عبد الحليم خدام: إيران أحضرت «داعش» إلى سوريا.. وبشار الأسد شخص فاقد الاتزان

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن توحيد المعارضة ودعمها سيسقطان نظام دمشق خلال شهر

عبد الحليم خدام: إيران أحضرت «داعش» إلى سوريا.. وبشار الأسد شخص فاقد الاتزان
TT

عبد الحليم خدام: إيران أحضرت «داعش» إلى سوريا.. وبشار الأسد شخص فاقد الاتزان

عبد الحليم خدام: إيران أحضرت «داعش» إلى سوريا.. وبشار الأسد شخص فاقد الاتزان

من مقر إقامته في العاصمة الفرنسية باريس، وعلى مقربة من «قوس النصر»، أحد أشهر معالمها، استرجع نائب الرئيس السوري المنشق عبد الحليم خدام (82 سنة) ذكريات بداياته في حزب البعث، وسقوط الجولان، وحقيقة ما يسمى بـ«المقاومة».
الرجل الذي شغل مناصب نائب الرئيس ووزير الخارجية وعضو قيادة حزب البعث ومحافظ القنيطرة ومحافظ حماه، وغيرها من المناصب القيادية المؤثرة، من الشخصيات السورية التي لعبت أدوارا لافتة عبر عقود من الزمن، وكل هذه الخبرة أكسبته أناة وهدوءا يُلاحظان في دقة سرده التفاصيل. مع هذا تحدث خدام بألم عما يعانيه الشعب السوري الآن، قائلا إن «أي صلح خليجي مع إيران ستنقضه طهران بعد انتهاء الأزمة السورية».
وذكر خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» كيف لبى الرئيس السوري بشار الأسد مطالب الأميركيين بإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية، وتأمين الحدود مع العراق، والانسحاب من لبنان.
وفيما يلي أبرز ما جاء في الحوار:

* هل سيصوت السوريون لبشار الأسد من جديد في الانتخابات المقبلة؟

- كله أكوام ورق، لا قيمة للورق الذي سيذهب للصناديق ومن سيختار بشار أو غيره سيفعل مجبرا أو خائفا. هذه ليست انتخابات والكل يعرف، لكن بشار الأسد حريص على إقامتها نكاية بالعالم.

* مَن المسؤول عما يحدث الآن في سوريا من دمار؟

- هناك جانبان أساسيان مسؤولان: روسيا وإيران والنظام من جهة، وفي المقابل المجتمع العربي من جانب آخر. وهناك فارق أساسي بين من يقتل أو يشارك في القتل، ومن كان بإمكانه إيقاف القتل أو التخفيف منه، وهذا ما فعلته جامعة الدول العربية، حين فكرت بعد ستة أشهر من الانتفاضة في إرسال نبيل العربي للقاء بشار الأسد. وللأمانة أقول: ما يحدث الآن في سوريا يعيد إلى ذهني بدايات نكبة فلسطين، ثم إن هناك نقطة مهمة.. سوريا ما كان فيها متطرفون، والشعب السوري بطبيعته ليس متطرفا، لكن هناك نوعا من القهر وشعورا بأن العالم تخلى عنه، وهو ما دفع كثيرين من السوريين للهروب نحو التطرف.. في تعريفه الذي هو فقدان التوازن في التصرف.

* صحيح، التطرف لم يبدأ فجأة في سوريا، وكان «الجيش الحر» يقاتل بمعزل عن الجماعات الإرهابية.. ما حدث لاحقا؟

- التطرف مثلما قلت لك.. حين ازداد الضغط على الشعب السوري، وبدأ التراخي الدولي تجاهه أصبح الكل يقاتل. وبالتأكيد، هناك من يحاول استغلال هذه الحماسة غير المنضبطة.

* تقصد «داعش» و«النصرة» مثلا؟

- نعم، وغيرهما من الجماعات المسلحة. لكن «جبهة النصرة» تختلف عن «داعش» في أن أكثرية مسلحيها من السوريين، وأستطيع أن أجزم بأن هؤلاء متى رحل بشار، فسيتخلون عن السلاح مباشرة.

* بما أن الحديث عن «داعش» و«النصرة»، مَن جاء بـ«داعش» إلى سوريا؟

- إيران هي التي أحضرت «داعش» إلى سوريا، ولا أحد يشك في ذلك، وأنا أعرف ما أقول. إيران جزء رئيس من القتال في سوريا.. هناك التنظيمات الإسلامية الشيعية والحرس الثوري وحزب الله، كل هؤلاء يقاتلون إلى جانب نظام الأسد، وسقوط النظام سيكون ضربة موجعة للنظام الإيراني بأكمله. تسألني لماذا؟ سأجيبك: إذا سقط نظام بشار انتهت إيران في العراق، وسيضعف دور «حزب الله» في لبنان، إذا لم يكن سيتلاشى، وبالتالي، سيتقلص وجود ميليشيات إيران وأذرعتها. صدقني في حال حدث هذا سترى تراجع نفوذ إيران في المنطقة، ولهذا تجد الإيرانيين يمدون نظام الأسد بالأسلحة والحماية والمقاتلين. ولا أريد أن أزيد من الجزم والتأكيد إذا ما قلت لك إن «داعش» تدار من إيران مباشرة.

