«الشرق الأوسط» داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (4 من 5): سقوط «دواعش» بنغازي يكشف صلات عابرة للحدود

وثائق جمعها سلاح الصاعقة تتضمن أدلة على تورط دول بدعم شبكات التطرف عبر المنطقة

يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
TT

«الشرق الأوسط» داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (4 من 5): سقوط «دواعش» بنغازي يكشف صلات عابرة للحدود

يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)

حين تحلَّقت مجموعة من العسكريين والمدنيين للاطلاع على حاسوب تمت مصادرته من مقر لعناصر من تنظيم داعش، تبين أن محتوياته لا تخص النشاط المتطرف في بنغازي ولا في كل ليبيا فقط، لكنها أكبر من ذلك بكثير. فالمعلومات الموجودة اليوم لدى أجهزة الاستخبارات، والمستقاة من أجهزة حواسب محمولة تخص عناصر من التنظيم اعتقلوا أو قتلوا، سواء في بنغازي أو طرابلس أو مصراتة، تعكس بشكل شبه متكامل صورة العلاقات التي تتحكم في نشر الإرهاب في شمال أفريقيا.
وتمكن ضابط ليبي من سلاح الصاعقة في بنغازي، درس العلوم العسكرية في مصر، من دخول وكر لـ«داعش» في جنوب المدينة، ووضع يده على أدلة تظهر تورط دول وأجهزة مخابرات عدة في النشاط المتطرف العابر للحدود. والكيفية التي تصل بها كميات من السلاح وقوافل المقاتلين إلى ليبيا، وتداخل كل هذه التحركات مع مهربي الهجرة غير الشرعية وتجار الحشيش والحبوب المخدرة والسجائر المغشوشة. ويقول وهو يغلق الحاسوب الذي تمت مصادرته: «باختصار، نحن يد تحارب... ويد تجمع الوثائق».
وتوجد في ليبيا أجهزة مخابرات رسمية، لكنها مبعثرة بين حكومات عدة تتنافس على السلطة، كما توجد فيها أذرع مخابرات صغيرة تابعة لميليشيات متفرقة. وتحاول مجموعة من أعضاء هذه الأجهزة المختلفة جمع المعلومات وترتيبها من أجل مقاضاة دول ومنظمات انتهكت ليبيا وحدودها.
في الصباح الباكر، بدأ فصل جديد من معركة «بوصنيب» بقيادة قوات الصاعقة في بنغازي. كانت واحدة من أشرس المعارك. وتحصنت مجموعة من «داعش» داخل المقر الرئيسي للتنظيم، بينما كان جنود الصاعقة يصرّون على الوصول إلى المقر بأي ثمن. المقر يشغل طابقين في عمارة. وكان «الدواعش» قد تمكنوا قبل الهجوم من تفخيخ المنطقة المحيطة بالعمارة. ولا بد لضباط الصاعقة من التقدم. وبالتالي، لا بد من تفكيك المتفجرات. لكن كلما حاول عدد من الجنود الاقتراب لفتح الطريق، قام القناصة «الدواعش» باصطيادهم.
يوجد كنز ثمين هنا. وفي مقابل إصرار مقاتلي التنظيم على المقاومة، كان إصرار ضباط الصاعقة على فتح الثغرة تلو الثغرة للسيطرة على المبنى والدخول إلى الوكر. ومع اقتراب اليوم من نهايته، بدا أن المتطرفين ينفذون خطة للانسحاب إلى الوراء. ومن هنا كان لا بد من الضغط عليهم حتى لا يتمكنوا من نقل ما يوجد في المقر معهم.
ورقد ضابط على بطنه ممسكاً ببندقيته أمامه، وأخذ يزحف على التراب في اتجاه عدد من المتفجرات، في محاولة منه لنزع الفتيل منها؛ حتى يتمكن باقي زملائه من التقدم. لكن أصابته رصاصة في رجله اليمني، وأخذ يتقلب على الأرض.
وبدأ رفاقه مهمة لسحبه بعيداً عن النيران، وأطلقوا وابلاً من القذائف في اتجاه مصدر الرصاص. ونجحت العملية. لكن كان لا بد من معرفة موقع القناص. وتقدم ضابط وجندي آخران وهما يتلويان بين الأنقاض متقدمَين للأمام مثل ثعبانين. كانت مهمتهما التركيز على النقطة التي يأتي منها الرصاص الذي يستهدف قوات الصاعقة من الجانب المقابل. وأشار الضابط بأصابعه إشارات عدة. وفهم زملاؤه أن القناص يستخدم فتحة صغيرة جداً في جدار الطابق الثاني من وكر المتطرفين.
