«داعش» و«القاعدة»... جنوب آسيا حاضنة إرهابية

كثافة سكانية عالية وآلاف من الجزر الصغيرة التي يمكن اعتبارها حصوناً ومخابئ

طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)
طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)
TT

«داعش» و«القاعدة»... جنوب آسيا حاضنة إرهابية

طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)
طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)

هل بات وصول قطار الأصولية والإرهاب من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا قدراً مقدوراً في زمن منظور؟
يبدو الجواب «نعم» بالفعل، بعد سلسلة الاندحارات التي لقيها التنظيم في العراق وسوريا، وعليه تفيد كثير من المشاهد من حولنا بأن أعضاء؛ بل وقيادات التنظيم، قد أخذت بالفعل في نقل ما تبقى من أموال وعناصر الجماعة إلى كثير من دول جنوب شرقي آسيا.

على أن السؤال الأولي: هل التوجه إلى جنوب شرقي آسيا فقط هو خيار «داعش» وغيرها من الجماعات الأصولية فقط، أم أن هناك مواقع ومواضع أخرى حول العالم، مرشحة بدورها لأن تكون أرضية لانطلاقه جديدة لأعمال الإرهاب حول العالم؟
المؤكد أن القارة السمراء «أفريقيا» تبقى خياراً ثانياً مرجحاً لأن تنقل إليها معسكرات تدريب واستقطاب عناصر جديدة من «داعش» و«القاعدة»، غير أن الأرضية هناك قد لا تكون ممهدة في الحال لأسباب كثيرة، وفي حاجة لسنوات عمل طويلة، فيما منطقة جنوب شرقي آسيا تكاد عوامل جغرافية وديموغرافية أن تجعل منها الخيار النموذجي الذي يعوض التنظيمين فقدهما لقواعدهما في الشرق الأوسط. والسؤال: لماذا وكيف؟

منطقة جاذبة للإرهاب
يبدو بالتحليل المدقق أن هناك عوامل كثيرة تجعل المناخات ملائمة لأن تكون منطقة جنوب شرقي آسيا منطقة حاضنة للإرهاب المستقبلي، وفي المقدمة منها الكثافة السكانية العالية لأغلبية دولها؛ لا سيما إندونيسيا التي يبلغ تعداد سكانها نحو 260 مليون نسمة، وهناك يمكن لـ«داعش» الحصول بسهولة ويسر على الآلاف من المتطوعين الجدد.
ناهيك عن الأعداد، فإن الجغرافيا، التي هي ظل الله على الأرض، تزدحم في تلك المنطقة بعشرات الآلاف من الجزر الصغيرة التي يمكن اعتبارها حصوناً ومخابئ للعناصر الإرهابية الهاربة، عطفاً على وجود حالة من غياب التنسيق الأمني بين حكومات تلك الدول، وعلى العكس من ذلك نشهد تنسيقاً بين الجماعات الأصولية هناك، كما الحال بين الجماعات المنتشرة في إندونيسيا وماليزيا والفلبين. إضافة إلى ما تقدم، فإن أجواء الفقر المادي المسيطرة على تلك الدول تجعل اختراق العقول عبر الإغراءات المالية شيئاً يسيراً، وبخاصة في ظل حالات التمايز العرقي والطائفي التي يعانيها الشباب المسلم هناك، مما يجعلهم فريسة سهلة للتجنيد ولعملية غسيل المخ.

