«داعش» و«القاعدة»... جنوب آسيا حاضنة إرهابية

كثافة سكانية عالية وآلاف من الجزر الصغيرة التي يمكن اعتبارها حصوناً ومخابئ

طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)
طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)
TT

«داعش» و«القاعدة»... جنوب آسيا حاضنة إرهابية

طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)
طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)

هل بات وصول قطار الأصولية والإرهاب من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا قدراً مقدوراً في زمن منظور؟
يبدو الجواب «نعم» بالفعل، بعد سلسلة الاندحارات التي لقيها التنظيم في العراق وسوريا، وعليه تفيد كثير من المشاهد من حولنا بأن أعضاء؛ بل وقيادات التنظيم، قد أخذت بالفعل في نقل ما تبقى من أموال وعناصر الجماعة إلى كثير من دول جنوب شرقي آسيا.

على أن السؤال الأولي: هل التوجه إلى جنوب شرقي آسيا فقط هو خيار «داعش» وغيرها من الجماعات الأصولية فقط، أم أن هناك مواقع ومواضع أخرى حول العالم، مرشحة بدورها لأن تكون أرضية لانطلاقه جديدة لأعمال الإرهاب حول العالم؟
المؤكد أن القارة السمراء «أفريقيا» تبقى خياراً ثانياً مرجحاً لأن تنقل إليها معسكرات تدريب واستقطاب عناصر جديدة من «داعش» و«القاعدة»، غير أن الأرضية هناك قد لا تكون ممهدة في الحال لأسباب كثيرة، وفي حاجة لسنوات عمل طويلة، فيما منطقة جنوب شرقي آسيا تكاد عوامل جغرافية وديموغرافية أن تجعل منها الخيار النموذجي الذي يعوض التنظيمين فقدهما لقواعدهما في الشرق الأوسط. والسؤال: لماذا وكيف؟

منطقة جاذبة للإرهاب
يبدو بالتحليل المدقق أن هناك عوامل كثيرة تجعل المناخات ملائمة لأن تكون منطقة جنوب شرقي آسيا منطقة حاضنة للإرهاب المستقبلي، وفي المقدمة منها الكثافة السكانية العالية لأغلبية دولها؛ لا سيما إندونيسيا التي يبلغ تعداد سكانها نحو 260 مليون نسمة، وهناك يمكن لـ«داعش» الحصول بسهولة ويسر على الآلاف من المتطوعين الجدد.
ناهيك عن الأعداد، فإن الجغرافيا، التي هي ظل الله على الأرض، تزدحم في تلك المنطقة بعشرات الآلاف من الجزر الصغيرة التي يمكن اعتبارها حصوناً ومخابئ للعناصر الإرهابية الهاربة، عطفاً على وجود حالة من غياب التنسيق الأمني بين حكومات تلك الدول، وعلى العكس من ذلك نشهد تنسيقاً بين الجماعات الأصولية هناك، كما الحال بين الجماعات المنتشرة في إندونيسيا وماليزيا والفلبين. إضافة إلى ما تقدم، فإن أجواء الفقر المادي المسيطرة على تلك الدول تجعل اختراق العقول عبر الإغراءات المالية شيئاً يسيراً، وبخاصة في ظل حالات التمايز العرقي والطائفي التي يعانيها الشباب المسلم هناك، مما يجعلهم فريسة سهلة للتجنيد ولعملية غسيل المخ.