وعاد الضابط والجندي زاحفين كما دخلا تحت ستار من نيران رفاقهما الرابضين في الخلف. وأشار الآمر إلى تجهيز قذيفة «آر بي جيه» لإطلاقها على جدار الطابق الثاني.
وتقدم جندي تحت غطاء سيل من الرصاص ووقف في مواجهة الفتحة التي يستخدمها القناص، وأطلق القذيفة من فوق كتفه، حتى اختفى في سحابة من الدخان، وتهاوى الجدار. وفي هذه الأثناء كانت مجموعة الصاعقة قد اندفعت إلى العمارة وسُمع صوت إطلاق رصاص في الطابقين الأول والثاني، ثم حل الصمت. وبعد دقائق خرج الضباط والجنود وقد أسروا من تبقى من «الدواعش»، وهم ثلاثة ليبيين وخمسة تونسيين ومصري.
وكانت عناصر أخرى من المتطرفين قد تقهقرت من المبنى واحتلت مبنى آخر في الخلف، وتمكنت من التمركز فيه لمقاومة رجال الصاعقة. ومع فجر اليوم التالي تجددت المعارك. وبعد ثلاثة أيام سقط من قوات الصاعقة 11 رجلاً وأكثر من عشرين جريحاً، أي نصف القوة التي كانت تخوض هذه المعركة.
وأمام هذا الوضع، دخل رجال التوجيه المعنوي التابعون للجيش، الذين كانوا يرافقون قوات الصاعقة من أجل التصوير فقط، وتحولوا إلى مقاتلين بعد الخسائر التي لحقت بالمجموعة. وكان الهدف ملاحقة المتطرفين حتى النهاية.
وبعد دحر «الدواعش»، نقلت المجموعة المنتصرة متعلقات التنظيم التي تركها وراءه، ولم يتمكن من حرقها أو إتلافها، وسلمتها إلى الجهات المختصة في الجيش لدراستها والتحقيق فيها ومعرفة أبعاد ما يجري في المدينة.
ومن بين ملفات وأوراق واعترافات، يبدو الأمر خطيراً. فهناك مراكز موجودة في دول عدة في أفريقيا وآسيا وأوروبا، تعمل بشكل محموم منذ سنوات على ترسيخ أقدام الجماعات المتطرفة في ليبيا، ليس من أجل الهيمنة على البلاد فقط، بل أيضاً من أجل العمل في دول الجوار لزعزعة استقرارها. ويقول مسؤول في القضاء العسكري: إن نشر التفاصيل «سيتم بضوابط عندما يحين الوقت... لدينا إجراءات تحقيق لا بد من الالتزام بها».
وتأسس سلاح الصاعقة الليبي في مصر عام 1970، على مستوى القيادات وعلى مستوى الأفراد. والآن يتم تخريج ضباط في الكليات العسكرية الليبية، ويجري تدريبهم على أيدي القوات الخاصة في مصر، وبينهم من عادوا ليصبحوا مقاتلين في المحاور في ضواحي بنغازي، حتى تمكنوا أخيراً من تطهير الغالبية العظمى من المدينة.
وبالتزامن مع هذا، جرى نقل الكلية العسكرية من طبرق إلى مدينة توكرة قرب بنغازي. وتبدو الكلية الجديدة موضع فخر لدى ضباط كثيرين يقولون: إنها «أصبحت في مصاف الأكاديميات وليست مجرد كلية».
إلا أن الأهم أن تدريبات قوات الصاعقة في الداخل الليبي لا تتوقف. ويقول المتحدث باسم الجيش العميد أحمد المسماري: إن «الصاعقة في معركة الإرهاب مهمة جداً؛ لأن الحرب على الإرهاب تختلف عن الحرب التقليدية... الحرب على الإرهاب أقرب إلى حرب العصابات الخاطفة سريعة البداية وسريعة الانتهاء. الحرب على الإرهاب وعلى (داعش) والقاعدة لا تنتهي بإعلان الاستسلام، ولا بإعلان النصر. لكنها تنتهي بالقضاء بالقتل أو إلقاء القبض أو بإنهاء كل المظاهر لهذه التنظيمات، وبالتالي معركة صعبة جداً تحتاج إلى تدريبات خاصة وتحتاج إلى قوات خاصة».