* هل قتال إيران إلى جانب الأسد ضمن علاقة آل الأسد وإيران التاريخية؟

- تقريبا، لكن ليس بهذه الدقة وسأتحدث عن هذه النقطة. إيران لعبت على الوتر الطائفي كثيرا، ومن هذا النكتة الغريبة عن أنهم يريدون حماية قبر السيدة زينب والدفاع عنه في سوريا؛ هل فعلا السيدة زينب بحاجة إلى الفصائل الإرهابية الشيعية ليأتوا إلى سوريا ويقتلوا باسم الدفاع عنها وحمايتها؟

* ما السيناريو الذي يمكن من خلاله أن تتخلى إيران عن الأسد؛ مصالحة مع دول الخليج، صفقة دولية، أم ماذا؟

- من قال إن إيران أساسا تبحث عن مصالحة مع الخليج؟ إنها تبحث عن تهدئة مؤقتة فقط حتى تنتهي من الأزمة السورية، ثم ستلتفت بعدها إلى دول أخرى تشعل الصراع فيهاعلى رأسها البحرين وستدعم الحوثيين في اليمن لإحداث قلاقل على الحدود السعودية. ستشهد المنطقة العربية في السنوات المقبلة نزاعا طائفيا لم يسبق له مثيل.

* ما الذي يجعلك واثقا من انعدام جدية إيران في المصالحة؟

- سأخبرك قصة للتاريخ، في يونيو (حزيران) 1985 جاء علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس برلمان الثورة الإيرانية، واستقبلته في المطار، ثم أخذته إلى الرئيس السابق حافظ الأسد. يومها طلب الإيرانيون أسلحة لحرب صدام، لكن هذا الطلب فاجأ حافظ، ولهذا قام يحدث الإيرانيين عن الاقتصاد والسياسة والجغرافيا، ويحاول ممازحتهم وإبعادهم عن هذا الموضوع. لكن الإيرانيين قالوا بلهجة شديدة: «أتعبناك سيادة الرئيس.. أين الجواب على ما طلبنا؟». فقال الرئيس الأسد لرئيس الوفد: «عبد الحليم سيبلغك قرار القيادة، وليس قراري الشخصي. وحين خرج الإيرانيون بقيت مع الأسد وفكرنا لو أعطيناهم السلاح فسنصبح في أزمة مع العراق، وإذا لم نعطهم فسيكون هناك إشكال كذلك. وفي اليوم التالي قلنا لرفسنجاني إن هناك صراعا سوريا - إسرائيليا وسوريا - تركيا وسوريا - عراقيا، وبالتالي لا نستطيع القيام بهذه الخطوة، لكن هناك حلا، هو أن نحاول مع ليبيا لمدكم بالسلاح. وهنا تجهم وجهه وغضب، وقال: «كنت أتمنى منكم دعمنا في حربنا ضد العراق، وسأقولها لك: إذا انتصرت إيران فستصبح المنطقة كلها أرضا واحدة ودولة واحدة من أفغانستان، وحتى البحر المتوسط». كرر هذا الكلام أكثر من مرة. بعدها خرجت ولم أكن أتوقع أن أسمع هذه العبارة إطلاقا. ومن تلك الفترة، لم نصعد العلاقة سلبا مع إيران، لأن حافظ الأسد كان يرى أن العلاقة مع إيران تشكل له سندا، سواء بالنسبة لإسرائيل، أو في حال وجود خلاف بين دولة عربية.

* ماذا حدث بعد ذلك؟

- اجتمعنا في قيادة حزب البعث، وتحدثنا عن هذا الموضوع بجدية. إيران لها أطماع، ولهذا أقول لدول الخليج إن المصالحة مع إيران غير مجدية.

* نعود إلى الأزمة السورية، بصراحة لو كنت في منصبك السابق وحدث ما حدث في سوريا الآن، ما الذي كان يمكن أن تطرحه لحل الأزمة؟

