أوركسترا شيكاغو السيمفونية على ضفاف المحيط الهادي

TT

أوركسترا شيكاغو السيمفونية على ضفاف المحيط الهادي

كانت سرعة إيقاع الموسيقى تضبط قبل القرن التاسع عشر بشخص يضرب خشبة المسرح بعصا ثم جاء اختراع الميقات أو الكرونومتر وأصبح للفرقة الموسيقية قائد يسمى المايسترو لضبط درجة السرعة في العزف، والآن نرى أمامنا فرقة شيكاغو السيمفونية وعددها يزيد على مائة عازف بقيادة المايسترو الإيطالي الشهير ريكاردو موتي تفتتح الموسم الفني في سان دييغو في أجمل حفل من نوعه وتبرع تحت قيادته المذهلة في برنامج حافل لموسيقى شوبرت وموتسارت وشومان.
يعود الفضل في ذلك إلى جمعية لا هويا الموسيقية وعلى رأسها كريستين لانسينو التي تستحضر أفضل وأقوى العناصر الفنية في العالم لترفيه وتعليم جمهور المدينة النفيسة سان دييغو على ضفاف المحيط الهادي، فهي الخبيرة في التخطيط والبرمجة منذ عملها في قاعة كارنيغي الموسيقية المعروفة بنيويورك.
يعتبر ريكاردو موتي من أكبر قادة الأوركسترا في العالم وقد عمل لمدة 19 سنة مديراً فنيا لأوبرا لاسكالا العريقة في ميلانو بإيطاليا، وهو من أبرز وأذكى الشخصيات الموسيقية المعروفة وسيقود الحفل السنوي لرأس العام الجديد من فيينا في نهاية السنة الحالية حيث سيشاهده الملايين في أرجاء المعمورة كافة على شاشات التلفزيون.
بدأ حفل الافتتاح بالسيمفونية الناقصة (رقم 8) للموسيقار النمساوي فرنز شوبرت، ولاحظنا منذ اللحظة الأولى أنّنا أمام فرقة موسيقية بارعة وهي أوركسترا شيكاغو السيمفونية التي تأسست عام 1891 ولها صوتها الخاص في العزف حتى قبل أن يتولى قيادتها فريتز راينر ثم جورج شولتي، فحين قادها الموسيقار الألماني المشهور ريتشارد شتراوس عام 1902، في قطعته «هكذا تكلم زرادشت» أعجب بجودتها لأنّها لم تتطلب سوى مرة واحدة للتمرين على العزف (البروفة). كان الانسجام كاملا بين العازفين وبين ريكاردو موتي الذي أبرز صوت الآلات الوترية ولم يسمح للآلات النحاسية بأن تطغى على الصوت والألحان.
أعطانا موتي رؤيته لشوبرت كشخص عادي موهوب يمتاز بالتواضع وبعاطفة طبيعية غير متكلفة تشارك الإنسانية في أحاسيسها وانفعالاتها ويعبر عن عبقريته بالألحان العاطفية. توفي شوبرت عام 1828 وعمره 31 سنة وقد ألّف هذه السيمفونية قبل أعوام من وفاته وعمره 25 سنة، ولم تعزف في حياته
تضمن الحفل أيضا كونشرتو الكلارينت والأوركسترا لموتسارت وكان الأداء جيدا رغم تخلله لبعض التريث، إنما القطعة المدهشة كانت السيمفونية الثانية للموسيقار الألماني روبرت شومان. ألف شومان هذه القطعة بعد عودته مع زوجته كلارا عازفة البيانو البارعة من زيارتهما لروسيا عام 1844 حيث أصيب بالكآبة والحزن ولكن لا نرى أثرا لوضعه النفسي في هذا العمل البديع، بل على العكس نشعر بالسعادة والشمس الساطعة والإشراق والقوة ويبدو أن الفن واللحن داويا الجراح فشفي شومان واكتشف نفسه من جديد. كان شومان من النوع المثالي الانطوائي الذي يستبطن أفكاره ودوافعه ومشاعره وأحد قادة الحركة الرومانسية في ألمانيا.
