تانيا صالح: أتوجه إلى الجيل الجديد ليتعرف إلى بلادنا المغمسة بالحضارات

قالت المغنية اللبنانية تانيا صالح إن ألبومها الجديد «تقاطع» هو عبارة عن رسائل مختلفة تتوجه بها إلى جيل اليوم ليتعرّف عن جدارة على تاريخنا العربي الغني بالقيم الاجتماعية والإنسانية والتجارب المفيدة. وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «عندما بدأتُ في إعداد (تقاطع) وضعتُ نصب عيني أولادي كنموذج عن شباب اليوم الذي ما زال يجهل الخلفية الغنية التي تشكل أصولنا كعرب عامة وكلبنانيين خاصة»، وتابعت: «يجب ألا يستخف هذا الجيل ببلادنا معتقداً أن توجهه إلى بلاد الغرب أو الهجرة من وطنه هو الحلّ الأفضل لوضع نهاية لمشكلاته هنا. فنحن لم نأتِ من العدم وتاريخنا طويل وثري ببطولات وملاحم وشهادات وتجارب مغطسة بحضارات جمة لا تشبه غيرها». يتضمن ألبوم تانيا صالح الجديد، الذي استغرق منها نحو ثلاث سنوات لإنجازه، أغاني لشعراء عرب معروفين اختارت نصوصهم لتختصر من خلالها حياتنا اليوم في كل وجوهها، ومخترقة جدار الزمن الفاصل بيننا وبينهم كونهم يمثلون بشعرهم حالات اجتماعية وسياسية نعيشها اليوم. وتوضح: «هي قصائد لشعراء تقاطعت خواطرهم وتناولوا في أشعارهم الهموم والقضايا ذاتها التي نعيشها رغم اختلاف أمكنتهم وأزمنتهم»؛ فكما جبران خليل جبران ويونس الابن من لبنان اختارت تانيا صالح محمود درويش ونزار قباني وبيرم التونسي ونازك الملائكة وغيرهم من العالم العربي، مستعيرةً كلامهم وفلسفتهم العميقين لمناجاة أحداث اليوم.
«لم أرغب هذه المرة في أن يكون عملي مناطا بكلام وألحان من تأليفي فقط، كما جرت العادة في أعمالي السابقة، بل أردته شاملاً يخاطب كل فرد منا على طريقته وببساطة. فلطالما وصفوا أعمالي بأنها تتوجه إلى النخبة فقط، وإلى الأشخاص الذين يتمتعون بمستوى ثقافي عالٍ، فحاولت أن أعبر من خلاله إلى الناس كل الناس دون أي تفرقة». حاولت المغنية اللبنانية الملقبة بوريثة سيد درويش التعبير بلغة بصرية تواكب هذا العمل السمعي، فصورت فيلماً قصيراً (15 دقيقة) يروج لـ«تقاطع» على طريقة الفيديو كليب، مستخدمة فيه خلاصة دراستها الفنية التشكيلية، وكذلك خلفيتها الثقافية الشاملة التي يعود الفضل لوالدتها ببثها فيها، كما ذكرت في تحيتها لها عبره.
فتألّقت كرسامة جداريات تغني هواجسها بعد أن غطّست فرشاة الطلاء بألوان الأمل لتصور المرأة الشرقية حيناً وزحف المواطن نحو السلام حيناً آخر، إضافة إلى لوحات أخرى عبرت فيها عن الحب والحلم والمعرفة والجهل والموت. لقد تنقلت في بلدان عدة أرسم هذه الجداريات لتكون بمثابة رسائل حية يتلقفها الناس في القاهرة وبيروت والرباط وتونس وأوسلو وغيرها، فأردت من هذا العمل السمعي - البصري التذكير بالرسائل التي أراد الشعراء إيصالها، كما أردت نقل صورة معبرة عن واقع الشارع العربي كما هو اليوم».