وفي معسكر للتدريب، كان ستة معلمين من القوات الخاصة يتلقون تأهيلاً لاستقبال دفعة جديدة والقيام بتدريبها أيضاً. وفي يوم آخر بدأ التدريب على القفز بالمظلات. برجان مربوط بينهما حبل. ومن البرج الأول يقفز كهل مُتدرب (سيكون مدرباً لاحقاً)، وهو مربوط بحبل كأنه مظلة. ويتدلى في الهواء منزلقاً في اتجاه البرج الثاني.
ويقول أحد القادة المشرفين على التدريبات، في حين يختلط صوته بصوت طائرة صدر عن بكرة الانزلاق التي حملت المُتدرب: «هذا الضابط كان متقاعداً لسنوات... وعن طريق هذا التدريب سيتذكر الأيام الخوالي، أي حين كان ضابطاً في الجيش، لكي يقوم بعد ذلك بتدريب متقدمين جدد. الهدف أنه حين يقفز من البرج الأول سيشده الحبل إلى أعلى كأنه لحظة انفتاح المظلة».
ووسط هذه الحركة الدائبة في مقر معسكر التدريب، كان آمر القوات الخاصة ونيس بوخمادة ذو البشرة السمراء يتنقل ليراقب ويشجع الضباط على العمل. وقال: «هذا المدرب عمره أكثر من 54 سنة. ويوجد من هو أكبر منه سناً في القوات الخاصة. هؤلاء يقدمون أرواحهم من أجل الوطن... وما زالوا يقاتلون في الميدان، وما زالت لديهم القدرة على التدريب، وعلى القتال وعلى العطاء».
ومن بين أكثر العمليات العسكرية حرفية تلك التي قام بها الجيش لتحرير عشرات الأسرى في منطقة قنفودة. كان متطرفون يحتجزون رجالاً ونساء وأطفالاً تحت الأرض، بينما كان قادة الجماعات المتطرفة في طرابلس ومصراتة يصرخون بأن الجيش «إذا هجم على الأماكن التي فيها الأسرى فسيقتلهم».
لكن العملية تمت، كما يقول العميد المسماري: «من دون خسارة أي أسير، رغم أننا خسرنا جنوداً من أجل إطلاق سراح هؤلاء الأسرى». وأضاف: «هؤلاء الأسرى كانت تستغلهم جماعة الإخوان المسلمين ومنظمات، لترويج أن ما يقوم به الجيش جرائم حرب، وأن الجيش قام بحصارهم، بينما في الحقيقة نحن أنقذناهم في هذه المعركة».
وبخطوات محسوبة حذرة، تقدم الجنود إلى مقر كبير في قنفودة كان المتطرفون قد انسحبوا منه حالاً. وكسروا أقفال السجن الأول بمقص حديدي ضخم. وأخرجوا عشرات الأسرى الذين كانوا يعانون من الجوع والعطش والتعذيب. وفي السجن الآخر لم يكن هناك أحد. وأبواب هذه السجون مصنوعة من الحديد الثقيل الذي لا يمكن تحريكه إلا بشق الأنفس. ولكل باب أقفال كبيرة، كما تم لحام النوافذ الحديدية. وتوجد أماكن للحراسات من الخارج. وفي سجن آخر كانت هناك بقايا فرش على الأرض ودعوات إلى الصبر محفورة على الجدار.
ويبدو أن المتطرفين تمكنوا من أخذ عدد من السجناء معهم لاستخدامهم دروعاً بشرية. وتوجد على جدران السجن الإسمنتية كتابات خطها الأسرى بالدماء وبالفحم، منها: «نسأل الله الفرج عن قريب»، و«حسبنا الله ونعم الوكيل»، و«يا رب ارحم»، إضافة إلى أدعية أخرى لتفريج الكرب. ورسم بعض السجناء على الجدار جدولاً مرسوماً بالفحم عبارة عن تقويم بالتواريخ لمعرفة عدد الأيام والشهور وأوقات المناسبات، كأنهم، رغم المعاناة، كانوا يحتفلون بها تشبثاً بالحياة.
ومن بين من تم إطلاق سراحهم من الأسرى عجوز مدني بلحية بيضاء كان ابنه يقاتل مع القوات الخاصة لتحرير السجناء. وظهر الرجل وهو يرفع يديه مهللاً في حبور، واحتضن أول جندي قابله، بينما رفع هذا الجندي سلاح «آر بي جيه» كان يحمله على كتفه، وهو يرد له التحية ويستقبله بالأحضان.
