي «ميديكير». ويأمل ترمب توقيع مشروع القانون النهائي قبل أعياد الميلاد، ما سيشكل انتصاراً تشريعياً أساسياً للرئيس.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