مشاورات مكثّفة تسبق عودة الحريري وصعوبة تطويق الاستقالة

TT

مشاورات مكثّفة تسبق عودة الحريري وصعوبة تطويق الاستقالة

تترقب الأوساط السياسية في لبنان، عودة رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري إلى بيروت، للاطلاع عن قرب على الموقف الذي سيتخذه غداة مشاركته في ذكرى الاستقلال غداً، ولقائه، قبل الاحتفال أو بعده، رئيس الجمهورية ميشال عون وتسليمه استقالته خطياً، التي يدخل معها لبنان مرحلة من التحركات والمشاورات لتدارك تبعات الاستقالة، أو محاولة إحياء التسوية السياسية، التي أطاح بها «حزب الله»، عبر إمعانه بالتوغل في حروب المنطقة.
وبموازاة المشاورات التي يجريها الحريري مع فريقه السياسي ومستشاريه في العاصمة الفرنسية، وانتقاله اليوم إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تنشط الحركة السياسية في بيروت، لرأب الصدع الذي خلفته الاستقالة التي يتمسّك بها الحريري وفق مقرّبين منه، والبحث عن مخارج تجنّب لبنان التوترات، خصوصاً بعد بيان وزراء الخارجية العرب شديد اللهجة حيال «حزب الله»، الذي تبعه موقف تصعيدي من الحريري نفسه، الذي هاجم إيران بشدة وسياستها في المنطقة.
ويبدو أن كل الأطراف تتهيّب دقة المرحلة المقبلة، من دون أن تقدّم صورة واحدة للمشهد المقبل، حيث رأى الوزير السابق والنائب الحالي بطرس حرب، أن «من المبكر إطلاق تصورات للمرحلة المقبلة، قبل عودة الحريري، والاستماع إلى القرار الذي سيتخذه»، غير أنه أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «لبنان مقبل على تغيير ما، لكن يبقى السؤال، ما التغيير؟ ومن أين يأتي؟ وما انعكاساته على الحياة السياسية في لبنان؟». ولفت حرب إلى أن «استقالة الحريري لن تمرّ من دون نتائج، لكن لا أحد يتكهّن بحجم المشكلة التي ستتركها، ولا أحد قادر على أن يراها الآن». وأشار إلى أنه «إذا كان الهدف التأسيس لتسوية جديدة علينا أن نترقب ماهية هذه التسوية، وإلى أي حدّ يمكن أن يلتزم بها الطرف الآخر؟».
من جهته، رأى منسق الأمانة العامة السابق لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، أنه «بعدما انتهت شكليات الاستقالة، دخل لبنان في مرحلة الأسباب الموجبة لهذه الاستقالة، وهي صلب الحقيقة وجوهر الأزمة». وأبدى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، اعتقاده، أن «البعض يعوّل على موقع رئيس الجمهورية ميشال عون، كصديق لحزب الله، القادر على انتزاع تنازلات من الأخير، تؤدي إلى انفراج داخلي، وبرفض الحزب تقديم تنازلات نكون أمام انهيار للتسوية التي لن تقتصر على رئيس الحكومة، بل ويتهدد موقع رئيس الجمهورية، باعتبار أن التسوية السابقة شملت موقعي الرئاستين الأولى والثالثة».
وفي اعتقاد الكثيرين أن «حزب الله» لن يغير في سياسته، وبالتالي فإن الوضع اللبناني مقبل على مزيد من التعقيد، وفق ما أوحى به فارس سعيد، الذي لفت إلى أن «الدور السلبي الذي يلعبه الحزب في المنطقة، وصل إلى حائط مسدود، من هنا تقع المسؤولية اليوم على رئيس جمهورية لبنان، للوصول إلى عناصر تسوية جديدة، قبل أن تسوقنا الأحداث المتسارعة إلى انهيار شامل». وقال: «نحن مقبلون على مرحلة تقوم على معادلتين؛ الأولى تقول إن الاستقرار في لبنان يأتي عبر الاستسلام لشروط حزب الله، والثانية تؤكد أن الاستقرار لا يتأمن إلا بتطبيق الدستور، والالتزام بقرارات الجامعة العربية والقرارات الدولية».
ولا يختلف اثنان، على ضبابية المرحلة المقبلة، بالنظر لأن الخيارات محدودة جداً أمام اللبنانيين، حيث أوضح عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» مصطفى علوش، أن «المحطة المفصلية، ستكون عند لقاء الحريري برئيس الجمهورية، والموقف الذي سيعلنه بعد هذا اللقاء». واستبعد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إبرام تسوية مع «حزب الله». وقال علوش: «التسوية السابقة كانت مع الرئيس عون الذي تعهّد بأن يضمن حزب الله ويلتزم بحياد لبنان، في حين أن مواقف صهره وزير الخارجية جبران باسيل في الخارج، كانت تعبّر عن وجهة نظر الحزب».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.