الفلبين ومقتل هابيلون
ما الذي أعاد الحديث عن الإرهاب والأصولية في جنوب شرق القارة الآسيوية من جديد؟
بالتأكيد هو ما جرى في الفلبين منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث أعلن وزير الدفاع الفلبيني عن مقتل زعيم تنظيم داعش في جنوب شرقي آسيا، إيسنيلون هابيلون، المدرج على لائحة الولايات المتحدة لأكثر الإرهابيين المطلوبين، في المعركة لاستعادة مدينة مراوي الخاضعة لسيطرة التنظيم في جنوب البلاد.
مقتل إيسنيلون هابيلون جاء خلال عملية عسكرية لإنهاء أربعة أشهر من سيطرة مقاتلي التنظيم على أحياء بأكملها في مراوي، بعد أن زادت المخاوف خلال الآونة الأخيرة من سعي التنظيم لإقامة مقر قيادة إقليمي له جنوب الأرخبيل، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
كيف اخترقت «داعش» الفلبين، هذا البلد الذي غالبيته تدين بالكاثوليكية، على عكس الدول ذات الصبغة الإسلامية، سواء شرق أوسطياً أو آسيوياً، حيث توجد وتنتشر «داعش»؟
في تقرير لمركز ستراتفور الاستخباراتي الأميركي، الذي يطلق عليه البعض مركز استخبارات الظل للمخابرات المركزية الأميركية، نقرأ كيف أن «داعش» كفكرة كانت وراء إلهام رئيس جماعة «أبو سياف» إيسنيلون هابيلون، بالقيام بتوحيد صفوف الجماعات المتطرفة في تلك المنطقة، تحت راية تنظيم الدولة المتطرف عام 2014. أما عن الجماعات المقاتلة هناك، فيصفها ستراتفور بأنها كانت في الأصل خليطاً من عصابات محلية تقوم بأنشطة إجرامية تحت راية «الجهاد»، وفي الأثناء اكتسب هابيلون وغيره من القادة المتشددين في الفلبين شرعية من خلال اعتماد لقب تنظيم الدولة ومحاكاة بعض تكتيكاته.
ولعل الأمر المثير في منطقة جزيرة مينداناو الجنوبية «هو أنها تقع في موضع استراتيجي فاعل، إذ توجد على طول الحدود البحرية بين الفلبين وإندونيسيا وماليزيا مما جعلها الوجهة المفضلة للمتطرفين الإندونيسيين والماليزيين الهاربين من قوات الأمن، التي تضيق عليهم الخناق في بلدانهم.
على أن الأمر لا يتصل فقط بالفلبين؛ بل بالمنطقة الجغرافية برمتها، سيما بعد أن أعلن رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن، في روسيا، أوائل الشهر للماضي، خيرت عماروف، أن مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي يحاولون مغادرة سوريا والعراق، ويحولون أموالهم إلى مناطق أخرى، على وجه الخصوص في جنوب شرقي آسيا.
المسألة جد خطيرة، فقد أشار عماروف إلى ازدياد مستوى التهديد في جنوب شرقي آسيا، سيما وأن «داعش» يولي اهتماماً متزايداً لهذه المنطقة، ويكثف من أنشطته الدعائية هناك، وثمة مخاوف بشأن الوجود المفرط وتعزيز محتمل مرتبط بـ«داعش» في أفغانستان؛ الأمر الذي يشكل تهديداً خطيراً لأمن كابول وبلدان المنطقة، بما في ذلك آسيا الوسطى.