- بكل صدق، بعد رحيل حافظ الأسد لم تعد لديّ رغبة في ممارسة العمل السياسي المباشر، لكنني كنت في حرج إزاء كيف يمكن أن أخرج بسلام من العمل الحزبي والسياسي، لأن من يترك فجأة، أمامه التصفية أو السجن. سؤالك لا أستطيع الإجابة عنه لأنه توقع، لكنه يعيدني إلى حادثة في عام 1998، حين حدث خلاف بيني وبين حافظ بعد التجديد لإميل لحود. حافظ الأسد كان يريد التجديد لأن ابنه بشار كان «طالع نازل» عند لحود، وهناك من أشار وأقنع حافظ بأنه عبر لحود يمكنه السيطرة على لبنان. وحين قام بالتجديد للحود تركت أنا الملف اللبناني، وفجأة قام حافظ بتسليم ملف لبنان كاملا لبشار. هنا بدأت المشاكل تزداد، والسبب الرئيس تصرفات بشار الأسد و«هيجانه». ولا أبالغ إذا ما قلت إن رفيق الحريري كان يتصل من فترة لأخرى ليشتكي من ممارسات بشار وتصرفاته في الشأن اللبناني. في كل مرة كان حافظ الأسد يوبخ بشار أو يتحدث مع غازي كنعان.

* هذه القصة المختصرة تجعلني أسأل السؤال الذي وُجّه لكم أكثر من مرة.. مَن اغتال الحريري ومَن قتل غازي كنعان؟

- بالنسبة للحريري، لقد ذكرت أكثر من مرة أن بشار الأسد كان يظن أن رفيق يتآمر على سوريا مع الفرنسيين والأميركيين، وهو وحده كان يفكر بهذه الصورة. وأنا شخصيا نصحت رفيق الحريري أكثر من مرة بأن يترك لبنان ويرحل. وأتذكر أنه قبل اغتيال الحريري كان هناك اجتماع في قيادة حزب البعث، وفجأة تدخل بشار الأسد، وقال: دعونا نتحدث عن السياسة. ثم أردف مداخلته بقوله: «رفيق الحريري يكتل طائفته ضدنا، ويتآمر مع الفرنسيين والأميركان ضدنا»، ولا أخفيك القول: إن كثيرين في قيادة الحزب فوجئوا بهذا الحديث العشوائي وغير المسؤول. انتهت الجلسة واتصلت ببشار، وقلت له إن هذا الحديث قد يخرج من الحزب لأن وجود 20 من القادة يعني أن عشرة منهم يحتمل أن يسربوا الحديث. بعدها بيومين جاء إلى محسن دلول (وزير الدفاع اللبناني السابق)، وقلت له: «اذهب لرفيق الحريري، وأبلغه أن يرحل من لبنان لأن الوضع هو كذا وكذا». وبعدها بأسبوع تقريبا وقعت محاولة اغتيال مروان حمادة، وزرته، وزرت وليد جنبلاط الذي أعدّه الآن أهم اللبنانيين في السياسة، وأهمهم في إسقاط «اتفاق 17 آذار» الذي عمله أمين الجميل مع إسرائيل. المهم أنني أبلغت رفيق شفهيا بوجوب مغادرته للبنان، فرد عليّ: «لكن ماهر الأسد اتصل بي وأبلغني أنهم يريدوننا أن نعمل معا»، فرددت عليه: «هذا تمويه، صدقني.. ارحل عن لبنان، حياتك أهم». وبعدها بأسبوع اغتيل.

* عبارة «التكتل الطائفي» التي قالها بشار تعيد إلى الأذهان أوضاع العلويين في سوريا، وشعورهم بالاضطهاد، هل هذا هو ما يدفع ببشار (مثلا) والعلويين إلى رفع الشعار الطائفي أو التشدد في الانتقام؟

- نعود إلى البداية ومرحلة مرحلة.. مرحلة الوجود الفرنسي كان قسم من العلويين يتعاون مع الفرنسيين، وكذلك بعض السنّة وبعض المسيحيين. وفي المقابل، كان هناك قسم من العلويين من الكتلة الوطنية. إلا أنه كان هناك ما يشبه الطائفية العلنية في البدايات. تخيل أن جزءا كبيرا من العلويين كانوا يعملون فلاحين لدى الآخرين، وكان لديهم شعور بالظلم والإجحاف، وكانت بعدها «حركة 8 آذار» في سوريا التي قام بها ضباط بعثيون وناصريون، ثم أقدم البعثيون على إخراج الناصريين من الجيش. صلاح جديد كان علويا وفي السلطة، ومن عائلة «أغوات» (أعيان) له وزنه، ولم ينجر للطائفية، ولكن تشكلت حكومة يسار في سوريا (يسار شيوعي)، وهذا ما أحدث ردود فعل داخلية، ومن يدخل في دائرة حزب البعث، لا يستطيع الخروج عنه، وإلا كان مصيره القتل.
وتنتقل المراحل حتى أصبح حافظ الأسد وزير دفاع، ثم بدأ حافظ يجمع الضباط حوله، وأخذ يسحب الأضواء والنفوذ من صلاح جديد. ثم عقد اجتماع في قيادة حزب البعث، ووقف عدد كبير منهم مع حافظ الأسد ضد صلاح جديد، وكنت أنا منهم، وشكلت حكومة بقيادة نور الدين الأتاسي. ثم جاءت «الحركة التصحيحية» التي بعدها وصل الأسد للزعامة. هنا لعب الأسد لعبة طائفية، فقام بفتح المجال لدخول الكليات العسكرية، لكن 80 في المائة من خريجي الكليات العسكرية سنويا كانوا من العلويين. وهذا أمر مخطط له، قام الأسد بتنصيب ضباط سنّة في مناصب قيادية عسكرية لتغطية المسألة الطائفية، لكن هؤلاء لم يكن لهم أي نفوذ أو قرار، وإنما القرار هو قرار الأسد فقط، وهو المتصرف بكل شيء. كل سنتين كان يتخرج 4000 ضابط 80 في المائة منهم علويون.