الفلبين ومقتل هابيلون
ما الذي أعاد الحديث عن الإرهاب والأصولية في جنوب شرق القارة الآسيوية من جديد؟
بالتأكيد هو ما جرى في الفلبين منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث أعلن وزير الدفاع الفلبيني عن مقتل زعيم تنظيم داعش في جنوب شرقي آسيا، إيسنيلون هابيلون، المدرج على لائحة الولايات المتحدة لأكثر الإرهابيين المطلوبين، في المعركة لاستعادة مدينة مراوي الخاضعة لسيطرة التنظيم في جنوب البلاد.
مقتل إيسنيلون هابيلون جاء خلال عملية عسكرية لإنهاء أربعة أشهر من سيطرة مقاتلي التنظيم على أحياء بأكملها في مراوي، بعد أن زادت المخاوف خلال الآونة الأخيرة من سعي التنظيم لإقامة مقر قيادة إقليمي له جنوب الأرخبيل، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
كيف اخترقت «داعش» الفلبين، هذا البلد الذي غالبيته تدين بالكاثوليكية، على عكس الدول ذات الصبغة الإسلامية، سواء شرق أوسطياً أو آسيوياً، حيث توجد وتنتشر «داعش»؟
في تقرير لمركز ستراتفور الاستخباراتي الأميركي، الذي يطلق عليه البعض مركز استخبارات الظل للمخابرات المركزية الأميركية، نقرأ كيف أن «داعش» كفكرة كانت وراء إلهام رئيس جماعة «أبو سياف» إيسنيلون هابيلون، بالقيام بتوحيد صفوف الجماعات المتطرفة في تلك المنطقة، تحت راية تنظيم الدولة المتطرف عام 2014. أما عن الجماعات المقاتلة هناك، فيصفها ستراتفور بأنها كانت في الأصل خليطاً من عصابات محلية تقوم بأنشطة إجرامية تحت راية «الجهاد»، وفي الأثناء اكتسب هابيلون وغيره من القادة المتشددين في الفلبين شرعية من خلال اعتماد لقب تنظيم الدولة ومحاكاة بعض تكتيكاته.
ولعل الأمر المثير في منطقة جزيرة مينداناو الجنوبية «هو أنها تقع في موضع استراتيجي فاعل، إذ توجد على طول الحدود البحرية بين الفلبين وإندونيسيا وماليزيا مما جعلها الوجهة المفضلة للمتطرفين الإندونيسيين والماليزيين الهاربين من قوات الأمن، التي تضيق عليهم الخناق في بلدانهم.
على أن الأمر لا يتصل فقط بالفلبين؛ بل بالمنطقة الجغرافية برمتها، سيما بعد أن أعلن رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن، في روسيا، أوائل الشهر للماضي، خيرت عماروف، أن مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي يحاولون مغادرة سوريا والعراق، ويحولون أموالهم إلى مناطق أخرى، على وجه الخصوص في جنوب شرقي آسيا.
المسألة جد خطيرة، فقد أشار عماروف إلى ازدياد مستوى التهديد في جنوب شرقي آسيا، سيما وأن «داعش» يولي اهتماماً متزايداً لهذه المنطقة، ويكثف من أنشطته الدعائية هناك، وثمة مخاوف بشأن الوجود المفرط وتعزيز محتمل مرتبط بـ«داعش» في أفغانستان؛ الأمر الذي يشكل تهديداً خطيراً لأمن كابول وبلدان المنطقة، بما في ذلك آسيا الوسطى.