إشكالية الروهينغا وإرهاب آسيا
أحد أهم الأسئلة التي تصاعدت في الفترة الأخيرة: هل من علاقة بين استقطاب جنوب شرقي آسيا للأصوليين والدواعش، وبين ما يلاقيه سكان ميانمار المسلمون من اضطهاد وعنت، من جانب الحكومة البوذية هناك؟.
المؤكد أننا رأينا سعياً حثيثاً من «داعش» و«القاعدة» وكافة المنظمات الإرهابية العالمية، لاعتبار ما يجري في ميانمار نوعاً من الحرب على الإسلام والمسلمين، وعليه يبقى «الجهاد» هناك فرض عين وليس نافلة، وجميعها اتفقت على أن ميانمار هي ساحة المعركة الكبرى، كما يخبر جاي سولومون، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
ولعل المتابع لإشكالية مسلمي الروهينغا، يدرك أبعاد البيان الذي أصدرته القيادة العليا لتنظيم القاعدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وجاء فيه: «ندعو كافة المجاهدين الإخوان، في بنغلاديش، والهند، وباكستان، والفلبين، إلى التوجه إلى بورما (ميانمار) لمساعدة إخواننا المسلمين، والقيام بالاستعدادات الضرورية من تدريب وما شابه ذلك، لمقاومة القمع والاضطهاد».
وفي بيان آخر منفصل، ذكر مجلس شورى تنظيم القاعدة، أن البوذيين احتلوا راخين التي انتشر منها الإسلام إلى «بورما» قبل أكثر من مائتي عام، وغيروا اسمها إلى ميانمار، ثم أساؤوا إلى شعبها المسلم وعذبوه.
هل يعني ذلك أن «القاعدة» في ميانمار كانت الأقرب حضوراً والأكبر وجوداً من «داعش»؟
لقراءة المشهد الأصولي جيداً في جنوب شرقي آسيا، علينا الربط بين ما هو سياسي وما هو أمني استخباراتي، وبينهما الإرهاب وتصاعد الأصولية.
والثابت أنه مع ارتفاع أزمة مسلمي الروهينغا، وجدنا عمليات عنف توجه لبوذيين وسفاراتهم في دول مختلفة شرق أوسطية أو آسيوية، ففي سبتمبر نفسه ألقيت زجاجات مولوتوف على سفارة ميانمار في جاكارتا بإندونيسيا، ما دعا قوات الشرطة في باكستان لأن تعزز التدابير الأمنية بشكل كبير حول البعثات الدبلوماسية الميانمارية في إسلام آباد، بعد احتجاجات هدد فيها المتظاهرون بمهاجمة مجمعات سكنية.
ورغم أن المسؤولين في بنغلاديش، وبحسب تعبيرهم، لم يروا بعد حشود المقاتلين الأجانب لدعم الروهينغا، فإنهم يقطعون بوجود التهديد بشكل كبير وعالي المستوى.
ماذا يعني ما تقدم؟ إنه يعني أن تلك الجماعات «الجهادية» قد تعلمت كيف تستفيد أعلى استفادة ممكنة من حالات الحروب الأهلية والاضطرابات المجتمعية التي تصيب الدول، وفي هذه الأوقات تمد جذورها وتزيد من عدد عناصرها. هذا ما جرت به المقادير من قبل في أفغانستان والبلقان وسوريا، الأمر الذي حدا بأحد كبار المسؤولين البنغلاديشيين للقول إن «الجماعات المتطرفة دائماً ما تستغل عدم الاستقرار لتعزيز مخططاتها»، واصفاً ما يجري في ميانمار بأنه «كارثة من صنع الإنسان».

«القاعدة» تعود من الشباك
من بين التحليلات المزعجة حقاً، هو أن ما يجري في جنوب شرقي آسيا بات يتجاوز «داعش» الذي ولد في الأصل من رحم «القاعدة»، ليعلن وجوده من جديد هناك.
يخبرنا عدد من رجالات الأمن والاستخبارات والعمل ضد الإرهاب في تلك المنطقة، أن فروع تنظيم القاعدة في الجزر المحيطة بميانمار قد قاموا في السنوات الأخيرة بتدريب مقاتلين من الروهينغا على «الجهاد» في الصراعات في أفغانستان وسوريا.
والشاهد أن إشكالية «القاعدة» هناك أكبر وأعرض بكثير من مجرد أزمة الروهينغا؛ إذ هي في صراعها الآيديولوجي مع «داعش» تود العودة إلى المرتبة الأولى بين الحركات المتطرفة، تلك التي احتلها «داعش» في الأعوام الأخيرة؛ لكن لماذا جنوب شرقي آسيا تحديداً منطقة ذات أهمية استراتيجية عالية القيمة لـ«القاعدة»؟
الجواب في حاجة إلى قراءة مفصلة قائمة بذاتها؛ لكن باختصار غير مخل، نشير إلى أن تلك المنطقة لم تخل يوماً من جيوب موالية لـ«القاعدة»، ولاء روحياً غير مشكوك فيه، وبمعنى آخر لا تزال «القاعدة» فيها تحتفظ بخلايا نائمة، يمكن أن تلعب دوراً شديد الخطورة والوعورة حال صدرت إليها الأوامر.
عطفاً على ذلك، فإن «القاعدة» تعلم علم اليقين أن جنوب شرقي آسيا هي منطقة وجود أميركي تاريخي، حيث السفن العسكرية والتجارية تجوب مياه ومحيطات دولها، دون أن تهدأ، ليلاً ونهاراً، ولهذا، فإن استهداف تلك القطع البحرية يحقق لـ«القاعدة» أهدافاً استراتيجية.
هناك كذلك أهمية لا يغفلها أي مراقب محقق ومدقق للمشهد، وتتصل بالموقع الجغرافي الذي يعد ممراً رئيسياً للنفط في العالم وهنا يمكن لـ«القاعدة» أن تتلاعب بإمدادات النفط حول العالم.
هل لهذا تساءلت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية مؤخراً عن تنظيم القاعدة، وهل سيعود؟ وإذا عاد هل سيعود في ثوبه القديم أم الجديد؟
المسطح المتاح للكتابة يضيق عن سرد التقرير بأبعاده المختلفة، غير أن جوهره يذهب في طريق القول إن واشنطن ركزت جهودها على إيقاع الهزيمة بتنظيم داعش، وانشغلت كثيراً وراء هذا الهدف، وفيما هي تفعل كان تنظيم القاعدة يحاول أن يلم شمله ويوحد جهوده، محاولاً العودة إلى سماوات عالم الإرهاب كقيادة متقدمة.
التقرير يختلف فيه الخبراء، بمعنى: هل ستنجح القاعدة في بلوغ هدفها هذا أم ستقصر عنه؟ والجواب كالعادة ذهب في مسارين، في حين يشدد البعض مثل دانيال بيمان، من جامعة «جورج تاون» على أن التنظيم في تراجع بسبب الدعم الشعبي المحدود، والجهود الفعالة لمكافحة الإرهاب من جانب الولايات المتحدة ودول أخرى، وقتل «القاعدة» للمدنيين المسلمين، ما يعني أن هناك سبباً وجيهاً للتفاؤل بتراجع حقيقي لتنظيم القاعدة، وأنه ربما يكون تراجعاً مستمراً.