* على ذكر القومية وحزب البعث، ماذا بقي من حزب البعث؟ هل لا يزال خدام مؤمنا بأفكار البعث؟

- انتسبتُ للحزب عام 1947م، ويومذاك كانت في صميم أفكاره القومية العربية والوحدة العربية، وهي الأفكار التي كان يؤمن بها جيل عربي معين. وللأمانة، كان الحزب بأفكار سامية حتى وصل إلى السلطة، فتغير المسار. مثلا يقول لك الحزب: «شرط نهوض الأمة حرية الفرد»، وفجأة يأتي الحزب ويتخذ قرارات آخر ما يمكن أن يحترم فيها حرية الفرد واستقلاليته. حزب البعث كانت له شعارات قومية عامة، آمن بها كثيرون. لكنها انتهت بعد وصوله للسلطة، بل أصبح الحزب في فترة مجرد وسيلة وليس غاية. تخيل من 4000 عضو في حزب البعث ارتفع العدد إلى أكثر من ربع مليون فقط خوفا من السلطة والقمع لا أكثر. ولذا دعني أقل: إن أفكار حزب البعث لم تعد موجودة، بل إن جيلا كبيرا من السوريين إنما انتموا إلى حزب البعث للحصول على وظيفة.

* نعود إلى الأزمة الحالية مرة أخرى؛ هل ترى أي سيناريو يمكن أن تتخلى به طهران عن سوريا بشار الأسد؟

- لا، لا يمكن.. سوريا بالنسبة لإيران مسألة حياة أو موت.

* هناك حديث عن احتمال قيام دولة طائفية في الساحل، وفي حال حدث ذلك ماذا تتوقع أن يحدث لسكان الساحل من السنّة؟

- لن يحدث ذلك.. في الساحل أكثر من 40 في المائة من السكان سنّة. وفي حال ذهب الساحل، ستصبح سوريا دولة مغلقة لا منفذ لها على البحر. ولهذا أستبعد.. أستبعد جدا أن تتكون دويلة داخل الدولة. قد تصل إلى مرحلة في النزاع الحالي يكون فيها جزء أقوى من آخر، لكن ليس بشكل مستقل أو منفصل. ودعني لأعود لما بدأنا به؛ لو أعطت الدول العربية السوريين، وليس لأحمد الجربا، أسلحة نوعية، صدقني سيسقط بشار مع نظامه في غضون شهر.

* ما إشكاليتك مع أحمد الجربا؟

- الجربا لا علاقة له مباشرة بالسوريين.. أقصد لا وجود له في الداخل السوري، ولهذا لن يستطيع أن يصنع فارقا.

* هل أنت مستعد للعب دور للمّ الشمل السوري؟ أو تسمية أشخاص قادرين على إخراج سوريا من أزمتها الحالية؟

- أنا حاولت، وما زلت أحاول، ولي اتصالاتي مع كثير من السوريين الفاعلين. وهناك تجاوب، لكن أعود لسؤالك السابق عن الجربا، فتخيل أنني بعثت مثلا رسائل لعشرات من زعماء الفصائل والسوريين المؤثرين.. وجميعهم تقريبا ردوا على ما أرسلته ما عدا أحمد الجربا، الذي قال حين سأله أحدهم: «فات الوقت». لا أعرف ما الوقت الذي فات؛ هل يضمن الجربا أنه سينزل غدا إلى دمشق؟ من يريد أن يصبح قائدا يجب عليه أن يتسع صدره للجميع ويتقبل الجميع، والجربا.

* ماذا تعني؟

- أعني أن هناك دولة عربية قامت بتأسيس «المجلس الوطني» وأتت بالإخوان المسلمين وجماعات أخرى فقط لتثبت وجودها.

* ما الدولة؟

- قطر جاءت بالإخوان المسلمين وكم شخص من المعارضة وأسست ما سمي بـ«المجلس الوطني»، ثم فشل «المجلس». من يريد أن يساعد السوريين، عليه عقد مؤتمر وطني للسوريين وأن يختار قيادة عسكرية ذات كفاءة ومدنية بالتوازي. من يحكم سوريا الآن هو «الجيش الحر». الثوار والمعارضون بحاجة إلى قيادة مركزية عسكرية ومدنية. تخيل (مثلا) لو جرى التركيز على حمص والساحل، عندها سيسقط نظام الأسد بلا شك.