إشكالية الروهينغا وإرهاب آسيا
أحد أهم الأسئلة التي تصاعدت في الفترة الأخيرة: هل من علاقة بين استقطاب جنوب شرقي آسيا للأصوليين والدواعش، وبين ما يلاقيه سكان ميانمار المسلمون من اضطهاد وعنت، من جانب الحكومة البوذية هناك؟.
المؤكد أننا رأينا سعياً حثيثاً من «داعش» و«القاعدة» وكافة المنظمات الإرهابية العالمية، لاعتبار ما يجري في ميانمار نوعاً من الحرب على الإسلام والمسلمين، وعليه يبقى «الجهاد» هناك فرض عين وليس نافلة، وجميعها اتفقت على أن ميانمار هي ساحة المعركة الكبرى، كما يخبر جاي سولومون، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
ولعل المتابع لإشكالية مسلمي الروهينغا، يدرك أبعاد البيان الذي أصدرته القيادة العليا لتنظيم القاعدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وجاء فيه: «ندعو كافة المجاهدين الإخوان، في بنغلاديش، والهند، وباكستان، والفلبين، إلى التوجه إلى بورما (ميانمار) لمساعدة إخواننا المسلمين، والقيام بالاستعدادات الضرورية من تدريب وما شابه ذلك، لمقاومة القمع والاضطهاد».
وفي بيان آخر منفصل، ذكر مجلس شورى تنظيم القاعدة، أن البوذيين احتلوا راخين التي انتشر منها الإسلام إلى «بورما» قبل أكثر من مائتي عام، وغيروا اسمها إلى ميانمار، ثم أساؤوا إلى شعبها المسلم وعذبوه.
هل يعني ذلك أن «القاعدة» في ميانمار كانت الأقرب حضوراً والأكبر وجوداً من «داعش»؟
لقراءة المشهد الأصولي جيداً في جنوب شرقي آسيا، علينا الربط بين ما هو سياسي وما هو أمني استخباراتي، وبينهما الإرهاب وتصاعد الأصولية.
والثابت أنه مع ارتفاع أزمة مسلمي الروهينغا، وجدنا عمليات عنف توجه لبوذيين وسفاراتهم في دول مختلفة شرق أوسطية أو آسيوية، ففي سبتمبر نفسه ألقيت زجاجات مولوتوف على سفارة ميانمار في جاكارتا بإندونيسيا، ما دعا قوات الشرطة في باكستان لأن تعزز التدابير الأمنية بشكل كبير حول البعثات الدبلوماسية الميانمارية في إسلام آباد، بعد احتجاجات هدد فيها المتظاهرون بمهاجمة مجمعات سكنية.
ورغم أن المسؤولين في بنغلاديش، وبحسب تعبيرهم، لم يروا بعد حشود المقاتلين الأجانب لدعم الروهينغا، فإنهم يقطعون بوجود التهديد بشكل كبير وعالي المستوى.
ماذا يعني ما تقدم؟ إنه يعني أن تلك الجماعات «الجهادية» قد تعلمت كيف تستفيد أعلى استفادة ممكنة من حالات الحروب الأهلية والاضطرابات المجتمعية التي تصيب الدول، وفي هذه الأوقات تمد جذورها وتزيد من عدد عناصرها. هذا ما جرت به المقادير من قبل في أفغانستان والبلقان وسوريا، الأمر الذي حدا بأحد كبار المسؤولين البنغلاديشيين للقول إن «الجماعات المتطرفة دائماً ما تستغل عدم الاستقرار لتعزيز مخططاتها»، واصفاً ما يجري في ميانمار بأنه «كارثة من صنع الإنسان».

«القاعدة» تعود من الشباك
من بين التحليلات المزعجة حقاً، هو أن ما يجري في جنوب شرقي آسيا بات يتجاوز «داعش» الذي ولد في الأصل من رحم «القاعدة»، ليعلن وجوده من جديد هناك.
يخبرنا عدد من رجالات الأمن والاستخبارات والعمل ضد الإرهاب في تلك المنطقة، أن فروع تنظيم القاعدة في الجزر المحيطة بميانمار قد قاموا في السنوات الأخيرة بتدريب مقاتلين من الروهينغا على «الجهاد» في الصراعات في أفغانستان وسوريا.
والشاهد أن إشكالية «القاعدة» هناك أكبر وأعرض بكثير من مجرد أزمة الروهينغا؛ إذ هي في صراعها الآيديولوجي مع «داعش» تود العودة إلى المرتبة الأولى بين الحركات المتطرفة، تلك التي احتلها «داعش» في الأعوام الأخيرة؛ لكن لماذا جنوب شرقي آسيا تحديداً منطقة ذات أهمية استراتيجية عالية القيمة لـ«القاعدة»؟
الجواب في حاجة إلى قراءة مفصلة قائمة بذاتها؛ لكن باختصار غير مخل، نشير إلى أن تلك المنطقة لم تخل يوماً من جيوب موالية لـ«القاعدة»، ولاء روحياً غير مشكوك فيه، وبمعنى آخر لا تزال «القاعدة» فيها تحتفظ بخلايا نائمة، يمكن أن تلعب دوراً شديد الخطورة والوعورة حال صدرت إليها الأوامر.
عطفاً على ذلك، فإن «القاعدة» تعلم علم اليقين أن جنوب شرقي آسيا هي منطقة وجود أميركي تاريخي، حيث السفن العسكرية والتجارية تجوب مياه ومحيطات دولها، دون أن تهدأ، ليلاً ونهاراً، ولهذا، فإن استهداف تلك القطع البحرية يحقق لـ«القاعدة» أهدافاً استراتيجية.
هناك كذلك أهمية لا يغفلها أي مراقب محقق ومدقق للمشهد، وتتصل بالموقع الجغرافي الذي يعد ممراً رئيسياً للنفط في العالم وهنا يمكن لـ«القاعدة» أن تتلاعب بإمدادات النفط حول العالم.
هل لهذا تساءلت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية مؤخراً عن تنظيم القاعدة، وهل سيعود؟ وإذا عاد هل سيعود في ثوبه القديم أم الجديد؟
المسطح المتاح للكتابة يضيق عن سرد التقرير بأبعاده المختلفة، غير أن جوهره يذهب في طريق القول إن واشنطن ركزت جهودها على إيقاع الهزيمة بتنظيم داعش، وانشغلت كثيراً وراء هذا الهدف، وفيما هي تفعل كان تنظيم القاعدة يحاول أن يلم شمله ويوحد جهوده، محاولاً العودة إلى سماوات عالم الإرهاب كقيادة متقدمة.
التقرير يختلف فيه الخبراء، بمعنى: هل ستنجح القاعدة في بلوغ هدفها هذا أم ستقصر عنه؟ والجواب كالعادة ذهب في مسارين، في حين يشدد البعض مثل دانيال بيمان، من جامعة «جورج تاون» على أن التنظيم في تراجع بسبب الدعم الشعبي المحدود، والجهود الفعالة لمكافحة الإرهاب من جانب الولايات المتحدة ودول أخرى، وقتل «القاعدة» للمدنيين المسلمين، ما يعني أن هناك سبباً وجيهاً للتفاؤل بتراجع حقيقي لتنظيم القاعدة، وأنه ربما يكون تراجعاً مستمراً.