الإرهاب القادم... الموجة الأسوأ
وتتشكل الآن ملامح ومعالم موجة جديدة من موجات الإرهاب العالمي، ومنطقة جنوب شرقي آسيا - ولا شك - مرشحة لأن تكون أرضية مهيأة لها، غير أن شكل وملامح ومعالم تلك الموجة، وأسماء القائمين عليها ليست واضحة بما يكفي.
تكتب مؤخراً خبيرة شؤون الجماعات المسلحة في جامعة «هارفارد» فيرا ميرونوفا، تحت عنوان «النسخة القادمة من تنظيم الدولة ستكون أكثر فتكاً»، الأمر الذي يدفعنا لرفع أعيننا جهة جنوب شرقي آسيا، ومحاولة استشراف المشهد هناك، وهل الأسوأ لم يأت بعد بالفعل أم ماذا؟
ما تكتبه الخبيرة الأميركية مخيف، وعندها أن النسخة القادمة من الإرهاب والإرهاببين ستكون أكثر هولاً، وعمادها مقاتلون متعطشون للدماء وللانتقام، وبالتالي ستكون أكثر فتكاً، وربما ستكتسح على نطاق واسع مناطق كثيرة حول العالم.

ما الذي يتبقى قبل الانصراف؟
مؤكد القول إن منطقة جنوب شرقي آسيا مرشحة لصعود ما هو أخطر من «القاعدة» و«داعش»، إنها أرضية يمكن أن تصدر للعالم نسقاً جديداً مغايراً، فـ«القاعدة» وبحسب «فورين أفيرز» اليوم، هي تنظيم مختلف عما كانت عليه قبل عقد من الزمان، فالحركة أقل مركزية وأقل تركيزاً على العمليات في الغرب، ولذلك قد يكون الشرق الآسيوي موقع وموضع ظهورها في ثوب جديد، خليط منها ومن يتامى «داعش» وأرامله المتشوقين للانتقام، من جراء مذلة الشرق الأوسط.
غير أن هذا الانبعاث القادم له شروط وظروف، جميعها ترتبط بأحوال الاستقرار أو الاضطراب السياسي، وفي كل الأحوال لن ينمحي الفكر الراديكالي المتطرف طالما بقيت الصراعات والحروب في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط قائمة، والعدالة الاجتماعية مفقودة.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.