* ولماذا لم يجرِ التركيز على حمص والساحل؟

- من قال إنه لم يجر التركيز عليهما؟ سأعطيك مثالا على ما حدث من خذلان للثوار في الساحل، حين طلبوا الدعم وجهوا لـ«الائتلاف»، الذي دعمهم حتى وصل الثوار إلى كسب، وقاموا بشق مسافة 50 كلم، ثم نفدت الذخيرة، لم يتبقَّ على إسقاط هذه الجبهة إلا القليل، ووقف عنهم الدعم. و«الائتلاف» وقف موقفا غريبا من هذا. لهذا يجب إقامة مؤتمر وطني شامل حتى لا يصبح القرار مزاجيا.

* كيف يمكن إذن تحقيق انتصار للثوار؟

- إذا جرى توحيد الدعم. بشار الأسد الآن يحارب بالصواريخ والطيران والدبابات، المعارضة لا تطلب طائرات أو دبابات.. بل صواريخ مضادة للدبابات والطائرات، وصواريخ متوسطة المدى أو قريبة المدى.

* نعود مرة أخرى لحزب البعث وسقوط الجولان.. سقطت هضبة الجولان، وحزب البعث كان يأمل في استرجاعها، والآن فقد تم سوريا بأكملها.. كيف؟

- ما يحدث في سوريا الآن يعيدنا إلى وقت سقوط الجولان ونكبة فلسطين. الأزمة كانت في الشعارات، أما سقوط الجولان فلم يكن خطأ حزب البعث أو القيادة، بل تراكمات أخطاء في مصر والأردن وسوريا. في سوريا، طرحت قيادة حزب البعث شعارات أكبر منها.. ولم يكن من المنطقي رفع هذه الشعارات من دون بنية أساسية جاهزة.

* إضافة إلى اللامنطق في شعارات الحزب، ألا ترى أن أيدي الحزب ملطخة بالدماء.. ولا علاقة بين سلوك أفراده والشعارات المرفوعة؟

- لا نستطيع أن نقول إن أيدي الحزب ملطخة بالدماء.. لكننا نستطيع القول إنه بعد وصول الحزب إلى السلطة حاد بعض أفراده عن أهداف الحزب.

* طائفية الجيش.. ألا يمكن تحميلها جزءا كبيرا من المشاكل في سوريا؟

- لا يوجد بيت علوي في سوريا إلا وفيه ضابط أو صف ضابط. وهذه أساس المشكلة؛ الجيش كان طائفيا وممنوع الحديث عن الطائفية. وكان هذا أساس الفساد، الدائرة المحيطة بحافظ الأسد كانت تمارس الفساد.

* ماذا بقي من البعث؛ من يمثله؟

- لم يعد هناك شيء.. لم يبق شيء.

* لماذا تخلى عنك بشار الأسد، أو لماذا تركته أنت؟

- أنا من عزمت الرحيل، وحضرت اجتماعا لقيادة الحزب لمدة ساعة ونصف الساعة... تحدثت مع القيادة عما يجب فعله مستقبلا. وبالمناسبة، أنا لم أعمل معه كثيرا، والرحلة الخارجية الوحيدة مع بشار هي إلى طهران قبل دخول الجيش الأميركي للعراق. يومذاك ذهبنا إلى طهران والتقينا بالإيرانيين، وفجأة طرح بشار عليهم تدريب فصائل شيعية مقاتلة، لقتال الأميركيين في العراق في حال دخولهم. الإيرانيون أبدوا تحفظا. كان لدى الإيرانيين ارتباط واتصال بالفصائل العراقية، ولا حاجة لتشكيل وحدات مقاتلة.

* كيف يقوم بشار بهذا الطرح في الوقت الذي كانت فيه الحدود السورية - العراقية شبه مفتوحة للإرهابيين لدخول العراق؟

لم تكن الحدود مفتوحة بهذه الطريقة، لكن فعلا كان هناك ما يشبه التساهل في مرور من يريد الذهاب إلى العراق. بل هناك قصة غريبة؛ كان هناك قرابة 1800 معتقل من جنسيات مختلفة في السجون السورية في بداية الأزمة العراقية، وقام الأمن العام السوري بإيعاز من بشار بإطلاق سراح كل هؤلاء وتوجيههم بشكل غير مباشر للعراق، حسب حديث بعض الضباط المقربين من أجهزة الأمن.

* كيف كان الموقف الأميركي من هذا التصرف؟

- الأميركان كانوا غاضبين، السفير الأميركي التقى ببشار، وطلب منه ثلاثة أمور، أولها إغلاق الحدود بشكل كامل وتأمينها، والانسحاب السوري من لبنان، وإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية في سوريا، وقام بشار الأسد بتنفيذ هذه الطلبات الثلاثة بشكل كامل.