الإرهاب القادم... الموجة الأسوأ
وتتشكل الآن ملامح ومعالم موجة جديدة من موجات الإرهاب العالمي، ومنطقة جنوب شرقي آسيا - ولا شك - مرشحة لأن تكون أرضية مهيأة لها، غير أن شكل وملامح ومعالم تلك الموجة، وأسماء القائمين عليها ليست واضحة بما يكفي.
تكتب مؤخراً خبيرة شؤون الجماعات المسلحة في جامعة «هارفارد» فيرا ميرونوفا، تحت عنوان «النسخة القادمة من تنظيم الدولة ستكون أكثر فتكاً»، الأمر الذي يدفعنا لرفع أعيننا جهة جنوب شرقي آسيا، ومحاولة استشراف المشهد هناك، وهل الأسوأ لم يأت بعد بالفعل أم ماذا؟
ما تكتبه الخبيرة الأميركية مخيف، وعندها أن النسخة القادمة من الإرهاب والإرهاببين ستكون أكثر هولاً، وعمادها مقاتلون متعطشون للدماء وللانتقام، وبالتالي ستكون أكثر فتكاً، وربما ستكتسح على نطاق واسع مناطق كثيرة حول العالم.

ما الذي يتبقى قبل الانصراف؟
مؤكد القول إن منطقة جنوب شرقي آسيا مرشحة لصعود ما هو أخطر من «القاعدة» و«داعش»، إنها أرضية يمكن أن تصدر للعالم نسقاً جديداً مغايراً، فـ«القاعدة» وبحسب «فورين أفيرز» اليوم، هي تنظيم مختلف عما كانت عليه قبل عقد من الزمان، فالحركة أقل مركزية وأقل تركيزاً على العمليات في الغرب، ولذلك قد يكون الشرق الآسيوي موقع وموضع ظهورها في ثوب جديد، خليط منها ومن يتامى «داعش» وأرامله المتشوقين للانتقام، من جراء مذلة الشرق الأوسط.
غير أن هذا الانبعاث القادم له شروط وظروف، جميعها ترتبط بأحوال الاستقرار أو الاضطراب السياسي، وفي كل الأحوال لن ينمحي الفكر الراديكالي المتطرف طالما بقيت الصراعات والحروب في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط قائمة، والعدالة الاجتماعية مفقودة.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.