لبنان: زيادة التفاؤل بحماية التسوية عبر تكريس «النأي بالنفس»

مصادر تشير إلى «تجاوب}... وبلورة الحل {تتطلب وقتاً}

الحريري مع زوار أمام بيته اول من امس (إ.ب.أ)
الحريري مع زوار أمام بيته اول من امس (إ.ب.أ)
TT

لبنان: زيادة التفاؤل بحماية التسوية عبر تكريس «النأي بالنفس»

الحريري مع زوار أمام بيته اول من امس (إ.ب.أ)
الحريري مع زوار أمام بيته اول من امس (إ.ب.أ)

ارتفع منسوب التفاؤل في لبنان حول إمكانية إنقاذ الوضع والتسوية السياسية التي كانت قد اصطدمت بعوائق عدة أبرزها الخروج عن سياسة «النأي بالنفس» التي عادت وباتت المطلب الأساسي والأبرز، الذي يتمسك به رئيس الحكومة سعد الحريري لإعادة إنتاج اتفاق جديد ينجح في «تعويم الحكومة».
وفي وقت كانت فيه لهجة التهدئة من قبل «حزب الله» لافتة، منذ خطاب أمين عام الحزب الأخير، وما صدر يوم أمس في بيان كتلته النيابية، نشطت الاتصالات منذ اللحظة الأولى لإعلان الحريري تريثه في تقديم استقالته، بحيث تتركز المباحثات، بحسب مصادر مطلعة، «بشكل أساسي، بين الرؤساء الثلاثة؛ الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري ومجلس النواب نبيه بري، الذي يتواصل بدوره مع (حزب الله) المعني الأساس بأي اتفاق جديد من شأنه إعادة تعويم الحكومة».
ويلعب رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط دوراً محورياً في الحراك السياسي الحاصل على أن تتوسع الدائرة في المرحلة اللاحقة لمختلف الأطراف. وكان جنبلاط قد علّق، أمس، على الوضع اللبناني قائلاً: «أقل ما يمكن قوله إن الأحوال التي تمر بها البلاد هي لا شك استثنائية لذلك يستوجب الأمر حلولاً استثنائية. وإنني على يقين كامل بأننا سنتوصل إليها لصالح الاستقرار السياسي ويستوجب هذا الأمر مشاركة الجميع دون استثناء».
وصرح النائب جنبلاط بعد لقائه الحريري، أمس: «ما طرحه رئيس الحكومة عن الاستقرار مهم جدا، ونتمنى عليه أن تطول لحظة التريث وأن تعود المياه إلى مجاريها، والبلد بحاجة إلى تثبيت التسوية».
وأكد وزير الزراعة غازي زعيتر، والنائب في كتلة التنمية والتحرير، لـ«الشرق الأوسط» أن «الرئيس بري يقوم بكل الجهود اللازمة لإنقاذ لبنان واستقراره، وإنقاذ التسوية الأخيرة التي أدّت إلى انتخاب عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة، وبالتالي المحافظة على استقرار لبنان الذي نتج عن هذه التسوية وكان واضحاً خلال السنة الأولى من العهد».
ووصفت مصادر الحريري الحراك السياسي بالقول إن «الأجواء مواتية لإنقاذ التسوية اللبنانية والاتصالات لا تزال مستمرة بانتظار تبلور نتائجها بشكل نهائي، وهو ما قد يحتاج إلى بعض الوقت»، لافتةً إلى أن رئيس الحكومة سلّم رسالة واضحة إلى بري الذي بدوره سيتباحث بشأنها مع «حزب الله». وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «الحريري لم يطرح تسوية جديدة، إنما لا شكّ أن التوافق على أي أمور جديدة سيحتاج إلى إعلان أو اتفاق جديد قد يكون شبيهاً بالإعلان الوزاري أو معدلاً بعض الشيء كي يتحمّل كل طرف مسؤوليته»، مشيرةً إلى أن مطالب الحريري باتت واضحة للجميع ويمكن القول إن هناك تجاوباً في مقاربتها من قبل الجميع، وهو الأمر الذي أدى أساساً إلى اتخاذ الحريري قرار التريث بالاستقالة.