* متى كان هذا؟

- لا أتذكر تحديدا، لكن بعد أشهر قليلة جدا من دخول الأميركان للعراق.

* ونفذ جميع طلباتهم؟

- نعم، نفذ جميع طلباتهم بلا تردد.

* ماذا فعل الإيرانيون لاحقا باقتراح بشار؟

- الإيرانيون كانوا أذكياء في استخدام الجماعات المسلحة في العراق. بل حتى استخدموا الجماعات الموالية لصدام حسين لقتال الأميركان ثم وجهوا نيران تلك الجماعات ضد بعضها بعضا.

* بعيدا عن هذا، دعني أسألك سؤالا مباشرا.. من الذي اغتال غازي كنعان؟

- هناك نظريتان؛ الانتحار أو الاغتيال. آخر مكالمة له مع صحافية لبنانية، قال لها: «هذه آخر مرة تسمعين فيها كلامي». وهناك نقطة أن المنتحر يموت برصاصة، وكان في رأسه رصاصتان. وأهله هم من رجحوا نظرية الاغتيال، إذا كان هناك قتل فهو من الأمن بتوجيه من بشار الأسد. وبشار الأسد طلب غازي كنعان صباحا يوم اغتياله، وقال له بالنص: «روح رتب حالك، أو حنا نرتبك»، وغازي كنعان ذهب، وأخذ مسدسه، وتحدث إلى الصحافية اللبنانية، وبعدها قتل. والسبب كما قيل إن غازي كنعان اعترف بعض الاعترافات ضد نظام بشار، وتورطه بكثير من القضايا الأمنية.

* ملف الاغتيالات في لبنان.. هناك من يقول إنك كنت على رأس المهندسين؟

- لا يمكن أن أقبل بهذا الاتهام، ولا أريد تحميل النظام السوري مسؤولية مباشرة في حال غياب معلومات دقيقة.

* رشيد كرامي مثلا؟

- ميليشيات الموارنة هي من اغتالته.

* المفتي حسن خالد وكمال جنبلاط؟

- اغتياله جاء بعد آراء له ضد السياسة السورية، لكن لم يكن واضحا من اغتاله. وكمال جنبلاط كذلك كانت به خلافات ومشاكل مع حافظ الأسد. هل الأمن السوري متورط في اغتيالهما؟ قد يكون، وقد لا يكون.

* في ذكر الاغتيالات، من حاول اغتيال الآخر أكثر من مرة؟ صدام حسين أم حافظ الأسد؟

- صدام حسين حاول وخطط لاغتيال حافظ الأسد أكثر من مرة، وأنا خطط لاغتيالي ثلاث مرات، آخرها أصبت بطلق ناري.

* ما السبب؟

- السبب هو مواقف الحكومة السورية أو خطاباتها في اجتماعات جامعة الدول العربية، وصدام حسين كان يريد أن يكون رأيه الأقوى والمتفرد بكل شيء.

* هل من شواهد؟

- كثيرة، لكن هناك قصة عبد الفتاح بومدين؛ زار العراق والتقى بصدام حسين، وسأله: «لماذا خططتم لاغتيال خدام أربع مرات؟». ورد عليه صدام حسين: «تقصد ثلاث مرات»! وصدام حسين لا يوجد عنده ميزان في عقله؛ مرة تجده هادئا متزنا، ومرة فاقدا لأعصابه.

* جمعية المرتضى، التي كانت تشرف على نشر الثقافة العلوية والشيعية في سوريا، أين هي الآن؟

- انتهت، من أقام الجمعية هو جميل الأسد أخو حافظ، وهو انتهازي حاول تأسيس الجمعية للحصول على المال فقط، لكن الجمعية انتهت تقريبا.

* آخر سؤال، الأزمة السورية هل ستبقى عشر سنوات مقبلة كما قالت مؤسسات استخباراتية عالمية؟

- إذا أرادوا هم كذلك، فستبقى أكثر من 20 سنة، وإذا أرادوا فسينتهي بشار الأسد في شهر واحد. ويجب عليهم أن لا يقلقوا من الجماعات المسلحة، لأنها ستنتهي بعد سقوط بشار.



«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المبرم قبل نحو شهرين، وسط حديث إسرائيل عن أن هناك تعثراً وشروطاً إسرائيلية للانتقال لتلك المرحلة.

تلك الجهود التي تشمل تحركات واتصالات أميركية ومصرية بخلاف اجتماع عسكري بالدوحة، تعزز فرص التوصل إلى حل لإنهاء تعثر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن هناك ترقباً للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحسم الانتقال من عدمه.

وعاد الحراك الأميركي بشأن غزة مكثفاً، وأطلع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مبعوثا ترمب، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على المستجدات بشأن اتفاق غزة خلال مؤتمر عبر الفيديو، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».