ومن بين الأسرى أيضاً ضباط جيش وضباط صف ومدنيون، منهم من عاد للخدمة العسكرية، ومنهم من أصبح مديراً في الإدارة العسكرية.
وحين يسود الفرح في جبهة، فهذا لا يعني توقف العمل في بقية الجبهات. ففي هذا التوقيت كان هناك واحد من بين المقرات المهمة التي كان يتمركز فيها تنظيم داعش في ضاحية قنفودة، وبالتحديد في موقع «الحظيرة الجمركية». وتقدم لمهمة القتال في هذه الموقعة رجال الكتيبة 267 دبابات التابعة للجيش.
وبدأت العملية عن طريق العسكري مفتاح العماري الذي تولى قيادة مدرعة خاصة مصفحة ومحملة بالجنود ودخل بها إلى نطاق المقر. ثم عاد وحمل مجموعة أخرى من الجنود إلى الداخل؛ لأنه لا يوجد عدد كافٍ من هذا النوع من المدرعات المصفحة التي لا يؤثر فيها رصاص القناصة.
كان هجوم الجيش على مقرات «الدواعش» شاملاً ويجري في ضواحٍ عدة. وتحملت الكتيبة الشرسة المعروفة باسم «شهداء الزاوية»، وهي من كتائب القوات الخاصة، العبء الأكبر في العمليات القتالية رغم الظروف الصعبة. كانت هذه الكتيبة تسيطر فيما مضى على مدينة سرت بالكامل، إلا أنها فضّلت الانسحاب من هناك بعد تعرضها لهجمات من ميليشيات مصراتة في 2013. وتسبب الفراغ الذي تركته في سرت باحتلال «الدواعش» للمدينة فيما بعد، إلى أن قامت قوات «البنيان المرصوص» بتحرير سرت أواخر العام الماضي.
وأغلب أفراد كتيبة «شهداء الزاوية» من المنطقة الشرقية في ليبيا، رغم أن الاسم الذي تحمله يعود إلى مدينة الزاوية التي تقع إلى الغرب من طرابلس. وقدمت خلال المعارك التي خاضتها ضد المتطرفين في بنغازي أرواح نحو 240 من الضباط والجنود. ويرجع الفضل في شراسة هذه الكتيبة، وآمرها اللواء جمال الزهاوي، أمام مقاتلي «داعش»، إلى خبراتها في الحرب.
ويوضح أحد قادتها أن «الجميع يضحي من أجل الوطن، أما عما تقول إنه قوة كتيبتنا، فأعتقد أن الأمر يرجع إلى أننا في حروب مستمرة منذ 2011، وهو تاريخ تشكيل الكتيبة، وجعل طول مدة العمل الفريق متجانساً وأفراده متفاهمين، وحتى الشباب من المدنيين المساندين لنا، انضموا إلى الكتيبة متطوعين وتأقلموا فيها مثلنا».
وخاضت الكتيبة نفسها حروباً في غرب بنغازي ضد غزوات المتطرفين للهلال النفطي وضد تمركزاتهم في منطقة الجفرة. ويضيف الضابط نفسه أن آمر الكتيبة اللواء الزهاوي «معه ضباط أكْفاء في إدارة العمليات وفي إدارة النيران. نحن الكتيبة الوحيدة التي لم تغادر بنغازي حتى في فترة وجود تنظيم أنصار الشريعة في المدينة».
ومن بين ملفات جمعها الجيش من مراكز «الدواعش»، يبرز اسم ضابط مخابرات من إحدى دول المنطقة حروف اسمه الأولى ع. م. تقول الأوراق إنه كان من بين المشرفين على التفجيرات التي شهدتها بنغازي، وعلى صلة وثيقة بميليشيات مرتبطة بعدد من الإرهابيين في المدينة. وتشير إلى أنه انتقل إلى طرابلس بعد تحرير الجيش لبنغازي، وأنه يعمل في الوقت الراهن مع قادة لـ«الإخوان» في العاصمة.وبين الوثائق الأخرى التي تغطي الفترة من 2014 إلى 2017، ما يشير إلى خطة ممنهجة ترعاها دول في المنطقة (مذكورة بالتفاصيل) من أجل نقل «التنظيمات الإسلامية، بعد خروجها من سوريا والعراق، إلى غرب أفريقيا، ليتواصلوا عبر أفريقيا الوسطى مع تنظيم بوكو حرام، وتوجيه قطاع منهم للدخول إلى ليبيا ومصر ضمن مشروع الهجرة إلى الله لإحياء سنة الجهاد والاستشهاد».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».