وكان الحريري أكد بعد لقائه بري، مساء أول من أمس، أن رئيس مجلس النواب أبدى إيجابية كبيرة في الأمور التي طرحها، قائلاً: «تكلمنا في موضوع التشاور الذي سنقوم به، أكان أنا أم هو، حول موضوع النأي بالنفس الذي على الجميع الالتزام به لتجنيب لبنان، أي مصاعب وتحصين علاقتنا مع أشقائنا العرب».
في المقابل، وعلى خط «حزب الله»، قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد إن «حزب الله منفتح على كل ما يحفظ الأمن والسلم الأهلي، وكل ما يعيد حركة الدولة إلى سياقها الطبيعي»، بينما جدّدت مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» استعداده للحوار حول التسوية السياسية وتحييد لبنان عن النزاعات الإقليمية.
وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشاركة الحزب في العراق وسوريا كانت قبل تشكيل الحكومة والتسوية الرئاسية، لكن رغم ذلك حرصنا ولا نزال على فصل الملف اللبناني عن النزاع الإقليمي وعدم إدخاله في أتون الحرب، ومستعدون اليوم للدخول في أي حوار من أجل الوصول إلى حلّ وحماية لبنان»، مضيفة: «كما أكدنا عدم مشاركتنا في الحرب باليمين، سبق أن قلنا إنه عندما ينتفي سبب وجودنا في العراق وسوريا سننسحب من المعركة، وهذا ما حصل اليوم في العراق وسيحصل في الوقت المناسب من سوريا».
إلى ذلك، ترأس رئيس الحكومة يوم أمس اجتماعاً لكتلة «المستقبل» النيابية والمكتب السياسي والمكتب التنفيذي لـ«تيار المستقبل»، خصص للاطلاع من الحريري على التطورات السياسية، محلياً وإقليمياً، وتقييمه لمستجدات المرحلة وكيفية مقاربتها والتعامل معها.
وعبّر المجتمعون بحسب بيان صادر عنهم عن «الارتياح التام لعودة الرئيس سعد الحريري إلى موقعه الطبيعي في قيادة المسيرة السياسية والوطنية، معتبرين أن التحرك الذي سعى ويسعى إليه التزام مسؤول بالخيارات التي تحمي استقرار البلاد، وتجنبه مخاطر الانزلاق في الحرائق المشتعلة من حوله».
وأكد البيان أن «قرار الحريري بالتريث هو خطوة حكيمة لأجل المزيد من التشاور، حول الأسباب والخلفيات، وإعادة الاعتبار إلى مفهوم إعادة النأي بالنفس عن الحروب والصراعات المحيطة، والامتناع عن كل ما يسيء إلى علاقات لبنان بأشقائه العرب، ورفض تدخل أي جهة لبنانية أو إقليمية في الشؤون الداخلية للبلدان العربية».
من جهتها، اعتبرت كتلة حزب الله النيابية أن «عودة رئيس الحكومة إلى البلاد والتصريحات الإيجابية التي صدرت عنه، والمسار الإيجابي الذي تسلكه المساعي والمشاورات تبشر بإمكانية عودة الأمور إلى طبيعتها».
وعبّرت الكتلة في بيان لها عن «ارتياحها الكبير لمآل التطورات السياسية في لبنان، وأعربت عن اعتزازها بالإدارة الاستثنائية والمميزة التي يتولاها فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في هذا الاتجاه بمؤازرة وتضامن دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، وترى في تعاون الأطراف المعنية من أجل معالجة ما تبقى من آثار للأزمة التي نشأت، مؤشرات واعدة يبنى عليها للتوصل إلى إيجاد المخارج المناسبة».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.