فلسطيني يجمع قوالب الخرسانة الخفيفة لبناء مأوى لعائلته قبل حلول فصل الشتاء في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن توم برّاك مبعوث ترمب يصل إلى إسرائيل، الاثنين، لبحث بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن «الزيارة بالغة الحساسية، وتقيّم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، وتعكس نفاد صبر الرئيس ترمب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته لقطاع غزة، وستناقش قوات الاستقرار بغزة».

وأوضحت أن «برّاك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، بفضل قدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، ولكن إسرائيل تعدّ ذلك خطاً أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع (حماس) لا يمكن أن يُصنف قوةَ استقرار، وإشراكه (في القوة الدولية) قد يقوض الاتفاق».

ورأت الهيئة زيارة برّاك، رغم أنه مهتم أكثر بشؤون سوريا ولبنان، «خطوة تحضيرية مباشرة للقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب بفلوريدا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي»، في ظل انشغال ويتكوف وكوشنر بملف أوكرانيا.

وتأتي تلك الزيارة عشية استضافة الدوحة اجتماعاً للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة 25 دولة، الثلاثاء، لبحث هيكل القيادة وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة، بحسب ما ذكره مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» قبل أيام.

وسبق أن تحدثت القناة «14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة إلى إمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، أن المساعي الأميركية تعكس وجود ضغوط لتسهيل التفاوض بشأن المرحلة الثانية، التي تبدو معقدة للغاية مع مساعي نزع سلاح القطاع وتشكيل قوات الاستقرار ولجنة إدارة القطاع، مشيراً إلى أن «تلك الملفات لم تحسم بعد، وليست هناك ملامح بشأن إنجازها قريباً والأمور ضبابية».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، بأنه «أياً كانت المساعي فيجب أولاً وقف التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تضغط واشنطن بقوة على نتنياهو، غير ذلك ستذهب التحركات الأميركية بلا نتائج مؤثرة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن توجه للقفز للبند 17 من اتفاق غزة الذي يسمح ببدء تحركات فردية إسرائيلية في أماكن سيطرتها وإعمارها، وهذا أمر خطير».

ووسط تلك المساعي الأميركية، والمخاوف، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب، وأهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر أمني، أن تنفيذ المرحلة الثانية «غير وشيك»، مع استمرار مساعي إسرائيل لاستعادة جثة الرهينة ران غويلي، التي تعد آخر جثة تطالب باستعادتها من قطاع غزة، فيما أفاد موقع «والا» العبري بأن تل أبيب تربط التقدم في الاتفاق باستعادة الجثة.

ويرى السفير هريدي أن إسرائيل تتعمد إفساد التوجه للمرحلة الثانية بتلك الذرائع، مشيراً إلى أن «القاهرة تعمل على إنهاء تلك الذرائع وتوسيع دائرة التحركات، لدفع واشنطن نحو إجبار نتنياهو على تنفيذ الاتفاق، وهذا سيتضح أكثر خلال لقاء القمة مع ترمب أواخر الشهر».

وشدد الرقب على أن «محددات المرحلة الثانية 3 أمور رئيسية؛ هي وصول قوات الاستقرار، وتشكيل لجنة إدارة القطاع، ووجود جهاز شرطي فلسطيني لتسلم غزة، وجميع ذلك لم يحدث، وبالتالي سيتأخر الانتقال لتلك المرحلة، ما لم يحسم ترمب الأمر مع نتنياهو خلال القمة المرتقبة».


الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.


أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
TT

أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)

على الرغم من أن التدخلات التنموية في اليمن تمكّنت من إحداث فارق ملموس في تحسين سبل العيش، تزداد تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من اتساع فجوة تمويل الأعمال الإنسانية في اليمن، مع سعيها إلى الاستجابة الطارئة لحماية الأطفال والفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مستويات شديدة من نقص الاحتياجات.

نفاد الإمدادات

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن حاجتها إلى 126.25 مليون دولار، لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلاد للعام المقبل، وضمان استمرار خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم والحماية لملايين الأطفال الذين يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، محذرة من أن استمرار التدهور قد يحرم أعداداً متزايدة من الرعاية الأساسية.

وتراجعت حاجة «اليونيسف» إلى تمويل نشاطها في اليمن للعام المقبل بنسبة 40 في المائة عن العام الحالي، الذي طلبت فيه تمويلاً بمبلغ 212 مليون دولار.

ونبهت المنظمة الأممية إلى أن إغلاق أكثر من 3000 مركز تغذية، ونفاد الإمدادات الحيوية بحلول أوائل العام المقبل، يجعلان حياة مئات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر.

ملايين الأطفال اليمنيين يواجهون خطر سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية (الأمم المتحدة)

بدورها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نداء تمويلياً بقيمة 86.57 مليون دولار، لدعم سُبل العيش الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود لنحو 9.15 مليون شخص في اليمن خلال العام نفسه.