أثبت موتي جدارته وشخصيته القوية وعمق معرفته الواسعة بهذا العمل وكانت طريقته في تفسير السيمفونية الثانية واقعية ومتوازنة وتعبر عن مشاعر المؤلف الدفينة ففيها قوة العاطفة والنبض الألماني الغنائي والإحساس الإنساني المصقول النقي. ومن أفضل تسجيلات هذه القطعة نجد تسجيلا قديما لأوركسترا شيكاغو السيمفونية بقيادة قائدها الأسبق فريتز رينر.
برهن موتي أنّه في غاية الانسجام مع أوركسترا شيكاغو السيمفونية فحياته الحافلة وخبرته الطويلة أهلته لذلك. ولد موتي في نابولي بإيطاليا عام 1941 وكان أبوه طبيبا قدر موهبته الفنية إنما أصر عليه أن يكمل دراسته الثانوية في فرع الأدب والفلسفة وبعدها درس في المعهد الموسيقي (الكونسرفتوار) في نابولي وكان أستاذه تلميذا لعازف البيانو المرموق ألفريد كورتو ثم انتقل إلى المعهد الموسيقي في ميلانو وتتلمذ على يد المايسترو أنطونيو فوطو المعروف بتسجيلاته الخالدة للأوبرا الإيطالية مع مغنية السوبرانو ماريا كالاس. قاد موتي بعد تخرجه المهرجان الشهير بمدينة فلورنسا المسمى «ماجيو موزيكاليه» ثم شارك في مهرجان سالزبورغ الموسيقي بالنمسا وقدم عرضا كاملا لأول مرة لأوبرا روسيني عن البطل وليم تيل عام 1972، وبعدها تسلم منصب قائد أوركسترا فلهرمونيا في لندن خلفا لقائدها المعروف أوتو كلمبرير وأضاف إلى سجله فيما بعد قيادة أوركسترا فيلادلفيا في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى دار أوبرا لاسكالا بميلانو وكان ضيفا مستمرا لأوركسترات برلين وفيينا ونيويورك الفلهرمونية كما سمي قائدا للأوركسترا مدى الحياة في دار الأوبرا بروما عام 2010. ومما يذكر هناك أنّه قدم أوبرا «نابوكو» لفيردي وهو من أفضل من قدم أعمال فيردي في العالم وحين غنت الجوقة الموسيقية (الكورس) أغنية «يدور في ذهني».
يتابع موتي باهتمام أحداث العالم فكان من الرواد الذين أقاموا حفلا موسيقيا في البوسنة أثناء أزمة يوغوسلافيا وتفككها كما زار سوريا قبل بدء مشاكلها الراهنة وأقام حفلا موسيقيا في مدينة بصرى بمشاركة عازفين إيطاليين وسوريين ورسالته دوما هي رسالة سلام وصداقة، وذكر لي بعد انتهاء الحفل في سان دييغو أنه عاد مؤخرا من زيارة طهران بعد إعادة تشكيل الفرقة السيمفونية هناك بقيادة شهرداد روحاني منذ انقطاعها عن العزف لمدة 45 سنة أيام شاه إيران لأن الثورة الإيرانية منعت الموسيقى الغربية وحتى الشرقية خلال عهد الخميني. وذكر موتي أنه كان سعيدا لعزف مشترك لموسيقى الفنان الكبير فيردي بين أوركسترا شيروبيني للشباب الإيطالية وأوركسترا طهران السيمفونية، وأضاف أنه قال لهم إن موسيقى فيردي هي للجميع وليست حكرا على الغرب لأنه كان فنانا قوميا يؤمن بالوطنية والإخوة والحرية. وهكذا يستخدم موتي الموسيقى للحوار والتقارب بين الحضارات.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.