ومع كلمات أغنيتها «قلي كيف بروح» (من كلماتها وألحانها) تستهل تانيا عملها الجديد لتفتتحه بأغنية «فرحا بشيء ما» لمحمود درويش من ألحانها ولتليها «ليس في الغابات عدل» (لجبران خليل جبران) و«الشرق» (بيرم التونسي) و«القصيدة الدمشقية» (نزار قباني) و«لا سلام ولا كلام» (من كلماتها وألحانها) و«في بلاد الآخرين» (عبد الله البردوني) وغيرها من الأغاني التي حملت عناوين «أنا ليليت» و«عجبي» و«حنغني».
وفي الألبوم أيضاً تطالعنا تانيا بأغنية الراحلة سعاد حسني «الدنيا الربيع» غامزة من خلالها من قناة ثورات الربيع العربي وتقول معلقة: «طالما أعجبت بهذه الفنانة الرائعة وبالثنائي الفني الذي ألّفته مع الكاتب صلاح جاهين، فتأثرت بمضمون فن الأولى وبوقع قلم الثاني وارتأيت من خلال هذه الأغنية (الدنيا ربيع) تمرير مقطع من قصيدة مدينة السندباد، للعراقي بدر شاكر السياب، المزج ما بين ماض شهد التغيير المزهر وواقع مرير تخبطت فيه دول عربية بمحاولة منها لمقاربة الديمقراطية»، وعن أغنية «لبنان يا قطعة سما» للراحل وديع الصافي التي أعادت غناءها على طريقتها في هذا الألبوم قالت: «يهمني القول إنني لم أشأ مقاربة غناء وديع الصافي لا من بعيد ولا من قريب، فأنا حتى لا أستطيع الادعاء بذلك، كل ما في الأمر هو أنني رغبت في طرح السؤال نفسه الذي وجهه يومها كاتب القصيدة يونس الابن عن الأخطاء التي اقترفها هذا البلد حتى يتم معاقبته واستوحاها من مشهدية نقية في قريته». نهج فني جديد اعتمدته تانيا في «تقاطع»، فجاء خاطف الأنفاس برسائله وجمالية مشهديته الشعرية، لا سيما أنه زاوج ما بين الشعر العربي والألحان الشرقية وعزف العود وفن الشارع والخط العربي إضافة إلى الموسيقى الإلكترونية المعاصرة. «هذا العمل هو محاولة لنقل صورة عن عالمنا العربي الذي يقف اليوم مهتزاً وحائراً على مفترق مسارات وتناقضات وتحديات. هو محاولة متواضعة للمشاركة بإيجاد أرضية ثقافية جامعة تبني عليها الأجيال العربية المقبلة، منصات ثابتة وموحدة الأهداف للانطلاق نحو غد أفضل. فنحن في نهاية المطاف مهما تبدلت لهجاتنا ولكناتنا تجمعنا لغة واحدة».
وعما يحمِّلها هذا العمل من مسؤولية كبيرة، أجابت: «في الحقيقة عندما انتهيتُ من إنجاز هذا العمل ساورني شعور بالخوف على أولادي ومن فكرة أن يتم تهديدي بشكل أو بآخر لما يحمل من رسائل مباشرة، ولكني تمسكت به كوني أردته صرخة أتوجه بها إلى العالم أجمع كي يسمعها من هم مصابون بعمى البصيرة فيخترقهم صوتنا ولا يعودون يستخفون بعقولنا».
وعن الفرق الذي يمكن أن تحدثه شخصياً فيما لو تم توكيلها رسمياً بمراقبة الساحة الفنية والأعمال المصورة الخاصة فيها ردّت: «هذا الأمر لا يمكن أن يناط بشخص واحد بل بفريق أو لجنة مختصين فيضعون الأمور في نصابها»، وأضافت معلقة: «هذا الأمر يرتكز بالدرجة الأولى على التربية الفنية التي نتلقاها في بيوتنا، ومن قِبَل أهلنا، ومن يردد بأن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في انتشار الانحطاط الفني أقول له إنه لا بد من أن تنتهي فورة هذه الوسائل وتوضع خطوط حمراء قريباً لها بفضل القيمين على مواقعها الإلكترونية، وهو أمر بدأ يتناهى إلينا اليوم من خلال شروط صاروا يفرضونها على مستخدميها بخطوات تحذيرية ستؤول إلى تنظيمها بشكل أفضل».