تدخلات زراعية

تقدّر «فاو» أن اليمن يُعد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 41 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة، بعد عقد من بدء النزاع المسلح، والتطورات الأخيرة التي عطّلت سلاسل التوريد، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والتغيرات المناخية القاسية.

ويتوقع المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، أن نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن سيساعد بشكل كبير على تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية وتغيير مسار العمل الإنساني وبيان أثرها، داعياً إلى الشراكة بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص في اليمن، لتوفير السلع الأساسية والشراء من السوق المحلية.

فجوة تمويل الإغاثة في اليمن تهدد بتراجع كبير في القدرة الشرائية للسكان وفق خبراء (أ.ف.ب)

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يبدي المسؤول الإغاثي الحكومي قلقه من أن اختطاف الجماعة الحوثية العاملين في الوكالات الأممية، وممارسة الابتزاز باستخدام الورقة الإنسانية سيعوقان أداء المنظمات ويؤثران سلباً على الدعم الخارجي، مبدياً تفاؤله بأن تؤدي الإجراءات الاقتصادية الحكومية إلى تحسين أسعار المواد الأساسية، مما يساعد في تحسين القوة الشرائية.

وتوضح الوكالة الأممية أن 17.68 من التمويل سيُوجّه إلى صالح تدخلات زراعية طارئة لتحقيق تعافي سُبل المعيشة، ويشمل ذلك توزيع البذور، وتطعيم الماشية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية والمائية، في مساعٍ للحد من اعتماد السكان الكامل على المساعدات الغذائية، فيما سيُستخدم المبلغ المتبقي لتعزيز القدرة على الصمود للفئات المستهدفة.

وبسبب مواجهة برنامج الغذاء العالمي عجزاً كبيراً في تمويله، تم تقليص المستفيدين من خدماته إلى النصف، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وسحب ما بين 200 و300 مليون دولار سنوياً من الأسواق المحلية، حسبما أورده المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، فارس النجار.

تعزيز صمود الريف

وبينما يحتاج البرنامج الأممي إلى أكثر من 300 مليون دولار للستة الأشهر المقبلة، لم يحصل سوى على 106 ملايين دولار فقط.

طفل يتلقى العلاج من سوء التغذية في أحد مستشفيات صنعاء (الأمم المتحدة)

ويقدّر النجار أن سوء التغذية سيؤدي إلى خسارة مستقبلية في إنتاجية الفرد ما بين 10 و15 في المائة، مما يعني اقتصاداً أصغر وناتجاً أقل لعقد كامل إذا لم تجرِ حماية الفئات الأضعف، لافتاً إلى أن عدم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية سيضع اليمنيين أقرب من أي وقت مضى أمام سيناريوهات المجاعة.

في غضون ذلك، كشف الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) عن أن التدخلات التنموية متوسطة المدى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً حتى في ظل استمرار النزاع، وأن هذه التدخلات عززت من تحسين سبل العيش والأمن الغذائي لعشرات الآلاف من السكان في المناطق الريفية في اليمن، رغم استمرار النزاع وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.

جاء ذلك بعد أن أظهر مشروع تنمية سبل العيش الريفية، المنفذ بين عامَي 2021 و2024، أن تحسين الوصول إلى المياه وتحديث أنظمة الري أسهما في خفض استهلاك المياه بنسبة وصلت إلى 80 في المائة، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسين دخل آلاف الأسر في خمس محافظات يمنية.

تنمية سبل العيش الريفية تُسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتحسين دخل آلاف الأسر (إيفاد)

وذكر «إيفاد»، في تقرير حديث، أن إجمالي تمويل المشروع وصل إلى 5.3 مليون دولار، وشمل 5 محافظات و31 مديرية، واستفاد منه أكثر من 84 ألف شخص في نحو 12 ألف أسرة ريفية. وركزت التدخلات على تحسين الوصول إلى المياه، وإعادة تأهيل أنظمة الري، وحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات، بالإضافة إلى دعم المزارعين بمدخلات زراعية وتدريب تقني.

ونوه «إيفاد» إلى أن اعتماد نهج التعاقد المجتمعي، بالشراكة مع صندوق التنمية الاجتماعية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، مكّن المجتمعات المحلية من قيادة عملية التخطيط والتنفيذ، مما عزّز الحوكمة المحلية والتماسك الاجتماعي في بيئات تعاني هشاشة مؤسسية شديدة.

وبيّن التقرير أن تحديث البنية التحتية المائية أسهم في خفض استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وتحسين إنتاجية المزارعين، إلى جانب حماية 131 هكتاراً من الأراضي الزراعية. كما استفاد أكثر من 3300 مزارع من المدارس الحقلية والأعمال الزراعية، فيما تلقت 4000 امرأة ورجل تدريبات في مجالات التغذية والزراعة المنزلية.