يواجه الإعلام والناشطون في مجال الحريات بالجزائر متاعبَ مضاعفة، بسبب مضايقات تمارسها السلطات ضدهم، كان أخطرها سجن صحافيين، أحدهما توفي نهاية العام الماضي متأثراً بتبعات إضراب عن الطعام، فيما تقول عائلته إنه تعرض للضرب في السجن ما أدى إلى وفاته.
وأوقفت حدة حزام، مديرة صحيفة «الفجر» (إحدى أهم الجرائد في البلاد) إضراباً عن الطعام دام أسبوعاً، بعد تدهور حالتها الصحية. وقالت حدة، وهي كاتبة عمود شهير عنوانه «أساطير»، إن الحكومة أوقفت إمداد صحيفتها بالإشهار (الإعلان) العمومي «بسبب انتقادي لسياسات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في برنامج تلفزيوني»، بثته فضائية فرنسية منذ مدة. وأفادت بخصوص الإضراب عن الطعام: «منذ ثلاثة أشهر وصحيفة (الفجر) محرومة من الإشهار العمومي، لأن الإشهار الخاص على قلته جبان مثل رأس المال، وأول سؤال يطرح علينا: كيف علاقتكم مع السلطة؟، وقد سبق لـ(الفجر) أن حرمت من الإعلان العمومي الذي كان شحيحاً معنا منذ إنشاء الصحيفة، لأننا لا ننتمي لأي جهة، ولم نتودد لأي طرف في السلطة. تعرضنا لعقوبة فاقت السنتين بسبب مقال ضد الوزير الأول نشرناه سنة 2004. لكننا لم نتأثر لأن القطاع الخاص لم يكن عرضة للمساومة والتخويف»، في إشارة إلى ضغوط يتعرض لها المعلنون الخواص، الذين ينشرون إعلاناتهم في وسائل إعلام مصنفة «معادية للحكومة».
وحاول وزير الإعلام جمال كعوان، ضرب مصداقية الحركة الاحتجاجية التي شَنتها حزام، فنشر الإحصاءات المتعلقة بأموال الإشهار الحكومي التي استفادت منها «الفجر» منذ مطلع العام. وردت عليه حزام بأنها لا تنفي أنها تلقت إشهاراً من الحكومة، وإنما تشتكي من وقفه «بسبب مواقفي من الرئيس بوتفليقة».
واستعادت الصحيفة الإلكترونية «كل شيء عن الجزائر»، بنسختيها الفرنسية والعربية، مؤخراً، خدمة البث على شبكة الهاتف الثابت الحكومية الوحيدة، وشبكة الهاتف الجوال الحكومية «موبيليس»، بعد شهرين من التوقف. ولا أحد في الساحة الإعلامية، بمن فيهم مسؤولو «كل شيء عن الجزائر»، يعرف سبب تعطيل الجريدة الإلكترونية الأكثر مقروئية، طول هذه المدة. لكن الشائع أنها دفعت ثمن جرأتها بعد تناول مواضيع مرتبطة بصحة الرئيس بوتفليقة ومستقبل الحكم، وبرغبة مفترضة لدى الضابط العسكري النافذ رئيس أركان الجيش قايد صالح، في خلافة الرئيس في السلطة.
يُشار إلى أن الصحافة الإلكترونية تواجه فراغاً قانونياً، إذ لا يوجد تشريع ينظمها ويحدد حقوق وواجبات الناشر الإلكتروني. وتعمدت السلطات الإبقاء على هذه الحالة، ليسهل عليها حجب أي موقع إلكتروني إخباري يتعدى «الخطوط الحمراء». وأعلنت 10 صحف إلكترونية مطلع الشهر عن إنشاء نقابة خاصة بها للدفاع عن حقوقها في النشاط المهني. الوضعية نفسها تعيشها نحو 40 فضائية خاصة، تبث برامجها من الخارج، وهي تخضع لقوانين أجنبية. وأغلقت السلطات مقر قناة «الأطلس» عام 2014 وصادرت عتادها، لأنها انتقدت بشدة السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس وكبير مستشاريه. وفي العام الموالي تعرضت قناة «الوطن» للإجراء نفسه، وتم سجن مالكها القيادي الإسلامي جعفر شلَي، على أثر استضافة زعيم الجماعة المتطرفة سابقاً جعفر شلَي، الذي هاجم بوتفليقة. والمثير أن السلطات لم تتخذ أي إجراء بحق مزراق.
غير أن أخطر المضايقات الحكومية بحق الإعلام، كانت سجن الصحافي المدوَن محمد تامالت في يونيو (حزيران) 2016. فقد اعتقل بعد عودته من لندن حيث يقيم، وتابعته النيابة بتهمة «إهانة رئيس الجمهورية». وكان تامالت نشر قصيدة شعرية تناول فيها الحياة الخاصة للرئيس، وأدانه القضاء بعامين سجناً. واحتجاجاً على الحكم، شن إضراباً عن الطعام وانتهى به المطاف إلى الموت. وقالت وزارة العدل إنه توفي بسبب مضاعفات الإضراب، أما عائلته ومحاموه فصرَّحوا لوسائل إعلام أنه كان ضحية اعتداء جسدي في السجن أفضى إلى وفاته.
ويوجد حالياً في السجن صحافي آخر، يدعى سعيد شيتور وهو مراسل عدة وسائل إعلام أجنبية بالجزائر. واتهم شيتور بـ«التخابر لمصلحة جهة أجنبية»، وهي تهمة غامضة، وأقصى ما يعرف عن ملفه القضائي أنه سلم لدبلوماسيين أجانب عاملين بالجزائر، وثائق مصنفة ضمن «أسرار الدفاع». والسؤال الذي يحير عائلته وزملاءه هو كيف يمكن لصحافي أن يصل إلى وثائق بهذه الأهمية؟
وألغت الحكومة العام الماضي صفقة بيع «مجمع الخبر» الإعلامي الكبير (صحيفة وفضائية)، لرجل الأعمال يسعد ربراب، الذي يعد معارضاً للنظام، فيما يملك رجال أعمال آخرون صحفاً وفضائيات، وهم معروفون بقربهم مما يسمى «جماعة الرئيس بوتفليقة». زيادة على هذا سجنت السلطات عشرات الناشطين بشبكة التواصل الاجتماعي، بناءً على تهمة «إهانة هيئات نظامية»، عن طريق الكتابة ونشر صور عدت مسيئة للرئيس والوزراء وقادة الجيش.
واستنكر نور الدين يسعد رئيس «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، «حالة الانسداد السياسي والاجتماعي والمؤسساتي المزمن الذي تعرفه الجزائر». وقال إن الحريات الفردية والجماعية «تعرف تقهقراً كبيراً بسبب القوانين المعادية للحريات رغم أنها مكفولة من طرف الدستور والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الجزائر». وهاجم يسعد السلطة على خلفية «التضييق الذي يلاقيه نشطاء حقوق الإنسان والنقابيون».
8:18 دقيقة
مهنة الصحافة تواجه متاعب مضاعفة في الجزائر
https://aawsat.com/home/article/1102286/%D9%85%D9%87%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87-%D9%85%D8%AA%D8%A7%D8%B9%D8%A8-%D9%85%D8%B6%D8%A7%D8%B9%D9%81%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1
مهنة الصحافة تواجه متاعب مضاعفة في الجزائر
مدوّن قضى في السجن... وشكاوى من الحجب الإلكتروني والحرمان من الإعلانات
مهنة الصحافة تواجه متاعب مضاعفة في الجزائر
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة